التضامن العربي مع طوفان الأقصى لم يدرك أبعاد المعركة
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
يعذبنا شعور بالإثم إذ نحرّض أهل غزة على الجهاد من وراء الحواسيب ثم نراهم يموتون فنصفق لانتصارات بدمهم ولا نبذل إلا قليلا من حماس المرتاحين في الظل والماء المبرد.. أقرأ الساحات العربية وأجزم أن هذه الساحات لم تدرك الأبعاد الاستراتيجية للمعركة التي انطلقت دون علمهم، فلم يستعدوا وما كانوا سيستعدون بأية خطة تضامنية ولو علموا بتوقيت المعركة.
الساحات يحركها الإسلاميون
هذا أمر مدرك منذ الثمانيات. يملك الإسلاميون جمهورا منضبطا يمكن تسييره في مقابل ضعف فادح في جمهور التيارات الأيديولوجية الأخرى (اليسار) الذين يميل إلى نضال الصالونات والبيانات اللغوية غير ذات الكلفة.
تزامنت حرب الطوفان مع وجود الإسلاميين في السجون وفي المنافي في مصر كما في تونس وربما المغرب ومن تبقى منهم في الجزائر، لقد كان يمكن تنظيم مظاهرات عارمة في القاهرة تناظر مظاهرات الحشد الشعبي في العراق لكن غياب الإسلاميين عن هذه الساحات كان واضحا، ولم يحل محلهم أحد لذلك ظلت الشوارع هامدة إلا من فورة شبابية بلا قيادة في تونس خاصة. ومن الواضح أن قطيعة عميقة تتضح بين بقية جمهور الإسلاميين (الباقي على قيد الحياة) وبين تيارات اليسار، لذلك لم يلتق هؤلاء في مظاهرة ولا أراهم يفعلون وهذا الخلاف، هو أحد وجوه جهل الجميع بعمق معركة الطوفان وأبعادها.
تزامنت حرب الطوفان مع وجود الإسلاميين في السجون وفي المنافي في مصر كما في تونس وربما المغرب ومن تبقى منهم في الجزائر، لقد كان يمكن تنظيم مظاهرات عارمة في القاهرة تناظر مظاهرات الحشد الشعبي في العراق لكن غياب الإسلاميين عن هذه الساحات كان واضحا، ولم يحل محلهم أحد لذلك ظلت الشوارع هامدة إلا من فورة شبابية بلا قيادة في تونس خاصة
هناك استنتاج مريح يخفف على الإسلاميين الوزر، وهو أنهم لم يغيّبوا بالقتل والتشريد إلا لمثل هذا اليوم الذي يباد فيه الفلسطيني فلا يجد الشارع العربي من يحركه ويقوده. وهذا صحيح، وقد كتبنا أن الردة على الربيع العربي أُنجزت لمثل هذا اليوم. فالقليل الذي أُنجز مثل فتح المعابر والزيارات السيادية لغزة وتسريب الأسلحة؛ بيّن الطريق/ الاحتمال للاحتلال فاحتاط بمثل السيسي وجيشه.
وهذه المعطيات العارية لكل ذي نظر لم تعلم غير الإسلاميين ضرورة فتح معركة الحريات التي تبدأ من الأقطار لتنتهي في غزة نجدة وتحريرا. هنا مفصل تحليلي مهم: لا تجزئة لمعركة الحريات، وساحات العرب هي ساحة غزة، وإلى أن يدرك العرب ذلك نخبا وشعوبا فإن غزة ستحمل وزر معركة الحرية/ التاريخ وحدها بدمها وبأرواح أطفالها الأبرياء. الشارع العربي لا يفكر في الحرية وإن كان يشتاق إليها، إنه لا يبني حركته عليها لذلك ذهب يتظاهر لرفع العتب وعاد لمراقبة الوضع أمام التلفزيونات.
