المشهد اليمني:
2024-11-14@04:03:44 GMT

طوفان الأقصى... سقوط سردياتٍ وولادة أخرى

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

طوفان الأقصى... سقوط سردياتٍ وولادة أخرى

ليست مبالغة القول إن عملية طوفان الأقصى التي شنّتها كتائب عز الدين القسام، فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، كانت بمثابة انعطافه كبرى في ميدان الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى سبعة عقود، فقد جاءت هذه العملية، بعد عقود من الاستسلام والضعف والعجز والانبطاح العربي، لتشكّل نقطة تحوّل في مسار القضية الفلسطينية والمنطقة كلها، فالتحول الكبير الذي أحدثته هذه العملية البطولية يكمن في أمور عدة، أولها أنها أول عملية عسكرية فلسطينية هجومية تُخاض داخل ما تسميه دولة الكيان الصهيوني أراضي إسرائيل، وأنها تأتي في توقيتٍ بالغ الحساسية فيما يتعلق بمسارات القضية الفلسطينية التي كانوا على وشك إسدال الستار عليها في عملية تطبيعية يُعدّ لها منذ سنوات طويلة بين دولة الكيان وما تبقّى من دول العالم العربي.



ثانياً، وهو الأهم هنا، جاءت عملية طوفان الأقصى بمثابة رسالة قوية تحطّمت من خلالها مقولات وسرديات كثيرة عن دولة الكيان الصهيوني وجيشها الذي لا يُقهر، فما جرى لهذا الجيش من هزيمة مذلّة وكبيرة لن يكون مجرّد حدثٍ عابر، بل هي نقطة تحوّل عسكرية أيضاً، وعلى كل المستويات، فقد بها الجيش الذي لا يُقهر سمعته التي مُرّغت في الوحل، واكتسب الأبطال في كتائب القسام وكل الفصائل الفلسطينية، ومن بعدهم الجيوش العربية، ثقتها بنفسها بأنها متى ما امتلكت الإرادة والقرار يمكنها الانتصار.

صحيحٌ أن كل هذه التحوّلات قد حدثت، ولكن في الجانب الآخر من المشهد أن العالم العربي الرسمي ضالعٌ في الانبطاح، بل والمؤامرة أيضاً من أخمص قدميه حتى شعر رأسه. وليس شرطاً أن يكون لدى هذه الأنظمة العربية الرسمية تفاصيل المؤامرة، بل يكفي هذا الصمت والخذلان دليلاً كافياً على أنهم شركاء ومتواطئون في هذه الجريمة التي تستهدف كرامتهم في المقام الأول. وإلا ماذا يعني هذا الخوف الممزوج بالتواطؤ، وأي معنى للخوف بعد ما حدث وجرى، وقامت به وحققته المقاومة الفلسطينية من كسر لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، فلا معنى لهذا الخوف إلا أنه دورُ وظيفي لهذه الأنظمة الوظيفية التي تبالغ في أداء أدوارها في الوقت الذي سقطت فيه كل المقولات والسرديات المؤسسة لدولة الكيان، قلعة استعمارية حصينة وعصيّة على الاختراق والهزيمة، فما حقّقته عملية طوفان الأقصى، ومنذ أول طلقة رصاص أطلقتها، أنها كسرت تلك السردية المؤسطرة لجيش العدو، وحوّلته من أقوى جيش في المنطقة إلى جيش عادي وعادي جداً، ينهزم أمام أبسط الإمكانات والقدرات، وكل ما كانت تحتاجه هذه الفصائل ليس ذلك الإعداد، وإن كان مطلوباً، ولكن قبل هذا الإعداد الإرادة وعدالة القضية، وهذه هي المنطلقات الحقيقية لهزيمة الجيش الذي لا يُقهر على مدى نصف قرن.


سقوط هذه السردية اليوم انتصار كبير وهدف أكبر لعملية طوفان الأقصى، وهدف كهذا عظيم ليس بالأمر السهل، إذ يتعلق بتحوّل سردية جرى الاشتغال عليها عقوداً طويلة وتكريسها حقيقة لا تقبل الجدل ولا النقاش مطلقاً، في ضوء تاريخ طويل من الهزائم العربية المصطنعة والمنتجة بعناية، لأنها كانت تُخاض من دون إرادة حرّة ومستقلة، ومن دون أدني استعداد حقيقي للنصر أيضاً.

ولم تسقط هنا سردية الجيش الذي لا يُقهر فحسب، بل وكل ما يتعلق بها، وفي المقدمة سرديتا السلام المزعوم والغرب الديمقراطي المدني، عدا عن سقوط سردية حقوق الإنسان والعدالة الدولية، والقانون الدولي الإنساني، وكل تلك السرديات التي مللْنا سماعها من الغرب المدني الديمقراطي وأدواته على امتداد نصف قرن، ما بعد رحيل المستعمرين الذين رحلوا شكلاً وبقوا مضموناً وممارسة.

