تآمر ونكبة قبل النكبة.. كيف مهّدت كرة القدم لاحتلال فلسطين؟
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
نأسف على الإزعاج، لأنه بينما القلوب تعتصر، خرجت علينا أحاديث فرعية عن تفاهة كرة القدم، لأن مَن يطالب لاعبي الكرة بالحديث عن قضية بحجم فلسطين بات متهما بالتفاهة، والمضحك المبكي أن هذا الاتهام يأتي من صديق آخر، أو مستخدم آخر للفضاء الرقمي وعلى الأرجح مهتم بكرة القدم، ورغم اهتمامه بها، لم يفهم شيئا عما يجري خلف كواليسها.
إذا كنت تعتقد أن هناك لاعب كرة قدم مطلوب منه أن يغض بصره عن كل ما يحدث خارج المستطيل الأخضر، لأنه في النهاية مجرد "لاعب كرة قدم"، فأنت تحتاج فقط إلى أن تدرك -ويا للبداهة- أن من المفترض أنه خُلق ووُلد إنسانا قبل أن يتحول إلى لاعب كرة قدم.
وإذا كنت تعتقد أن نهائي كأس العالم الذي يتابعه نحو 1.5 مليار إنسان، أي ربع سكان الكرة الأرضية، حدث لن يُستَخدم سياسيا فأنت ساذج على الأغلب، وإذا كنت تعتقد أن اللعبة الشعبية الأولى لم تكن يوما أداة وظَّفها المحتلون والديكتاتوريون والفاشيون لتحقيق أهدافهم، وأداة لضحايا الديكتاتورات والقمع للتعبير عن نضالهم، فأنت لم تفهم اللعبة بعد.. أي لعبة؟ الكرة، ولعبة أخرى أكبر منها بكثير (1) (2).
صفحات التاريخفي القرن السادس عشر، كان عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين بالكاد 5000 مهاجر، وذلك حسب الحركة الصهيونية نفسها، هاجر معظمهم لاعتبارات دينية، وأغلبهم طُرد من إسبانيا في ذلك الوقت. في القرون اللاحقة تأجج الصراع بين القوى الاستعمارية، وهنا قررت بريطانيا تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، لتنشأ بذرة الحركة الصهيونية (3) (4).
وفي القرن العشرين، كانت نسبة اليهود ترتفع كلما قررت أوروبا إرسال دفعة أكبر منهم إلى فلسطين، وكانت بريطانيا، بانتدابها الاستعماري، تستعد لمشروع تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، الأمر الذي رفضه العرب، وتعين أن يُفرض رغما عنهم، فلذلك جاءت القوة الناعمة لترسم سيناريو النكبة المنتظر (5).
في عام 1928، أدركت الحركة الصهيونية القيمة التي تُمثِّلها كرة القدم للشعوب، قبل عامين فقط من النسخة الأولى لكأس العالم، وقررت تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم؛ اتحاد يحمل اسم فلسطين ولكنه يهودي بالكامل، رغم بلوغ نسبة اليهود المهاجرين في فلسطين 11% فقط من إجمالي سكان البلاد مع الهجرات المتتالية التي سهَّلتها بريطانيا ودول غربية أخرى. وبالعودة لقضية الاتحاد، فقد تفطن اليهود المهاجرون لأهميته قبل الفلسطينيين الذين كانوا يُرهَقون عن عمد تمهيدا للخطة التي تُجهَّز لهم (6) (7).
تحول الاتحاد الذي أسسه اليهود إلى الممثل الرسمي لمنتخب فلسطين في المحافل الدولية 1929، ولم يتفطن العرب حينها لكون منتخب فلسطين يُمثِّل البلاد بهوية يهودية. (مواقع التواصل)بعد عام واحد فقط، تحديدا في عام 1929، بات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي أسسه اليهود معترفا به من قِبَل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بعد قيامهم بالتحايل، حيث منحوا العرب تمثيلا رمزيا للاعتراف باتحادهم. في هذه اللحظة اتضحت الصورة التي ترى بها هذه الحركة سكان فلسطين الأصليين؛ مجرد أقلية رمزية يمكن توظيفها لمنح المحتل شرعية السيطرة على هذه البلاد (8).
هنا تحول الاتحاد الذي أسسه اليهود إلى الممثل الرسمي لمنتخب فلسطين في المحافل الدولية. تذكر أن كل ذلك حدث بعد عام واحد فقط من بث أول مباراة كرة قدم في التاريخ عبر "بي بي سي" وتحول كرة القدم إلى محتوى إعلامي يُنقل على الهواء مباشرة، ولكن ليس في كل الدنيا بالطبع، لذلك لم يتفطن العرب لكون منتخب فلسطين يُمثِّل البلاد بهوية يهودية (9) (10).
