المشهد اليمني:
2025-04-30@11:11:30 GMT

طوفان الأقصى... سقوط سردياتٍ وولادة أخرى

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

طوفان الأقصى... سقوط سردياتٍ وولادة أخرى

ليست مبالغة القول إن عملية طوفان الأقصى التي شنّتها كتائب عز الدين القسام، فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، كانت بمثابة انعطافه كبرى في ميدان الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى سبعة عقود، فقد جاءت هذه العملية، بعد عقود من الاستسلام والضعف والعجز والانبطاح العربي، لتشكّل نقطة تحوّل في مسار القضية الفلسطينية والمنطقة كلها، فالتحول الكبير الذي أحدثته هذه العملية البطولية يكمن في أمور عدة، أولها أنها أول عملية عسكرية فلسطينية هجومية تُخاض داخل ما تسميه دولة الكيان الصهيوني أراضي إسرائيل، وأنها تأتي في توقيتٍ بالغ الحساسية فيما يتعلق بمسارات القضية الفلسطينية التي كانوا على وشك إسدال الستار عليها في عملية تطبيعية يُعدّ لها منذ سنوات طويلة بين دولة الكيان وما تبقّى من دول العالم العربي.



ثانياً، وهو الأهم هنا، جاءت عملية طوفان الأقصى بمثابة رسالة قوية تحطّمت من خلالها مقولات وسرديات كثيرة عن دولة الكيان الصهيوني وجيشها الذي لا يُقهر، فما جرى لهذا الجيش من هزيمة مذلّة وكبيرة لن يكون مجرّد حدثٍ عابر، بل هي نقطة تحوّل عسكرية أيضاً، وعلى كل المستويات، فقد بها الجيش الذي لا يُقهر سمعته التي مُرّغت في الوحل، واكتسب الأبطال في كتائب القسام وكل الفصائل الفلسطينية، ومن بعدهم الجيوش العربية، ثقتها بنفسها بأنها متى ما امتلكت الإرادة والقرار يمكنها الانتصار.

صحيحٌ أن كل هذه التحوّلات قد حدثت، ولكن في الجانب الآخر من المشهد أن العالم العربي الرسمي ضالعٌ في الانبطاح، بل والمؤامرة أيضاً من أخمص قدميه حتى شعر رأسه. وليس شرطاً أن يكون لدى هذه الأنظمة العربية الرسمية تفاصيل المؤامرة، بل يكفي هذا الصمت والخذلان دليلاً كافياً على أنهم شركاء ومتواطئون في هذه الجريمة التي تستهدف كرامتهم في المقام الأول. وإلا ماذا يعني هذا الخوف الممزوج بالتواطؤ، وأي معنى للخوف بعد ما حدث وجرى، وقامت به وحققته المقاومة الفلسطينية من كسر لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، فلا معنى لهذا الخوف إلا أنه دورُ وظيفي لهذه الأنظمة الوظيفية التي تبالغ في أداء أدوارها في الوقت الذي سقطت فيه كل المقولات والسرديات المؤسسة لدولة الكيان، قلعة استعمارية حصينة وعصيّة على الاختراق والهزيمة، فما حقّقته عملية طوفان الأقصى، ومنذ أول طلقة رصاص أطلقتها، أنها كسرت تلك السردية المؤسطرة لجيش العدو، وحوّلته من أقوى جيش في المنطقة إلى جيش عادي وعادي جداً، ينهزم أمام أبسط الإمكانات والقدرات، وكل ما كانت تحتاجه هذه الفصائل ليس ذلك الإعداد، وإن كان مطلوباً، ولكن قبل هذا الإعداد الإرادة وعدالة القضية، وهذه هي المنطلقات الحقيقية لهزيمة الجيش الذي لا يُقهر على مدى نصف قرن.


سقوط هذه السردية اليوم انتصار كبير وهدف أكبر لعملية طوفان الأقصى، وهدف كهذا عظيم ليس بالأمر السهل، إذ يتعلق بتحوّل سردية جرى الاشتغال عليها عقوداً طويلة وتكريسها حقيقة لا تقبل الجدل ولا النقاش مطلقاً، في ضوء تاريخ طويل من الهزائم العربية المصطنعة والمنتجة بعناية، لأنها كانت تُخاض من دون إرادة حرّة ومستقلة، ومن دون أدني استعداد حقيقي للنصر أيضاً.

ولم تسقط هنا سردية الجيش الذي لا يُقهر فحسب، بل وكل ما يتعلق بها، وفي المقدمة سرديتا السلام المزعوم والغرب الديمقراطي المدني، عدا عن سقوط سردية حقوق الإنسان والعدالة الدولية، والقانون الدولي الإنساني، وكل تلك السرديات التي مللْنا سماعها من الغرب المدني الديمقراطي وأدواته على امتداد نصف قرن، ما بعد رحيل المستعمرين الذين رحلوا شكلاً وبقوا مضموناً وممارسة.

