تحتفل سلطنة عُمان في السادس والعشرين من أكتوبر بيوم الشَّباب العُماني وسط إنجازات كبيرة تحققت للشَّباب العُماني، ومع الإيمان بحجم الفرص الَّتي تحقَّقت للشَّباب العُماني في مَسيرة النهضة العُمانيَّة وعلى مدى ثلاثة وخمسين عامًا، إيمانًا بأنَّ النهوض بالشَّباب إنَّما هو استنهاض للروح الإيجابيَّة التفاعليَّة، والانتقال بالشَّباب من مرحلة الاستجداء والانتظار إلى مرحلة البحث والإنتاج، ومن المساحة الاستهلاكيَّة الَّتي باتَتْ تثقل فكره وتُشتِّت ذهنه وتعرقل صفوَ حياته؛ إلى الثقة في قدراته وإمكاناته والالتزام بدعمه وتمكينه لِيصنعَ من هذه الفرص علامة فارقة تتجلَّى نتائجها في مواقف الشَّباب ومنافسته ومبادراته وتجريبه في مواقف الإنجاز، ولِيُعيدَ من خلالها إنتاج ذاته، وترقية ممارساته والتفكير خارج الصندوق لضمان مستويات عُليا من التوازن في قراءة المشهد الشَّبابي في سلطنة عُمان، المُقوِّمات والفرص، والتحدِّيات والتهديدات، والمبادرات والنماذج الَّتي يصنعها الشَّباب في عالَمه.


