يا ضمير العالم نام وارتاح أطفال غزة ترجف أمام السلاح.. ليست كلام أغنية يرددها هؤلاء الذين يسعون للتريند أو يحاولون رسم التعاطف المزيف على السوشيا ميديا، لكنها أقل ما يصف المشاهد الدامية التي نراها يوميًا بل كل ثانية في فلسطين، حيث الأطفال الباكية على أسرها، أو التي ترتجف خوفًا من صوت الصواريخ، بل والتي مزقت أجسادها انفجارات تلك الصواريخ التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي إطلاقها في كل بقاع فلسطين المحتلة.

ففي مشهد تعجز السينما العالمية عن تجسيده، ترى أشلاء الأطفال تحلق فوق الركام المتبقي من أثار القصف الغاشم، ورغم قساوة تلك المشاهد التي اعتدنا على رؤيتها، إلا أنك ترى هؤلاء الأبرياء وكأنهم ملائكة تتطاير في سماء الأراضي التي تحولت إلى بركة دماء، بفعل قوى التجبر والطغيان الإسرائيلي التي تمارس كل أنواع التعذيب على هؤلاء الصغار الذين لم يرفعوا سلاحًا أو يقولون حتى كلمة، وهو ما وثقته الكاميرات التي فضحت العدوان الإسرائيلي، كما نرى في السطور التالية.

دموع الأبرياء تغرق فلسطين

يتصاعد غبار البيوت المهدمة ممتزجًا بشرار النار الذي يناطح السحاب حاملًا معه غضب الآلاف ويقف المئات محتشدين تجمعهم الحسرة ويخيم على وجوههم الأسى، ينظرون حولهم وكأنهم ينتظرون شيئًا ما سيأتي لحمايتهم وإغاثتهم، وكأن آخر أحلامهم قد تحطمت أمام أعينهم بانهيار منازلهم، ليقطع هذا المشهد هرولة البعض بسيدة كبيرة محاولين حمايتها من هذا الشبح الذي خيم على ليلهم ليبدل أمنهم خوفا ويحطم قلوبهم حسرة على أطفالهم الأبرياء الذين لم يكن ذنبهم سوى أنهم ولدوا في دولة سيطر عليها أناس أكل الحقد أفئدتهم فأصبحت مجوفة بلا قلب ولا رحمة ولا شفقة، ينتشلون الأجساد من أسفل الركام، يحاولون الحفاظ على ما تبقى من أرواح، يعانق الأمل المحطم نظرتهم للجرحى والمصابين، في محاولة لإنقاذهم.

View this post on Instagram

A post shared by عبد الله العطار (@abdallah_alattar1999)

انقصفت الدار ولم يبقى أحد

بدموع ساخنة تلاحق القطرة الأخرى على خدها الذي يملوئه رماد البيت المهدم تجلس وتحتضن ركبتيها إلى صدرها الذي يسكنه قلبها الصغير المحطم جراء قصف لم يرحم كونها من الملائكة الصغار، فما هي إلا بضعة أحرف صغيرة تتردد على لسانها لتقول: «انقصفت الدار»، نبرة صوتها المتهدج تبعث بداخلك شعور يختلط فيه الأسى مع الحسرة على ما وصلت إليه الأحداث، التي وضعتها هي وكل أبناء سنها الصغير إلى تلك الحالة الموجعة، تلفت حولها وكأنها تخاف من وقوع قصف جديد في المستشفى التي إلتجأت إليها كحل أخير بعدما شُردت في الشوارع، يأكل الخوف قلبها من أن يكون حالها كحال المئات من أقرانها الذين يحفظون أجسادهم في عربات المثلجات، يجول بخاطرها ألف سؤالٍ وسؤال، فماذا سيكون مصيرها؟ وماذا ينتظر شعبها وأرضها؟ وهل ستحصل على عائلها كاملة أم إن مصابها سيكون أليم بفقدانهم، وهل سيجتمعون على مائدة أكل واحدة أم إن المستعمر كان له رأي آخر؟ ليتسع المشهد قليلا وتسلط الكاميرا على بعض الأطفال الآخرين امحاطين بها، والذين تملكت منهم الرجفة، فما كان الأمر هينا وإنما هو قصف أليم مفزع أصابهم، هدم حياتهم مع بيوتهم، لم يفرق كونهم أطفال، شردهم وخطف أسرهم، وتركهم لألم الحز والجوع والخوف.