حالتا النفاق الغربي اليوم والانكشاف الذي ظهر به الغرب رسمياً لا تدعان مجالاً للشك أن العقلية الاستعمارية الغربية لا تزال كما عهدناها من أول لحظة. الغرب الاستعماري المعياري في رؤيته نفسه ورؤيته العالم خارج حدود العالم الغربي بأنه عالم أدنى قيماً وإنسانية وكرامة، وها هي اليوم سردية الغرب الديمقراطي المدني تسقط سقوطاً مدوّياً، ليبقى لنا وجه الغرب الاستعماري الهمجي المتوحش، وإنْ بقليلٍ من رتوش المدنية المزيفة والمزعومة.

وحتى لا نسقط في سياق التعميمات الظالمة، الغرب الرسمي هو الذي انكشف وتعرّى، فيما ثمّة في الغرب مجتمع مدني حي، هو الذي لا يزال يدافع عن مدنيّته وحقوق الإنسان، هذا الغرب الشعبي الذي خرج في مظاهرات، رغم قرارات المنع والتجريم لهذه المظاهرات والتضامنات التي خرج الناس من أجلها في صورة إنسانية رائعة وعظيمة.


ومن السرديات التي سقطت أيضاً ما بنته إيران وروجته منذ ثلاثة عقود عما يسمّى محور المقاومة، السردية المملّة التي بموجبها أوقعت إيران أربع عواصم عربية، تحت لافتة تحرير القدس، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وإن كانت قد سقطت منذ زمن، إلا أنها اليوم تسقُط حتى لدى الساذجين تفكيراً، الواهمين الذين لا يؤمنون إلا بالأدلة القاطعة عياناً بياناً. فمن يتابع تناقضات موقف إيران ومليشياتها يدرك حقيقة أن إيران ليست سوى تاجر مواقف انتهازي حقير، يستثمر في كل شيء، حتى بالقيم والدين والله والمعتقدات والدم والإنسان وكل شيء، في سبيل مشروعهم القومي الفارسي المتدثر بالتشيّع والممانعة والشعارات الفارغة التي يعكسها واقع مر تعيشه المجتمعات الرازحة تحت وصاية الولي الفقيه في العراق وسورية ولبنان ويمن الحوثي.

باختصار، ما أحدثته معركة طوفان الأقصى هو نقطة التحوّل الأبرز في هذه اللحظة العربية الفارقة والميّتة، النقطة التي ينبغي البناء عليها، وإعادة التموضع لكل الأطراف، وخصوصاً أطراف الضحايا الذين ظلوا دائماً في موقع المفعول بهم طوال فترة الصراع. أما اليوم، وفي ظل تداعيات أحداث طوفان الأقصى، وأفول سرديات وقيام أخرى، فإن أهم ما نتج عن هذه العملية استعادة زمام المبادرة فلسطينياً وعربياً، زمام مبادرة الفاعلين على المشهد الذين ظلوا عقوداً في خانة الضحايا، ها هم اليوم يكسرون الطوق، ويخرجون فاعلين، وهم من يحدّد مصير هذه المنطقة كلها اليوم، سلماً وحرباً.

يقيناً، لو لم يكن لعملية طوفان الأقصى إلا استعادة زمام المبادرة فلسطينياً وعربياً، والدفع بالمشهد مجدّداً إلى نقطة البداية، بعد استعادة زمام المبادرة والمبادأة، فيكفي هذا نصراً مؤزراً لا يمكن تجاوزه ونسيانه بسهولة، وخصوصاً في ضوء المشهد الجديد الذي تبدّى عن سرديات جديدة وأفول أخرى قديمة ورتيبة، حكمت المشهد العربي ردحاً من الزمن، ورسمت إطاراً واحداً للعربي الميّت، ولو لم يكن لطوفان الأقصى سوى أن قذفت بالحياة والروح لجسد العربي الميّت لكفى ذلك نصراً عظيماً مؤزّراً له ما بعده.


*نقلا عن العربي الجديد

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: عملیة طوفان الأقصى ة التی

إقرأ أيضاً:

القصة الكاملة للمقاتل السوري مجدي نعمة الذي بدأت محاكمته اليوم بباريس

بدأت اليوم الثلاثاء في باريس محاكمة السوري مجدي نعمة المقاتل السابق في صفوف "جيش الإسلام" حيث يواجه تهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب بين عامي 2013 و2016 في ضواحي دمشق.

ويدحض نعمة البالغ من العمر 36 عاما التهم الموجّهة إليه، مشدّدا على "الدور المحدود" الذي اضطلع به في إطار هذه الجماعة التي حاربت النظام السوري وكانت تدعو إلى تطبيق للشريعة الإسلامية.

وُضع نعمة في الحبس الاحتياطي منذ يناير/كانون الثاني 2020، ويواجه احتمال الحكم عليه بالسجن 20 عاما.

