5 نقاط قانونية.. إليك الفرق بين الإقرار والاعتراف في الدعوى الجزائية
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
السومرية نيوز – محليات
كشف القاضي بشار أحمد الجبوري، الفرق بين الإقرار والاعتراف في الدعوى الجزائية، وذلك في مقال نشره بصحيفة القضاء.
وقال الجبوري، ان "المشرع العراقي استخدم كلا من لفظي الإقرار والاعتراف بشكل مستقل في العديد من نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 والمذكرة الايضاحية له، وقد دأب الكثير من الفقهاء والباحثين على استخدام اللفظين المذكورين على أنهما مترادفان دالان على الموضوع ذاته ومتكافئان في المعنى، وذهب البعض منهم إلى انتقاد استخدام لفظ الإقرار في القانون المذكور آنفا، والقول بأن الإقرار إنما يكون في الدعوى المدنية، بخلاف لفظ الاعتراف الذي يتعين استخدامه الدعوى الجزائية للدلالة على تسليم المتهم بارتكابه الجريمة المسندة إليه".
واضاف، "غير أن المُلاحَظَ من تأمل مسلك المشرع وإمعان النظر فيه، أن لكل من لفظي الإقرار والاعتراف معنى مختلفا في الاصطلاح القانوني. فقد استخدم المشرع لفظ (الإقرار) في الفصل الخاص باستجواب المتهم في المادتين (127) و(128/ ب)، كما استخدم المشرع اللفظ ذاته في الفصل الخاص بالحكم وأسبابه في المواد (213) و(216) و(218) و(219) من القانون المذكور آنفا، وكذلك في المذكرة الايضاحية له. ويتبين من تلك النصوص وما ورد في المذكرة الايضاحية أن لفظ الإقرار فيها ورد في معرض إجابة المتهم عند استجوابه في دور التحقيق الابتدائي أو تدوين أقواله في دور التحقيق القضائي بمعنى التسليم بارتكابه الجريمة المسندة إليه".
وذكر القاضي، "أما لفظ (الاعتراف) أو (يعترف) الذي أورده المشرع في الفقرتين (ج) و(د) من المادة (181) من القانون ذاته، وكذلك في المذكرة الايضاحية له، فهو يتضمن إعلان المتهم أمام المحكمة الموضوع أنه مذنب في معرض إجابته عن التهمة الموجهة إليه بعد مجابهته بالأدلة وإحاطته بالأسباب، أي عناصر الاثبات التي طرحت للمناقشة وأُشير إليها في الجلسة".
وتابع، "وهذا الاتجاه الذي تبناه المشرع في دلالة الاعتراف على التسليم بالذنب، جاء متفقا مع دلالة هذا اللفظ في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: ((وَآخَرونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحا وَآخَرَ سَيِّئا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) سورة التوبة، الآية (102)، وقوله تعالى: (( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبيل )) سورة غافر، الآية (11)، وكذلك قوله تعالى: (( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقا لِأَصْحَابِ السَّعِير )) سورة الملك، الآية (11).
ولفظ الاعتراف أخص من لفظ الإقرار، فكل اعتراف بالذنب يتضمن إقرارا بالجريمة المسندة، لكن ليس كل إقرار يتضمن اعترافا بالذنب. فاعتراف المتهم بالذنب يستلزم إقراره بارتكابه الجريمة المسندة إليه، أما الإقرار فلا يستلزم حتما الاعتراف بالذنب. فقد يقر المتهم بارتكابه الفعل المسند إليه، وينكر التهمة الموجهة إليه وينفي أنه مذنب، كما لو اقر المتهم بارتكابه فعل القتل ودفع بأن القتل كان دفاعا شرعيا عن النفس أو المال، وفقا للقاضي.
وأوضح، "غير أنه قد يحصل أن ينكر المتهم الجريمة المسندة إليه في أدوار التحقيق، ثم يعترف بالتهمة الموجهة إليه وأنه مذنب بعد توجيه التهمة إليه ومجابهته بالأدلة المقدمة في الدعوى، أملا منه في الاستفادة من سلطة المحكمة في التفريد القضائي للعقوبة لتخفيف عقوبته بسبب بوحه بالحقيقة واعترافه بالذنب، وهذا الاعتراف قد يستلزم تدوين ملحق لآخر أقوال المتهم، إذا كان الاعتراف مشوبا للوصول إلى إقراره المفصل بالجريمة المسندة إليه".
