فن الدبلوماسية وإتيكيت المرأة القيادية
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
مرَّت علينا مناسبة عزيزة وغالية على قلوبنا ألا وهي (يوم المرأة العُمانيَّة) والَّذي يوافق يوم السَّابع عشر من أكتوبر من كُلِّ عام، وما حظيت به منذ بدء مَسيرة النهضة العُمانيَّة الحديثة، من عناية ورعاية فائقة وتكريم متميِّز وتجسَّد ذلك عَبْرَ الرعاية السَّامية للمغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ وخطاباته الَّتي ركَّزت دائمًا على دَوْر المرأة الحيوي والمُهمِّ، وأنَّها الشريك الأساسي الَّذي بِدُونِه لا تكتمل التنمية في البلاد، وكذلك في الخِطابات السَّامية لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ (إذ يؤكِّد على دَوْر المرأة ومشاركتها في سياق المُجتمع ككُلٍّ والمواطنة الحديثة، ونحرص على أن تتمتعَ فيه المرأة بحقوقها الَّتي كفلها القانون، وأن تعملَ مع الرجُل جنبًا إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومُجتمعها، مؤكِّدين على رعايتنا الدَّائمة لهذه الثوابت الوطنيَّة الَّتي لا نحيد عَنْها ولا نتساهل بشأنها).
من قال إنَّ المرأة نصف المُجتمع فهو على خطأ كبير؛ لأنَّ المُجتمع ليس معادلة حسابيَّة ولا توجد في كُلِّ أبجديَّات العالَم الفلسفيَّة وعِلم المنطق والاجتماع بأنَّ الرجُل له أحقيَّة النِّصف والمرأة لها النِّصف الآخر. من وجهة نظري الشخصيَّة ـ كما أتفق مع الكثير ـ أنَّ المرأة هي الدَّاعم الأساسي للمُجتمع ابتداء من العائلة ووصولًا إلى العمل والإنتاجيَّة العالية، وحرصها على الإبداع والتميُّز والاختراع لِتكُن المنافس للرجُل في كثير من المجالات. لا يسعني في هذا المقال المتواضع بحقِّها أن أغطيَ وأعطيَ حقَّها، فهي الأُم الَّتي ربَّت وتعبت وهي الزوجة الَّتي وقفت بجانب زوجها في جميع الظروف، وهي الموظفة الَّتي تدعم ركائز بيتها، وهي الحبيبة الَّتي تسعى إلى إسعاد حبيها والإخلاص له لِتسيرَ بقطار الحياة، وهي الأخت الَّتي تضحِّي من أجْل أخواتها وإخوانها وتعمل بجدٍّ من أجْلهم.. وغيرها من الأمثلة الَّتي لا حصر لها. فتتميَّز المرأة العُمانيَّة بالتزامها العالي بالإتيكيت الاجتماعي الرَّاقي الأصيل تحت مظلَّة السِّيرة النبويَّة الشَّريفة، ودِيننا الحنيف والعادات العربيَّة الأصيلة، لذلك كان جُلّ اهتمام المرأة العُمانيَّة بتطوير وصقل شخصيَّتها بأحدث مفاهيم البروتوكول والإتيكيت وصولًا إلى هرم سِمات القيادة. ومن أهمِّ النقاط الَّتي سوف أتطرَّق لها في هذا المقال حَوْلَ مفاهيم ومهارات إتيكيت المرأة القياديَّة هو فيما يخصُّ (الإتيكيت الحكومي) ما يلي: التسلُّح دائمًا والاطِّلاع على أحدث المفاهيم في مجال عملها، العمل دائمًا على التجديد في مقرِّ عملها وبيتها، واعتماد مبدأ التخطيط والتنفيذ السَّليم ضِمْن مفاهيم البروتوكول والإتيكيت، واعتماد العمل بإتيكيت وبروتوكولات القيادة الرَّشيقة بالعمل اليومي والابتعاد عن الإدارة الكلاسيكيَّة المقيتة، وتشكيل خليَّة عمل بأعلى درجات المهنيَّة