طول زمن المعركة هل يعدل موقف الشارع العربي؟
إذا ضربت فأوجع وغالبا ما يكون زمن الضربة هو السبب الأقوى لوجع المضروب. لقد مرت عشرون يوما على بدء الطوفان والشارع العربي لم يضرب؛ بما يجعل سؤالنا أعلاه نوعا من البحث عن أمل لا انتظارا فعليا لتحول حقيقي. لقد فوّت الشارع الضربة إذ لم يرابط في الشوارع منذ الساعات الأولى، ولا يقولنّ لنا أحد أنه كان غافلا عن توقيت المعركة، فهذه المعركة ليست يتيمة إنما هي حلقة من سلسلة يسميها كل السياسيين معركة التحرير وهي مستمرة منذ النكبة، وقد سبق له الإخلال بمواعيد كثيرة للتضامن لأن الخطاب في واد والممارسة في واد آخر، وكانت هناك فرصة توبة وتدارك.
إن حدة القصف وتواتره وقوته تكشف رغبة الاحتلال ورعاته في سرعة الإنجاز لاستعادة وضع "طبيعي" بعد إحداث أكبر قدر من التخريب في الأرواح وفي البنى التحتية. وقد (أقول قد) يؤجل الاحتلال معركة البر إلى حين إثقال كاهل المقاومة بوزر الأرواح ويعطل قدراتها لزمن يكون فيه قد استعاد توازنه المختل. ويفترض أن تكون هذه المدة صالحة للضغط بواسطة جمهور يتحرك بقلوبه أكثر من عقوله، ووضعه في سياق معركة طويلة سيكون فيها مفاوض فلسطيني وحيدا مرة أخرى. هذه قراءة لا أراها تصدر عن أي فصيل سياسي تونسي ولا أقراها عند مليون متحدث في السوشيال ميديا، رغم المتابعة اللصيقة لكل ما يصدر.
إني أرى وهنا أنه تُنتظر معجزة تصدر عن الجيش المصري أو عن تدخل إيراني يغير المعادلة، وأقرأ لمن يبرر للغو الإيراني المنتشر وآخر يبرر لغياب التركي عن مجريات المعركة ويتوهم له أدوارا سرية، ولا أظن هذه الانتظارات إلا إخفاء لخيبة كبيرة يكتمها الجميع خوفا من حقيقة قاهرة؛ ألا أحد لغزة غير جمهور الشارع العربي المسكين الفاقد للمحرك والقيادة.
الشارع السياسي العربي لا يؤمن فعلا بتلازم الساحات وإن كرر ذلك في الخطابات الهوجاء، ولم يؤمن قبل ذلك بتلازم ساحات الديمقراطية لذلك صفق للانقلابات ولم يرها تغلق طريق غزة، ومثلما خسر الديمقراطية نراه يخسر الحرية له ولغيره
لقد تغير موقف قطاعات واسعة من الشارع الغربي خاصة بعد مذبحة المستشفى وانقلبت سردية الضحية على المجرم المتباكي، ولكن هذا المحرض الإنساني لم يتلقفه الشارع العربي ليحول معه المعركة إلى معركة إنسانية تمتد إلى كل أطراف الأرض. مرة أخرى، الشارع الفاقد للقيادة والبوصلة يخسر فرصة لا يمكن أن يظفر بها ثانية.
نختصر: الشارع السياسي العربي لا يؤمن فعلا بتلازم الساحات وإن كرر ذلك في الخطابات الهوجاء، ولم يؤمن قبل ذلك بتلازم ساحات الديمقراطية لذلك صفق للانقلابات ولم يرها تغلق طريق غزة، ومثلما خسر الديمقراطية نراه يخسر الحرية له ولغيره.
لذلك وجبت النصيحة للفلسطيني أن يحمل صليبه وحده وأن يدفع من دمه ثمن وجوده الحر ولو بعد طوفان آخر، هكذا كان منذ النكبة وهكذا سيكون حتى التحرير. ربما يتعطف علينا الاحتلال لنرسل لأطفال غزة بعض الحفاظات ونلتقط صور سيلفي مع المعونة ونعود إلى لغونا المحلي. النخب التي ضحّت بحرياتها في أقطارها لن تفهم معركة الطوفان ولن تكون في مستواها، إنها معركة حرية للأحرار فقط وما أقلهم في وطن مستكين من البحر إلى البحر.
