وزيرة الهجرة متحدثا رئيسيا في ورشة عمل لمناقشة سُبل تعزيز تحويلات المصريين بالخارج
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
بدعوة من مركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، شاركت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، متحدثا رئيسيا، في ورشة عمل عُقدت الاثنين 23 أكتوبر، بمقر المركز بالعاصمة الإدارية الجديدة، بعنوان «تعزيز تحويلات المصريين العاملين بالخارج».
جاء ذلك بحضور أسامة الجوهري مساعد رئيس مجلس الوزراء ورئيس مركز المعلومات دعم واتخاذ القرار، والأستاذة سارة نبيل معاون وزيرة الهجرة للشئون الاقتصادية، ونخبة من ممثلي الجهات الحكومية، والسادة الخبراء، وممثلي المصريين بالخارج، وذلك ضمن ختام فعاليات ورش عمل مبادرة «بنفكر لبلدنا: 50 فكرة لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري» التي أطلقها منتدى السياسات العامة التابع للمركز، بالتعاون مع منظمة «اليونيسيف».
في البداية، رحبَ الأستاذ أسامة الجوهري، بالسفيرة سها جندي التي شرَّفت المركز بهذه الزيارةٍ وبهذه المشاركة التي تؤكد حرص سيادتها الشديد على سماع أفكار شباب مصر والتعرف على رؤيتهم لكيفية تعزيز تحويلات المصريين بالخارج، والتي طرحوها ضمن مبادرة «بنفكر لبلدنا» التي أطلقها منتدى السياسات العامة، وهو ثمرة من ثمرات جهد مركز المعلومات المستمر لتنفيذ توجيهات السيد رئيس مجلس الوزراء لفتح قنوات الاتصال مع شباب الباحثين، وقد نسق المركز في هذا الإطار مع 24 جامعة حكومية؛ لتنظيم تدريبات صيفية، وإعداد مختبرات للمستقبل، وتنظيم مناظرات، وقد دُرب نحو 550 شابًا حتى الآن.
وأضاف «الجوهري» أن منتدى السياسات العامة عُني بتدريب شباب الباحثين على إعداد أوراق السياسات، وبإجراء المسابقات العلمية لتمييز المتفوقين منهم في طرح الأفكار المبتكرة، وهدف مبادرة المنتدى «بنفكر لبلدنا» هو الخروج بخمسين فكرة لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري؛ تمهيدًا لعرضها على السيد رئيس مجلس الوزراء، علمًا بأن أوراق السياسات التي يُعدها الباحثون تخضع للتحكيم بمعرفة نخبة من الخبراء.
وفي مستهل حديثها، أشادت وزيرة الهجرة بالدور الحيوي الذي تلعبه تحويلات المصريين بالخارج في دعم الاقتصادي الوطني؛ إذ تُعد من أهم مصادر توفير العملة الصعبة في البلاد بجانب المصادر الأخرى مثل قناة السويس وعوائد السياحة والصادرات.
وفي عرض توضيحي، استعرضت السفيرة سها جندي، الدراسة التي أعدتها الوزارة بشأن تطور تحويلات المصريين بالخارج، مقدمة عرضا مفصلا حول أسباب ارتفاع التحويلات في أعوام وانخفاضها في أعوام أخرى بشكل تفصيلي خلال العشرة أعوام الماضية والأسباب المؤدية لذلك، كما تناولت كافة المحفزات الاستثمارية المخصصة للمصريين بالخارج، والتي ترتبط بأولوياتهم فيما يحتاجونه من خدمات يتم تحصيل مقابلها بالعملة الصعبة، والبدائل الخاصة بآليات التحويلات في أنماطها وصورها الحديثة وليس النمط المباشر المعتاد للتحويل، مشيرة إلى أن مصر تعد سادس أكبر دولة تتمتع بنسبة تحويلات أبنائها في الخارج إلى الوطن، كما أشارت السيدة الوزيرة إلى النموذج الهندي، والتي يتصدر مواطنوها بالخارج قائمة تحويلات العملة الصعبة إلى بلدهم، مما يجعلها البلد الأول على قائمة الدول الأكثر تحويلا للعملات من مواطنيها، كما تناولت عددا من الأشكال النمطية الحديثة، التي أقدمت عليها الهند للاستفادة من تحويلات مواطنيها في الخارج، لافتة الى ان الكثير من هذه الأنماط الحديثة يتم اتباعها والعمل عليها في مصر بالفعل وهناك المزيد الذي يمكن الاستفادة منه بالتجربة الهندية.
