بدا الأمرُ في غزّة وكأنّه فرصة للإمبراطورية الأمريكية، فهي التي تؤجّل المناورة البرّية الإسرائيلية، التي يقول الجيش الإسرائيلي إنّه جاهز لها إداريّا وناريّا، ولكن نتنياهو يمتنع حتى الآن عن اتخاذ القرار بالدفع نحوها.

اختلفت التقديرات التي تبحث في دوافع تأجيل المستوى السياسي الإسرائيلي لهذه العملية، فمن اتهام أوساط سياسية لنتياهو بالجبن، إلى إرجاع الأمر برمّته للولايات المتحدة، وفي حين أنّ مناورة كهذه تحتاج قائدا سياسيّا شجاعا، فقد بات من المؤكّد أنّ القضية أمريكية بامتياز.



المؤكّد أنّ الولايات المتحدة هي التي تدير هذه المعركة، وإذا كانت قد أجرت عملية استكشاف وضغط في البداية تحت عنوان تهجير الفلسطينيين من قطاع عزّة فيما يبدو محاولة منها لاستثمار الحدث لفرض تسوية مدمّرة للقضية الفلسطينية، فإنّها الآن بصدد ضمان أحسن نتيجة من هذه الحرب للاحتلال الإسرائيلي، سواء في محاولة إخراج حركة حماس نهائيا من إدارة القطاع، أو على الأقل تدمير مقدراتها، أو إنهاء فاعلية المقاومة من القطاع لسنين طويلة قادمة بعد عمليات التدمير الممنهج للحياة الحضرية فيه، وبفرض قضية الإعمار عليه تاليا. وبالضرورة لن يتحكم الأمريكي بالقرار الإسرائيلي دون إظهار هذا الدعم الهائل وتعزيزه بدعاية الرعب والتهديد، وقد صار من نافلة القول العودة لاستعراض لا أوجه الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل" فحسب، ولكن الانغماس الأمريكي في أدق التفاصيل إلى درجة تجهيز قوّات خاصّة ووضعها في ظرف الجهوزية والاستعداد للتدخل.

الولايات المتحدة هي التي تدير هذه المعركة، وإذا كانت قد أجرت عملية استكشاف وضغط في البداية تحت عنوان تهجير الفلسطينيين من قطاع عزّة فيما يبدو محاولة منها لاستثمار الحدث لفرض تسوية مدمّرة للقضية الفلسطينية، فإنّها الآن بصدد ضمان أحسن نتيجة من هذه الحرب للاحتلال الإسرائيلي، سواء في محاولة إخراج حركة حماس نهائيا من إدارة القطاع، أو على الأقل تدمير مقدراتها، أو إنهاء فاعلية المقاومة من القطاع
يبقى السؤال عن الأسباب الأمريكية الدافعة نحو تأجيل الحرب البرّية، إذ تذكر المصادر عن الأمريكيين أسبابا مختلفة، منها الانتظار لاسترجاع المحتجزين لدى حركة حماس قبل توسيع الحرب في غزّة، ومنها الاستعداد لاتساع الحرب إقليميّا، ولذلك فهي ترسل صواريخ "ثاد" و"باتريوت" لنصبها في المنطقة، بما في ذلك داخل دول حلفائها العرب، ومنها بانتظار إرسال المزيد من القوات الأمريكية لتعزير القوّة الإسرائيلية أو لردع إيران وحلفائها عن التدخل أو لتكون جاهزة لأيّ تحوّل.

وعموما فلا شكّ أن أمريكا تبحث عن تحسين شروط الموقف الحربي الإسرائيلي من خلال إطالة القصف الجوّي المساحي لأطول فترة، وربما تعتقد أنّ هذا القصف وحده قد يكون كافيا لحسم المعركة بفرض الاستسلام على أهالي غزّة والمقاومة فيها، أو ترى أنّ قوّة النيران والتفوّق الجوّي لا يدعان حاجة للاستعجال في أيّ دخول برّيّ، فلماذا تدخل "إسرائيل" مغامرة برّية بلا معلومات استخباراتية كافية وهي قادرة على إحداث هذا الدمار كلّه من الجوّ؟!