View this post on Instagram

A post shared by عبد الله العطار (@abdallah_alattar1999)

الطفل المرتجف جراء القصف الإسرائيلي

ويتكرر المشهد ولكن في هذه المرة يضيف الاحتلال نكهته الخاصة على الطفل، فالقصف الجديد كان أعظم وأكبر لدرجة أنه ترك الطفل واقفًا وسط نظراته المليئة بالرعب والذهول والارتجاف يكاد يفتك جسده من شدته، إلى أن احتضنه أحد الأطباء فانفجر باكيا والدموع تنهمر من عينية وكأنه كان ينتظر لحظة واحدة تلامس الطمأنينة قلبه حتى تكون كشرارة اللهب الذي دفعته للإنفجار في التعبير عما رأته عيناه الصغيرتان، فنحن على سننا هذا مازالت ترعبنا أصوات الطائرات التي تحلق في السماء، فأما هذا الصغير الذي استيقظ على فزع القصف بدلا من أصوات المنبهات التى تنبض بأصوات الموسيقى الهادئة، كان الذنب الوحيد الذي اقترفه أنه جاء في عالم تتملك منه إزدواجية المعايير، لتجعله في أرض يحتلها عدو غاشم لم تعرف الرحمة لقلبه طريق، فكان مصير الصغير كأقرانه من أبناء مدينته الذيت قتل أبئهم وشردت عائلاتهم واحتل الخوف عقولهم ونظراتهم.

View this post on Instagram

A post shared by عبد الله العطار (@abdallah_alattar1999)

مأساة أطفال فلسطين

هذه المأساة يعيشها أطفال فلسطين كل يوم، أصبحت واقعهم الأليم، وغدى المشهد مألوفًا بالنسبة لهم، وأما الحياة الهادئة المطمئنة لا يعلمون عنها شيء، فتبدلت أحلامهم لتصبح كوابيسًا لم تخطر على بالهم يومًا، وعندما تشرق الشمس تعلن غياب شمس أحدهم، يتساقطون شهيدًا تلو الآخر، لتروي دمائهم الطاهرة أشجار الزيتون وزهر شقائق النعمان، حيث يُزَفون بثوب الشهادة إلى السماء، ينظرون العدل من رب السموات لا من البشر الذين تخلو عنهم.

اقرأ أيضاًارتفاع عدد ضحايا «الأونروا» في فلسطين إلى 35 شهيدًا منذ بداية عملية طوفان الأقصى

المرصد الحقوقي للجرائم الإسرائيلية: الكيان المحتل يرتكب جرائم حرب منذ انطلاق طوفان الأقصى

«طوفان الأقصى».. رئيس الاستخبارات الإسرائيلية: فشلنا وأتحمل المسؤولية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أخبار فلسطين أخبار فلسطين الان أخبار فلسطين اليوم أطفال فلسطين إسرائيل الحصار الإسرائيلي القدس طفل فلسطيني طفلة فلسطينية طوفان الأقصى غزة غزه فلسطين قصف

إقرأ أيضاً:

في محراب القلوب.. رحلة الروح إلى بارئها

محمد حسين الواسطي **

في لحظات الصفاء حين تنجلي غشاوة المادة عن القلب، وتصفو المرآة من كدر الحياة اليومية، يجد المرء نفسه أمام حقيقة جوهرية: أن السعادة الحقيقية لا تكمن في تكديس المال، ولا في تحصيل المناصب، بل في ذلك الرباط الوثيق الذي يصل القلب بخالقه، والروح ببارئها.

إنها حالة من الأنس الإلهي، تتجلى في سلوك المؤمن وتعاملاته، فتراه يفيض رحمة على الخلق، ويشع نورًا في دروب الحياة. هذا السمو الروحاني يجعل القلب معلقًا بباريه، متجردًا من كل ما سواه، حتى يصير الحب الإلهي دينه وإيمانه.