حالتا النفاق الغربي اليوم والانكشاف الذي ظهر به الغرب رسمياً لا تدعان مجالاً للشك أن العقلية الاستعمارية الغربية لا تزال كما عهدناها من أول لحظة. الغرب الاستعماري المعياري في رؤيته نفسه ورؤيته العالم خارج حدود العالم الغربي بأنه عالم أدنى قيماً وإنسانية وكرامة، وها هي اليوم سردية الغرب الديمقراطي المدني تسقط سقوطاً مدوّياً، ليبقى لنا وجه الغرب الاستعماري الهمجي المتوحش، وإنْ بقليلٍ من رتوش المدنية المزيفة والمزعومة.

وحتى لا نسقط في سياق التعميمات الظالمة، الغرب الرسمي هو الذي انكشف وتعرّى، فيما ثمّة في الغرب مجتمع مدني حي، هو الذي لا يزال يدافع عن مدنيّته وحقوق الإنسان، هذا الغرب الشعبي الذي خرج في مظاهرات، رغم قرارات المنع والتجريم لهذه المظاهرات والتضامنات التي خرج الناس من أجلها في صورة إنسانية رائعة وعظيمة.


ومن السرديات التي سقطت أيضاً ما بنته إيران وروجته منذ ثلاثة عقود عما يسمّى محور المقاومة، السردية المملّة التي بموجبها أوقعت إيران أربع عواصم عربية، تحت لافتة تحرير القدس، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وإن كانت قد سقطت منذ زمن، إلا أنها اليوم تسقُط حتى لدى الساذجين تفكيراً، الواهمين الذين لا يؤمنون إلا بالأدلة القاطعة عياناً بياناً. فمن يتابع تناقضات موقف إيران ومليشياتها يدرك حقيقة أن إيران ليست سوى تاجر مواقف انتهازي حقير، يستثمر في كل شيء، حتى بالقيم والدين والله والمعتقدات والدم والإنسان وكل شيء، في سبيل مشروعهم القومي الفارسي المتدثر بالتشيّع والممانعة والشعارات الفارغة التي يعكسها واقع مر تعيشه المجتمعات الرازحة تحت وصاية الولي الفقيه في العراق وسورية ولبنان ويمن الحوثي.

باختصار، ما أحدثته معركة طوفان الأقصى هو نقطة التحوّل الأبرز في هذه اللحظة العربية الفارقة والميّتة، النقطة التي ينبغي البناء عليها، وإعادة التموضع لكل الأطراف، وخصوصاً أطراف الضحايا الذين ظلوا دائماً في موقع المفعول بهم طوال فترة الصراع. أما اليوم، وفي ظل تداعيات أحداث طوفان الأقصى، وأفول سرديات وقيام أخرى، فإن أهم ما نتج عن هذه العملية استعادة زمام المبادرة فلسطينياً وعربياً، زمام مبادرة الفاعلين على المشهد الذين ظلوا عقوداً في خانة الضحايا، ها هم اليوم يكسرون الطوق، ويخرجون فاعلين، وهم من يحدّد مصير هذه المنطقة كلها اليوم، سلماً وحرباً.

يقيناً، لو لم يكن لعملية طوفان الأقصى إلا استعادة زمام المبادرة فلسطينياً وعربياً، والدفع بالمشهد مجدّداً إلى نقطة البداية، بعد استعادة زمام المبادرة والمبادأة، فيكفي هذا نصراً مؤزراً لا يمكن تجاوزه ونسيانه بسهولة، وخصوصاً في ضوء المشهد الجديد الذي تبدّى عن سرديات جديدة وأفول أخرى قديمة ورتيبة، حكمت المشهد العربي ردحاً من الزمن، ورسمت إطاراً واحداً للعربي الميّت، ولو لم يكن لطوفان الأقصى سوى أن قذفت بالحياة والروح لجسد العربي الميّت لكفى ذلك نصراً عظيماً مؤزّراً له ما بعده.


*نقلا عن العربي الجديد

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: عملیة طوفان الأقصى ة التی

إقرأ أيضاً:

فوضى بوزارة حرب الاحتلال.. استقالات وإقالات منذ عملية طوفان الأقصى (صور)

على مدار عام كامل من العدوان على قطاع غزة ولاحقا لبنان، وجدت وزارة الحرب وأجهزة الاحتلال الأمنية نفسها، أمام واحدة من أعقد الأزمات التي وقعت فيها، وكشفت عن الكثير من نقاط الضعف والخلل، وانعدام الثقة بين قياداتها.

وخلال العام الماضي، وقعت سلسلة من الاستقالات والإقالات، على خلفية الأزمات التي عصفت بالاحتلال، ظل فشله المتواصل في تحقيق أهدافه، على الرغم من المجازر الواسعة التي ارتكبها في قطاع غزة ولبنان، أمام صمود المقاومة ومضيها في حرب استنزاف.



وتعكس الاستقالات حالة الارتباك والفوضى بوزارة حرب الاحتلال، فضلا عن مشكلة استراتيجية في بنية الجيش، إضافة إلى الصراع مع المستوى السياسي الذي يقوده اليمين المتطرف المكون من شخصيات أغلبها ليس لها خلفيات عسكرية بالمطلق ولم تخدم حتى في جيش الاحتلال.

