المشهد اليمني:
2024-12-27@03:57:02 GMT

طوفان الأقصى... سقوط سردياتٍ وولادة أخرى

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

طوفان الأقصى... سقوط سردياتٍ وولادة أخرى

ليست مبالغة القول إن عملية طوفان الأقصى التي شنّتها كتائب عز الدين القسام، فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، كانت بمثابة انعطافه كبرى في ميدان الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى سبعة عقود، فقد جاءت هذه العملية، بعد عقود من الاستسلام والضعف والعجز والانبطاح العربي، لتشكّل نقطة تحوّل في مسار القضية الفلسطينية والمنطقة كلها، فالتحول الكبير الذي أحدثته هذه العملية البطولية يكمن في أمور عدة، أولها أنها أول عملية عسكرية فلسطينية هجومية تُخاض داخل ما تسميه دولة الكيان الصهيوني أراضي إسرائيل، وأنها تأتي في توقيتٍ بالغ الحساسية فيما يتعلق بمسارات القضية الفلسطينية التي كانوا على وشك إسدال الستار عليها في عملية تطبيعية يُعدّ لها منذ سنوات طويلة بين دولة الكيان وما تبقّى من دول العالم العربي.



ثانياً، وهو الأهم هنا، جاءت عملية طوفان الأقصى بمثابة رسالة قوية تحطّمت من خلالها مقولات وسرديات كثيرة عن دولة الكيان الصهيوني وجيشها الذي لا يُقهر، فما جرى لهذا الجيش من هزيمة مذلّة وكبيرة لن يكون مجرّد حدثٍ عابر، بل هي نقطة تحوّل عسكرية أيضاً، وعلى كل المستويات، فقد بها الجيش الذي لا يُقهر سمعته التي مُرّغت في الوحل، واكتسب الأبطال في كتائب القسام وكل الفصائل الفلسطينية، ومن بعدهم الجيوش العربية، ثقتها بنفسها بأنها متى ما امتلكت الإرادة والقرار يمكنها الانتصار.

صحيحٌ أن كل هذه التحوّلات قد حدثت، ولكن في الجانب الآخر من المشهد أن العالم العربي الرسمي ضالعٌ في الانبطاح، بل والمؤامرة أيضاً من أخمص قدميه حتى شعر رأسه. وليس شرطاً أن يكون لدى هذه الأنظمة العربية الرسمية تفاصيل المؤامرة، بل يكفي هذا الصمت والخذلان دليلاً كافياً على أنهم شركاء ومتواطئون في هذه الجريمة التي تستهدف كرامتهم في المقام الأول. وإلا ماذا يعني هذا الخوف الممزوج بالتواطؤ، وأي معنى للخوف بعد ما حدث وجرى، وقامت به وحققته المقاومة الفلسطينية من كسر لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، فلا معنى لهذا الخوف إلا أنه دورُ وظيفي لهذه الأنظمة الوظيفية التي تبالغ في أداء أدوارها في الوقت الذي سقطت فيه كل المقولات والسرديات المؤسسة لدولة الكيان، قلعة استعمارية حصينة وعصيّة على الاختراق والهزيمة، فما حقّقته عملية طوفان الأقصى، ومنذ أول طلقة رصاص أطلقتها، أنها كسرت تلك السردية المؤسطرة لجيش العدو، وحوّلته من أقوى جيش في المنطقة إلى جيش عادي وعادي جداً، ينهزم أمام أبسط الإمكانات والقدرات، وكل ما كانت تحتاجه هذه الفصائل ليس ذلك الإعداد، وإن كان مطلوباً، ولكن قبل هذا الإعداد الإرادة وعدالة القضية، وهذه هي المنطلقات الحقيقية لهزيمة الجيش الذي لا يُقهر على مدى نصف قرن.


سقوط هذه السردية اليوم انتصار كبير وهدف أكبر لعملية طوفان الأقصى، وهدف كهذا عظيم ليس بالأمر السهل، إذ يتعلق بتحوّل سردية جرى الاشتغال عليها عقوداً طويلة وتكريسها حقيقة لا تقبل الجدل ولا النقاش مطلقاً، في ضوء تاريخ طويل من الهزائم العربية المصطنعة والمنتجة بعناية، لأنها كانت تُخاض من دون إرادة حرّة ومستقلة، ومن دون أدني استعداد حقيقي للنصر أيضاً.