كأس العالملم يحضر منتخب فلسطين النسخة الأولى لكأس العالم في 1930، التي استضافتها أوروغواي وتُوجت بها، ولكنَّ نسختي كأس العالم الثانية والثالثة في 1934 و1938 شهدت حضوره بمنتخب يهودي خالص، وفي كأس عالم يمارس فيه موسوليني فاشيّته ويُحكِم قبضته على المهاجرين الأرجنتينيين ليلعبوا لمنتخب إيطاليا، ويهددهم بالقتل إذا لم يحققوا اللقب، لدرجة أن حارس مرمى المجر أنتال سابو علّق على نهائي نسخة 1938 بأنه فضَّل تلقي 4 أهداف في شباكه على أن يتسبب في قتل 11 رجلا (11) (12).
وفي المونديالين نفسيهما اللذين بدأ بهما إقحام السياسة في الرياضة، بل وإحكام قبضتها عليها من خلال أهم بطولة لكرة القدم على الإطلاق، ظهر المنتخب الفلسطيني ليُغني النشيد الوطني اليهودي في كأس العالم، "هتكفاه" الذي تحول بعد سنوات إلى النشيد الوطني لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتقول كلماته: "طالما في صميم القلب، لم يضع أملنا بعد.. روح يهودي هائمة، عمره ألفا سنة، وتنظر عين إلى صهيون، أن نكون أمة حرة في بلادنا" (13).
في تصفيات مونديال 1934 لعبت فلسطين مباراتين أمام مصر، واحدة في العباسية بمحافظة القاهرة، والأخرى في ذلك الجزء من يافا الذي تحول فيما بعد ليصبح "تل أبيب" بعد سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. انظر كيف كانوا يرسمون السيناريو قبل 14 عاما من النكبة. لقد كان كل شيء يُعَدُّ مسبقا في الغرف المغلقة من قبل قوى الاستعمار في العالم، وكذلك في ملاعب كرة القدم التي وُلدت بريئة ولوَّثتها السياسة حين تحولت إلى منافسات معترف بها، أي تحتاج إلى اعتراف من "جهة رسمية" (14).
كرة قدم "المقاومة"حين انضم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي أسسه اليهود إلى الفيفا، تفطّن الفلسطينيون إلى ما يُحاك خلف ظهورهم، خاصة أن اليهود حاولوا فعل الشيء نفسه مع ألعاب القوى قبل ذلك، ولكنهم لم يحصلوا على اعتراف رسمي (15). في مواجهة ذلك، ظهرت المقاومة الرياضية عبر تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني -العربي- عام 1931 على يد الفلسطينيين الأصليين، الذين أعادوا تأسيسه عام 1944، وبدأوا رحلتهم مع النضال للحصول على اعتراف رسمي من الفيفا بعد أن سرقه منهم اليهود بقيادة الحركة الصهيونية لأنهم جاؤوا أولا (16).
شرعت المقاومة في تشجيع وإنشاء الأندية الرياضية المحلية، إذ إنه بحلول عام 1945 كان هناك 25 ناديا منضما للاتحاد الفلسطيني الحقيقي ومقره في النادي الإسلامي بمدينة يافا، وارتفع هذا العدد ليصبح 60 ناديا بحلول عام 1947، وفي الجهة المقابلة قابلهم المُحتل الذي كان لا يزال مشروع محتل في تلك الأيام بالاعتقالات والتضييق على كل الأندية الفلسطينية، إلى أن جاءت النكبة في 1948 وأحكموا قبضتهم على فلسطين بعد تهجير سكانها الأصليين واحتلوا البلاد بالقوة الغاشمة، ليتوسع الاستيطان في الأرض كما توسع في كرة القدم. وفي هذه اللحظة، أرادت الحركة الصهيونية الحصول على الاعتراف الرسمي من العالم، ليتوجَّهوا إلى مؤسسات تشبه "الفيفا" ولكنها ليست "فيفا" بالطبع (17).
من "يويفا" و"فيفا" إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بعد الحصول على عضوية الفيفا والأمم المتحدة، انضمت إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" بعد رفض عرب آسيا اللعب ضد الأندية الإسرائيلية (غيتي)الفارق الزمني نفسه بين طلب الاعتراف الرسمي بالاتحاد الفلسطيني التابع للحركة الصهيونية وبين الموافقة عليه، وهو عام واحد فقط، كان هو كل ما احتاجت إليه الحركة ذاتها حين أعلنت رسميا قيام دولة إسرائيل في 1948، لتحصل على اعتراف مباشر من أميركا والاتحاد السوفيتي، وفي رحلة البحث عن الاعتراف الرسمي، تقدمت إسرائيل بطلب الحصول على عضوية "فيفا العالم"؛ وهنا نقصد الأمم المتحدة (18).