هل ظلمت أحدا؟ أنا مخزي أمام عداد الشهداء الذي لا يتوقف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة تضامنية الاحتلال المقاومة غزة الاحتلال المقاومة تضامن العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشارع العربی فی تونس
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟
يدور جدل صاخب على مواقع التواصل الاجتماعي حول تقييم عملية طوفان الأقصى، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي دموي وتدميري على غزة وأهلها، فالمؤيدون للعملية يصفونها بالحدث التاريخي المفصلي الذي حطم كثيرا من الأساطير التي نُسجت حول قوة الكيان الصهيوني، فالجيش الذي لا يُقهر قهرته مقاومة غزة، والكيان الذي ينتفخ بقوته وجبروته لم يستطع كسر شوكة المقاومة، ولم يتمكن من تحرير أسراه من قبضتها لغاية الساعة.
أما المعارضون للعملية فيرونها باب شر فُتح على مصراعيه لتصب منه على رؤوس أهل غزة كل ألوان المصائب والمآسي والشرور والفواجع، وباتت غزة بجميع محافظاتها ومناطقها مستباحة لقوات جيش الاحتلال، الذي أحالها إلى مناطق مدمرة تدميرا شبه كامل، قُوضت معه كل معالم ومقومات الحياة الإنسانية فيها.
يتركز ذلك الجدل في كثير من تجلياته حول ضخامة الخسائر التي تكبدها أهل غزة، والأعداد الكبيرة والضخمة في الشهداء والجرحى والمصابين والمفقودين، (ما يزيد عن 43000 شهيدا، وما يزيد عن 100000 من الجرحى والمفقودين حسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم 410 للعدوان)، إضافة إلى حجم الدمار المروع والهائل الذي لحق بكافة مناطق قطاع غزة.
بعد مرور عام على عملية طوفان الأقصى، وفي ظل الجدل الصاخب والمحتدم بشأن مآلات العملية ونتائجها حتى الساعة، والتي ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، كيف يمكن تقييم العملية في ميزان الربح والخسارة بنظرة هادئة وموضوعية ومتوازنة؟ وما الأرباح التي حققتها المقاومة وما هي الخسائر التي تكبدتها...؟
وما هي الأثمان التي دفعها الشعب الفلسطيني ومقاومته كردة فعل على عملية طوفان الأقصى؟ وهل كانت حركة حماس تتخيل أن يكون الرد الإسرائيلي بهذا الحجم التدميري الهائل والمروع.. وهل أعدت لذلك عدته أم أنها فوجئت به، وهي تجتهد وتحاول التكيف مع الأوضاع الجديدة، بإعادة ترميم صفوفها، وتنظيم قواتها ومقاتليها؟
في مقاربته التحليلية والتقويمية لعملية طوفان الأقصى قال الباحث والمؤرخ الفلسطيني عبد العزيز أمين عرار "يطيب للبعض القول إن خسارة شعبنا كبيرة جدا في معركة طوفان الأقصى، ولا تستحق ما جرى من إبادة وكارثة إنسانية بمعنى الكلمة، وأنها مقامرة بمصلحة شعبنا، وأنها استفزت الثور النائم، وستكون سببا ودافعا له لاحتلال أراضٍ جديدة".
وأضاف: "وما أود قوله والتأكيد عليه أن حساب الثورات وأعمالها لا تخضع دوما لحسابات الربح والخسارة بالمعنى الحرفي، وإلا فلن يحصل أي بلد محتل على استقلاله طالما أنه اعتمد فقط على المطالبة السلمية، وينطبق ذلك على الجهود المتعددة، والتي أضاعت السنين دون الحصول على الاستقلال لفلسطين، بل إن الاستيطان تغول إلى حد كبير منذ اتفاقيتي كامب ديفيد مع مصر 1979، واتفاقية إعلان المبادئ أوسلو 1993".