وإلى جانب تهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب والمساعدة في التخطيط لها، يشتبه في أن المقاتل السوري ساعد على تجنيد أطفال أو فتيان في صفوف "أشبال الإسلام" وتدريبهم على العمل المسلح.

وقد رفض رئيس محكمة الجنايات جان-مارك لافيرن أن يتكلم المتهم بالإنجليزية، طالبا أن يستخدم لغته الأم العربية.

وقد تجاهل مجدي نعمة هذه التوجيهات. وعندما طُلب منه التعريف عن نفسه، ردّ بالإنجليزية. وقال "لا أدلة إطلاقا على الأفعال المنسوبة لي"، مؤكّدا أن هذه القضية "سياسية بحتة".

الانشقاق والغوطة وتركيا

وهذه ثاني محاكمة تقام في فرنسا على خلفية جرائم مرتكبة في سوريا، بعد محاكمة أولى جرت في مايو/أيار 2024 في غياب المتّهمين وهم مسؤولون رفيعو المستوى في النظام السوري أدينوا بتهمة ضلوعهم في الاختفاء القسري لفرنسيَّيْن من أصل سوري ومقتلهما.

إعلان

أما مجدي نعمة، فقد انشقّ عن الجيش السوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 لينضم إلى زهران علوش مؤسس وقائد "لواء الإسلام" الذي أصبح "جيش الإسلام" عام 2013.

وسيطرت هذه الجماعة على الغوطة الشرقية شمال شرق دمشق في عام 2011 "ويشتبه في ارتكابها جرائم حرب خصوصا في حقّ المدنيين".

وكان المتهم القريب من زعيم الجماعة اتخذ من إسلام علوش اسما حركيا. وأكد للمحققين أنه غادر الغوطة الشرقية نهاية مايو/أيار 2013 إلى تركيا حيث كان المتحدث باسم "جيش الإسلام"، مما يثبت أنه لم يكن بإمكانه ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه. ويزعم أنه ترك الجماعة عام 2016.

وفي نوفمبر/تشرين 2019 وصل إلى فرنسا كطالب لمتابعة دراسته في معهد أبحاث العالم العربي والإسلامي بجامعة إيكس مارسيليا (جنوب شرق).

وأوقِف مجدي نعمة في يناير/كانون الثاني 2020 بعد بضعة أشهر من تقديم شكوى في فرنسا ضدّ "جيش الإسلام"، ووجَّه إليه قاض تهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب والتخطيط لها.

اختفاء قسري

وأحيل لاحقا على محكمة الجنايات بتهمة التواطؤ في حالات الاختفاء القسري. واتهم كعضو في "جيش الإسلام" بخطف 4 نشطاء في مجال حقوق الإنسان بينهم المحامية والصحفية السورية رزان زيتونة. ولم يعثر على هؤلاء إلى اليوم.

لكن محكمة استئناف باريس ألغت هذه الملاحقات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 لأسباب إجرائية، رغم أنها أكدت في حكمها أنه "يجب اعتبار جيش الإسلام مسؤولا عن اختفاء" الناشطين الأربعة. ثم ثبّتت محكمة التمييز، أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي، هذا الحكم.

وكان فريق الدفاع عن مجدي نعمة قد طعن خلال التحقيق في مبدأ الولاية القضائية العالمية للقضاء الفرنسي الذي يسمح له بمحاكمة أجنبي بتهمة ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية أو جرائم حرب في الخارج ضدّ أجانب، لكن محكمة التمييز ردت الطعن.

وقبل انطلاق المحاكمة، أشار وكيلا الدفاع عن نعمة إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 يفتح آفاقا جديدة ويثير "مسألة شرعية" هذه المحاكمة.

إعلان

وبالنسبة إلى مارك بايي، المحامي المكلّف بالدفاع عن عدّة أطراف مدنية في هذه القضية، فيعتبر أنه "في الوضع الحالي من المستحيل إجراء محاكمة على خلفية هذه الجرائم في سوريا".

ومن المتوقع أن يصدر الحكم في 27 مايو/أيار المقبل.

مقالات مشابهة

  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • القصة الكاملة للمقاتل السوري مجدي نعمة الذي بدأت محاكمته اليوم بباريس
  • الجيش السوداني: سقوط 41 مدنيا وإصابة عشرات بقصف مدفعي للدعم السريع في الفاشر
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • ما هي الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة التي شهدت تعطلاً اليوم؟
  • فيديو مفبرك يشعل التوتر في القدس .. تحذيرات من مخططات استيطانية وتصاعد الغضب العربي
  • مسير راجل ووقفة مسلحة لخريجي دورات طوفان الأقصى بمدينة عمران
  • مسير راجل لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في بلاد الطعام بريمة
  • مسير راجل ووقفة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في عمران