أثير – د. سعيد محمد السيابي

هذا العنوان يوحي بسجع رنان، ومحاولة لإثارة الخيال والذاكرة العربية بظاهرة قديمة حديثة، حيث الأوراق المتساقطة من تراثنا العربي الإسلامي المُشرِّف لنعيد في الذاكرة الثقافية سنة علمية ظاهرة في التأليف والدراسات، فقد كان علماء الأمة العظام يتفاعلون مع الأسئلة المطروحة في محيطهم الاجتماعي، فيؤلفون الرسائل والكتب للإجابة عليها ويضيفون عليها الشروحات المستجدة بواقع ما حدث في عصرهم، فينبرون بتحليل الموقف بالاستناد على خبرتهم وقراءاتهم وما يملكون من أدلة وأسانيد تثبت أن ما يتم الاستفسار عنه هم أولى بالإجابة عنه وحوله، فظهرت الكثير والعديد من المؤلفات على امتداد التاريخ الإسلامي التي غلب على تصانيفه السجع لمؤلفين كبار نذكر منهم: ابن عبد البر الأندلسي (ت463هـ )، والمجد الفيروز آبادي (ت817هـ)، وابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، والسيوطي (ت911هـ)، وأحمد الدمنهوري (ت1192هـ)، ومرتضى الزبيدي (ت1205هـ)، والشِّدْياق (ت1304هـ).

ظهرت حركة التأليف والتدوين المباشر بأسلوب السجع في أسماء الكتب والمؤلفات عند المسلمين عامة والعرب خاصة مع بداية التأليف في القرن الثاني الهجري وهناك تأثير للشعر العربي الذي كان حاضرا بقوة في الإلقاء والتناقل والحفظ والكتابة، وكما هو معروف أن السجع والموسيقى في الكتابة مما تستريح له النفس ويستسهل عليها الحفظ وتتلذذ به الأسماع في القراءة، وساعد على انتشار المؤلف وبيع الكتب ذات الصدى الكبير.

لقد تجاوز التأليف الحر بالسجع في عناوين الكتب لتنجز مؤلفات بناء على سؤال طُرح من السائل، أو طُلب منه الإجابة عن استفسار مستجد، من ذلك ما فعله أبوالوليد الباجي في كتابه (إحكام الفصول في أحكام الأصول) وقد ذكر أنه فعل ذلك إجابة لسؤال تلقاه. وكان لعلماء اللغة كالإمام اللغوي محمد بن الحسن الصغاني (ت650هـ)، العديد من المؤلفات من ذلك: (أسْمَا الغَادةِ، في أسماءِ العادةِ) و (الدرُّ المُلْتَقَطْ، في تبيين الغَلَطْ) و (دَرُّ السحابةِ، في بيان مواضع وفياتِ الصحابةِ) و (العبابُ الزاخرُ، واللبابُ الفاخرُ)، وكانت الأسئلة لا تتوقف والإجابات عن طريق الجوابات والمراسلات تتناقل من قطر عربي لآخر ومن منطقة مسلمة إلى أخرى ومن يد حاملها إلى الأيادي التي تنتظرها بشغف كبير وبوصول بعض الجوابات للقراء كانت تحتفل المنطقة والقرية التي يزف لها خبر وصول الرد من العالم الجليل والشيخ الأصيل والمفتي الكبير بعلمه ومعارفه فتأليف الذي حدث في وقته كان مهم للعلماء ولعامة الناس فكانت الأمثلة شاهدة من واقع الحالة وحاضرة من البيئة والمجتمع السائل وقريبة من العقول والأرواح المتعطشة للاستزادة من العلم وكشف ما غم عليها وما احتاجت الى معرفته وتعميقه من صنوف العلوم.

