"على مدار 75 عاما، لم يترك الكيان الصهيوني المحتل قيمة أخلاقية إلا انتهكها، ولا مبدأ حضاريا إلا خرقه، ولا قداسة إنسانية إلا داس عليها بأحذية جنوده الملطخة بدماء الأبرياء. على أنه هذه المرة قرر أن يذهب أبعد في طغيانه مستغلا تواطؤ العالم وانحيازه".

المقتبس أعلاه من بيان وقعه أكثر من ألفي مثقف عربي، موزعين على خرائط الإبداع والجغرافيا، لا يجمعهم كيان مهني، أو مظلة سياسية، وإنما القضية، والدم الذي روى أرض غزة، -الدم الفلسطيني- الذي هو "ضحية مشروع إسرائيل الصهيوني الاستيطاني، وضحية مشاريع العنف والظلام التي خلقها هذا المشروع الاستعماري في المنطقة وسوغ وجودها"، بحسب وصف الكاتبة والباحثة اللبنانية هدى فخر الدين، أستاذة الأدب العربي في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة.

وترى فخر الدين القضية الفلسطينية "قضية إنسانية، وأنها أعلى وأرفع من أي نظام فاسد، أو أجندة سياسية"، وتواصل في إفادتها للجزيرة نت متحدثة عن البيان الذي وقعت عليه رفقة أسماء كبيرة تتصدر المشهد الثقافي العربي: "هذا البيان موقف عربي موحد -وما أندر هذه المواقف- ضد التطهير العرقي الذي يتعرض له أهلنا في غزة، وفي فلسطين منذ 75 عاما".

هذا البيان موقف عربي موحد -وما أندر هذه المواقف- ضد التطهير العرقي، لكن فاجعتنا هائلة. لا بيان يكفي ولا اللغة تتسع لهول ما يحدث في غزة وفلسطين

وتضيف "البيان وقفة رمزية. تكمن أهميته في أن موقعيه توحدوا على اختلاف بلدانهم وأعراقهم وانتماءاتهم السياسية، في إدانة هذه الجولة من العدوان الوحشي المستمر على غزة وعلى فلسطين. فلسطين قضيتنا -نحن العرب- وقضية كل الأحرار والشرفاء في العالم. ولكن فاجعتنا هائلة. لا بيان يكفي ولا اللغة تتسع لهول ما يحدث في غزة وفلسطين".

نزع الخوف وموقف متحد

بيان المثقفين المترجم لعدة لغات تحدث عن العدوان على المقدسات، وتوسع الاستيطان، وتأجيج العنف في نفوس المستوطنين وتسليحهم، وحصار قطاع غزة وتجويع أهله، وعن أشياء يخاف البعض من ذكرها وأهمهما ما وصفه البيان بالتطهير العرقي المُمنهج للشعب الفلسطيني، وأخرى تتمثل في تمرير مشاريع التطبيع التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتجريد العرب من كرامتهم، واستنكر البيان تعالي موجة التطبيع وزيادة عدد الداعمين له.

رأينا تجاور أسماء لها تاريخ من الخصومات السياسية والاختلافات الأيديولوجية المعلنة وغير المعلنة، لكن كل الخلافات سقطت من الحسبان أمام قضيتنا المركزية، إنسانيا، وأخلاقيا، وتاريخيا، وثقافيا، جدير بالذكر أن هذا التوافق ليس طارئا، وهذا الاتفاق ليس مستغربا، لأن هذه هي طبيعة فلسطين

ومما يلفت النظر في البيان أسماء الموقعين عليه، فهم من طليعة المثقفين كل في جنسه الأدبي، أو حقله الإبداعي، كما أن الاختلافات الواضحة بين بعض هذه الأسماء في الفكر والسياسة وغيرهما كبير، وهذا ما أشارت إليه الروائية الكويتية بثينة العيسى إحدى الموقعات على البيان في تعليق عنه للجزيرة نت: "رأينا تجاور أسماء لها تاريخ من الخصومات السياسية والاختلافات الأيديولوجية المعلنة وغير المعلنة، لكن كل الخلافات سقطت من الحسبان أمام قضيتنا المركزية، إنسانيا، وأخلاقيا، وتاريخيا، وثقافيا، جدير بالذكر أن هذا التوافق ليس طارئا، وهذا الاتفاق ليس مستغربا، لأن هذه هي طبيعة فلسطين".