ولم تسقط هنا سردية الجيش الذي لا يُقهر فحسب، بل وكل ما يتعلق بها، وفي المقدمة سرديتا السلام المزعوم والغرب الديمقراطي المدني، عدا عن سقوط سردية حقوق الإنسان والعدالة الدولية، والقانون الدولي الإنساني، وكل تلك السرديات التي مللْنا سماعها من الغرب المدني الديمقراطي وأدواته على امتداد نصف قرن، ما بعد رحيل المستعمرين الذين رحلوا شكلاً وبقوا مضموناً وممارسة.

حالتا النفاق الغربي اليوم والانكشاف الذي ظهر به الغرب رسمياً لا تدعان مجالاً للشك أن العقلية الاستعمارية الغربية لا تزال كما عهدناها من أول لحظة. الغرب الاستعماري المعياري في رؤيته نفسه ورؤيته العالم خارج حدود العالم الغربي بأنه عالم أدنى قيماً وإنسانية وكرامة، وها هي اليوم سردية الغرب الديمقراطي المدني تسقط سقوطاً مدوّياً، ليبقى لنا وجه الغرب الاستعماري الهمجي المتوحش، وإنْ بقليلٍ من رتوش المدنية المزيفة والمزعومة.

وحتى لا نسقط في سياق التعميمات الظالمة، الغرب الرسمي هو الذي انكشف وتعرّى، فيما ثمّة في الغرب مجتمع مدني حي، هو الذي لا يزال يدافع عن مدنيّته وحقوق الإنسان، هذا الغرب الشعبي الذي خرج في مظاهرات، رغم قرارات المنع والتجريم لهذه المظاهرات والتضامنات التي خرج الناس من أجلها في صورة إنسانية رائعة وعظيمة.


ومن السرديات التي سقطت أيضاً ما بنته إيران وروجته منذ ثلاثة عقود عما يسمّى محور المقاومة، السردية المملّة التي بموجبها أوقعت إيران أربع عواصم عربية، تحت لافتة تحرير القدس، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وإن كانت قد سقطت منذ زمن، إلا أنها اليوم تسقُط حتى لدى الساذجين تفكيراً، الواهمين الذين لا يؤمنون إلا بالأدلة القاطعة عياناً بياناً. فمن يتابع تناقضات موقف إيران ومليشياتها يدرك حقيقة أن إيران ليست سوى تاجر مواقف انتهازي حقير، يستثمر في كل شيء، حتى بالقيم والدين والله والمعتقدات والدم والإنسان وكل شيء، في سبيل مشروعهم القومي الفارسي المتدثر بالتشيّع والممانعة والشعارات الفارغة التي يعكسها واقع مر تعيشه المجتمعات الرازحة تحت وصاية الولي الفقيه في العراق وسورية ولبنان ويمن الحوثي.

باختصار، ما أحدثته معركة طوفان الأقصى هو نقطة التحوّل الأبرز في هذه اللحظة العربية الفارقة والميّتة، النقطة التي ينبغي البناء عليها، وإعادة التموضع لكل الأطراف، وخصوصاً أطراف الضحايا الذين ظلوا دائماً في موقع المفعول بهم طوال فترة الصراع. أما اليوم، وفي ظل تداعيات أحداث طوفان الأقصى، وأفول سرديات وقيام أخرى، فإن أهم ما نتج عن هذه العملية استعادة زمام المبادرة فلسطينياً وعربياً، زمام مبادرة الفاعلين على المشهد الذين ظلوا عقوداً في خانة الضحايا، ها هم اليوم يكسرون الطوق، ويخرجون فاعلين، وهم من يحدّد مصير هذه المنطقة كلها اليوم، سلماً وحرباً.