تستعيد الولايات المتحدّة النموذج اليوغسلافي، حينما كثّف حلف شمال الأطلسي ضرباته الجوية على صربيا والجبل الأسود من 24 آذار/ مارس وحتى 10 حزيران/ يونيو 1999. يُضاف إلى ذلك أنّ البعض يتحدث عن نماذج الموصل والرقة أخيرا؛ إلا أنّه وفي الأحوال كلّها، لا ينبغي إغفال ما تمثّله القضية الفلسطينية، وعدالة قضية سكان غزّة، بقطع النظر عن حركة حماس، وأنّ المعركة تجري داخل فلسطين. فـ"إسرائيل" نفسها في قلب الضغط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ونزوح عشرات آلاف الإسرائيليين من مستوطنات "غلاف غزة" وجنوبي فلسطين وشماليها، وإطالة أمد التعبئة العامة باستدعاء كامل الاحتياط بما يعكسه ذلك على مجمل الحالة الاقتصادية والاجتماعية، وتصاعد التحدّي الأمني في شمالي فلسطين، يجعل المعركة معركة صبر وعضّ أصابع ومختلفة عن أيّ نموذج آخر جرّبته الولايات المتحدة بعيدا عن عمقها، بالرغم من قدرة الإسرائيلي والأمريكي على إحداث الدمار الهائل والإزاحة السكانية. ويبقى إشغال القطاع بالإعمار من بعد الحرب، هدفا من شأنه إخراجه من فاعلية المقاومة لسنين طويلة، كما سبق قوله.

يستطيع النظام المصري الحالي فرض وقف الحرب، وفي أضعف الأحوال فرض إدخال المساعدات على مدار الساعة بلا شروط، ولن تغامر "إسرائيل" بخسارة اتفاقية سلام استراتيجية تحيّد بها الجبهة الغربية وتحوّل بها سيناء إلى عمق إستراتيجي لها. بكلمة أخرى، لن تفعل "إسرائيل" شيئا أكثر من التهويش، والاستعانة بالضغوط الأمريكية، لكن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من الصمود في وجه الضغوط
إن كانت الإمبراطورية الأمريكية بخبرتها الإمبريالية قادرة على تحويل الحرب إلى فرصة، فهل تمنح هذه الحرب القوى الإقليمية، فرصة لتحسين مكانتها وتعزيز مواقعها؟! بالتأكيد، إلا أنّ المشكلة في إرادتها لا في قدرتها، وربما أيضا في تواطئها، إذ يبدو الموقف أنّ ثمّة من ينتظر القضاء على هذه "المقاومة المزعجة" و"الحركة الناشز عن مجمل السياق العربي"، دون اعتبار للتاريخ والتجربة مع أمريكا، التي تقدر على القتل وإحداث الدمار، ولكنها لا تنهي خططها أيضا. ولننظر إلى مآلات غزوها للعراق وأفغانستان، لكن من يمكنه الاتعاظ والاعتبار وهو لا يملك الإرادة؟!

يستطيع النظام المصري الحالي فرض وقف الحرب، وفي أضعف الأحوال فرض إدخال المساعدات على مدار الساعة بلا شروط، ولن تغامر "إسرائيل" بخسارة اتفاقية سلام استراتيجية تحيّد بها الجبهة الغربية وتحوّل بها سيناء إلى عمق إستراتيجي لها. بكلمة أخرى، لن تفعل "إسرائيل" شيئا أكثر من التهويش، والاستعانة بالضغوط الأمريكية، لكن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من الصمود في وجه الضغوط، ومن سخرية الموقف أن يصمد القطاع الصغير المحاصر تحت القصف الغاشم، في حين تُنصح دول، يُفترض أنها كبيرة في الإقليم، بالصمود لتعزيز مكانتها الإقليمية من خلال فرض وقف الحرب، أو فرض إدخال المساعدات.

يستطيع الأردن فعل الشيء نفسه، واستعادة مكانته كاملة في الإشراف على المسجد الأقصى، واتخاذ مرقف أقوى على مستوى الوساطة الإقليمية، وتحصين جبهته الداخلية، بينما يمكن للمملكة العربية السعودية أن تصنع زعامتها للعالم الإسلامي، من خلال موقف أقوى من هذه الحرب.

وأمّا إيران فإن دخولا أكثر جرأة لها على مجريات الحرب من شأنه أن يعزّز دعايتها ويخفّف من الاستقطاب الطائفي الذي نجم في جانب منه عن طريقتها في التدخل في العراق وسوريا، والتأخر في إظهار هذه الجرأة سوف تكتشف خسائره الفادحة لاحقا.