كما استعرضت وزيرة الهجرة أبرز المبادرات الجاذبة لاستثمارات المصريين بالخارج ومن بينها، مبادرة سيارات المصريين بالخارج، ومعاش «بكرة بالدولار»، وتسوية الموقف التجنيدي، وشهادات الاستثمار للمصريين بالخارج، وكذلك الخدمات المقدمة للمصريين بالخارج والبالغ عددهم نحو 14 مليون مصري.
واستعرضت السفيرة سها جندي تطور التحويلات من المصريين بالخارج حيث جاءت أعلى نسبة تحويلات في العام 2021/2022، لتصل إلى 31.9 مليار دولار، بعد 17.1 مليار دولار عام 2015/2016، وتأثير تعويم الجنيه المصري، بجانب بدء تطبيق البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي، وإتاحة حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، لتصل التحويلات إلى 26.39 مليار دولار عام 2017/2018، مع تحسن مؤشرات الاقتصاد الوطني، وفي عام 2018/2019 انخفضت التحويلات لعدة أسباب منها تحويل المصريين لمبالغ كبيرة بعد التعويم، وفي عام 2019/2020 وصلت إلى 27.75 مليار دولار، حتى وصلت إلى 31.4 مليار دولار عام 2020/2021، وبعدها 31.9 مليار دولار عام 2021/2022 مع تفشي وباء كورونا وعودة الكثير من المصريين بالخارج، وظهور توطين العمالة، والحرب الروسية الأوكرانية والضغط على الغاز وتأثر المصانع.
وأضافت السفيرة سها جندي أنه في عام 2022/2023 بلغت التحويلات 22.1 مليار دولار لانخفاض الرواتب وزيادة التضخم ومن ثم تكاليف المعيشة وأولويات الإنفاق، بجانب السوق الموازية وفيما يعرف بـ«طريقة المقاصة»، بالحصول على العملة الصعبة من المصريين بالخارج خارج النظام المصرفي مقابل إيصال المال إلى أهلهم في الداخل، ما يؤثر على الاحتياطي النقدي.
وأشارت السفيرة سها جندي إلى أن الوزارة طرحت الكثير من المبادرات لتعزيز تحويلات المصريين بالخارج، من بينها الشهادات الدولارية بعائد تنافسي 7% و9% وهو أعلى عائد في العالم، بجانب تشجيع المصريين بالخارج على فتح حسابات دولارية في فروع البنوك الوطنية بالخارج، وكذلك مبادرة سيارات المصريين بالخارج، والتي تم تفعيلها مجددًا ويمكن الاستفادة منها الآن للمصريين بالخارج.
وأضافت وزيرة الهجرة أنه سيتم تدشين شركة استثمارات المصريين بالخارج؛ استجابة لمطالبهم في مؤتمر المصريين بالخارج، حيث تم عقد عدة اجتماعات مع ممثلي وزارات ومؤسسات الدولة المصرية، ما يعكس اهتمام الدولة بتهيئة مناخ الاستثمار وتيسير بيئة الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتحقيق نتائج إيجابية لدعم الاقتصاد الوطني، وتوفير الدعم الكامل للشركة لتبدأ عملها في السوق المصرية لجذب الاستثمارات المصرية والعالمية لبدء العمل في السوق المصرية، وتم توقيع بروتوكول من بالأحرف الأولى لمجموعة المستثمرين المصريين بالخارج المؤسسين للشركة.
واوضحت وزيرة الهجرة أن الدولة المصرية فتحت الباب أمام مواطنيها المقيمين في الخارج ممن يواجهون مشكلة في الموقف التجنيدي تعيفهم عن العودة إلى الوطن، أو عدم القدرة على مغادرته مجددًا في حالة العودة بسبب طلبهم للتجنيد، وبات بإمكانهم حاليًّا تسوية أوضاعهم.
بجانب إطلاق حملة «مستثمرون بالخارج يجيبون: لماذا نستثمر في مصر»، لتسليط الضوء على ما تتميز به السوق المصرية من عوامل جذب وفرص استثمارية واعدة في مختلف المجالات في ظل عملية التنمية التي تتم، وتوفير بنية تحتية على أعلى مستوى، واتخاذ إجراءات من شأنها التيسير على المستثمرين، ومن بينها إنشاء وحدة برئاسة رئيس مجلس الوزراء لحل مشكلات المستثمرين، علاوة على أن الحملة تتضمن فيديوهات قصيرة يقدم فيها خبراؤنا المصريون بالخارج شهاداتهم عن الاستثمار في مصر.