إنَّ التأكيد على أهمِّية إعادة إنتاج واقع الشَّباب ودَوْره في عالَم متسارع وأحداث ومستجدَّات مُتجدِّدة، باتَ يُلقي على منظومة الجهاز الإداري للدَولة مسؤوليَّة البحث في عُمق الحدث الشَّبابي وعَبْرَ إيجاد حلول ومعالجات جادَّة وواضحة تعبِّر عن الشَّباب وتصنع فيه روح التغيير وكفاءة الأداء، ومعنى ذلك أن تتَّجهَ مسارات العمل في إطار أولويَّات رؤية عُمان 2040 نَحْوَ تقديم نموذج وطني متكامل في إدارة الشَّباب ورعاية برامجه وتعظيم حضوره في كُلِّ محطَّات التطوُّر ومنصَّات العطاء وعرصات المنافسة؛ كونه يُمثِّل رقمًا صعبًا في المُكوِّن الاستراتيجي البَشَري في سلطنة عُمان، حيث تشير إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2020، إلى أنَّ نسبة الشَّباب (18- 29) سنة من إجمالي العُمانيِّين بلغت (20.1%)، وأنَّ ما نسبته (24%) من إجمالي العاملين العُمانيِّين في سلطنة عُمان هم شباب، كما بلغت نسبة أصحاب الأعمال الشَّباب (18- 29( سنة من إجمالي أصحاب الأعمال العُمانيِّين في السَّلطنة (17.7%)، فإنَّ إسقاط هذه الهواجس والتحدِّيات والطموحات والأولويَّات في واقعنا العُماني، يضعنا أمام جملة من الملفات الَّتي ارتبطت بواقع الشَّباب وأسْهَمَت في تكوين صورة ذهنيَّة أخرى قَدْ يؤدِّي استمرارها إلى نتائج عكسيَّة على قناعات الشَّباب وهُوِيَّته وانتمائه، ذلك أنَّ تحقيق التحوُّل الشَّامل في مَسيرة التنمية الوطنيَّة الَّتي يقُودُها الشَّباب اليوم بحاجة إلى أن تعِيدَ النظر في قراءة هذا المسار من خلال جملة من الموجِّهات، وإدارة الملفات الَّتي باتَتْ تُمثِّل عوائق ومطبَّات نَحْوَ تحقيق دَوْر فاعل ومسار ممكن في حياة الشَّباب.
ويُمثِّل ملف التوظيف والتشغيل والتسريح اليوم أهمَّ هواجس الشَّباب الَّتي باتَتْ تقلِّل من كفاءة الدَّوْر وتُعيد في الواجهة ضبابيَّة الصورة في العمل الموَجَّه نَحْوَ الشَّباب، ذلك أنَّ أرقام أعداد الباحثين عن عمل ما زالت رغم تنوُّع الجهود الَّتي تقوم بها الجهات المعنيَّة تشهد ارتفاعًا في مؤشِّراتها، ففي إحصائيَّات جاءت على لسان وزير العمل بأنَّ عدد الشَّباب العُماني الباحث عن عمل وصل إلى أكثر من (110) آلاف مواطن، وهذه الأعداد قابلة للزيادة في ظلِّ فجوة التباينات الحاصلة في هذا المسار، وعدم وضوح آليَّات الاحتساب لأعداد الباحثين عن عمل، أو الاقتصار على المفعِّلين مِنْهم في سجلِّ الباحثين عن عمل بوزارة العمل، ما يؤكِّد وجود حلقة مفرغة في هذا الجانب يجِبُ معالجتها وإعادة تصحيح مسارها وضبطها، إذ إنَّ هذه التباينات تطرح علامات استفهام حَوْلَ مسار التكامليَّة في القِطاعات والمؤسَّسات في هذا الموضوع، وآليَّات الرصد الَّتي ينتهجها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في ظلِّ التباين بَيْنَ إحصائيَّات المركز والوزارة، ومسار التحديث الدَّوْري المباشر والمستمرِّ الَّذي ـ كما أشرنا في أحَد مقالاتنا ـ باتَ مطلبًا وطنيًّا في ظلِّ رسم ملامح مضيئة لمنظومة الحماية الاجتماعيَّة الَّتي تعتمد على كفاءة البيانات ومصداقيَّتها طريقها لتحقيق العدالة الاجتماعيَّة، كما أنَّ اعتماد مسار المعدَّلات في تناول أعداد الباحثين عن عمل باتَ يطرح تساؤلات كثيرة وتداعيات ذلك على الصورة الاجتماعيَّة والعامَّة الَّتي يجِبُ أن تقرأَ فيها هذا الملف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ أعداد المُسرَّحين من أعمالهم من العُمانيِّين في القِطاع الخاصِّ؛ باتَ يطرح اليوم تساؤلات كثيرة في ظلِّ ما تبع هذا التسريح من تداعيات أمنيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة وإنسانيَّة، انتقل فيها الموظف في القِطاع الخاصِّ إلى باحثٍ عن عمل غير قادر على تسديد التزاماته البنكيَّة والحياتيَّة، وإدارة أُسرته وظروفه لِيقبعَ في السجون دُونَ أن يكُونَ له ذنب في ما حصل له، ورغم استمرار هذا التسريح إلَّا أنَّ واقع البيانات الَّتي تتحدث عن الشَّباب تتجاهل كثيرًا هذا الملف، الأمْرُ الَّذي باتَ يُعطي انطباعًا آخر حَوْلَ المدى الزمني لمعالجة هذه القضيَّة الوطنيَّة الَّتي تعدَّت المسار الفردي إلى الجماعي في ظلِّ عمليَّات التسريح الجماعي المنظَّمة الَّتي تمارسها شركات القِطاع الخاصِّ.
ولعلَّ ما يزيد من تراكميَّة هذا الموضوع على المدى البعيد، ما اتَّخذته وزارة العمل من مسار التوظيف بعقود مؤقتة، إذ باتَ يُمثِّل تحدِّيًا آخر يضيف إلى الترهُّل الحاصل في هذا الملف قَدْ يظهر مستقبلًا في ارتفاع أعداد المواطنين الشَّباب المتوقَّع تسريحهم من القِطاع الحكومي، ناهيك عن أنَّ بعض التوظيف الحالي بعقود مؤقتة، قَدْ لا يُعبِّر عن احتياج مؤسَّسي بقدر ما هو مساحة وقتيَّة للاحتواء، فإن َّالمتوقع أن يفرضَ هذا الملف النَّاتج عن العقود المؤقتة تحدِّيات قادمة وأزمات اقتصاديَّة قَدْ تؤثِّر على الجهود الوطنيَّة الموَجَّهة نَحْوَ إعادة هيكلة هذا الملف وتصحيحه، ناهيك عن أنَّ مشكلة إلزام الشركات في أداء مسؤوليَّاتها الاجتماعيَّة في نسبة تشغيل العُمانيِّين في المؤسَّسة أو في تنفيذ ممَّا صدر عن وزارة العمل من توجُّهات بشأن منع بعض المِهن والوظائف من أن يمارسَها غير العُمانيِّين، إلَّا أنَّ ما يحصل من تدنِّي مسار الرقابة والمتابعة للشركات وتحليل الأساليب الَّتي تتبعها بعض مؤسَّسات القِطاع الخاصِّ في هذا الشَّأن أعاد إلى الواجهة ارتفاع أعداد الأيدي الوافدة واتِّساع انتشارها في سُوق العمل العُماني والقِطاع الخاصِّ.
إنَّ تزايد أعداد الباحثين عن عمل في الأُسرة الواحدة من حمَلة المؤهلات الجامعيَّة أضاف على أولياء الأمور والمعيل للأُسرة تراكمات وظروف ماليَّة صعبة نظرًا لارتفاع متطلبات الاحتياج اليومي لهؤلاء الأبناء، وتوفير ما يعينهم ولو بشكلٍ مؤقت على إدارة ظروفهم بتوفير مَركبة لهُمْ في توصيل الطلبات مثلًا أو قيادة سيارة الأجرة (التاكسي) وغيرها في ظلِّ التعقيدات والإجراءات الَّتي باتَتْ تفرض مسارًا آخر في قدرة الشَّباب على التعامل معها، هذا الأمْرُ لا ينتهي عِند هذا الحدِّ، فإنَّ التداعيات الأمنيَّة والاقتصاديَّة والنَّفْسيَّة والاجتماعيَّة الَّتي باتَ يواجهها الشَّباب اليوم كفيلة بقتل روح الإبداع والابتكار لدَيْه حيث تُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ عدد الجرائم المسجَّلة في عام 2021 بلغت (12812) بارتفاع بلغ (13%) عن عدد الجرائم المسجَّلة في عام 2020 والَّتي بلغت (11.312). ومن حيث تصنيف الجرائم، فإنَّ الجرائم الواقعة على الأموال هي أكثر الجرائم ارتكابًا في عام 2021 بـ(4121) بنسبة 32.2% بما يزيد على عددها في عام 2020 م حيث بلغ عددها (3.422) جريمة وبنسبة (30%) لِتُشكِّلَ الجرائم الواقعة على الأموال المرتبة الأولى في تصنيف الجرائم في سلطنة عُمان في السنوات الأخيرة؛ وأنَّ 98% من هذه الجرائم الواقعة على الأموال تتركز في السرقة والشروع فيها، والاحتيال، وإساءة الأمانة، والإضرار بالأموال الخاصَّة، مع وجود جرائم أخرى تتفاوت في حجم ممارستها وتقع تحت هذا التصنيف، مِثل: الإضرار بالأموال العامَّة، والحريق قصدًا والشروع فيه، والقرصنة الإلكترونيَّة واستعمال بطاقة الغير دُونَ عِلمه، والتعدِّي على البطاقات الماليَّة، أو غيرها