وكما قال ابن الفارض (576 - 632هـ) في وصف العشق الإلهي الذي يسمو بالروح ويهذب القلب:

شَرِبْنا على ذِكْرِ الحَبيبِ مُدَامَةً

سَكِرْنا بِها مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الكَرْمُ

ونحن اليوم، في رحاب شعبان، وعلى أعتاب شهر رمضان المبارك، أحوج ما نكون إلى هذا النوع من التربية الروحية التي تنعكس على سلوكنا اليومي، فالعبادة ليست مجرد طقوس وحركات، إنما هي روح تسري في جسد الحياة كلها، تهذب الأخلاق، وترقق الطباع، وتجعل الإنسان أكثر رحمة وتعاطفًا مع من حوله.

والعجيب أن هذا الارتباط الروحي بالخالق يجعل صاحبه في حالة دائمة من السكينة والطمأنينة، فكأنه يشرب من رحيق المحبة الإلهية كأسًا تسكر القلب قبل أن تسكر العقل، وتملأ الروح نشوة قبل خلق الوجود. كما قال الله تعالى في وصف الاطمئنان بذكره: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).

إن هذا الحب المقدس، وهذا الارتباط الروحي، ليس ترفًا فكريًا أو حالة صوفية معزولة عن الواقع، بل هو منهج حياة متكامل. فمن صفا قلبه لله، صفت معاملاته مع خلق الله، ومن أحب الله حقًا، انعكس هذا الحب على تعامله مع أسرته ومجتمعه.

وفي زمن طغت فيه المادية، وكثرت فيه الضغوط النفسية، وتعقدت فيه العلاقات الاجتماعية، نحن بحاجة إلى العودة إلى هذا المنبع الصافي، منبع الحب الإلهي الذي يطهر النفوس من أدرانها، ويصقل الأرواح من صدئها، ويعيد للحياة بهجتها ومعناها، هو شراب روحاني طاهر يسكر القلوب بنشوة القرب الإلهي.

كما ورد في مناجاة الإمام علي -كرم الله وجهه- في شهر شعبان عن حب الله والخشوع له: "إلهي، هَبْ لي كمالَ الانقِطاعِ إلَيكَ، وأنِرْ أبصارَ قلوبِنا بضِياءِ نَظَرِها إلَيكَ، حتّى تَخرِقَ أبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النّورِ، فتَصِلَ إلى مَعدِنِ العَظَمَةِ، وتَصيرَ أرواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدسِكَ".

فدعونا نجعل من هذه الأيام المباركة فرصة للعودة إلى الذات، وتجديد العهد مع الخالق، وترميم علاقتنا بمن حولنا، فالقلب حين يمتلئ بمحبة الله، لا يبقى فيه متسع للحقد أو الكراهية أو الأنانية، وحين تشرق شمس المعرفة الإلهية في القلب، تنجلي ظلمات النفس، وتتفتح براعم الرحمة والمحبة والإحسان.

** كاتب عراقي

مقالات مشابهة

  • وزارة الصحة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان أسرى وتكثفان القصف
  • مزاد على المجسمات في سمبوزيوم الطفل والعائد لصغار المناطق العشوائية.. تحف من حديد
  • إعلامية سورية تبكي حزنا على اختفاء والدها بسجون بشار الأسد
  • صفقة تبادل الأسرى وتحولات المشهد الإسرائيلي
  • من غزة إلى جنين.. صورة واحدة للصمود الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي
  • الشهيد الصماد .. الخالد في القلوب
  • في محراب القلوب.. رحلة الروح إلى بارئها
  • المتحدث باسم وزارة الأوقاف أحمد الحلاق لـ سانا: منذ اليوم الأول للتحرير عملنا في وزارة الأوقاف على تشكيل لجان لإحصاء المساجد والمنشآت التعليمية الشرعية المهدمة جراء القصف الهمجي الذي شنه النظام البائد على المدن والأرياف، حيث لم تسلم أي محافظة من المحافظات
  • مشاهد من عمليات التمشيط التي نفذتها قوات وزارة الدفاع السورية في منطقة جبل الورد ببلدة الهامة، بحثاً عن فلول النظام البائد الرافضين لعمليات التسوية