وأكدت السفيرة سها جندي أن الاهتمام بالعنصر البشري وتنميته، يعد جانبًا مهمًا من أسباب زيادة التحويلات من العاملين بالخارج في بعض الدول حول العالم؛ ليصل إلى أكثر من 100 مليار دولار في الهند على سبيل المثال، مستعرضة تجربة الهند في هذا الشأن، ولذلك تم إطلاق المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج لتوفير التدريب والتأهيل.
كما أشارت وزيرة الهجرة إلى أن الوزارة تعمل على تدشين تطبيق «المصريين بالخارج» ليتضمن المحفزات المختلفة التي وُضعت لهم، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وخلال ورشة العمل، أتاحت الأستاذة لارا ضيف، المنسق الإعلامي لمبادرة «بنفكر لبلدنا» ومدير الورشة، الفرصة لعدد من الباحثين لعرض أهم أوراق السياسات التي طرحوها في محور تعزيز تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وتتناول: تعديل إجراءات تسوية الموقف التجنيدي، وتعديل شروط مبادرات الإسكان المطروحة للمصريين بالخارج، وتعديل قانون التأمينات، وخلق منظومة من الحوافز لتشجيع المصريين على تحويل الأموال، وتحفيز المصريين بالخارج للاستثمار في مصر، وطرح مبادرات للتمويل العقاري، وأخيرًا بناء قاعدة بيانات قومية للمصريين بالخارج.
ومن المصريين بالإمارات، تحدثت الدكتورة سوزان المساح، أستاذ الاقتصاد بجامعتي القاهرة وزايد ومدير برنامج الاستدامة بجامعة زايد، وقد عبَّرت في البداية عن اعتزازها بمشاركتها في هذه الورشة، وتوجهت بالشكر للسيدة الوزيرة على إتاحة الفرصة لعرض خبرات المصريين العاملين بالخارج وفق تجاربهم بخصوص فرص زيادة التحويلات عبر القنوات الرسمية الشرعية، ورأت أن الأمر يبدأ بالشفافية والطمأنة والتحفيز؛ بما يدفع كل مصري بالخارج للتفكير بالمصلحة الوطنية إلى جانب المصلحة الشخصية، وتحقيق عائد بأقل قدر من المخاطر؛ أي بعيدًا عن السوق السوداء، مع ضمان سهولة استرداد الأموال عند إيداعها كودائع بالدولار، واقترحت في هذا الإطار تطوير نُظم ومحافظ التحويلات الرقمية لنقل الأموال بشكل سهل وآمن، وأيضًا إتاحة سعر صرف تنافسي للمصري العامل بالخارج فقط، إلى جانب أوعية ادخارية بالدولار.
ومن الإمارات أيضًا، تحدثت الدكتورة أمل صقر، باحثة سياسية تقييم بالخارج منذ 22 سنة، مؤكدةً أولًا على ضرورة استمرار الدعاية لأهمية إرسال التحويلات المالية للمصريين بالخارج عبر القنوات الشرعية، ثم أشارت إلى عدة أمور من شأنها زيادة العائدات المُتحصل عليها من المصريين بالخارج، ومنها إتاحة إجراء كل معاملات السجل المدني داخل السفارات المصرية مقابل رسوم أكبر وبالعملة الصعبة، وأيضًا استمرار إتاحة مبادرة شراء السيارات للمصريين بالخارج، وتيسير التعامل على الحسابات البنكية بالبنوك بمصر للمصريين وهم بالخارج، وتوفير تذاكر سفر للمصريين من شركة «مصر للطيران» بسعر منافس مقارنةً بالشركات الأخرى، وإطلاق مبادرات لتشجيع السياحة للمصريين.
وفي الختام، طرحت صقر ما أسمته بـ«التواصل الناعم» بين مصر والمصريين بالخارج، ويكون بالفعاليات الثقافية بوجه عام، وإن خصت بالذكر حفلات الموسيقى العربية، موضحةً أن تكلفة مثل هذه الفعاليات ليست كبيرة أما عائدها فيكون ضخمًا.