ممَّا يتحدَّث عَنْه الواقع كالغشِّ والابتزاز الإلكتروني والمحافظ الوهميَّة والنَّصب على المواطن في الحسابات البنكيَّة، وممارسات أخرى تتعلق بالقروض الشخصيَّة بَيْنَ الأفراد، والحلف والحنث باليمين والإنكار، والشيكات المرتجعة من غير رصيد، واستغلال المناصب الوظيفيَّة، واختلاس المال العامِّ، والابتذال الخُلقي والاستعراض الجسدي بهدف الحصول على المكاسب الربحيَّة السريعة عَبْرَ الدعاية والإعلانات التجاريَّة، والشهرة والظهور الجريء غير اللائق للمرأة في المنصَّات الاجتماعيَّة مقابل الحصول على المال على حساب الدِّين والشَّرف والعِرض والقِيَم، والحالات المتعلِّقة بالتسوُّل وغيرها من الظواهر الاقتصاديَّة السلبيَّة الَّتي باتَتْ تُمارَس بآليَّات وطُرق وأوصاف احترافيَّة ومن فئات مختلفة في المُجتمع، وتُمثِّل في مجملها ظواهر سلبيَّة وممارسات تتجافى مع الذَّوْق العامِّ والمشاعر المُجتمعيَّة، أمَّا من حيث التوزيع النسبي للجناة بحسب الجرائم في عام 2021، فقَدْ شكَّل العُمانيون نسبة (49%) من إجمالي الجناة، وأنَّ30% من الجناة العُمانيِّين ارتكبوا الجرائم الواقعة على الأموال، وفي المقابل شكَّل الأحداث ممَّن هُمْ دُونَ سنِّ الثامنة عشرة رقمًا صعبًا في السلوك الإجرامي بواقع (3.8%) من نسبة الجناة. كُلُّ ذلك وغيره باتَ يؤسِّس لمتغيِّرات وظروف مختلفة لها انعكاساتها على مسار الهُوِيَّة والمواطنة والقِيَم والولاء والانتماء والصورة السلبيَّة الَّتي باتَتْ تتفاعل مع فِكر الشَّباب وقناعاته حَوْلَ نَفْسِه ومستقبله ووطنه.
وعَلَيْه، فإنَّ الاحتفال بيوم الشَّباب العُماني السادس والعشرين من أكتوبر كما يحمل في مضامينه قراءة حجم التحوُّلات والفرص الإيجابيَّة الَّتي تحقَّقت للشَّباب العُماني في مَسيرة التنمية الوطنيَّة والَّتي تشهد اليوم مسارات متقدِّمة تعطي مساحات من الأمل والتفاؤل لمستقبل الشَّباب، فإنَّ التوجيهات السَّامية لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بإنشاء المدينة الرياضيَّة استحقاق سُلطاني للشَّباب سيُقدِّم فرصًا أكبر له في احتواء قدراته ومواهبه الرياضيَّة وفتح المجال له للريادة والنجوميَّة، وفي الوقت نَفْسِه يُمثِّل مراجعة لواقع الشَّباب واحتياجاته وتقييمًا للظروف والتداعيات الَّتي باتَتْ تؤثِّر على أدائه وشغفه وطموحه، فإنَّ المطلوب اليوم التزامًا وطنيًّا موحدًا في إدارة واقع الشَّباب وفتح آفاق العمل له والمحافظة على ديمومة إنتاجيَّته وتعظيم مبدأ الثقة فيه والتسويق له، وأن تصدقَ جهود المؤسَّسات في تبسيط الإجراءات وفتح الفرص للمشاركة الفاعلة المنتِجة للشَّباب في القِطاع الخاصِّ وتصحيح مسارات التوظيف ووقف عمليَّات التسريح الجمعي للشَّباب ومراجعة تداعيات العقود المؤقتة، وتوفير بنى تشريعيَّة وتنظيميَّة تقدِّم للشَّباب حوافز أخرى فيما يتعلق بالمشاريع المتوسِّطة والصغيرة والقروض البنكيَّة والأنشطة الاقتصاديَّة والعمل الحُر. إنَّ الاحتفال بيوم الشَّباب العُماني محطَّة حواريَّة صريحة وشفَّافة وناقدة على مختلف الأصعدة مع منظومة الجهاز الإداري للدَّولة وقياس ما حقَّقته، وما ترغب في تحقيقه لمستقبل الشَّباب، والتحدِّيات الاقتصاديَّة والتشغيليَّة والفكريَّة الَّتي باتَتْ تُلقي بظلالها على عالَم الشَّباب، بحيث يقرأ في أجندة الاحتفال محطَّات تصحيحيَّة للملفات الَّتي باتَتْ تشغل تفكيره، وتُعيق تقدُّمه، وتضع العراقيل أمام نجاحه.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الق طاع الخاص فی الق طاع هذا الملف من إجمالی فی الم فی عام مسار ا باب ال فی هذا