وعلى ذلك فإن الاعتراف يندرج ضمن الإقرار بوصف الاعتراف إقرارا بالجريمة المسندة، كما أن المشرع أشار إلى حجية الاعتراف بوصفه – على وجه الخصوص- دليلا في الإثبات الجنائي، وهو ما يمكن استنباطه من دلالة اشارة الفقرة (د) من المادة (181) من القانون المذكور آنفا التي تنص على أنه: ((إذا اعترف المتهم بالتهمة الموجهة إليه واقتنعت المحكمة بصحة اعترافه وبأنه يقدر نتائجه فتستمع إلى دفاعه وتصدر حكمها في الدعوى بلا حاجة إلى دلائل أخرى..))، بحسب القاضي. وأكمل الجبوري، "فالنص المتقدم يدل بطريق الإشارة إلى أن اعتراف المتهم يمكن أن يعد سببا للحكم في الدعوى الجزائية متى اقتنعت المحكمة بصحة الاعتراف المذكور، وبأن المتهم يقدر نتائجه، وهذا الاعتراف لا يمكن أن يصدر من دون وجود التهمة التي يستلزم توجيهها إلى المتهم توافر أدلة تدعو إلى الظن بأن المتهم ارتكب الجريمة المسندة إليه. أي أن الاعتراف المذكور لابد أن تسانده وتؤازره أدلة أخرى تدفع المحكمة إلى الاقتناع الوجداني بصحته والاطمئنان إليه، وهي تلك الأدلة التي حملت المحكمة على توجيه التهمة إلى المتهم ابتداء. ويتضح من مجمل ما تقدم ما يأتي:
1. إن لفظ الاقرار أعم من لفظ الاعتراف، فكل اعتراف بالذنب يتضمن إقرارا بالجريمة المسندة، لكن ليس كل إقرار يتضمن اعترافا بالذنب.
2. إن الإقرار يمكن أن يحصل في أيٍ من دوري التحقيق الابتدائي والقضائي أو كليهما، ويكفي فيه احاطة المتهم علما بالجريمة المسندة اليه. أما الاعتراف فلا يقع إلا في دور التحقيق القضائي بعد المجابهة بالأدلة وتوجيه التهمة إلى المتهم.
3. إن الإقرار يمكن أن يقع أمام قاضي التحقيق أو المحقق أو محكمة الموضوع في الدعوى ذاتها أو في دعوى أخرى، أما الاعتراف فلا يقع إلا أمام محكمة الموضوع في الدعوى ذاتها.
4. يتسم اعتراف المتهم بالاقتضاب ويتحقق بتلفظه كلمة (مذنب) فقط من دون إسهاب بعد سؤاله عما إذا كان بريئا أم مذنبا. أما إقرار المتهم فيتعين أن يكون مستفيضا ومفصلا يتضمن كافة وقائع الجريمة المسندة إليه.