والكفاءة وبعيدًا عن العلاقات الشخصيَّة، وتنفيذ الأوامر من الجهات العُليا دُونَ تأخير أو اجتهادات شخصيَّة، والابتعاد عن تنصيب الأشخاص في مناصب لا يستحقونها، واعتماد مبدأ التكريم والعقوبة لجميع الموظفين، وتحديث المعلومات ضِمْن مظلَّة التكنولوجيا ووسائل الاتِّصال والتواصل، والاهتمام كثيرًا بإتيكيت إدارة الوقت وكيفيَّة تقسيمه يوميًّا، والاهتمام كثيرًا بنظام الأسبقيَّة بالمخاطبات الإلكترونيَّة والورقيَّة، والاهتمام كثيرًا بمبدأ النقد والنقد الذَّاتي لجميع فريق العمل من أجْلِ رفع الإنتاجيَّة، الاهتمام بجدِّيَّة بتطوير الموارد البَشَريَّة وإدخالهم بحلقات وبرامج لغرض صقل مواهبهم ومهاراتهم العمليَّة، والاهتمام كثيرًا بكاريزما الموظفين جميعًا، وخصوصًا بموضوع الإتيكيت الاجتماعي الَّذي يُعدُّ هو حجر الأساس للارتقاء بالإتيكيت الحكومي، ولباقة الكلام والتواضع والتعامل بإدارة الحديث البسيط والمعمَّق ولغة الجسد لغرض احتواء جميع الأفكار، والابتعاد عن الأنانيَّة وحُب المنصب والانزواء بالمكتب، والمتابعة اليوميَّة لجميع الموظفين والوقوف على مشاكلهم ومساعدتهم ومقترحاتهم أيضًا، والاهتمام بالحياة الاجتماعيَّة للموظفين والوقوف معهم. وأهمُّ مفردة من مفردات كاريزما المرأة القياديَّة هو الاهتمام بجميع مفاهيم ونظريَّات وسِمات البروتوكول والإتيكيت؛ لكون المرأة ـ إنْ لَمْ تكُنْ ذات هندام جميل وراقٍ وبسيط وتعرف مثاليَّة اختيار ألوان الملابس بالمناسبات وطبيعة المكياج والحقيبة النسائيَّة والإكسسوارات وإتيكيت المجاملة وإدارة الحديث.. وغيرها من مكملات مفردات القيادة والمرأة المثاليَّة ـ فتُعدُّ هذه المرأة عرجاء ـ إنْ صحَّ المصطلح ـ في حضور مكان عملها أو حضور المؤتمرات والدَّعوات الرَّسميَّة والاجتماعيَّة، وبذلك تخسر رغبتها ومكانتها بالقيادة. وفي الختام، على المرأة العربيَّة المُسلِمة قدر الإمكان الالتزام بالحشمة والتواضع، والابتعاد عن التَّباهي بما تملكه من جَمال ومال، والحجاب ليس بالملابس فقط، وإنَّما حجاب اللسان والقلب والروح، والعمل بكُلِّ إخلاص وجدِّيَّة، والتقرُّب إلى عامَّة النَّاس بحُسن النيَّة لغرض الاستفادة والإفادة بنَفْسِ الوقت، بالإضافة إلى اهتمامها بمبادئ وأخلاقيَّات وقِيَم دِيننا الحنيف، والتحصيل العلمي، والثقافة العامَّة والكفاءة العمليَّة والعلميَّة، والقيادة والبروتوكول والإتيكيت.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: والابتعاد عن المرأة الع الع مانی
إقرأ أيضاً:
نيران الدبلوماسية الأمريكية الصديقة
اقتضت التحالفات السياسية دوما وقوف الطرفين الحليفين في مربع واحد والدفاع عن بعضهما البعض على أساس المصالح أو القواسم المشتركة. وكان للتحالفات الموسمية المحددة بمصلحة أو وقت محدد أو تلك الاستراتيجية ذات العمق الثقافي أو الحضاري عمر طويل وتقاليد راسخة. تستوي في ذلك دول الشرق ودول الغرب؛ كان هذا حتى أتت نسخة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في ولايته الثانية لتقلب ما كان مستقرا.