بقدر ما تعمل الإمبراطورية الأمريكية على تحويل الحرب إلى فرصة، تتسع الفرصة حتى لحلفاء أمريكا في الإقليم، ولكن من موقع أكثر استقلالا عنها، دون أن يكبّدهم ذلك أثمانا ذات شأن، إلا أنّ المعضلة في الإرادة المعطوبة
وأمّا بالنسبة للسلطة الفلسطينية فليس ثمّة أيّ استفادة (وطنية) من هزيمة قد يرجوها البعض لحماس في القطاع، ولا ينبغي أن تُنسى تركيا، والحالة هذه، إذ يبدو أنّ المخيال السياسي لأردوغان، انحصر في المناورات القائمة على تقديم التنازلات المؤقتة للقوى التي يعتقد أنّ الحلّ والربط بيدها في العالم، لكنّه كالعادة سيجد أنّ كل تنازل هو استجابة للابتزاز، وأنّ من يملك القدرة على الابتزاز لن يتخلّى عن هذه الميزة، لتكون تركيا وحزبها الحاكم أكبر الخاسرين من افتقادهم الإرادة لتحويل الحرب على غزّة لفرصة أفضل من موقع أكثر شرفا ونبلا.

إذن وبقدر ما تعمل الإمبراطورية الأمريكية على تحويل الحرب إلى فرصة، تتسع الفرصة حتى لحلفاء أمريكا في الإقليم، ولكن من موقع أكثر استقلالا عنها، دون أن يكبّدهم ذلك أثمانا ذات شأن، إلا أنّ المعضلة في الإرادة المعطوبة.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس غزة الشرق الأوسط امريكا حماس غزة تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الحرب حرکة حماس أکثر من إلا أن

إقرأ أيضاً:

الكشف عن أكثر المدن الأمريكية قذارة

الثورة نت/..

رغم ما تشتهر به مدينة نيويورك الأمريكية من انتشار الحشرات والشوارع المليئة بالقمامة والروائح الغريبة، إلا أن دراسة كشفت أنها لم تأت ضمن قائمة أكثر 10 مدن قذارة بالولايات المتحدة الأمريكية.

وفي دراسة نشرتها منصة “HouseFresh” المتخصصة في جودة الهواء داخل المنازل وأوردتها صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية، قام الباحثون بتحليل 12.3 مليون بلاغ متعلق بالنظافة ورد إلى رقم الطوارئ 311 في عدد من المدن الأمريكية، بهدف تحديد أكثر المدن التي تحتاج إلى تحسين أوضاعها الصحية.

وقالت الدراسة : “قمنا بترتيب المدن وفقا لعدد البلاغات المتعلقة بالنظافة لكل 100 ألف نسمة”.

وجاءت مدينة بالتيمور في المركز الأول كـ”أكثر المدن اتساخا” في الولايات المتحدة، بمعدل شكاوى مرتفع للغاية بلغ 47,295 بلاغا لكل 100 ألف نسمة، مما يدل، بحسب المحققين، على “فجوة واضحة بين احتياجات السكان وواقع نظافة المدينة”. وأضافوا أن “ستة من أكثر الرموز البريدية اتّساخا تقع جميعها داخل أو بالقرب من وسط المدينة”.

أما نيويورك، فقد جاءت بمعدل شكاوى “منخفض بشكل مفاجئ” بلغ 3,728 بلاغا لكل 100 ألف نسمة، مقارنة بمدينة لوس أنجلوس التي سجلت 21,616 بلاغًا، رغم ما تحظى به من مظهر براق.

واحتلت نيويورك المرتبة 17 ضمن قائمة أكثر 23 مدينة أمريكية اتساخا.

لكن، ورغم هذا التصنيف الذي يعد تحسنا مقارنة بترتيبها كثاني أكثر مدن العالم اتساخا وفقا لاستطلاع عام 2022، إلا أن أحد أحياءها لا يزال بحاجة إلى الكثير من العناية.

فقد أظهرت البيانات أن أعلى معدل شكاوى في المدينة جاء من حي بروكلين، برقم قياسي بلغ 7,664 بلاغا. وأوضح الباحثون أن هذا الحي، الذي ارتفع عدد سكانه بنسبة 6.8% منذ عام 2020 ليصل إلى أكثر من 2.5 مليون نسمة، يجذب عددا كبيرا من السياح سنويا، مما يفسّر تدهور النظافة فيه نتيجة الضغط البشري المتزايد.