صدمتنا ونحن نرى آلة الإعلام الغربي تحرق في أيام قليلة ما راكمه الغرب خلال قرون طويلة من مبادئ وقيم، في سبيل دعم الدعاية الصهيونية. في الأيام القليلة الماضية، رأينا أعدادا من سياسيي الغرب ومثقفيه وإعلامييه وهم يتدافعون إلى عارهم الأبدي

أكثر من مخاطب

توجه البيان بخاطبه إلى أهل غزة، وإلى الأمة العربية شعوبا وحكومات ومنظمات، وأحرار الإنسانية، وخص بالتحية من سماهم بأصحاب الضمير الحي من الشركاء في الإنسانية، كما أشار إلى مواقف بعض المثقفين الغربيين سلبا، وإيجابا، ونعت الآلة الإعلامية الغربية بـ"آلة الكذب والتزييف" بحسب ما جاء فيه، وقال: "صدمتنا ونحن نراها تحرق في أيام قليلة ما راكمه الغرب خلال قرون طويلة من مبادئ وقيم، في سبيل دعم الدعاية الصهيونية. في الأيام القليلة الماضية، رأينا أعدادا من سياسيي الغرب ومثقفيه وإعلامييه وهم يتدافعون إلى عارهم الأبدي".

ورغم هذه الإشارة فإن إبراهيم الكوني -الروائي الليبي- لا يرى بيانهم ردة فعل في إجابة على ذلك للجزيرة نت: "لماذا لا يكون البيان موقفا إزاء مسألة في غاية الأهمية في وجودنا؟ وهي العدالة، أم أننا بدأنا نشك في أنفسنا وفي عدالة القضية الفلسطينية حتى نتبنى هذا الزعم؟ لماذا نبقى أسرى ردود الفعل دوما بدل أن نبادر بالأفعال؟ لماذا نبقى ظلا في الثقافة العالمية في وقتٍ تؤهلنا فيه ثقافتنا العريقة وتراثنا الكلاسيكي المجيد أن نستعيد الثقة في أنفسنا، فنعطي ما لله لله، وما لقيصر لقيصر؟".

جماعية الفعل، وعفويته

العدد الكبير من الموقعين، والاختلافات الفكرية والسياسية، وعفوية الفعل، مؤشرات لها ما بعدها، سألنا الشاعر المغربي محمد بنيس أحد الموقعين على البيان عن دلالة الإشارة إلى عفوية البيان فقال: "تذييل (بيان المثقفين العرب) بأنه جاء استجابة عفوية للحدث دون أن تتبناه أي جهة ثقافية كان ضروريا، بمعنى أن لا جدوى من أي مؤسسة ثقافية عربية، لذلك اختار المثقفون بوعي عدم استشارتها. هذه المؤسسات فقدت كل مصداقية عبر العالم العربي. وكان جيدا أن يحضر صوت المثقفين مباشرة، حتى تصل كلمتهم من دون رقابة، ودون استغلال لكلمتهم الحرة، وموقفهم الذي يتوافق وقناعتهم. بعيدا عن وصاية مؤسسات تحولت إلى عائق في وجه الضمائر الحية، والتعبير الحر عن الآراء".

ويضيف بنيس "لذا تمت استجابة نخبة من المثقفين للبيان وتفاعلت مع مضمونه، في لحظة لا وقت فيها للتلكؤ أو التردد أو التزييف".

ويرى الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله أهمية هذه الجماعية، وأهمية ما هو فردي كذلك "بقدر ما يضمر البيان الجماعي من معنى، جوهره الوقوف بشكل جماعي داعم لفلسطين وقضيتها، ورافض بوضوح لطغيان القوة الغاشمة الطليقة وإبادة البشر وتهجيرهم، بقدر ما يشير بوضوح أيضا إلى اتفاق الموقعين منفردين، قبل التوقيع، على مواجهة هذا كله. اليوم، يملك كل واحد منهم وسيلته الخاصة، أو منبره، بل منابره، ليواصل العمل على فضح الجريمة والمجرمين".