وتابع لـ"عربي21": "كما أن الوجود الفلسطيني أصلا مستهدف منذ أن قامت الحركة الصهيونية وأكبر دليل نكبة فلسطين 1948، ولو نظرنا الآن إلى خسائر الفلسطينيين وخاصة قطاع غزة فيها لوجدنا أن حجم الخسائر كارثي، وهي تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 مليار لإعادة تعميرها، وربما عقدين من الزمن".
عبد العزيز عرار باحث ومؤرخ فلسطيني
وأردف الباحث والمؤرخ الفلسطيني عرار "لكن بالمقابل فإن إسرائيل خسرت هيبتها وانكشفت على حقيقتها ككيان وظيفي لا يستطيع العيش بمفرده ولا بد له من حبل سري قائم وممتد مع أمريكا والنظام الرسمي العربي وغير ذلك من الدول، كما أن هذا الكيان الإسرائيلي خسر أمن مستوطنيه في الشمال إلى جانب هجرة عشرات الآلاف خارج الكيان، وإلى الداخل نفسه، فباتت منطقة الشمال فارغة من المستوطنين، وهذا يتعارض مع نشأة الكيان".
وتابع: "ومن خسائر الكيان خسائرة الاقتصادية المتواصلة وتأثيرها على مستوى الرفاهية المعيشية للإسرائيليين، ولا يجب أن ننسى في هذا السياق أعداد القتلى والمعاقين والجرحى منهم، وهو ما يستدعي المزيد من العناية، ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين حرب 1948 لوجدنا أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية استطاعت أن تستمر زمنيا وسجلت فعليا مطاولة وإشغال لهذا الكيان الغاصب، وعلى غير المألوف كما في الحروب السابقة التي خاضتها الجيوش العربية 1948 و 1967".
ووصف عرار "الخذلان العربي ووقوف السلطة متفرجة بأنه أكبر خسارة يواجهها الشعب العربي الفلسطيني، أما ما يتعلق بحركة حماس والجهاد فيظهر أنها قرأت الأحداث وفق معادلتين: الأولى أن اليهود سيسلمون بالأمر الواقع بسرعة خاصة وأن عدد أسراهم كبير، ويقبلون بشروط المقاومة وأن حلف الممانعة ودولا أخرى ستقوم بواجبها، ويظهر أنها تلقت وعودا سابقة بذلك".
وأكمل حديثه بالقول "وهذا يذكرني بحادثة يعبد حيث خرج القسام واشتبك في 20/11/1935، واستشهد، وعندما سئل عن أهمية خروجهم إلى جبل نابلس، قال سنشعل جبل الحطب بثورة الأمة، وفي كلا الحالتين التاريخيتين لم يكن الأمر حسب المأمول إذ إن ميزان القوى كان وما زال لصالح الكيان الصهيوني الغاصب".
وأنهى حديثه بالتأكيد على أن المقاومة رغم ذلك كله "ما زالت ترفع الأشرعة، ولم ترفع الراية البيضاء، ولم تستسلم قياداتها لشروط العدو، ناهيك عن خسائر الكيان في الجبهة اللبنانية وعجزه هناك، وهذا كله جزء من مسيرة الأجيال ونضالها الطويل، وهو ما يقربنا من النصر الذي لن يكون بعيدا بمشيئة تعالى".
في ذات الإطار عقد الأكاديمي والباحث الأردني، أستاذ الدراسات المستقبلية، الدكتور وليد عبد الحي مقارنة تحليلية، بلغة الأرقام والإحصائيات الدقيقة بين خسائر الحرب الدائرة وبين أرباحها ومكتسباتها لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أحال "عربي21" عليها، والتي نشرها سابقا بعنوان "غزة بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة".
