نيويورك-سانا

عندما شارفت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء في عام 1945، كانت الدول المشاركة فيها في حالة دمار، والعالم يريد السلام، فاجتمع ممثلو 50 دولة من بينها سورية في مؤتمر سان فرانسيسكو، بين الـ 25 من نيسان والـ 26 من حزيران، وصاغوا ميثاق منظمة دولية جديدة هي الأمم المتحدة، التي بدأت عملها رسميا في مثل هذا اليوم من عام 1945، بعد أن تم التصديق على ميثاقها.

الهدف من تأسيس الأمم المتحدة كان منع نشوب حرب عالمية أخرى، والعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، والتمسك بالقانون الدولي، وإنشاء إطار للعدالة الدولية، وتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، وأصبحت المنظمة الدولية محفلا لمناقشة كل القضايا التي تتجاوز الحدود الوطنية والقضايا التي لا يمكن لبلد ما حلها بمفرده، لكن مواصلة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين انتهاك الميثاق والتحكم بقرارات المنظمة، واستخدامها أداة لاستهداف الدول التي لا تسير في فلكها لتنفيذ أجنداتها السياسية، حال دون تحقيق معظم هذه الأهداف.

سورية العضو المؤسس في الأمم المتحدة شاركت في وضع الميثاق بوفد برئاسة السفيرين فارس الخوري وفريد زين الدين اللذين وضعا المادة 78 من الميثاق، والتي تنص على أنه (لا يطبق نظام الوصاية على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة إذ إن العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب أن تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة)، وساهمت هذه المادة في حصول الكثير من الدول على استقلالها، ورفع عدد دول الأمم المتحدة من 51 إلى 193 دولة.

ورغم أن سورية من مؤسسي الأمم المتحدة، إلا أن المنظمة أخفقت في إلزام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بالجولان السوري المحتل 242 و338 و497 التي تلزم (إسرائيل) بالانسحاب من الجولان وتعتبر جميع إجراءاتها فيه باطلة ولاغية ولا أثر قانونيا لها، إضافة إلى فشل المنظمة بوقف الحرب الإرهابية التي فرضت على سورية منذ 12 عاماً، ووقف دعم دول معروفة للإرهاب بعضها يتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن، وفي رفع الإجراءات الاقتصادية القسرية الغربية غير الشرعية عنها.

الفشل الأكبر للمنظمة الدولية كان في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وإخفاقها بتنفيذ مئات القرارات الصادرة عن المؤسسات التابعة لها، وفي مقدمتها مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان واليونسكو لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة، وحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها، والذي كفلته الأمم المتحدة بقرارها رقم 194 الصادر في الـ 11 من كانون الأول عام 1948.

القضية الفلسطينية شغلت الحيز الأبرز في اجتماعات ومداولات الأمم المتحدة، وما زالت الأكثر تناولا في أروقة المنظمة، منذ قرار الجمعية العامة رقم 181 الذي عرف بـ (قرار التقسيم) الجائر وصدر في الـ 29 من تشرين الثاني عام 1947، رغم رفض الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين والدول العربية له، حيث نتج عنه زرع الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وشكل بداية النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

766 قراراً صدرت عن الجمعية العامة و87 قراراً عن مجلس الأمن الدولي، تخص القضية الفلسطينية، إلا أن هذه القرارات، وبالرغم من تحيز عدد منها للاحتلال، ظلت حبراً على ورق، بسبب عدم التزام (إسرائيل) بها، بل واستمرارها في سياساتها العدوانية وممارساتها القمعية وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا لمعاقبتها على تمردها على الشرعية الدولية كما جرت العادة مع غيرها.

الولايات المتحدة، وهي إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تواصل منع المجلس من اتخاذ أي قرارات تدين (إسرائيل)، وتدعم الحق الفلسطيني، عبر استخدامها (الفيتو) 46 مرة، أحدثها الأسبوع الماضي، بإفشالها مشروعي قرارين تقدمت بهما روسيا والبرازيل، يدعوان لوقف فوري لعدوان الاحتلال على قطاع غزة، وإعلان هدنة إنسانية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، لتجهز واشنطن للمرة الـ 46 على أي محاولة في المجلس، لوقف جرائم الاحتلال الذي أوغل بدماء الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تأمينها الحماية للاحتلال لضمان استمرار إفلاته من المساءلة والمحاسبة على عدم تنفيذه للقرارات الأممية، وانتهاكاته للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

وفي ظل ما تشهده العلاقات الدولية الراهنة من انتهاكات صارخة للميثاق والقانون الدولي، ومواصلة الولايات المتحدة والغرب الجماعي، التدخل في الشؤون الداخلية للدول، قامت سورية و17 دولة هي: روسيا، الصين، إيران، فلسطين، الجزائر، كوريا الديمقراطية، بيلاروس، كوبا، فنزويلا، أنغولا، بوليفيا، كمبوديا، زيمبابوي، غينيا، لاوس، نكاراغوا، سانت فنسنت وجزر غرينادين، بتأسيس مجموعة (أصدقاء الدفاع عن الميثاق) على هامش اجتماعات الجمعية العامة بدورتها الـ 76 في أيلول 2021.

المجموعة اعتمدت في اجتماعها التأسيسي على مستوى وزراء الخارجية، إعلاناً سياسياً أكدت فيه أن الميثاق لا يزال الوثيقة الأسمى على المستوى الدولي التي يجب التمسك بها، والدفاع عنها وخاصة في ظل ما يتعرض له من انتهاكات واستغلال من قبل بعض الدول لأحكامه، ودعمها للإرهاب، وفرضها إجراءات قسرية أحادية الجانب وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول، مشددة على التصميم على الاستمرار في العمل لضمان الالتزام بأحكام الميثاق.

الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش قال في رسالة بمناسبة يوم الأمم المتحدة: إن الميثاق الذي يمر اليوم 78 عاماً على دخوله حيز النفاذ يحدد لنا الطريق الذي علينا أن نسلكه، فهو نابع من روح مفعمة بالتصميم على إنهاء الانقسامات وإصلاح العلاقات وبناء السلام، والأمم المتحدة تستلهم توجهها من قيم ومبادئ لا تتبدل مع مرور الزمن، وعلينا أن نسعى دوماً إلى تعزيز طرق عملنا، وأن ننظر إلى كل ما نقوم به من عمل من خلال عدسة القرن الحادي والعشرين، لبناء العالم الأفضل الذي نتطلع إليه، وينعم فيه الجميع بالسلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، فهل تجد دعوة غوتيريش صدى وتجاوباً لدى منتهكي الميثاق؟.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: الأمم المتحدة مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

السوق العراقية.. متنفس البضائع الإيرانية الذي تتجاذبه المصالح بين النفوذ والتحديات الدولية- عاجل

بغداد اليوم – بغداد

في ظل أزماتها الاقتصادية الخانقة، تبحث إيران عن أسواق خارجية تمثل متنفسا لبضائعها وشركاتها، ويبرز العراق كوجهة رئيسة بحكم اعتماده الكبير على الاستيراد.

وفي السياق، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي في حديث لـ"بغداد اليوم"، الأربعاء (5 آذار 2025)، أن "العراق يشكل سوقا واعدا للبضائع والشركات الإيرانية، لا سيما في قطاعات الطاقة، والتجارة، والبنية التحتية، والصناعات الغذائية، حيث تمتلك إيران حضورا قويا بالفعل".

ومع ذلك، يرى السعدي أن "البيئة العراقية ليست مثالية تماما للاستثمارات الخارجية، خاصة الإيرانية، نظرا لجملة من التحديات الداخلية، أبرزها الفساد، وسوء الإدارة، والمنافسة المتزايدة من الشركات التركية والصينية التي تسعى لتوسيع نفوذها في السوق العراقية".

وعلى الصعيد السياسي، أوضح السعدي أن "التوجهات الحكومية العراقية تسعى إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية، مما قد يحد من قدرة الشركات الإيرانية على فرض هيمنتها على بعض القطاعات الحيوية".

أما فيما يخص موقف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فيؤكد السعدي أنه "يواجه ضغوطا إيرانية متزايدة لتسهيل دخول الشركات الإيرانية إلى السوق العراقية، خاصة مع تقلص نفوذ طهران في سوريا ولبنان.

وفي المقابل، يتعرض السوداني لضغوط داخلية ودولية، خاصة من الولايات المتحدة ودول الخليج، التي تسعى للحد من الهيمنة الاقتصادية الإيرانية في العراق".

ويختم السعدي حديثه بالتأكيد على أن "قدرة السوداني على الموازنة بين المصالح الاقتصادية للعراق والضغوط السياسية الإقليمية والدولية، ستكون العامل الحاسم في تحديد ملامح العلاقة الاقتصادية بين بغداد وطهران خلال الفترة المقبلة".


الخلفية الاقتصادية والسياسية

ولطالما كانت العلاقة الاقتصادية بين العراق وإيران محكومة بعوامل متعددة، تتراوح بين الجغرافيا، والتاريخ، والسياسة. فبعد عام 2003، عززت إيران وجودها الاقتصادي في العراق، مستفيدة من الفراغ الذي خلفه الحصار والعقوبات الدولية التي فُرضت على العراق سابقا، إلى جانب العلاقات الوثيقة مع بعض القوى السياسية العراقية.


دوافع التوسع

تعاني إيران من أزمات اقتصادية خانقة، أبرزها التضخم المرتفع، وانخفاض قيمة العملة، والعقوبات الأمريكية والدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي وسياساتها الإقليمية.

هذا الوضع جعلها تبحث عن أسواق خارجية تساعدها على تصريف بضائعها وضمان تدفق العملات الصعبة، والعراق يعد من أهم هذه الأسواق نظرا لاعتماده الكبير على الاستيراد في مختلف القطاعات، بدءا من السلع الاستهلاكية وصولا إلى مشاريع الطاقة والبنية التحتية.

مقالات مشابهة

  • السوق العراقية.. متنفس البضائع الإيرانية الذي تتجاذبه المصالح بين النفوذ والتحديات الدولية- عاجل
  • السوداني يتلقى دعوة لحضور المنتدى الدولي للسلام
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للتوعية بمسائل نزع السلاح وعدم الانتشار
  • هيئة حقوق الإنسان والمنظمة الدولية للهجرة توقّعان اتفاق المرحلة الثالثة ضمن مشروع تعزيز آليات مكافحة الاتجار بالأشخاص في المملكة
  • تعليق الدعم الأمريكي يوقف أنشطة المنظمة الدولية للهجرة بالمغرب
  • هذا ما بحثه وزير الصحة مع المنظمات الدولية
  • العراق يتلقى دعوة للمشاركة في أكسبو 2027 الذي ستنظمه صربيا
  • البعثة الدائمة للمملكة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف تقيم إفطارًا رمضانيًا يوميًا خلال الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان
  • الأونروا: استخدام المساعدات كسلاح في المفاوضات مخالف للقانون الدولي
  • بِحُجة الظلم الذي تتعرض له إسرائيل .. تل أبيب وواشنطن تدرسان رسميًا الانسحاب من محكمة العدل الدولية