رُفض الطلب أول مرة في مايو/أيار 1948، ولكنهم عادوا بعد عام ليحصلوا على العضوية بناء على أن إسرائيل بوصفها دولة ستقبل بدون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد بتطبيقها من اليوم الذي تصبح فيه عضوا، فضلا عن التعهد بتطبيق قرارَيْ الجمعية الصادرين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 -قرار تقسيم فلسطين- و11 ديسمبر/كانون الأول 1948 -قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لكن كما يعلم الجميع، فإن ذلك لم يحدث حتى الآن (19).
بعد الحصول على عضوية الفيفا والأمم المتحدة، انضمت إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" بعد رفض عرب آسيا اللعب ضد الأندية الإسرائيلية، ثم مع مرور السنوات تأصلت العلاقة بين الطرفين بواسطة اتفاقية الشراكة لعام 1995، التي جعلت أوروبا تقبل دولة إسرائيل حليفا رسميا بعد سنوات من اضطهاد اليهود في أوروبا وطردهم ليلجأوا إلى فلسطين المحتلة (20).
جرائم دون عقوبات.. في الحرب والكرة!منذ قدم الصهاينة إلى فلسطين، عاثوا في أرضها فسادا ولم تكن الرياضة استثناء من ذلك (21)، (22). المثير للاشمئزاز أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لم تلقَ أي عقوبات من مجلس الأمن والأمم المتحدة لم تجد أيضا أي إدانة حتى من الفيفا واليويفا، وبينما يُعاقَب الرياضيون الرّوس على فضيحة منشطات بالمنع من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية، وتُحرم أندية روسيا ومنتخبها من المشاركة في منافسات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بعد الحرب على أوكرانيا، لم تجد إسرائيل المعاملة نفسها بعد جرائمها في فلسطين (23) (24).
بل على العكس تماما، كان الاتحاد الفلسطيني العربي لكرة القدم هو من تعرض للتهميش، ولم يُعتَرف بمنتخب فلسطين العربي سوى بعد اتفاقية أوسلو بسنوات، وتحديدا في 1998، كل هذه السنوات تدور فيها كرة القدم وتتعدل قوانينها ويظهر بيليه ودي ستيفانو ومارادونا وباولو روسي وجيرد مولر، يحصل هؤلاء على كؤوس عالم وتدور الكرة حول الكرة الأرضية ويستمتع بها الجميع، إلا المسلوبة أرضهم في فلسطين، هؤلاء المنهوب حقهم في الحياة (25).
الكثير من العراقيل واجهها الاتحاد العربي الفلسطيني لكرة القدم وكانت نتيجتها أن الحركة الصهيونية حكمت على فلسطين بالموت كرويا، تماما كما حكمت على سكانها بالحرمان من الحياة، بمباركة متخذي القرار بأزيائهم الرسمية وكلامهم المنمق داخل القاعات؛ حيث تُقصف فلسطين ويتكاتف مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وحلف الناتو والفيفا واليويفا لإيجاد المخرج الآمن لإسرائيل دائما، تلك الدولة المحصّنة ضد العقوبات وضد كل شيء، والمسموح لها بارتكاب الجرائم بينما يُعاقَب ضحاياها لأنهم لم يموتوا جميعا في صمت! (26)
رغم كل هذا.. نحيايقول هنري فورد إن الانتصارات الصغيرة، التي لا يتذكرها سواك، وحدها ما يُبقيك قويا أمام كل ما يُسيء إليك. فما بالك بالانتصارات التي تبدو فقط صغيرة، ولكن يتذكرها شعبك بأكمله وسط محاولات إبادته؟ فما بالك حين تكون تلك الانتصارات الرد على ما يُفرَض عليك حتى لا تنتصر أبدا، وحتى لا تقوم لك قائمة من الأساس. وقتها تبدو أكبر بكثير من مجرد انتصارات صغيرة (27).
في مايو/أيار عام 2014، حقق منتخب فلسطين لقب كأس التحدي الآسيوي، ليتأهل إلى كأس أمم آسيا لأول مرة في تاريخه، وهو أكبر إنجاز في تاريخ كرة القدم الفلسطينية. وقتها بدا الاحتلال وكأنه لم يتقبل رؤية ذلك وشن غارات عنيفة بعدها بشهرين فقط على المنشآت الرياضية، واستهدف الرياضيين ليقتل منهم أكثر من 20، فضلا عن تدمير المنشآت والبنية التحتية في غزة التي يكافح سكانها لبنائها منذ سنوات (28) (29).