وخلص في نهاية مقاله إلى القول "من الضروري عدم التعالي على معطيات العقل التي أوردنا، ولكن لا بد للعقل من التواضع أمام الإرادة، وهو ما يستوجب سؤالا جوهريا هو: لماذا تزايد التأييد للمقاومة بعد الطوفان رغم كل الألم والمعاناة والحصار العربي؟ لا يمكن للحساب العقلي الشكلي أن يفسر ذلك، فالتفسير يكمن في الإرادة".
وتابع: "فكما أثبت الفيلسوف الألماني (نيشته) الإرادة بالقبض بكفه على قطعة حديد ملتهبة ليثبت أن الإنسان إرادة، فإن الشعب الفلسطيني يعزز هذه النظرية، ويجبر العقل على تواضعه أو تهذيب معناه، وهو ما يستوجب على أحرار العالم شحن الإرادة بالمزيد، وتهذيب العقل تحت قاعدة أن الشعوب تنتصر بالإرادة، إذا أجبرت العقل على التهذيب، فلم تنتصر فيتنام والجزائر وجنوب إفريقيا وأفغانستان وكوبا واليمن والصين والهند وغيرها الكثير إلا بغرس عقلي في تربة الإرادة".
وردا على سؤال "عربي21" إن كانت حركة حماس قد توقعت أن يكون الرد الإسرائيلي بهذا الحجم التدميري المروع أم أنها تفاجأت بذلك وتحاول وتجتهد أن تتكيف مع المعطيات الجديدة، قال عبد الحي "من متابعتي وحواراتي مع جهات مختلفة، لا أعتقد أن المقاومة تفاجأت بطبيعة الرد الإسرائيلي، من حيث مستوى رد الفعل".
وأضاف: "ومن الوارد أنها لم تتوقع بعض التفاصيل، وهذا أمر طبيعي في صراع من هذا المستوى، لكن قدرتها على الاستمرار في القتال لمدة تزيد عن عام، يشكل مؤشرا على توقع دقيق وإعداد لهذا التوقع، ومن متابعتي لدراسات وتقارير إسرائيلية فإن إسرائيل هي من تفاجأ بالهجوم من ناحية أولى، ومن مستوى الأداء الفلسطيني الميداني من ناحية ثانية، ومن انضمام محور المقاومة بهذه الكيفية من ناحية ثالثة".
من جهته استعرض الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا مكتسبات وتداعيات وخسائر عملية طوفان الأقصى بالقول "فمن مكتسباتها أن نظرية الأمن الإسرائيلي التي قامت على الردع والإنذار المبكر، والحسم السريع للمعركة في أرض الخصم، انهارت في السابع من أكتوبر..".
وتابع "ما نتج عنه أن شعور الإسرائيلي بالأمن اهتز واضطرب، فإسرائيل ما زالت إلى اليوم تخوض معركة على جبهات متعددة، وما زالت الصواريخ تنهمر عليها من لبنان، وأحيانا من اليمن، وطائرات مسيرة من العراق، تستهدف تل أبيب وحيفا وإيلات، فشعور الإسرائيلي بالأمن بعد مرور عام على الحرب يتجه للأسوأ".
وأردف: "والنزيف في الخسائر البشرية ما زال موجودا، إضافة لوجود مشاكل وأزمات داخل المجتمع الإسرائيلي، كتجنيد الحرديم، وتحمل عبء العمل العسكري، وثم خلافات سياسية كبيرة، ونقاط الضعف داخل المجتمع تتجلى وتبرز أكثر وأكثر، وهي تدور بمجملها حول فقدان الأمن، فهذا أحد المكتسبات الرئيسية لهذه الحرب".
ولفت مولانا إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يحاول رسم خريطة المنطقة، بالدفع باتجاه سيناريوهات يحول فيها الوضع الاستراتيجي الإسرائيلي الحالي، والخسارة التي مُني بها في بداية الحرب إلى مكسب كبير، من خلال حجم الدمار الهائل في غزة، وقتل قيادات المقاومة، والضربات القوية التي وجهها لحزب الله في لبنان، واغتيال الأمين العام والقيادات العسكرية من الصف الأول والثاني..".