IMG-20231024-WA0059 IMG-20231024-WA0055 IMG-20231024-WA0053 IMG-20231024-WA0049 IMG-20231024-WA0051 IMG-20231024-WA0041 IMG-20231024-WA0043 IMG-20231024-WA0047 IMG-20231024-WA0045 IMG-20231024-WA0039المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السفيرة سها جندي وزيرة الدولة للهجرة شؤون المصريين بالخارج العاصمة الادارية الجديدة تحویلات المصریین بالخارج من المصریین بالخارج رئیس مجلس الوزراء للمصریین بالخارج العاملین بالخارج السفیرة سها جندی ملیار دولار عام بنفکر لبلدنا وزیرة الهجرة IMG 20231024 فی مصر
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي يغير حساب حد الفقر.. ماذا يعني ذلك للمصريين؟
تتزايد شكاوى المصريين من تدهور أوضاعهم الاقتصادية وتردي مستوى معيشتهم، حيث يعانون من الفقر وضيق ذات اليد وضعف قدرتهم الشرائية، ما انعكس سلبًا على جميع جوانب حياتهم اليومية، بدءًا من الطعام والملبس، مرورًا بالرعاية الصحية وتوفير الأدوية، وصولًا إلى التعليم وتكاليف الزواج ومستقبل أبنائهم.
في ظل هذه الأوضاع المأساوية، تتجه أصابع الاتهام إلى سياسات رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي يحمّله المواطنون مسؤولية ما آلت إليه أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، ويأتي ذلك وسط حالة من التكتم الحكومي بشأن النسب الحقيقية للفقر، في بلد تجاوز عدد سكانه بالداخل 106 ملايين نسمة."
"وصلنا حد التسول"
سامية، (59 عاما) تقف في طابور ممتد في صفوف النساء وبجوارها صف أطول من الرجال، أمام شباك مكتب التأمينات الاجتماعية بإحدى مدن الدلتا، تقول لـ"عربي21": "لم يعد أمامي إلا أن أشحت".
وتضيف: "توفي زوجي (61 عاما) قبل شهرين، وأقيم في منزل صغير غير مكتمل البناء تركه لي والدي المتوفي، منذ عامين، وبينما كان زوجي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص مدة 7 سنوات بمدينة العبور الصناعية بالقاهرة، فوجئت بعد وفاته أنه ليس له معاش، لأن الشركة لم تؤمن عليه إلا 3 شهور فقط قبل بلوغه سن 60 عاما".
وتوضح: "لا أجد سبيلا كي أعيش، وحاولت العمل في ذات الشركة ولم يفلح المسعى الذي حاول فيه بعض زملائه، لكن نصحني البعض في السعي للحصول على معاش والدي المتوفي، ومطلوب مني أوراق كثيرة جدا ومبالغ مالية كبيرة على تلك الأوراق لكي احصل في النهاية على معاش نحو 1500 جنيه، لا يغنيني عن سؤال الناس، خاصة وأنني مريضة سكر وضغط وليس لي علاج من التأمين الصحي".
"حلم الفينو بالنوتيلا"
وفي أحد الأسوق الأسبوعية، تقف سيدة ثلاثينية، تبدو على ملامحها علامات الجمال الريفي الكامن خلف ملابس محتشمة، أمام بائع "مناخل" الدقيق و"غرابيل" القمح والأرز، الدائرية المصنوعة من الخشب وتتنوع بين السلك الواسع والحرير الضيق.
تقول لـ"عربي21": "جئت أبحث عن المناخل والغرابيل، التي اختفت باعتماد الناس على شراء الخبز الجاهز وترك صناعة الخبز البلدي بالأفران الريفية، لكي أخبز للناس مقابل أجر يبلغ 300 جنيه لعمود العيش، وذلك قبل أن أنخل الدقيق بالمنخل الحرير، وذلك قبل أن أنقي القمح والذرة والحلبة مواد صناعة الخبز بالمنخل السلك".
وتواصل: "لم يعد أمامي إلا مساعدة زوجي، لتربية أبنائي، فعمله في مجال المعمار لم يعد يكفي، ولأنه كلما تجمع لدينا مبلغ من المال ضاع مع محاولاته السفر للخارج، ولا نملك مع هذا الغلاء فرصة شراء أية احتياجات لبناتنا الثلاثة بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، الذين يحلمون كل صباح برغيف عيش فينو به جبن أو لانشون أو بيض أو نوتيلا مثل زملائهم، بل إننا لا نملك أن نعطي كل واحدة منهن 10 جنيهات لتشتري 2 صاندويتش طعمية أو فول".