إقرأ أيضاً:

تأثير الحرب التجارية الأمريكية على القطاع اللوجستي العُماني

 

 

د. منصور القاسمي **

 

بعد إعلان الحرب التجارية العالمية التي تقودها الولايات المُتحدة الأمريكية تحت شعار "التعرفة المُتبادلة"، من خلال فرض تعريفات جمركية جديدة تراوحت بين 10% إلى 45% لتحرير الاقتصاد الأمريكي (بحسب وجهة نظرهم) وتعزيز قدرتها على التحكم في الأسواق العالمية، من خلال تقليص الهيمنة الاقتصادية والتجارية للدول المنافسة، نعتقد أنَّ هذه الحرب ستؤثر بشكل كبير على القطاع اللوجستي وسلاسل التوريدات العالمية؛ مما يُوجب علينا إعادة التفكير خارج الصندوق.

الولايات المُتحدة الأمريكية حريصة كل الحرص على استمرار تدفق المنتجات الأمريكية إلى دول العالم، ومن غير المُنصِف أن تكون هناك دول تفرض رسوماً جمركية أعلى على المنتجات الأمريكية بـ200% من الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على منتجات تلك الدولة، لكن فرض التعريفات الجمركية الجديدة سيكون له تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية. والقائمة التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تضم معظم الدول الكبرى، وتتصدرها الصين التي بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لها لعام 2024 ما يقارب 43.85 تريليون يوان (حوالي 6 تريليونات دولار أمريكي)، بزيادة قدرها 5% مُقارنة مع العام السابق (2023) من هذا المجموع، وبلغت قيمة الصادرات الصينية 3.58 تريليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 5.9% مُقارنة بالعام السابق. وتُشكّل الآلات، مثل: أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، إضافةً إلى معدات النقل والملابس، الجزء الأكبر من الصادرات الصينية لكثير من الدول. وأعتقدُ أن زيادة التعرفة الجمركية سوف تتسبب في تضخم الأسعار بمعظم الدول التي ترتبط بالتجارة مع الصين، وخصوصًا فيما يخص الاستراتيجيات المتعلقة بالشحن بمختلف المراحل؛ سواءً كان برًا أو بحرًا أو جوًا، إلى جانب عمليات النقل والتوزيع؛ مما يتطلب إعادة النظر في توسيع التعاون التجاري بين الدول المُنتِجة والمُستهلِكة.

وتعد سلاسل الإمداد العالمية واللوجستيات من أبرز القطاعات التي ستتأثر بشكل كبير نتيجة لارتفاع الأسعار؛ مما سيجعل من الصعب على الشركات الحصول على المواد الخام أو المنتجات المصنعة بشكل فعّال وبالأسعار المناسبة، وهذا بدوره سيؤدي إلى تقليل الكفاءة اللوجستية في التصنيع والنقل والتوزيع على مستوى العالم، ومن ثَمَّ تدهور كفاءة المنتج وارتفاع التكاليف اللوجستية وتباطؤ عمليات الشحن والتوزيع. كما إنَّ رفع الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات المستوردة، سيكون له الأثر المُباشر على تكلُفة المُنتَج. لذا سيكون من الضروري على الدول المُتأثِّرة إيجاد بدائل وحلول من خلال أنظمة لوجستية أكثر فاعلية وذكاء.