الدور الحقيقي للكاتب قائم في كل ما قدمه من إبداع مدافع عن الحرية، ومحتضن للقيم الكبرى، قبل أي حدث كبير.. لا تصمد غزة وتقاتل بسلاحها وحسب، بل ببشر يملكون تاريخا جماليا وإنسانيا عميقا، رسخه على مدى عقود وعقود مبدعون ينتمون إلى روح هذا الشعب وقيمه

دور المثقف وبداية التغيير

البيان أيقظ السؤال المتكرر عن دور المثقف، وهذا مما ذكره نصر الله في إفادته للجزيرة نت: "الدور الحقيقي للكاتب قائم في كل ما قدمه من إبداع مدافع عن الحرية، ومحتضن للقيم الكبرى، قبل أي حدث كبير، وهذا ما تؤكده كتابات من رحلوا، مثل غسان كنفاني مثلا، الذي نراه يقدم الكثير لشعبه اليوم، مع أنه لم يعد بيننا. لا تصمد غزة وتقاتل بسلاحها وحسب، بل ببشر يملكون تاريخا جماليا وإنسانيا عميقا، رسخه على مدى عقود وعقود مبدعون ينتمون إلى روح هذا الشعب وقيمه". وأضاف نصر الله: "في حالات غير حالة غزة المحاصرة، كان يمكن أن يكون الكاتب واحدا ممن يردون العدو بقتالهم".

أسئلة الاستقلال والمقاومة والحرية والعدالة ستلتهب كما لم تلتهب من قبل، وقد يكون هذا إيذانا بعودة المثقف العربي إلى دوره ولو قليلا بعد عقود من المراوحة على هامش الحياة العربية

القيم التي أشار إليها نصر الله هي مما خفت وتضاءل في المشهد الإبداعي العربي، لكن الشاعر السوداني محمد عبد الباري في إفادة للجزيرة نت يرى أن أسئلة الاستقلال والمقاومة والحرية والعدالة ستلتهب كما لم تلتهب من قبل، وقد يكون هذا إيذانا بعودة المثقف العربي إلى دوره ولو قليلا بعد عقود من المراوحة على هامش الحياة العربية.

هناك أفق حقيقي لتحول هذا الحدث إلى نقطة فارقة تتحرر فيها الثقافة العربية من فصاماتها المستعصية، وتستعيد فيها لغتها المستلبة. فإذا استطاعت هذه الثقافة فقط أن تواكب مستوى الحدث إنتاجا واشتباكا، فستسفر هذه المواكبة عن جديد

ويضيف عبد الباري: "هناك أفق حقيقي لتحول هذا الحدث إلى نقطة فارقة تتحرر فيها الثقافة العربية من فصاماتها المستعصية، وتستعيد فيها لغتها المستلبة. فإذا استطاعت هذه الثقافة فقط أن تواكب مستوى الحدث إنتاجا واشتباكا، فستسفر هذه المواكبة عن جديد. وحينها ستكون فلسطين وفية لعادتها، عادتها في أن تحررنا نحن دون أن تنتظر منا العكس".

لا سلام بلا حرية، ولا سلام بلا عدالة، ولا سلام بلا حقيقة

ويبقى السلام أملا

التوقيعات تتواصل على البيان، والأمل في السلام قائم لكن للسلام مطلوباته بحسب ما ختم المثقفون بيانهم: "إننا في هذه البقعة من العالم، أكثر من يتوق إلى السلام. ولكننا بقدر ما نتوق إليه نعرف حق المعرفة أن لا سلام بلا حرية، ولا سلام بلا عدالة، ولا سلام بلا حقيقة. ولقد أثبتت الأيام أ هذا الكيان الصهيوني لا يعادي شيئا معاداته الحرية والعدالة والحقيقة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت نصر الله

إقرأ أيضاً:

«بيئة أبوظبي» تسترد 2000 طن من القناني القابلة لإعادة التدوير

استردت هيئة البيئة – أبوظبي، أكثر من 2000 طن من القناني البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير منذ إطلاق الهيئة «نظام استرداد القناني» في عام 2023، وجمعت بالتعاون مع شركة «سباركلو» أكثر من 23 مليون قنينة قابلة لإعادة التدوير في 2024 من خلال «نظام استرداد القناني»، الذي أطلقته الهيئة في إطار سياسة المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة في أبوظبي لتمكين المقيمين في الإمارة من اتّباع طرق سليمة ومسؤولة للتخلّص من النفايات وتعزيز ثقافة الاستدامة.
وفي إطار تعاون هيئة البيئة – أبوظبي مع شركاء من قطاعات المتاجر وجمع النفايات والتكنولوجيا النظيفة، تعاونت مع شركة «سباركلو» المتخصصة في مجال التكنولوجيا النظيفة، ونشرت الشركة أكثر من 100 آلة لاسترداد القناني من طراز «سباركلومات» في الإمارة، بالتعاون مع منافذ البيع لشركات أدنوك واللولو وكارفور، لتوفِّر بذلك حلاً سهلاً وملائماً لاسترجاع القناني البلاستيكية وعلب الألمنيوم. ونتج عن ذلك جمع نحو 23 مليون قطعة قابلة لإعادة التدوير، خلال عام 2024، شملت أكثر من 544,000 كجم من البلاستيك و18,000 كجم من الألمنيوم. وأسهمت هذه المبادرة في خفض أكثر من 3.5 مليون كجم من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في عام 2024، دعماً لأهداف أبوظبي في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 22% بحلول عام 2027. وسجّلت إحدى آلات «سباركلومات» رقماً قياسياً باسترداد أكثر من 8500 قطعة في يوم واحد فقط.
وقالت شيخة محمد المزروعي، المدير التنفيذي لقطاع التخطيط والسياسات البيئية المتكاملة في هيئة البيئة – أبوظبي: «نسعى إلى دمج ممارسات الاستدامة في الحياة اليومية في الإمارة، ويُجسِّد (نظام استرداد القناني) القائم على الحوافز، بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص ومنها شركة (سباركلو)، أهمية الشراكات والتكنولوجيا والمشاركة المجتمعية في إحداث أثر بيئي مستدام. وتشكّل هذه المبادرة بأهدافها وتأثيراتها استثماراً استراتيجياً يرسّخ مفهوم المسؤولية البيئية؛ إذ نتطلّع من خلال دعمنا لمبادئ الاقتصاد الدائري، إلى تعزيز مكانة أبوظبي الرائدة في التحوّل العالمي لبناء مستقبل مستدام».
وقال ماكسيم كابليفيتش، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «سباركلو»: «تجسِّد شراكتنا مع هيئة البيئة – أبوظبي أهمية التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، ومدى نجاحه في تحقيق الأهداف الاستراتيجية على مستوى المجتمع والدولة؛ إذ تَمكّنّا من توسيع شبكة آلات استرداد القناني بفضل دعم الهيئة، ما أسهم في دفع أجندة أبوظبي للاستدامة. وتؤكّد النتائج أن تسهيل عملية إعادة التدوير وجعلها في متناول الجميع يحفِّز المجتمعات على تبني هذه الممارسات الجديدة، ما يُبرز دور الحلول العملية في تعزيز التقدم في العمل البيئي».
وتواصل هيئة البيئة – أبوظبي، وشركة «سباركلو» توسيع نطاق المبادرة، وتتركّز الجهود على تطوير شبكة آلات استرداد القناني وزيادة مشاركة المجتمع، ما يرسِّخ المكانة الريادية لإمارة أبوظبي في مجال الابتكار المستدام.

مقالات مشابهة

  • «بيئة أبوظبي» تسترد 2000 طن من القناني القابلة لإعادة التدوير
  • ممثل السعودية في العدل الدولية: الاحتلال يمارس التطهير العرقي بغزة
  • 2000 حاج يصلون اليوم.. بدء استقبال حجاج بنغلاديش عبر 5 رحلات
  • بشأن الرواتب... إليكم هذا البيان من وزارة المالية
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • بين فشل أمريكا المُدوِّي وصمود اليمن.. قصة الضمير العربي الوحيد المدافع عن فلسطين
  • معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025 يستعرض أكثر من 2000 فعالية
  • رئاسة الجمهورية تنشر بیاناً حول مستجدات الاتفاق مع قيادة “قسد”
  • فياض: لبنان سيبقى عصيًا على التطبيع والترويع