أحد أبرز شهداء ذلك القصف كان عاهد زقوت، لاعب منتخب فلسطين السابق، الذي استشهد في غارة استهدفت منزله الذي يحتوي العديد من الكؤوس والجوائز الخاصة به. المثير للاهتمام هو النشاط الذي كان يمارسه زقوت في ذلك الوقت، إذ إنه من بين أبرز الأسماء في كرة القدم الفلسطينية، ولكن الأهم أنه بعد اعتزاله اتجه إلى سلك التدريب وساهم في إنشاء العديد من المدارس الكروية، وهو ما يجدد الأمل في كرة قدم فلسطينية يمكنها أن تقاوم، لذلك سيقطع الاحتلال الطريق أمامها وأمام كل مَن يحاول البقاء أمام رغبة العدوان في زواله (30).
رغم كل ذلك، تلملم الكرة الفلسطينية جراحها وتقاوم، كما يفعل الشعب، وفي ظروف تجعل أشد المتفائلين يفقد الأمل، يبدو هذا الشعب محصنا ضد فقدانه. إذ لعب الفلسطينيون كأس أمم آسيا بعد ذلك بعام في 2015، وحاولوا من جديد في ظروف مستحيلة، بينما تُهيَّأ كل الظروف أمام المنتخب الإسرائيلي ولا يحقق شيئا. صحيح، لا نحتاج إلى أن نخبرك أن إسرائيل لعبت تصفيات كأس العالم 2014 وما بعده وما قبله بصورة طبيعية، لم يتدخل "فيفا" لمعاقبة الدولة التي تدمر منشآت رياضية في أعقاب المونديال، ولم يقم اليويفا باستبعادها من تصفيات أوروبا بالطبع، تماما كما لم يقم مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض أي عقوبة على جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال منذ أكثر من 80 عاما (31) (32).
وبعد كل ذلك، ستهدأ الأمور، أو سيجعلونها تبدو كذلك، وسيبتسم القائمون على كرة القدم داخل القاعات ويرفعون شعارات "ضد العنصرية" و"إيقاف الحرب" و"الحياة من حق الجميع"، ولكنهم سيهمسون سرا فيما بينهم بنهاية كل عبارة: "عدا فلسطين"، تلك البلاد التي حكم عليها العالم بنزع الحياة دون أي سبب إلا أن أهلها يحبون الحياة، رغم كل محاولات سلبها منهم.
________________________________________________
المصادر
1 – كم عدد الأشخاص الذين شاهدوا نهائي كأس العالم 2022؟ 2 – الديكتاتورات وكرة القدم 3 – هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين 4 – كيف نشأت الحركة الصهيونية؟ 5 – كيف نشأت دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ 6 – تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بهوية يهودية في 1929 7 – نسبة اليهود في فلسطين خلال العقد الثالث من القرن العشرين 8 – الاعتراف الرسمي بالاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بهوية يهودية في 1929 9 – تاريخ بث أول مباراة كرة قدم على الراديو عبر بي بي سي 10 – تاريخ الراديو وكرة القدم 11 – حقيقة منتخب فلسطين المشارك في كأس العالم 1934 12 – لحظات مذهلة في كأس العالم: فوز موسوليني بالقمصان السوداء عام 1938 – الغارديان 13 – النشيد الوطني "اليهودي" لفلسطين الذي عُزف في كأس العالم 1934 وتحول إلى النشيد الوطني لدولة الاحتلال فيما بعد 14 – مصر وفلسطين في كأس العالم 1934 15 – فلسطين وكأس العالم.. حين ساعد الفيفا الحركة الصهيونية على سرقة منتخب فلسطين! – ميدان 16 – المصدر السابق 17 – الرياضة والطموحات: كرة القدم في فلسطين 1900-1948 18 – المصدر السابق 19 – الاعتراف الرسمي بدولة الاحتلال الإسرائيلي 20 – علاقة الاتحاد الأوروبي بدولة إسرائيل 21 – هرتزل ونشأة الحركة الصهيونية 22 – المصدر السابق 23 – حرمان الرياضيين الروس من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية بسبب المنشطات 24 – استبعاد الأندية الروسية من دوري أبطال أوروبا بسبب الحرب على أوكرانيا 25 – تاريخ المنتخب الفلسطيني 26- القصف الإسرائيلي لمنشآت رياضية في قطاع غزة 2014 27 – أبرز أقوال هنري فورد 28 – منتخب فلسطين يحقق لقب كأس التحدي في 2014 29 – إسرائيل تقتل الرياضيين الفلسطينيين وتدمر ملاعب غزة 30 – المصدر السابق 31 – مشاركة فلسطين في كأس أمم آسيا 2015 32 – منتخب إسرائيل في تصفيات كأس العالم 2014المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاتحاد الفلسطینی لکرة القدم الاحتلال الإسرائیلی الحرکة الصهیونیة الاتحاد الأوروبی والأمم المتحدة النشید الوطنی دولة الاحتلال المصدر السابق فی کأس العالم منتخب فلسطین الحصول على الیهود إلى إلى فلسطین کرة القدم فلسطین فی فی فلسطین لاعب کرة کرة قدم التی ت
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.