أحمد مولانا باحث سياسي مصري
وردا على سؤال "عربي21" بشأن خسائر الشعب الفلسطيني والمقاومة ذكر "حجم التدمير الهائل والمروع الذي طال غالب مناطق غزة، وهو ما تريد إسرائيل من ورائه تدمير الواقع الحياتي والإنساني في غزة، وجعل مناطق القطاع غير صالحة للحياة البشرية، ودفع أهل غزة للنزوح والهجرة منها، كما أن من خسارة المقاومة فقدان عدد كبير من قياداتها وكوادرها العسكرية والسياسية، كصالح العاروري ويحيى السنوار وغيرهم".
ونبَّه الباحث المصري مولانا إلى أن أحد مكتسبات عملية طوفان الأقصى ما "أظهرته من هشاشة قوة إسرائيل ومدى ضعفها، ما يعزز إمكانية هزيمتها، وهو ما يشير في الوقت نفسه إلى إمكانية التحرير، لأن قوة إسرائيل بالأساس تتمثل بما تتلقاه من الدعم الغربي الأمريكي والأوروبي، فضلا عن التعاون والتواطىء العربي الرسمي..".
بدوره عدد الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، عادل شديد جملة من المكتسبات التي حققتها عملية طوفان الأقصى، من أبرزها أنها "استطاعت أن تضرب منظومة الأمن في إسرائيل، وهزت ثقة الإسرائيليين بجيشهم، كما مست ثقة حلفاء إسرائيل بإسرائيل وقدراتها العسكرية، وضربت مشروع التطبيع الإسرائيلي مع بعض الأنظمة العربية، وكذلك هزت صورة إسرائيل القوية في المنطقة سواء أمام أعدائها أم أصدقائها".
وأضاف "كما وجهت ضربة قوية للجيش الإسرائيلي، الذي فقد حوالي فرقة عسكرية، نتحدث عن أكثر من 20000 جندي خرجوا من الخدمة، سواء بالقتل أو الإصابات والإعاقات أو الضغوط النفسية، ومن الصعب استبدالهم وملء الشواغر بسبب تراجع نسبة الملتزمين بالتجنيد، واستمرار رفض المتدينين (الحرديم) للخدمة العسكرية، ومن مكتسباتها كذلك إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث والاهتمام العالمي بعد نسيانها وتهميشها".
عادل شديد باحث فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي
وواصل الباحث الفلسطيني شديد حديثه لـ"عربي21" بالقول "لكن بالمقابل هناك خسائر باهظة في الجانب الفلسطيني، فغزة بعد التدمير الهائل والمروع الذي مارسه جيش الاحتلال فيها باتت منطقة غير صالحة للحياة البشرية، وهي تتعرض لمجزرة وإبادة جماعية ما زالت قائمة ومفتوحة، وثمة 6 أو 7% من الشعب الفلسطيني في غزة ما بين شهداء وجرحى ومصابين ومفقودين".
وختم كلامه بالإشارة إلى أن حركة حماس "لم تكن تتوقع هذا الحجم المروع من رد الفعل الإسرائيلي، المتمثل بهذا التدمير الشامل، والإبادة الجماعية المروعة، وتوجيه هذه الضربات القوية والموجعة والمؤلمة للشعب الفلسطيني، ولحماس وللمقاومة، وربما يكون هذا الحجم من الرد الإسرائيلي فاجأ الجميع، بما فيهم حركة حماس، وفي تقديري لو أن قيادة الحركة توقعت هذا الحجم من الرد لربما كان لهم موقف آخر، مع أن تسميتهم للعملية بالطوفان، يشير إلى توقعاتهم بإمكانية أن تتطور الأمور إلى الطوفان، وهو ما سيغرق الجميع، ويضعهم أمام تحديات جمة".