عربي21:
2024-12-19@06:27:23 GMT

طوفان الأقصى والواقع الجديد (1)

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

كنا نعرف منذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى بأنهم سيحرقون غزة ويقتلون عددا كبيرا من سكان القطاع دون رحمة ودون تمييز بين مدني وعسكري أو كبير وصغير أو امرأة ورجل؛ لكننا رغم علمنا بذلك سرنا أن المقاومة أذلت جيش الاحتلال الصهيوني وفضحت أسطورته الوهمية بأنه جيش لا يقهر.. لقد قامت المقاومة الفلسطينية بما لم يتوقعه أحد.

. وكان إحساسنا كبيرا وما زلنا، وإن سقط منا آلاف القتلى والمصابين.. صحيح أن الحزن يخيم على قلوبنا اليوم، إلا أننا لم نفقد هذا الإحساس.

لقد فتحت المقاومة الفلسطينية باب الأمل على مصاريعه؛ حين حرثت غلاف غزة حرثا، وأذلت غطرسة نتنياهو الذي بات مهزوما ذليلا كضبع جريح فتكت به أنياب الأسود؛ وتركته يعاني الألم والنزيف، وهو الذي كان يظن بغطرسته أنه لن يُهزم أبدا، مستهينا بالمقاومة ومستقويا بطيرانه وقنابله القذرة التي دكت بيوت الآمنين فأحالت حياتهم جحيما؛ فقتل من قتل من الأطفال والنساء والشيوخ، منتقما بأشد ما يكون الانتقام، وأشرس ما يكون الإجرام..

لكن أكثر ما يلفت في هذه المعركة الشرسة موقف الحكومات الغربية الوقح التي ما فتئت تسترخص الدم الفلسطيني، وتعلي من شأن الدم الإسرائيلي، فمن قُتل من الصهاينة فدمهم عزيز، يوجع ضمائرهم العفنة، ومن قُتل من الفلسطينيين فدمهم حلال، لا بواكي له.. إنها شريعة الغاب التي يأكل القوي فيها الضعيف، بلا رحمة ولا هوادة.. لم تبك حكومات الغرب آلاف الضحايا من الأطفال والنساء، وإن فعلت فعلى استحياء، وبطريقة توحي بعرض مسرحي سمج فحواه أنهم ما زالوا يؤمنون بحق الإنسان في الحياة؛ نوعا من التخدير للبسطاء والأغبياء..!

لقد كانت هذه المعركة ضرورية لكشف حقيقة الحكومات الغربية، ولتقول لنا يكفيكم سذاجة وبلاهة أيها العرب.. أيها المسلمون.. لقد كانت هذه المعركة ضرورية ليفهم حكامنا التائهون والواهمون والعالقون في وحل التطبيع بأنهم ليسوا في مأمن حين يتعلق الأمر بمصالح الغرب، ومصالح حلفائه الحقيقيين كالكيان الصهيوني وأوكرانيا، وليس بحلفائه الصغار الذين يتراكضون خلف وهم الحصول على الحماية والدفاع عن مصالحهم وعروشهم الورقية. والتاريخ القريب لم يعلمهم شيئا؛ فقد تخلت الولايات المتحدة ومعها الغرب عن حسني مبارك ببساطة، وهو الذي كان حليفا استراتيجيا لهم، وتخلت عن زين العابدين بن علي، كما ستتخلى في لاحق الأيام عن آخرين بكل أريحية؛ لأنها لا تقيم للضعفاء وزنا.. لقد آن أن تتغير المعادلات، وأن يستيقظ المارد العربي من سباته، ويجهز نفسه لمعركة المصير والوجود؛ ومن لم يفهم اليوم؛ فليس له غد آمن..!!

إن الصدمة التي مسّت جبروت القوة الصهيونية وأذلت غطرسة القوة العسكرية لجيش الاحتلال، كانت كافية ليفهم العرب بأن الكيان المحتل كيان هش، وأن هزيمته ممكنة جدا، وأنه بات يترنح تحت ضربات المقاومة بإمكاناتها البسيطة؛ فكيف لو كانت المقاومة تمتلك سلاحا أكثر فتكا من صواريخها البدائية محلية الصنع، وكيف لو فتحت المقاومة عدة جبهات في ذات الوقت، من لبنان والأردن ومصر والداخل الفلسطيني؟! سيقولون لك، في هذه الحال سيتدخل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لإنقاذ حليفهم، والحقيقة أن الولايات المتحدة لن تتحمل ضربات المقاومة التي ستأتيها من فوقها ومن أسفل منها؛ فالجيش الأمريكي لن يتحمل الخسارات الفادحة التي ستلحق بجنوده، فالحروب التقليدية غير حروب العصابات، وهذه قواعده العسكرية اليوم تتعرض في سوريا والعراق لهجمات صاروخية لا يعلم أحد مصدرها على وجه الدقة؛ فكيف لو جرت الأمور في مسار مختلف، وكانت الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات؟!

لقد جاءت معركة طوفان الأقصى بعد أن استأسد اليمين المتشدد واستعلى وطغى وتجبر، وفتك بالشعب الفلسطيني، واستولى على مزيد من أراضي الفلسطينيين؛ وبالغ في تدنيس الأقصى الشريف، وأهان المصلين، وأقام مئات الحواجز في كل مكان، وجعل حياة الفلسطينيين مستحيلة وأمنهم في مهب الريح؛ ولم يكتف اليمين المتطرف بتعدياته على الأرض والمقدسات، بل بات يتحدث عن إسرائيل الكبرى، وإلغاء الوجود الأردني على الضفة الشرقية لنهر الأردن لتوطين فلسطينيي الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية فيها، وعن سيناء وترحيل أهل قطاع غزة إليها، في ظل انسداد الأفق السياسي المحكم؛ فكان لا بد من تحريك الماء الراكد، وردع الغطرسة الصهيونية، حين لم يفعل حكام 22 دولة عربية شيئا إزاء ما يحدث، فهم يطبعون ويستعدون لمزيد من التطبيع، والمستوطنون ومن ورائهم قوات الاحتلال يعيثون في الأرض فسادا، بل كان هناك من يدافع عنهم ويصطف إلى جانبهم في كراهية الفلسطينيين والتبرير للاحتلال في أعماله الشيطانية لتصفية القضية، وإنهاء حركات المقاومة.