سلطنة عُمان بما لها من موقع استراتيجي مُتميِّز في منطقة الخليج العربي، تُعد من أبرز الدول في مجال النقل البحري واللوجستيات بمنطقة الشرق الأوسط. كما إنها من الدول المُصدِّرة للنفط والغاز، إضافة إلى العديد من المواد الأولية الأخرى مثل: النحاس، والحديد، والجبس، والرخام. وفي عام 2020، بلغ إنتاج سلطنة عُمان من النفط حوالي 1 مليون برميل يوميًا؛ ما يجعلها من أكبر المُنتِجين في المنطقة. وتذهب 70% من صادرات السلطنة النفطية إلى أسواق آسيا؛ بما في ذلك الصين والهند، وفي ظل استمرار هذه الحرب الاقتصادية، من المحتمل أن تتأثر أسواق السلع العُمانية المُصدِّرة إلى الأسواق الأمريكية والعالمية نتيجة للتعريفات الجمركية الجديدة، عدا المنتجات النفطية ومشتقاتها؛ مما سيرفع بالتالي تكاليف التصدير.

ومع مشاركة سلطنة عُمان في مشروع "الحزام والطريق" لتعزيز التعاون التجاري واللوجستي، يمكن لعُمان زيادة صادراتها إلى الأسواق الآسيوية من خلال الموانئ العُمانية. وقد بذلت السلطنة جهودًا كبيرة لتحسين بنيتها الأساسية اللوجستية، منها على سبيل المثال: ميناء صحار، الذي يُعد أكبر ميناء في السلطنة، وشهد في عام 2020 حركة حوالي 1.1 مليون حاوية نمطية؛ مما يبرز دور عُمان كمركزٍ رئيسيٍّ في التجارة البحرية الإقليمية. إضافة إلى ذلك، فإنَّ السلطنة قد استثمرت بشكل كبير في تطوير المنطقة الحرة في الدقم، وهي منطقة اقتصادية استراتيجية تهدف إلى جذب الاستثمارات وتعزيز التجارة، خاصة مع الدول الآسيوية. ولا تقتصر السلطنة فقط على استثمارات النقل البحري؛ بل تبذل السلطنة أيضًا جهودًا كبيرة في مشاريع الطاقة المتجددة.

ومن أبرز هذه المشاريع "محطة الدقم للطاقة الشمسية"، التي تعد من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في المنطقة، مما يعكس التزام السلطنة بتنويع مصادر طاقتها وتقليل الاعتماد على النفط. أما على الصعيد الإقليمي، تسعى السلطنة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة التجارة مع الدول العربية الأخرى لتخفيف آثار القيود الاقتصادية.

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تفرضها الحرب الاقتصادية، فإن تأثيرها على السلطنة ستكون طفيفة على المستوى الاجتماعي وستتمكن من العبور بأمان بفضل استعدادها المسبق، فقد عملت السلطنة على تحسين البنية التحتية اللوجستية والتكنولوجية بشكل مستمر، وتعزيز التعاون مع دول أخرى. وهذه الخطوات ستساعد عُمان على مواجهة آثار الحرب الاقتصادية بشكل فعال وبخسائر أقل، كما ستسهم في تقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية وتوسيع نطاق تجارتها لتشمل أسواقًا جديدة بالمستقبل القريب.

** أكاديمي في علم اللوجستيات وسلاسل التوريد

مقالات مشابهة

  • عبد العاطي وبن فرحان يستعرضان الأوضاع في غزة وملفات إقليمية
  • السيطرة على حريق محدود نشب في مخلفات متراكمة بجوار كلية التربية النوعية بطنطا
  • وزير العمل يستقبل مدير عام الأكاديمية العربية السعودية لبحث التعاون
  • العمل تبحث إنشاء فرع للأكاديمية العربية السعودية بمصر لتاهيل الشباب لسوق العمل
  • لا رادع امامه.. “الاحتلال” يفاخر بنشر مشاهد ضرب العمق السوري (فيديو) 
  • زيارة مرتقبة لمصر وملفات التعاون تتصدر مباحثات السيسي وماكرون
  • تأثير الحرب التجارية الأمريكية على القطاع اللوجستي العُماني
  • الصناعات الثقافية الإبداعية في الأردن .. خطوات متسارعة نحو تحقيق تنمية اقتصادية بمنظور اجتماعي
  • في العمق
  • "العمق" تعلن سحب الدعوى القضائية ضد ابن كيران