"لا بروتين سوى البساريا"
وبينما يخرج محمود (أربعيني)، كل صباح للعمل مرتادا توكتوك نصف عمر يتعطل أغلب الأيام، تخرج زوجته، للعمل في الحقول لجني البرتقال في الشتاء لقاء 30 جنيها تعود بهما إلى السوق لشراء خضروات أو كيلو سمك من البساريا الأقل سعرا (30 جنيه) والذي يمثل لهم مصدر البروتين الوحيد، لتعود سريعا إلى بيتهما قبل عودة أبنائهما الأربعة من المدرسة، حسبما تقول الزوجة لـ"عربي21".
وتضيف: "عندما أعود في سيارة أجرة إلى بيتي تتأف النساء ويتأفف الرجال من رائحة السمك المنتنة، ولكني لا حيلة لي سوى الصبر والعمل مع زوجي، حتى نستطيع أن نكفي أبناءنا عيش حاف، ونكفيهم أجر الدروس الخصوصية، حيث نحرص على تعليمهم ولكن لن نستطيع إدخالهم المدرسة الثانوية وسنكتفي بلا شك بتعليمهم في المدارس المتوسطة الصناعية أو التجارية".
وألمحت إلى أن "الغلاء أتعبنا، ولم يعد هناك مصدر دعم حكومي لنا سوى رغيف الخبز الرديئ الذي يرفضون أكله أحيانا، مع تراجع التموين الذي لا يكفي الزيت والسكر منه الشهر ونضطر لشرائه بأسعار لا نتحملها".
"عقاب حكومي"
تتزامن تلك الأوضاع مع توجه حكومي لاستبدال الدعم العيني أو التموين الحالي الذي يحصل عليه الفقراء والمكون من زيت وسكر ومكرونة وأرز، بالدعم النقدي، وهو ما يتخوف منه المصريون من أن يكون نهاية للدعم، كما يؤكد خبراء أنه إحدى توجيهات صندوق النقد الدولي، بجانب رفع الدعم عن الكهرباء والوقود، ورفع أسعار جميع السلع والخدمات.
وعاود مجلس النواب المصري الاجتماع الاثنين، بعد عطلة امتدت لأسبوعين، ليناقش مشروع قانون "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، الذي أقر نوابه بالفعل 22 مادة من أصل 44 مادة، وسط رفض خبراء اقتصاد وسياسيين معارضين، بحسب نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية.
"البنك الدولي وحد الفقر"
ويؤكد خبراء اقتصاد مصريين أن الحكومة المصرية لا تعترف بمعدلات الفقر الحقيقية في مصر، وتصر على إخفاء النسب الحقيقية لنتائج بحث الدخل والإنفاق، وتصدر فقط نسبا قديمة لا تتسق مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار والغلاء الذي وصلت إليه البلاد بالأعوام الأخيرة.
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أشار الباحث إلهامي الميرغني، إلى أن البنك الدولي عدل حساب حد الفقر العالمي، موضحا أن "البنك كان في السنوات الماضية يحسب خط الفقر بحوالي 2.15 دولار يوميا، أي 107.5 جنيه يوميا، على أساس سعر الدولار 50 جنيه، وبذلك يكون الدخل الشهري 3.225، وكل ما يقل دخله الشهري عن هذا الرقم يعد من الفقراء".
وبين أن "البنك الدولي قام بعمل حسابات جديدة، احتسب فيها خط الفقر بنحو 6.85 دولار يوميا أي 342.5 جنيه يوميا، وبذلك فإن كل من يقل دخله الشهري عن 10.275 جنيه شهريا فهو فقير، بمعدلات حساب البنك الدولي".
وتابع متسائلا: "فما بالنا بالأجراء الذين لا تزيد أجورهم الشهرية عن 3 آلاف جنيه، وأصحاب المعاشات الذين تقل معاشاتهم الشهرية عن 2000 جنيه، أي 19.4 بالمئة فقط من حد الدخل الذي حدده البنك الدولي"، مبينا أن "هذا للفرد، ما يعني أنه لو هناك أسرة من 4 أفراد يصبح 41.100 جنيه، ولو 5 أفراد يصبح 51.375".
