السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ليس بداية التأريخ الفلسطيني وأزماته، ولا بداية مقاومة الاحتلال والتصدي لجرائمه، لكنه فصل مختلف كل الاختلاف بالرد عليه وعما كان يدور ويدار في بازارات التطبيع والتآمر على فلسطين التي باتت قضية رخيصة كما يعتقد البعض، ثمنها اتفاقات ومعاهدات تُسقط الحق الفلسطيني وتضرب مقاومته للاستيطان والتهويد والعدوان.
النموذج الصهيوني ثابت باعتماد ارتكاب المذابح والجرائم ضد الانسانية، من دير ياسين وقبية وعين الزيتون والطنطورة وبلد الشيخ، الى مجازر صبرا وشاتيلا وقانا والحرم الإبراهيمي في الخليل، وصولا لمجازر غزة المتواترة في جولات خمس من عدوان الاحتلال، والتي لم تحقق لإسرائيل ما ترغب به؛ لا في غزة التي يشكل فيها ضحايا المجازر والنكبة الأولى والتهجير حوالي 70 في المائة من سكانها اللاجئين، ولا في بقية المناطق الفلسطينية المحتلة ولا في الشتات. لكن المُذهل الدفاع عن فعل المذبحة ومكافأة مرتكبيها بمنحهم الدعم الكامل لأنهم يقومون بواجب وحق "الدفاع عن النفس"، ونزع هذا الحق عن الضحايا أنفسهم الذين أصبحوا محكومين بفعل العجز والتواطؤ الدولي وبإطلاق عبارات باردة عن ضحايا الإرهاب الصهيوني، وعبارات نارية وحارقة عن المقاومة إذا تصدت للعدوان والاحتلال.
المُذهل الدفاع عن فعل المذبحة ومكافأة مرتكبيها بمنحهم الدعم الكامل لأنهم يقومون بواجب وحق "الدفاع عن النفس"، ونزع هذا الحق عن الضحايا أنفسهم الذين أصبحوا محكومين بفعل العجز والتواطؤ الدولي وبإطلاق عبارات باردة عن ضحايا الإرهاب الصهيوني، وعبارات نارية وحارقة عن المقاومة إذا تصدت للعدوان والاحتلال
المجزرة المستمرة في غزة والعدوان المتواصل حتى كتابة هذه السطور يمر خبرها في عواصم القرار الرسمي العربي مرور الكرام بإدانة "العنف المتزايد" والمطالبة بخفضه، فلا تلاقي هذه اللغة إلا صدى باهتا واهنا حد الخجل والإذلال على حدود غزة وبقية فلسطين والعالم العربي.
كما في كل مذبحة يؤكد المحتل ذاته البشعة العنصرية الحاقدة، لا تنفع معها كل أقاويل السلام ولا مؤتمرات تافهة زمن المذبحة بهرولة عربية لاحتضان مؤتمر "القاهرة للسلام"، ونحن نشهد تناوب إدانة المقاومة ومدح المستعمر والتأكيد على حقه بارتكاب مذبحة أخرى دون التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقاومته للاحتلال ولعدوانه.
في عواصم عربية يتكرر الدرس الصهيوني، والأمريكي والغربي عن معاني الدعم والإسناد للمشروع الصهيوني على مسمع آذان قيادات عربية، استطاب لها ذل الانبطاح أمام الصهيوني وتبرئته من دم الفلسطيني ومن المذبحة التي تكاثرت في أسبوعين حتى غدت فعلا يوميا مألوفا لبعض الأنظمة المتصهينة؛ ولسان حالها يلهج بضرورة تكرارها كي تعطي دفعا إضافيا للخلاص من مقاومة ووعي الفلسطينيين الذي كان عبئا على النظام العربي وسببا في تأخير انبطاحه وإعلان استسلامه الرسمي. والموعد مع المذبحة في غزة ونابلس وطولكرم وجنين والقدس والخليل يستعجل المواجهة الكبرى مع المحتل ورسالة لمن بلغهم الجهل والاستهتار حد العمى ليتغافلوا عن طبيعة عدوهم وعن طبيعة الشعب الفلسطيني، وطبيعة الشارع العربي الذي بقي مؤمنا بقضيته العادلة بكل حزم وجذرية، رغم دموية قمعه وقتله واشتداد قبضة الاستبداد لتزوير القضية في صدره ووعيه.
واضح ما يجري في غزة، منذ اليوم التالي لتنفيذ المقاومة ضربتها غير المسبوقة للاحتلال في غلاف غزة، أنه عملية دمار شامل يلجأ إليها الاحتلال في غزة مع التركيز على ضرب المؤسسات الصحية والتعليمية وقصف المساجد والبنى التحتية. ويحاول بعض النظام العربي امتصاص الحالة الناشئة عن عملية المقاومة بإدانتها ومحاولة عزلها، والتعامل معها وفق الإجراءات الاسرائيلية والضغوط الأمريكية والغربية.