وعلى النقيض، أظهرت البيانات أن رمز 11040 في حي نيو هايد بارك بلونغ آيلاند هو الأنظف في منطقة “الثلاث ولايات” (نيويورك، نيوجيرسي، كونيتيكت).

في المرتبة الثانية بعد بالتيمور، جاءت ساكرامنتو في كاليفورنيا، وهي عاصمة الولاية وتحتضن أكبر نهر فيها، والذي يُعد من بين أكثر الأنهار تلوثا في البلاد، بحسب تقرير صدر مؤخرًا عن مشروع النزاهة البيئية.

غير أن ممثلا عن مدينة ساكرامنتو أوضح لمنصة “HouseFresh” أن البلدية تشجّع السكان على الاتصال برقم 311 للإبلاغ عن أي طلبات خدمية، كبدء خدمة جمع القمامة أو الإبلاغ عن تلف حاوية، وهو ما قد يفسّر ارتفاع عدد البلاغات هناك.

من جانب آخر، أطلقت إدارة النظافة في مدينة نيويورك في صيف العام الماضي حملة جديدة تدعو السكان للإبلاغ عن أكثر الجيران إهمالا في النظافة، وتم تخصيص “قاعة خزي” رقمية لعرض أسماء وممتلكات المخالفين البارزين.

وقالت المفوضة السابقة لإدارة النظافة، جيسيكا تيش، إن هذه القاعة ستكون بمثابة فضاء “للتشهير بأولئك الذين يعرضون المجتمع المحيط بهم للخطر من خلال السماح بتراكم القذارة”، مضيفة: “بعض المستخفين بالنظافة تمادوا كثيرًا… لكن الآن، انتهى عصر فوضى النفايات”.

أما المدينة الأنظف على مستوى البلاد، وفقًا للدراسة، فهي ميلواكي بولاية ويسكونسن، حيث سجلت فقط 309 بلاغات متعلقة بالنظافة، رغم كونها المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الولاية.

وفيما يلي قائمة بأكثر المدن الأمريكية قذارة، وفقا لعدد البلاغات المتعلقة بالنظافة لكل 100 ألف نسمة:

بالتيمور، ماريلاند – 47,295.

ساكرامنتو، كاليفورنيا – 34,186.

شارلوت، كارولاينا الشمالية – 31,112.

لوس أنجلوس، كاليفورنيا – 21,616.

ممفيس، تينيسي – 17,408.

بوسطن، ماساتشوستس – 10,252.

سان أنطونيو، تكساس – 8,929.

كانساس سيتي – 8,874.

بوفالو، نيويورك – 8,509.

دالاس، تكساس – 8,382.

بيتسبرغ، بنسلفانيا – 7,854.

ناشفيل، تينيسي – 7,703.

شيكاغو، إلينوي – 7,376.

هيوستن، تكساس – 6,275.

أوكلاند، كاليفورنيا – 6,139.

نيو أورلينز، لويزيانا – 5,295.

نيويورك، نيويورك – 3,728.

ميامي، فلوريدا – 3,284.

سان فرانسيسكو، كاليفورنيا – 2,411.

أوستن، تكساس – 2,245.

فيلادلفيا، بنسلفانيا – 2,144.

ريفرسايد، كاليفورنيا – 1,609.

ميلواكي، ويسكونسن – 309.

مقالات مشابهة

  • غزة بين فكي التصعيد والمراوغة.. إسرائيل توسع عدوانها والتهدئة معلقة
  • السودان: المُسيّرات التي استهدفت عطبرة حديثة وفّرتها للمليشيا راعيتها الإقليمية
  • باحث سياسي: الإدارة الأمريكية لا تضغط بجدية على إسرائيل لإنهاء حرب غزة
  • جهاد حرب: الإدارة الأمريكية ليست جادة في الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب
  • استشهاد 5 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي وسط قطاع غزة
  • وفد حماس يصل إلى القاهرة لبحث مقترح صفقة شاملة مع إسرائيل
  • الكشف عن أكثر المدن الأمريكية قذارة
  • خلال 3 أشهر.. "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 14 ألف فرصة تطوعية
  • “الشؤون الإسلامية” تنفذ أكثر من 14 ألف فرصة تطوعية خلال الربع الأول من عام 2025م
  • كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