وأكد أنه "منذ العام 2019، لم تنشر مصر نتائج بحث الدخل والانفاق؛ بل وتدخلت جهات أمنية لعدم نشر نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام (2021/2022) والذي كان سينشر عام 2023 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، أي الجهاز الحكومي للدولة".
وفي إجابته على سؤال "عربي21"، هل معدل الفقر الجديد الذي اعتمده البنك الدولي ينطبق على حالة مصر؟، قال إن "البنك الدولي كان يستخدم مقياسا للفقر والفقر المدقع منذ عام 1990، ثم استحدث مقياسا بالعام 2015، ثم استحدث مقياسا جديدا بالمقارنة مع الدول ذات الدخل المتوسط، ومنذ سنوات صرح بأن 65 بالمئة من الشعب المصري يقع تحت خط الفقر".
وأكد الميرغني، أن "البنك الدولي هو أحد أسباب أزمة مصر الاقتصادية وإغراقها في الديون"، ملمحا إلى أن "رفع نسبة الفقر يعني اغراقنا في مزيد من الديون".
وبحسب صفحة مدونات البنك الدولي، فإن "خط الفقر البالغ 6.85 دولارات هو خط فقر مطلق، يجسد هذا التعريف الموسع للفقر، ويساعد على تقديم صورة أكثر صلة بالفقر في المزيد من المناطق".
وأضاف البنك أن "التركيز الجديد على خط الفقر البالغ 6.85 دولارات يمثل عددا هائلاً من السكان، وحاجة أكثر إلحاحا لمكافحة الفقر العالمي وبناء القدرة على الصمود في عالم أكثر عرضة للمخاطر المناخية والاقتصادية مما كان عليه قبل بضع سنوات".
وأكد أن "توسع تعريف الاحتياجات الأساسية إلى ما هو أبعد من الغذاء والملبس والمأوى، وأصبح يشمل الآن أيضا النظام الغذائي الصحي، والخدمات الصحية جيدة المستوى، والاتصال بالإنترنت، والحصول على الكهرباء، والتعليم، على سبيل المثال لا الحصر".
"60 بالمئة يصارعون"
وفي تعليقه على أوضاع المصريين المذرية مع الفقر، وما يكشفه سقف خط الفقر الجديد الذي أقره البنك الدولي عن فشل الحكومة المصرية وغياب الشفافية وعدم الإفصاح وتراجع تداول المعلومات، تحدث المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، لـ"عربي21".
وقال: "لابد لنا أن نعرف أن أحد أكبر مشاكل الحكومات المتتابعة في مصر هي قصور الشفافية أو انعدامها؛ ولذلك يصعب التخطيط للمستقبل بدون دراسة الماضي أو التعلم من أخطائه".
الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أضاف: "وحقيقة الأمر أن التحديد الجديد لسقف الفقر عن طريق البنك الدولي، يتماشى مع متطلبات المرحلة الجديدة وزيادة نسبة التضخم، ومع أهداف الحكومات المتحضرة بتحقيق حياة كريمة لمواطنيها حتى هؤلاء الذين يحصلون على حد أدنى للدخل".
ولفت إلى قول المستشار الألماني أولاف شولتس، الاثنين لحزبه " الديمقراطي الاجتماعي"، إنه "طالما يذهبون للعمل فواجب على ألمانيا أن توفر لهم حياة كريمة فألمانيا ليست فقط الأغنياء".
وعن مصر قال الشاذلي: "أما في مصر فأكثر من 60 بالمئة من الشعب يصارعون الحياة بسبب فحش غلاء الأسعار والتضخم الذي ليس له نهاية، وبات غالبية المصريين يبحثون عن وظيفة ثالثة، بعد أن انخفضت مؤشرات جودة الحياة بصورة مرعبة وصار الناس يعدلون من نمط حياتهم الغذائي بتقليل أكل اللحوم أو الكف عنها مما يعكس أي نوع من الحياة يعيشون".
وأوضح أنه "حسب تقرير صحيفة (الغارديان) الأخير، فإن نسبة الفقر في مصر تعدت 30 بالمئة حسب آخر الإحصائيات الرسمية مع 60 بالمئة من الفئات المعرضة أن تنضم حسب نفس التقرير، والتي هي أرقام أقل من الواقع بكثير، ولكنها تؤكد على ضياع جودة الحياة في خضم زيادة الأسعار".
ومضى يقول: "ويبقي السؤال، هل المنهج الاقتصادي المصري يلبي متطلبات الحالة الاقتصادية المصرية مع كون مصر ثاني أكبر دولة مستدينة من صندوق النقد الدولي، بإجمالي 13.5 مليار دولار؟".