يُدلل هذا على حجم الضربة التي أصابت الغرب والولايات المتحدة في مشروعهم الاستعماري الذي يحظى بكل الدعم العسكري والمادي والمعنوي، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن توجه له ضربة مؤلمة أصابت هيبته المزعومة في مقتل وفي طريقة الرد على العدوان في توجيه الضربات لكل المناطق المحتلة في فلسطين والتي دخلت في حالة الخطر
يُدلل هذا على حجم الضربة التي أصابت الغرب والولايات المتحدة في مشروعهم الاستعماري الذي يحظى بكل الدعم العسكري والمادي والمعنوي، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن توجه له ضربة مؤلمة أصابت هيبته المزعومة في مقتل وفي طريقة الرد على العدوان في توجيه الضربات لكل المناطق المحتلة في فلسطين والتي دخلت في حالة الخطر.
أخيرا، الرد الصهيوني على ما تجرأت عليه المقاومة الفلسطينية في غزة، بهذه الوحشية من المجازر وإشاعة الدمار في غزة، يحظى بانحدار مواقف عربية رسمية لا تُقدر مفاعيل قدرتها الذاتية، ولا تُقدر رأيها العام الغاضب من استفحال العدوان، ورؤية غزة تستصرخ العالم بضرورة السماح لها بالتزود بالمواد الضرورية للحياة بعدما أصبحت مدينة منكوبة بالمذابح والدمار وتواجه خطر كوارث محققة.
فهل من صحوة عربية ودولية تقف مع فلسطين تقول لها أنتِ على موعد مع الحرية لا مع المذبحة؟ بيقين، الإجابة عند من اعتقد قبل الربيع العربي انطفاء حالة جماهيرية، ثم فاجأته الثورات الجميع فيما بعد، وفهم مغزى وحدة الثورات المضادة للأغراض نفسها المتعلقة بضرب حرية وكرامة البشر الساعين للتحرر من الاستبداد والاحتلال، بنفس القدر من مفاجأته بمباغتة المقاومة لعدوها وعدم المفاجأة باتساع حالة الصهينة والتآمر.
twitter.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة مجازر المقاومة فلسطين غزة المقاومة مجازر طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدفاع عن فی غزة
إقرأ أيضاً:
المقاومة تلعب بذكاء والعدو يكرس فشله أكثر.. الهُدنة إلى أين؟
يمانيون/ تقارير
في تطورٍ مفاجئ، أعادت المقاومةُ الفلسطينيةُ فرضَ نفسِها طرفاً فاعلاً في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، عبر طرح مبادرةٍ تُلقي بظلالها على حسابات الكيان الصهيوني، وتُعقِّد موقفه التفاوضي. جاءت هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط الدولية الفاشلة لإجبار حركة حماس على التنازل عن شرطها الأساسي بوقف الحرب والانسحاب الكامل من غزة، فيما رأت أوساط في العدو الإسرائيلي أن الحركة الفلسطينية نجحت في الاستحواذ على زمام المبادرة عبر طرحها إطلاق سراح خمسة أسرى يحملون الجنسيتين “الإسرائيلية” والأمريكية، ما دفع الكرة إلى ملعب الصهاينة وأربك استراتيجيتها التفاوضية.
منذ اللحظة الأولى، حاول العدو الإسرائيلي تحميل الفلسطينيين وزر فشله العسكري والأخلاقي، فشنَّ حربًا استمرت عامًا وخمسة أشهر استشهد خلالها أكثر من 40 ألف فلسطيني، ثلثاهم أطفال ونساء، وفق تقارير أممية. لكن حماس، برغم الدمار، لم تنكسر، بل حوَّلت الملف الإنساني إلى سلاح تفاوضي. فبينما كان قادة الكيان يتباهون بـ”سحق الإرهاب”، يعترف المحللون والنخبة الصهاينة بشيء آخر مغاير من بينهم إيلان بيتون، القائد العسكري الصهيوني السابق، بالهزيمة والذي يقول في حديثه لإحدى القنوات العبرية:
“ارتكبنا خطأً قاتلًا عندما أوقفنا المرحلة الأولى من الاتفاق دون ضمانات. الآن، الأميركيون يتفاوضون مع حماس فوق رؤوسنا، وحكومتنا تتخبط كعجلة مكسورة!”
ويضيف: لم ندخل في المرحلة الثانية من موقع قوة، بل دخلنا في حالة من التأرجح. وعدم طرحنا لموقف خاص بنا أدخل الأميركيين إلى هذا الفراغ، وقد جاء مبعوث ترامب آدام بولر وطرح مواقفه واتصل بحماس، وقد ضرب بذلك قوة موقف ترامب إلى درجة اضطر ترامب للقول إننا لن نهجر أحدا من غزة!