سيتوقف القصف الإسرائيلي أخيرا، ولا أظن أن نتنياهو سيتجرأ على دخول قطاع غزة، لأنه يعلم أن خسارته ستزيد، وأن دخول القطاع محفوف بكثير من المخاطر؛ لأن المقاومة وضعت خططا لكل الاحتمالات، وهي مدربة جيدا على التصدي للعدوان البري، وفي النهاية ستتوقف الحرب ويبدأ الجرد وإحصاء المكاسب والخسائر في كلا الجانبين، لنجد أن خسارة المقاومة كانت فادحة في عدد الشهداء، وخصوصا من الأطفال والنساء، وفي حجم الدمار غير المسبوق؛ فقد كانوا يدركون أن الثمن سيكون فادحا، لكنهم كانوا يدركون أيضا بأن السكوت عما يحدث غير ممكن، مهما كانت النتائج؛ فقد بلغت التعديات على الأقصى والتضييق والقتل والاعتقال والحصار حدا لا يمكن أن يستمر في ظل حكومة يمينية متنمرة تسيء للفلسطينيين وتصفهم بالحيوانات، وتشتم العرب وتهزأ بهم وتتندر بمخازي حكامهم..

في المقابل خسر الكيان المحتل أهم ما كان يروج له، وهو قوته العسكرية، وهيمنته وغطرسته، وتم إذلاله حين قُتل من جيشه عدد لا يستهان به كان من بينهم قادة كبار، وحين أسر منهم نحو 100، ومنهم قادة كبار، ناهيك عن المدنيين المحتجزين لدى المقاومة للمساومة عليهم. لقد كانت معركة طوفان الأقصى كارثة وطامة كبرى، وصفعة قاسية على وجه نتنياهو وعربدته هو وشركائه الذين يشاركونه الحكومة المتطرفة.

وفي انتظار ما ستفضي إليه هذه المعركة، أرجو أن تنتظروا الحلقة الثانية من مقالتي، التي ستتناول النتائج المتوقعة ومعادلة الربح والخسارة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة الفلسطينية الإسرائيلي إسرائيل فلسطين غزة المقاومة طوفان القدس مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المعرکة

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. خبير: إسرائيل استغلت "طوفان الأقصى" لتحقيق أهدافها في المنطقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية، إن إسرائيل استغلت عملية "طوفان الأقصى" كذريعة لتسريع تنفيذ وتحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط، المتمثلة في مزيد من التوسع في الأراضي العربية، سواء في غزة أو الضفة أو لبنان أو سوريا، ويظهر ذلك من خلال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، فيما يتعلق بتحقيق أهدافه ومعادلاته في المنطقة ورسم الخرائط الجديدة في تلك المناطق.

وأضاف "سيد"، خلال مداخلة هاتفية عبر فضائية القاهرة الإخبارية، أن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تأتي ضمن مخطط خبيث قديم لفرض معادلات جديدة وأمر واقع من قبل المجموعة التي تحكم دولة الاحتلال الآن، والتي تعتبر الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل.

وتابع خبير العلاقات الدولية: "الحكومة الإسرائيلية استغلت الظروف الراهنة في المنطقة بل ساهمت في صناعتها بما يدفع إلى نشر مزيد من الفوضى، وبالتالي تنفيذ مخططاتها."

وأشار إلى أن الاعتداءات والتعديات الإسرائيلية في سوريا جاءت عقب لحظات قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، فضلاً عن الإسراع في تدمير مقدرات الجيش السوري، والتوغل العسكري وضم أراضٍ جديدة مثل الجولان ومنطقة جبل الشيخ، والوصول حتى حدود محافظة دمشق، والاستيلاء على مناطق مثل القنيطرة ودرعا. وهو ما يعكس المخطط الإسرائيلي الذي يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، وانتهاكًا سافرًا للسيادة السورية، وخرقًا للاتفاقيات والمعاهدات بما في ذلك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.

مقالات مشابهة

  • طوفان الأقصى ومستقبل المنطقة ووضع الفصائل الفلسطينية: متغيرات جيو-استراتيجية
  • تواصل بطولة طوفان الأقصى المدرسية بالحديدة
  • عبد المنعم سعيد: طوفان الأقصى أحدث زلزالا كبيرا في المنطقة
  • أحمد موسى: غزة لن تعود كما كانت عليه قبل عملية طوفان الأقصى
  • أمسية ثقافية في المشنة بإب تحت شعار “طوفان الأقصى جهادٌ وانتصار”
  • الحديدة.. مسيران لخريجي دورات طوفان الأقصى في جبل راس والزيدية
  • تدشين الدورات العسكرية المفتوحة في مديرية الوحدة بأمانة العاصمة
  • غزة والضفة.. مقتل عشرات الفلسطينيين واقتحامات للمسجد الأقصى والهدنة عالقة!
  • بالفيديو.. خبير: إسرائيل استغلت "طوفان الأقصى" لتحقيق أهدافها في المنطقة
  • اختتام دورات “طوفان الأقصى” في إدارات أمن مديريات الضالع