5. إن اعتراف المتهم بالذنب قد يكون كافيا للحكم في الدعوى بلا حاجة إلى دلائل أخرى متى اقتنعت المحكمة بصحة اعترافه. أما إذا أنكر التهمة الموجهة إليه، أو لم يبدِ دفاعا أو طلب محاكمته أو رأت المحكمة أن اعترافه مشوب أو انه لا يقدر نتائجه أو أن الجريمة المسندة إليه معاقب عليها بالإعدام، فيتعين محاكمة المتهم عنها وسماع شهود دفاعه وباقي الأدلة التي طلب استماعها لنفي التهمة عنه كأصل عام، أما الإقرار فلا يكفي لوحده للحكم في الدعوى من دون محاكمة، متى أنكر المتهم التهمة الموجهة إليه ولم يعترف بأنه مذنب، إذ يتعين محاكمته في هذه الحالة ولو أقر بالجريمة المسندة إليه في أيٍ من دوري التحقيق الابتدائي والقضائي أو كليهما.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: فی الدعوى أنه مذنب یمکن أن من لفظ
إقرأ أيضاً:
شعوبية ترامب وتشريس القيم الأمريكية
نقلت وكالات الأنباء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما إن حل بالبيت الأبيض حتى بدأ في تنفيذ وعيده الانتخابي بإطلاق أكبر برنامج ترحيل في الولايات المتحدة الأمريكية، بل أطلق الرجل على المهاجرين غير النظاميين وصف «المجرمين»، وترامب يبدو سعيدًا بإيقاف دخول المهاجرين إلى بلاده حتى من سُمح لهم بذلك قبل توليه السلطة، وما صمته عن الإجراءات غير الإنسانية تجاه المهاجرين إلا دليل نشوة انتصار. هذا شأن الولايات المتحدة الأمريكية لكن ما يهمنا من هذه الشعوبية الجديدة في السياسة الأمريكية جانبها المتصل بالسياسات الثقافية، ولذا فإن عودة طبيعية إلى جوهر الفلسفة السياسية الأمريكية وبالتحديد إلى البراجماتية ومُنظّرها الأشهر جون ديوي ستكشف لنا كيف تعيش الحضارة الأمريكية أفولها المعلن، وديوي يقول إن أفضل طريقة لبناء المجتمع الحر هي اعتماد سياسة الاعتراف بالتنوع مع المساواة، ومن ثم دمجهما بشكل عملي، وهذه واحدة فتوحات الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1859-1952م) كون بناء الفاعلية السياسية لا بد أن يقوم على أُسس الاعتراف بالاختلاف الثقافي وهو وحده الذي سيمكن المجتمعات الحديثة من قيام المصالح الإنسانية على ملاءمة بين الفردي والجماعي، بين الخصوصية والمشترك، وديوي الذي أُسيء فهمه وتم اختصار كل مجهوداته باعتبارها نظرية مخاصمة للتأمل الفلسفي، بل تقوم على دحض مؤكد لكل ما هو نظري، والحقيقة أن مشاغله انتهت إلى توفير عمليات دمج بين التأملي والعملي، وهذا بسبب تعدد اختصاصات الرجل، لكن ما يهمنا هنا، مسألة شديدة الأهمية تتعلق بالعلاقة المضطربة بين منظومة القيم والتنوع الثقافي، وبالتحديد في الحالة الأمريكية، والتي هي خلاصة مثمرة لديناميات فاعلة استطاعت بها الولايات المتحدة الأمريكية وهي تعبر طرقا كثيرة منذ الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر، وحتى اليوم أن تصنع مجتمعًا للتعايش يُعد الأعلى في تصور البناء الاجتماعي الحديث، لكن اليوم فإن أمريكا ترامب تضع مقدمات سياسية للقضاء على جوهر القيم الأمريكية، وفي هذا المقال الذي يدعي وجود خطر كبير على بلاد العم السام، فإنه لا يأتي إشفاقًا عليها، ولا شماتة فيها، فهذا أمر هزلي، بل هو محاولة لفهم جوهر القيم الأمريكية والذي جعلها تقود العالم، والتهديدات التي تنتظر العالم بأسره من وجود هذا الرجل على عرش أقوى دولة في العالم، دولة لا تستمد قوتها من ترسانتها الحربية فقط بل من نموذجها الاجتماعي المتعالي عن أي تجربة.