إن مشهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في البيت الأبيض أبعد من مجرد خلاف دبلوماسي بين طرفين، بل هو تطبيق حرفي للنيران الأمريكية الصديقة حين تقرر أن تصيب بعض حلفائها بشكل علني ومن دون شفقة أو رحمة. ففي التقاليد العسكرية حين تضرب بعض الآليات العسكرية جنودا أو قواعد حليفة لها يعتبر الأمر خطأ غير مقصود حتى ولو كان مقصودا، ويغطي ستار الخطأ والعفوية على الحادثة، أما اليوم فإن نيران الدبلوماسية الأمريكية تستهدف الأصدقاء علنا وبشكل مقصود.
من أهم الانتقادات التي توجه للمعسكر الغربي في الدبلوماسية أنها قائمة على تعريف ضيق للمصالح المباشرة وأن هذه المصالح متغيرة طوال الوقت. والولايات المتحدة تحديدا تعرف بأنها من الدول التي تعتمد على الدبلوماسية الخشنة في علاقتها الخارجية، تلك الدبلوماسية التي تعتمد على الانتشار والتمدد عن طريق القوة العسكرية وقوة الاقتصاد، وليس عن طريق الدبلوماسية الناعمة التي تعتمد على أساليب مثل الثقافة والفنون مثلا.
من غير المفهوم ولا المبرر أن توجه هذه القوة الخشنة والنيران الصديقة لأطراف حليفة مثل أوكرانيا مهما كانت حدة الخلافات بين واشنطن وكييف. ولا يفسر الأمر طمع ترامب في معادن البلاد أو فكرة طول الحرب، لأنه في خلفية المشهد هناك حليف تاريخي أو بالأحرى حديقة خلفية للولايات المتحدة هي دول أوروبا الغربية التي تشعر بتهديد عميق من الدب الروسي وترى في أوكرانيا حاجزا جغرافيا وسياسيا في مواجهته.
يتضح أن الدبلوماسية الأمريكية في العهد الترامبي الجديد تعاني من قصر نظر شديد، فكل تقييماتها للأمور متعلقة بمصالح آنية أو مباشرة أو على الأقل قريبة الأجل، ولا يهمها من قريب أو بعيد الأبعاد الاستراتيجية أو بعيدة المدى. فقد شهدت العقود الماضية سباقا أمريكيا محموما من أجل مد النفوذ الغربي نحو الحدود الروسية مع جمهوريات أوروبا الشرقية، تمثل ذلك في دعم ثورات وضم للاتحاد الأوروبي وغيرها من الإجراءات. وكانت دوافع هذا السباق معروفة، ما ليس معروفا الآن هو لماذا تضحي الولايات المتحدة بكل هذا الرصيد الآن وفي مقابل ماذا؟ فهل تحتاج الخزانة الأمريكية لهذا القدر من التوفير الذي يترتب عليه إعاقة عمل حلف النيتو في أوروبا مثلا وتقليص النفوذ العسكرية الغربي فيها؟
أقرب التفسيرات أن العقيدة الأمنية التي بني عليها النيتو ما بعد الحرب الباردة كانت عقيدة هشة لا تصلح لأن تحل محل العقيدة القديمة التي صممت لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، ولهذا كانت حروبها في السنوات الأخيرة ضعيفة التبرير والأساس القتالي، وقد تجلى هذا فيما حدث للنيتو في أفغانستان.
أوكرانيا ليست قطعا هي أفغانستان، لكن مهمة حلف شمال الأطلسي تكاد تتشابه؛ غموض شديد اكتنف مهمة الحلف في جبال أفغانستان، فماذا يريد الحلف بالضبط هناك؟ وما تعريف النصر والهزيمة؟ ومتى تنتهي المهمة؟ نفس السؤال يتكرر في أوكرانيا، فهل يريد الحلف دفاعا في المطلق عن أوكرانيا؟ وهل فشلت كل الجهود الدبلوماسية حقا في حل النزاع أم أن هناك عشوائية في اتخاذ قرارات الحرب؟ أتصور أن الفشل في الإجابة على هذه الأسئلة هو الذي قاد إلى المشهد التاريخي الدرامي الذي شاهدناه في البيت الأبيض بين رئيسي الولايات المتحدة وأوكرانيا.
x.com/HanyBeshr