يقيناً، لو لم يكن لعملية طوفان الأقصى إلا استعادة زمام المبادرة فلسطينياً وعربياً، والدفع بالمشهد مجدّداً إلى نقطة البداية، بعد استعادة زمام المبادرة والمبادأة، فيكفي هذا نصراً مؤزراً لا يمكن تجاوزه ونسيانه بسهولة، وخصوصاً في ضوء المشهد الجديد الذي تبدّى عن سرديات جديدة وأفول أخرى قديمة ورتيبة، حكمت المشهد العربي ردحاً من الزمن، ورسمت إطاراً واحداً للعربي الميّت، ولو لم يكن لطوفان الأقصى سوى أن قذفت بالحياة والروح لجسد العربي الميّت لكفى ذلك نصراً عظيماً مؤزّراً له ما بعده.


*نقلا عن العربي الجديد

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: عملیة طوفان الأقصى ة التی

إقرأ أيضاً:

اختتام دورة طوفان الأقصى لقيادات السلطة المحلية في صعدة

يمانيون../
اختتمت السلطة المحلية في محافظة صعدة، اليوم، دورة “طوفان الأقصى”، بمشاركة المحافظ محمد جابر عوض، وأمين عام المجلس المحلي، محمد العماد، إلى جانب وكلاء ومستشاري المحافظة ومدراء المكتب التنفيذي وأعضاء السلطة المحلية.

تخلل الاختتام تطبيق ميداني ومناورة عسكرية تحاكي اقتحام مواقع العدو، حيث أظهر المشاركون مهارات ميدانية في استخدام الأسلحة بمختلف أنواعها، ودراسة الجغرافيا الميدانية، وتنفيذ المهام العملياتية التي تواجه قوات التعبئة العامة في ميادين المواجهة.

وأشاد محافظ صعدة بجهود الشرطة العسكرية في تدريب وتأهيل قيادات المحافظة وأعضاء المكتب التنفيذي، مثمناً دورهم في تعزيز الجاهزية لمواجهة التحديات، بالإضافة إلى الإسهام البارز لمكتب الثقافة في هذه الجهود.

وأكد المحافظ أن المشاركة في دورات “طوفان الأقصى” تمثل تلاحماً بين الجانب الرسمي والشعبي، استجابة لتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ولتعزيز الإعداد العسكري في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” ضد أعداء الأمة.

من جانبه، أعرب أمين عام المجلس المحلي، محمد العماد، عن شكره لقيادة الشرطة العسكرية والقائمين على الدورة، مشيداً باستجابة المشاركين وحرصهم على اكتساب المهارات وتنفيذها عملياً.

بدورهم، عبر المشاركون عن ارتياحهم للالتحاق بالدورة، مشيرين إلى دورها في بناء القدرات الإيمانية والثقافية والعسكرية. وأكدوا جاهزيتهم للمساهمة الفاعلة مع قوات التعبئة في مواجهة العدو ودعم القضية الفلسطينية والمقاومة الباسلة.

مقالات مشابهة

  • مناورة عسكرية ومسير راجل لخريجي دورة “طوفان الأقصى” في عمران
  • اختتام دورة طوفان الأقصى لقيادات السلطة المحلية في صعدة
  • إخفاقات مدوية لسلاح الجو الصهيوني في التصدي لهجوم “طوفان الأقصى”
  • وقفة ومسير لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في الصلو بتعز تضامناً مع غزة
  • صخر الشارخ.. قصة العربي الذي جعل الحواسيب تتحدث بالعربية
  • تعز.. مسيرات لخريجي دورات التعبئة دعمًا لفلسطين ومواجهة التصعيد الصهيوني
  • مسير لخريجي دورات طوفان الأقصى في سنحان بمحافظة صنعاء
  • كل ساعة يُستشهد طفل.. 45338 شهيدا فلسطينيا في غزة منذ "طوفان الأقصى"
  • كل ساعة يستشهد طفل.. 45338 شهيدا فلسطينيا في غزة منذ "طوفان الأقصى"
  • بالصور: تطبيقاً عسكرياً لخريجي “دورات طوفان الأقصى” من قوات التعبئة العامة من أبناء بني معاذ بسحار صعدة