وختم حديثه مؤكدا أن "الإجابة هي: (لا)، حيث أن الكارثة الاقتصادية المصرية مرتبطة بحل سياسي شامل، وإصلاحات اقتصادية جوهرية تركز على بناء اقتصاد حر، وتركز على صناعات الإنتاج والتكنولوجية الرقمية، وتتحرر من قيود صندوق النقد الدولي، وتشارك في تحالفات اقتصادية مثمرة، وغير مستغلة، وبدون ذلك فلن يكون هناك حلول مجدية".
"ينطبق على مصر"
وقال الباحث المصري في الملف الاقتصادي حسن بربري: "يظهر بتوقيت إصدار تقرير البنك الدولي حول معدلات الفقر والفقر المدقع قانون الضمان الاجتماعي والتحول للدعم النقدي الذي تطرحه الحكومة المصرية".
القيادي في حزب "التحالف الشعبي"،أضاف لـ"عربي21"، أن "القانون الجديد عرف خط الفقر القومي وخط الفقر المدقع؛ وبناء عليه قامت فلسفته التي تحاول بشكل أساسي تحويل الدعم السلعي الذي يعتمد عليه جزء كبير جدا من الشعب لدعم نقدي غير محدد".
وأوضح الناشط العمالي، أن "تقرير البنك الدولي، أشار إلى أن الدول متوسطة الدخل، ومنها مصر المصنفة وفقا للبنك كدولة متوسطة الدخل، يشير هنا لأزمة على مستوى الاقتصاد، كون هذا التصنيف جعل مصر دولة غير منخفضة الدخل، وبالتالي لا يمكننا اللجوء لفكرة إسقاط ديون خارجية".
وبين أن "تصنيف مصر كدولة متوسطة الدخل أقصى ما يمكننا الحصول عليه هو التوسع في الاقتراض، وهو ما أصبح صعبا مع تقرير لجنة داخلية للبنك الدولي أكد أن مصر اقترضت بأكبر من حصتها بـ4 أضعاف المقرر لها وفقا لقواعد الاقتراض من صندوق النقد".
ولفت إلى أن "ذلك يتزامن مع قانون الضمان الاجتماعي الذي تحاول الحكومة تمريره على أنه قانون الرحمة والشافية الذي يقضي على الفساد بعملية الدعم السلعي، في حين أن الحقيقة أنه يتخلص من عبئ الدعم على حساب دفع فوائد وأقساط الديون من موازنة الدولة، وأن ضمن شروط صندوق النقد التخلص من دعم الفئات الفقيرة والمهمشة".
وأشار إلى أنه "في القانون تم وضع تعريف لخط الفقر القومي، وفقا لحسبة معينة، وفي معادلة تقترب من حسبة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي نشرت آخر معلوماتها في هذا الإطار عن عامي (2019/2020)، وتوقفت منذ ذلك الحين، كما ذُكر ببعض الأوساط أنه تم إخفاء المعلومات منذ ذلك الحين وحتى (2023/2024)، عمدا".
وأكد بربري، أن "خط الفقر في مصر مختلف عن خط فقر الدول الفقيرة أو منخفضة الدخل"، مشيرا إلى "اعترافات محلية عن خطوط الفقر لدينا من رئيس الجمهورية الذي صرح في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بأن الأسرة المكونة من 4 أفراد يكفيها حاجاتها الأساسية 10 آلاف جنيه، لكنه في شباط/ فبراير 2024، أقر حد أدنى للأجور بـ6 آلاف جنيه، ولدينا أصلا مشاكل في تطبيقه".
وأشار الباحث المصري إلى أن "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أقر عام 2020، أن الحد الأدني لدخل المواطن لأسرة من 4 أفراد 10.375 جنيه، وهو رقم أعلى من خط الفقر الذي تعمل عليه الحكومة".
وخلص للقول: "وهذا يؤكد تغاضي حكومي عن رفع مستوى معيشة المواطنين، وسط أزمة اقتصادية طاحنة تدور بدائرة مفرغة دون حلول، ورغم وعود متكررة حول أزمة تنتهي وانفراجة قادمة؛ لكن الأوضاع تشير لمزيد من الاقتراض والفقر والتغول على حقوق العمال والفلاحين وزيادة أسعار السلع والخدمات دون ضابط".