حضرت حلقة عمل في عام 2002 في لندن مع البروفيسورة هيلين كاو المتخصصة في الارشاد النفسي، وطرحت عليَّ سؤالا: لماذا هدمت حركة طالبان الأفغانية تماثيل بوذا في أفغانستان؟ ورددت عليها فورًا: أتعرفين كم عمر الإسلام في أفغانستان؟ أجابت لا أعرف! أخبرتها بأن عمر الإسلام في أفغانستان يزيد على ألف سنة، وقد ساد الإسلام أفغانستان ولم يلمس المسلمون تماثيل بوذا ولم يدمروا الآثار الإنسانية في تلك البلاد، كما دخل المسلمون مصر ولم يهدموا الأهرامات ولم يحطموا تماثيل الفراعنة في أنحاء مصر، كذلك ساد الإسلام في الأندلس ولم يدمر المسلمون الكنائس، وأينما انتشر الإسلام حافظ المسلمون على هوية الشعوب وتراثها في جميع أنحاء الكرة الأرضية.
هذا ما يجب أن يعرفه العالم عن ديننا، أن الإسلام هو دين الرحمة والتسامح والإنسانية، يتبنى المسلمون عبر تاريخهم خلق العفة والرحمة والإنسانية، وهذا أرقى وأسمى سلاح يجب أن تتبناه المقاومة، مهما بلغ غلواء المعتدين ومهما بالغوا في إجرامهم، لن يكون ذلك سببًا أن يجعل المجاهدين ينتقمون لأنفسهم، هم يجاهدون من أجل استرداد حقهم المغتصب ومن أجل إزاحة الظلم الذي يرزح فيه الفلسطينيون، كل مسلم حقيقي يتمنى أن يسود السلام في فلسطين، وأن ينعم فيه جميع معتنقي الأديان بالأمن والأمان والسلام، وأن يمارسوا عبادتهم التي تقربهم من الله، وترتقي بالبعد السماوي في نفوسهم، فالدين الحقيقي يقود إلى الإيمان والإيمان يقود إلى الرحمة والسلام.
هذا ما سطره التاريخ في فلسطين وفي غيرها، فمنذ دخل الإسلام جميع الدول والأمصار لم يمسخ حضاراتها ولم يجبر سكانها أن يدخلوا في الإسلام، بل أمن الجميع على مللهم ودياناتهم وحافظ على خصوصية كل الأيدولوجيات وشهدتا ازدهارا ولم يتم رفضها، وعندما ثار بعض سكان السند وفارس والعراق، استدعاهم الخليفة عمر بن عبد العزيز وأقرهم على دياناتهم ومنحهم الحرية الدينية ولم يجبرهم أن يكونوا مسلمين، فالإسلام هو ثورة لتحرير الناس من الخوف ومن الظلم والبطش، وتعزيز البعد النوراني في نفوس بني البشر، وكان أن قبل منهم الرسول (صلى الله عليه وسلم): (من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة)، وكلمة التوحيد هي (مانترا) الحرية والسعادة والرحمة، ومن ذاق الإيمان الحقيقي وفاض في عقله ووجدانه وترجمه سلوكه وشعر بالسكينة وازدهر اليقين في أعماقه سوف يكون رحيمًا بكل شيء في هذه الحياة.
وسوف يزدهر وعيه الكوني والإنساني.
منذ يومين خضت نقاشًا مع بعض أبنائي حول مفهوم الجهاد وطريقة تطبيقه، واستغربوا عندما قلت لهم بأن المسلم الحقيقي يتمنى أن يصير كل أهل الأرض مسلمين وأن يدخلوا الجنة، مهما بالغ المخالفون في الأذى، وهناك وقائع وشواهد كثيرة تظهر انتصار قيمة الرحمة والتغاضي عن المخالفين حتى وإن لم يصيروا مسلمين، بل ومع الذين استمروا على دياناتهم وعقائدهم حتى وإن خالفت الإسلام شكلًا وجوهرًا. نحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن نظهر خلق الرحمة والرأفة بالناس جميعًا، سواء المسلمين أو غيرهم دون أن يكون ذلك تغاضيا عن المطالبة باستعادة الأرض والحقوق.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الكاثوليكوس ينعى البابا فرنسيس: "رحل رسول المحبة والسلام"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نعى الكاثوليكوس أبون مور باسيليوس جوزيف، الكاثوليكوس والمتروبوليت المالنكاري للكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليعقوبية، قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية العالمية، واصفًا رحيله بأنه “خسارة لا تعوّض” للمجتمع المسيحي والعالم أجمع.
قائد روحاني بصوت المظلومين
أكد الكاثوليكوس أن البابا فرنسيس كان رسولًا للمحبة والسلام، وتميّز بمواقفه الثابتة والمليئة بالرحمة، مشيرًا إلى أنه كان صوتًا للمظلومين والمهمّشين، ومصدر إلهام عالمي بسبب تعاطفه العميق والتزامه بالعدالة.
خدمة حبريّة اتسمت بالتواضع والصدق
وأشار إلى أن البابا خلال سنوات خدمته الاثني عشر، قدّم نموذجًا غير تقليدي في القيادة الروحية، تميز بالتواضع والصدق، ما أكسبه احترامًا دوليًا واسعًا. ووقف خلال فترة بابويته إلى جانب الفقراء واللاجئين وضحايا الحروب، مكرّسًا حبريته لخدمة الإنسان.
مواقف شجاعة من أجل السلام والبيئة
ونوّه الكاثوليكوس بمواقف البابا الصريحة والداعمة للسلام العالمي وحماية البيئة، والتي نالت تقديرًا كبيرًا من قادة العالم والشعوب على حد سواء.
علاقة مميزة مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
واستذكر الكاثوليكوس المحبة التي أظهرها البابا فرنسيس للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، مسترجعًا زيارته المشتركة مع قداسة البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني في عام 2015، والتي تجسدت فيها أسمى معاني المحبة الأخوية والوحدة المسيحية.
إعلان الحداد لثلاثة أيام
وبناءً على توجيهاته، أعلنت الكنيسة السريانية اليعقوبية الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام، مشاركةً في الحزن العميق الذي يلف الكنيسة الكاثوليكية والعالم برحيل هذا القائد الروحي العظيم.