ونستعرض في التقرير التالي، أبرز الاستقالات التي وقعت في صفوف وزارة الحرب وأجهزة أمن الاحتلال، رغم خوضهم عدوانا واسعا لم يتوقف حتى الآن.

أهارون هاليفا

لواء سابق في جيش الاحتلال، كان ضابطا في لواء المظليين، ترأس جهاز الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال، منذ عام 2021، وحتى تاريخ استقالته من الجهاز عام 2024.

حمل نفسه مسؤولية الفشل عن كشف عملية طوفان الأقصى قبل وقوعها، بسبب الإخفاق الاستخباري الذي وقع فيه جهازه في واحدة من أهم الساحات المعادية للاحتلال في قطاع غزة.



يهودا فوكس

لواء سابق بجيش الاحتلال، كان يتولى قيادة القيادة المركزية لجيش الاحتلال، وكان قائد فرقة غزة وقائد المنطقة الوسطى.

رغم أنه يتحمل مسؤوليات بسبب الإخفاق أمام عملية طوفان الأقصى، بفعل خدمته السابقة في فرقة غزة، إلا أن رسالة استقالته كشفت تورط اليمين المتطرف، وخاصة كتيبة نيتساح يهودا التي كانت تنضوي تحت لواءه قبل الاستقالة، في إطلاق تهديدات بحقه ما دفعه للاستقالة.



آفي روزنفيلد

القائد السابق لفرقة غزة، والذي وجهت إليه أصابع الاتهام بصورة مباشرة في الإخفاق في عملية طوفان الأقصى، بعد انهيار قوات فرقته أمام هجوم كتائب القسام.

كتب رسالة أعرب فيها عن الأسف من الإخفاق الذي جرى، وقال فيها "على الجميع أن يتحملوا مسؤولية ما حدث في 7 أكتوبر"، وجاءت استقالته بصورة مفاجئة مع وقت قصير من استقالة هاليفا رئيس شعبة الاستخبارات.



يؤآف غالانت
قائد سابق بجيش الاحتلال، شغل العديد من المناصب كان أبرزها قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش، المسؤولة عن قطاع غزة، فضلا عن شغله منصب وزير الحرب منذ العام 2022.

أقاله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد خلافات طاحنة بينهما، على كيفية إدارة العدوان على القطاع، إضافة إلى كشفه عن الخلافات حول ضرورة الذهاب إلى صفقة تبادل وتقدم تنازلات، وإصراره على تجنيد الحريديم وهو ما يرفضه نتنياهو.



تامير يادعي

أحد كبار الضباط بجيش الاحتلال، بدأ خدمته العسكرية في لواء غولاني، وترقى ليشغل مناصب مختلفة في الجيش ويعتبر من أبرز القادة الميدانيين.

تسلم قيادة وحدات استخبارية ووحدات للنخبة، إضافة إلى قيادة لواء غولاني وفرقة "يهودا والسامرة" الضفة الغربية، واختير قائد للقوات البرية بجيش الاحتلال، عام 2021، وحتى استقالته هذا العام بصورة مباشرة، وصفتها الصحافة العبرية بالزلزال في رئاسة الأركان.



حيزي نحميا

عقيد في جيش الاحتلال، والقائد المسؤول عن تدريب قوات الاحتياط، وأحد المشاركين في صياغة ما يعرف بخطة الجنرالات، والتي تقوم على محاصرة وتجويع السكان شمال قطاع غزة، من أجل تهجيرهم واحتلال المنطقة بالكامل.

أقيل نحميا من منصبه، بعد إطلاقه تصريحات وانتقادات لسير العمليات العسكرية، وقال إن المناورات العسكرية في غزة لن تحقق النصر.



ومن بين المستقلين كذلك من الضباط الأقل رتبة، ريتشارد هيشت المتحدث باسم جيش الاحتلال، للاعلام الاجنبي مع عدد من الضباط من قسم المعلومات تحت إمرة الناطق دانيال هاغاري.

كذلك قدم قائد المنطقة الجنوبية في جهاز الشاباك، استقالته وخطاب اعتراف بالمسؤولية عن الإخفاق والفشل جراء عملية طوفان الأقصى، وبقي اسمه طي السرية بسبب منصبه الحساس.

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ405 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • فوضى بوزارة حرب الاحتلال.. استقالات وإقالات منذ عملية طوفان الأقصى (صور)
  • ضباط كبار بالجيش الإسرائيلي يعلنون استياءهم بسبب تحقيقات "طوفان الأقصى"
  • يحيى السِّنوار (أبو إبراهيم) .. نور الوعد واليقين
  • تطورات اليوم الـ404 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ403 من "طوفان الأقصى"
  • ما الذي سيتغير مع عودة ترامب؟ مآلات طوفان الأقصى واتجاهات السياسة الأمريكية
  • إسرائيل: الوحش الذي صنعه الغرب ولم يعد يسيطر عليه؟
  • تطورات اليوم الـ403 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • «رأس حربة لتحقيق مصالح أمريكا».. تاريخ العلاقة بين الغرب والإخوان