لم تكن هذه الاعترافات صادرة عن ضميرٍ يقظ، بل عن إدراكٍ مرير بأن المبادرة الفلسطينية مزَّقت ورقة التوت عن عورة الكيان العسكري. فحتى الجنرالات الصهاينة بدأوا يتحدثون بلغة الهزيمة، مثلما سُرب عن قائد المنطقة الوسطى في جيش العدو الاسرائيلي قوله:
“غزة صارت مقبرة لشبابنا. كل بيت ندكّه يتحول إلى فخٍّ يفجر أبطالنا!”
أما على طاولة المفاوضات، فقد نجحت حماس في تحويل شروط واشنطن إلى سلاحٍ ضدها. فبعدما طالبت الإدارة الأمريكية بالإفراج عن أسرى يحملون جنسيتها، وافقت الحركة ببرودٍ على العرض، لكن بشمّاعة جديدة: الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين ووقف الحرب إلى الأبد. هنا اشتعلت الأزمة في “تل أبيب”، حيث صرخ اليئور ليفي، المحلل الصهيوني، منفعِلاً في مقابلته مع قناة عبرية:
“هذه مناورة ماكرة! حماس تُظهر مرونة وهمية لتوريطنا أمام حلفائنا. العالم كله يسأل: لماذا ترفض إسرائيل السلام إن كانت حماس موافقة؟!”
لكن الأسئلة الأكثر إحراجًا تأتي من الداخل الصهيوني نفسِه، حيث خرج أهالي الأسرى الصهاينة يهتفون في شوارع “تل أبيب” آخرها مساء السبت الاحد : “كل يوم تأخير هو جريمة، حكومة نتنياهو تقتل أبناءنا بأيديهم!”. هذه الضغوطات تأتي بعد 15 شهرًا من العدوان على غزة، لم يتحرر سوى عدد من الأسرى الصهاينة، بينما قُتل 43 آخرون بقصف جيش العدو نفسه على غزة، وفق اعترافات مخابرات العدو.
على الصعيد الدولي، ما زال “الضمير العالمي” يتغذى على شعاراتٍ جوفاء. ففي الوقت الذي تدين فيه الأمم المتحدة “الانتهاكات الإسرائيلية”، يمنع الفيتو الأمريكي أي قرارٍ بوقف إطلاق النار. حتى الاتهامات الجديدة بجرائم حرب ضد قادة العدو لم تتحول إلى خطوات عملية، ما دفع تاليا ساسون، المسؤولة الصهيونية السابقة، إلى السخرية:
“أمامكم خياران: إما أن تعترفوا أن “القوة” فشلت في غزة، أو تواصلوا الكذب على أنفسكم حتى تسقط الأرقام عليكم!”
تعم حالة الإحباط الأوساط الصهيونية بمن فيهم المسؤولون السابقون؛ أحدهم ايلان سيغف – مسؤول سابق في الشاباك الصهيوني يقول: “نحن نلعب بالكرة مع أنفسنا ونركض من جهة إلى جهة أخرى لنركل الكرة، ونحن يجب أن نفرض عقوبات على حماس، لكن بعد عودة المختطفين أعتقد أنه قد جاء الوقت بعد عام وخمسة أشهر لنقول الكل مقابل الكل بما في ذلك وقف إطلاق النار لعشر سنوات.”
في الوقت ذاته، تصاعدت احتجاجات المستوطنين داخل كيان العدو الإسرائيلي للمطالبة بإبرام الاتفاق بشكلٍ عاجل، وقد حذّر أهالي الأسرى من أن “استمرار المماطلة يُهدد حياة أبنائهم”، وفق تصريحاتٍ متلفزة. هذه الضغوط الداخلية، إلى جانب الانقسامات المهيأة للتفاقم داخل الائتلاف الحكومي، تُفاقم أزمة مجرم الحرب نتنياهو، الذي يوازن بين مطالب الأسرى ورفضه تقديم تنازلاتٍ خشية إضعاف صورته كـ”زعيم أمني” وهو الذي يقف اليوم في قفص الاتهام القضائي بتهمة الفساد والخيانة والفشل.
يبدو كيان العدو الإسرائيلي اليوم رهن عجزه عن كسر الحلقة المفرغة بين خيارين: قبول صفقةٍ تُوقف الحرب مع الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، أو الاستمرار في حربٍ استنزافية تهدد بانهياره داخليًّا وخارجيًّا. وفي الوقت الذي تُعيد فيه حماس ترتيب أوراقها بذكاء، يبدو أن الكرة اليوم في ملعب “تل أبيب”، لكن الساعة تدقُّ لصالح من يملك إرادة التضحية.
نقلا عن موقع أنصار الله