إن الغايات النبيلة التي ذهب إليها المؤلفون للإجابة على طارحي الأسئلة من خاصة القوم وعامتهم، فقد كانت المسائل مفتوحة في كل جزئيات الحياة ومتطلبات الإنسان واحتياجاته فلم يكن هناك سقف للسؤال ولا تردد في الإجابة، لدرجة أن بعض المؤلفات المسجوعة حملت عناوين وأسماء طريفة وأخرى غريبة، على سبيل المثال: كتاب (رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس) لابن كرّام الجثمي، والذي قيل أنه قد لقي حتفه بسببه، وكتاب (عقلاء المجانين) لابن حبيب النيسابوري، وكتاب (ابتلاء الأخبار بالنساء الأشرار)لابن القطعة، وكتاب (الطريقة المثلى لإيصال خبر زواجك إلى زوجتك الأولى) إبراهيم عبدالعزيز اليحيى، وكتاب (أعجب العجب لمن لا يعجبه العجب) محمد خير رمضان يوسف وغيرها الكثير.

إن حركة التأليف عن واقع الحال هو ما شدنا للتناول في هذا المقال، وهو ما نود أن نذكر به جمع المؤلفين والقراء بأن واقعنا الإسلامي والعربي يحتاج منا إلى الكثير من شحذ الهمم للتأليف الحر والإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تحير أذهان شبابنا وتجعلهم في حيرة من الأمر حول أين دور العلوم المنطقية والعقلية عن ما يدور حولهم ومعهم وبينهم ومتى تكون النقاشات الرصينة والإجابات الشافية بالأدلة الواقعية والممارسات اليومية التي يحتاجونها وما يدور في محيطهم العلمي من هجمات ومنغصات على دينهم وثقافتهم ومقدساتهم التي تستباح كل يوم بصنوف من الهجمات بعضها مركزة على شخصية بعينها ومستهدفة لمكان محد وما أحوجنا للكبار الذين يستفيضون في تفتيت المدجن والمؤدلج والمتصهين والممد المنبطح على ثقافة لا تمت لقيمنا الحقة ومبادئنا السوية، فلو جارينا العلماء الأفذاذ في مختلف العصور الإسلامية والعربية في العنونة المسجوعة في أدبنا العربي لكان المؤلف المهم الذي علينا كتابة حاليا هو (الجواب المستبان على سؤال الحيران في حرب غزة من العدو الجبان!).

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

اليمين المتطرف وبالون النجاة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعمل شركات العلاقات العامة على قراءة فكرة تفسر بها حركة الجمهور، يحب البعض أن يطلق عليها في السوق "بالون النجاة"، تعني هذه الفكرة ببساط أن يبقى لديك بالونًا بعيدًا لا تعرف عنه الكثير لكنه موجود دائمًا في أقصى السماء، يتمتع بكل الأشكال الجذرية التي لا تتغير ولا تكون لديها رغبة في التغيير، هذا البالون معروف بذلك، وهو لا يريد أن يُعرف بغير ذلك، إذ أن ثوابته المتشددة هي أسباب تميزه، وربما الأسباب الرئيسية لنجاحه، إذ يغيب القائمون على هذا البالون عن مسرح الأحداث ويظهرون حسب استغلالهمم للأحداث ذاتها لا حسب محاولتهم التغير مع الأحداث. إذ أن الأفراد بعد أن يستهلكوا الكثير من الحلول يصبح أمامهم حلول محدودة لم يتم تجربتها. يكون أفضل هذه الحلول أقدمها. هذا القدم يعطيها نوعًا من ألفة فكرة "الشخص الذي يعيش معنا منذ عقود" لكننا كنا نخشى أن نعيش على طريقته. اليوم كل طرقنا موجعة وهو يقدم طريقته. تبدأ هذه الطريقة في التبلور بشكل آخر، كيف؟.   