إن مشكلة التنوع الثقافي ناتجة عن صراع بين نموذجين وهو أمر ينطبق على أغلب المجتمعات ذات التعددية العالية، فالنموذج الأول هو «روح الأمة» أو «قِيم الشعب» أو أي أسم آخر دال على التبشير بوجود قيم عليا ينبغي أن تحل محل كل تباين ثقافي/اجتماعي داخل أي أمة، والنموذج الآخر هو النموذج الليبرالي في نسخته الراهنة، والذي يعزز من الفردانية ويكرس جهوده لتمزيق أي ادعاء بحاكمية القيم على الفرد، ولعل النموذج الأول ارتبط ارتباطًا واضحًا بالروح الأمريكية، فهذه حضارة تفاخرت بأنها حققت النموذج الأعلى للتعايش، والحقيقة أنها نجحت إلى حد كبير في ذلك، لكن مشكلة التعايش ظلت واحدة من أكبر مفازع الليبرالية الجديدة، فالتعايش القائم على المساواة بديهي وشديد التجريد، فالظاهرة الاجتماعية وإن تبدت في سطحها حالة من توازن بين القانوني والإنساني، إلا أنها تصطدم بمشكلة أخرى هي من نِتاج استفحال القول بالمساواة الاجتماعية، وهي الخصوصية الثقافية لبعض أفراد المجتمع وتكويناته، وتعلمنا السيسيولوجيا الجديدة أن الفاعليات الاجتماعية التي تصل حدا عظيما من التجريد تنتج متاعبها الخاصة، وفي الحالة التي نناقش فإن المساواة تجرد الفرد من خصوصيته ومكانته وهويته وتوهمه بأن الاختلاف الثقافي يأتي ثانيًا بعد تعزيز قانونية الجماعية الاجتماعية، فالدفاع عن المساواة بين المواطنين يُلغي بالضرورة الاعتراف بتنوعهم، بتنوع قيمهم المشكلة لوعيهم، كونها تتحول من مجرد قانون رسمي إلى معايير للانتماء، وتدعي تكامليتها بهذه الرسملة للقيم، وتقوم بدافع من تعميم إلى ترسيخ فكرة وحدة السياق الاجتماعي، وهذا بدوره يعارض أي قول بالخصوصية الثقافية، بل يعارض أكثر إمكانية الاعتراف بالثقافات الفرعية للمجتمع، وهي ثقافات وظيفتها في حال أُفْسِح المجال لتمثيلها أن تقوم بتقوية المشترك الاجتماعي وتوسيع نطاقه.
إن التعددية الثقافية هي نقطة الاتصال بين المفرد والمشترك عند جون ديوي، ومن فرادته الفلسفية أن التفرد ليس معنى يؤسس لنشوء هوية ثابتة مغلقة بل إن الكيانات الفردية هي دائما ثمرة تاريخ خاضع لإعادة التشكيل، عبر استثمار مستمر بين البيئة الاجتماعية والتكوين الثقافي، فالكيانات الفردية لا تتكون على الإطلاق بفضل خصائصها الثابتة، بل من خلال تفاعلها المستمر، وأن من مقاتل الاجتماع الإنساني تركيب السياسة على رؤى من الاستبعاد دون الإيمان بالتركيب المتبادل داخل الظاهرة الاجتماعية.
إن الإندماج كسياسة ثقافية ناجحة في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى سنين طويلة قامت على تحويل الفردي إلى جماعي دون المساس بكيانية المجموعات الثقافية ، لكنها الآن في ظل رئاسة ترامب صائرة إلى شعوبية بغلاف وطني يستهدف أول ما يستهدف سياسة الاعتراف بالاختلاف الثقافي وإحلال نموذج العصبية الوطنية المؤسلبة لوحدة المجتمع، ففي الوقت الذي طوَّر فيه الفلاسفة البراجماتيون منذ ساندرس بيرس (توفي 1914م) وحتى جون ديوي نهجًا يربط بين التعددية الثقافية وبناء المشترك، وتحسينهم طُرق تجديد التجريب لصالح إحسان عمل الديناميات الاجتماعية، وبالخصوص أشغال ديوي التي انتهت إلى القول بأن الاعتراف بالتعددية الثقافية شرط للديمقراطية، وأنها المسألة الأم في البناء الديمقراطي كونها تكرّس أكثر لمطلب الاعتراف بالخاص وتدبيره بصورة موضوعية في العام، فإن مؤشرات عدة تقول بأننا أمام فلسفة معاكسة بالكامل لهذا التصور، فالرجل رسول الشعوبية الجديدة، شعوبية تستند إلى تحطيم أهم القيم الأمريكية «المساواة والحرية» وهي القيم التي أنتجها فلاسفة علم الاجتماع الأمريكي، فهل من مهدد أكبر من ذلك يواجه الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره تحت قيادة ترامب؟!.
غسان علي عثمان كاتب سوداني