حين تبدأ عقولنا الجمعية في التفكير في أننا تغيرنا من طريق لآخر لكن هذا الشخص ثابت لم يتغير، كما وأنه متطرف في مبادئه وفخور بها حد تقديم وعود قوية خطابية واثقة. الحق أن التفكير في هذه الوعد قد يكون مرعبًا، لأن التفكير المتطرف عنيف في اتجاهه العام، يمكن أن يتعايش مع الآخر كضرورة بقاء لكنه لا يقبله، فهو دائمًا يرى أن الجميع على خطأ وأنه يطبق الصواب. هو الشخص الذي يعاني كي يكون المختار فكيف تكون هذه المعاناة من أجل الفراغ؟! حينها يقل الوزن النسبي للمعاناة التي قد يسببها هو بدوره للآخر. إذ أن البعد عن المعاناة يريك حجمها الحقيقي، والانغماس فيها يجعلها عدوًا أصبح جارك، حينها يتغير حجمها حسب مصلحتك من هذا التغيير. إن التعامل ببراجماتية المصلحة موجود لدى هذا المتطرف لكنها هنا براجماتية البقاء حيًأ. فهو يصادقك ويكون خدميًا جيدًا في محيطك، يقدم الكثير لك، لكنه لا يتحدث معك عن نفسه بمكاشفة كاملة، ليس لأنه لا يثق بك –مع أنه لا يثق بك تمامًا- بل لأنه يرى أن الصواب صواب ولا يجهد عقله في مناقشته كثيرًا لا مع نفسه ولا معك أنت.   

حين ينتهي الآخرون من تجربة معظم الحلول المتاحة. تجده هو في ذات المكان ثابت على مبادئه لا يناقشها حتى من فرط اطمئنانه لها. عندها قد يتجمع الجميع حوله. يحدث ذلك في المناطق المرفهة التي تمثل الخسارة لفترة طويلة فيها أمرًا طارئًا، لكن الدول التي تعتاد الأزمات يملك أفرادها القدرة على الاختيارات أكثر، حتى أن أفرادها لهم صبر طويل على المعاناة، مثل في حد ذاته سببًا لتشكيل الحضارات عندما امتد لفترات زمنية طويلة. إنهم أقوياء في احتمالهم، يستطيعون الضحك في أصعب الظروف. إذ أن المعاناة تعد تمرينًا يقوي النفوس ويجعل عضلاتها تنمو حتى يستطيع الأفراد توجيهها وجهتها الصحيحة، فهم لا يميلون للتطرف، وربما لا يرونه من الأساس لأن الحلول السريعة لا تناسبهم، بل إن طول صبرهم يمكنهم من قراءة الكثير من المشاهد بشكل حضاري طبيعي يقود المشهد.   

يصبح القلق هنا من المرفهين، الذي يريدون حلولًا سريعة، ويشعرون أن أي تغيير لن يعصف بهم لاطمئنانهم أنهم يستطيعون قلب التغيير بسرعة، وهو أمر أثبت التاريخ أنه قد لا يحدث. ونرى ذلك في تقدم اليمين المتطرف الآن. هكذا تفسر نظرية للعلاقات العامة ما يحدث، وتعطي نتائج للمقدمات وفق المعطيات المتاحة.

 

مقالات مشابهة

  • الحوثيون ينتقمون من محافظ البنك المركزي ”المعبقي” بعد قراراته الأخيرة والحكوم تدين ”العمل الانتقامي الجبان”
  • ضبط المتهمة بتلقين الطلاب إجابات الأسئلة داخل لجان امتحانات الثانوية العامة
  • خبير تربوي يكشف أسباب شكاوي طلاب الثانوية العامة 2024 من صعوبة الامتحانات
  • انتهاء امتحان مادتي الكيمياء والجغرافيا لطلاب الثانوية العامة منذ قليل
  • نموذج حل الامتحان.. إجابة أسئلة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة
  • المطران جورج خضر المعلم الكثير النقاء
  • اليمين المتطرف وبالون النجاة
  • قائد الثورة: معركة البحر الأحمر أثبتت أن حاملات الطائرات الأمريكية عفا عليها الزمن
  • عدد أسئلة امتحان الجغرافيا للثانوية العامة 2024.. اعرف المواصفات
  • ياسر علي ماهر يشيد بشباب ورشة "التأليف" بالمهرجان القومي للمسرح: سيصنعون نهضة عظيمة