شكَّل "طوفان الأقصى" الضربةَ الأقسى التي تتلقّاها إسرائيلُ في تاريخ وجودها. وبلا شكّ فإنَّ تداعيات العمليّة يمكن أن تسهم في تغيير وجه مِنطقة الشرق الأوسط.

استراتيجيًا أظهرت حماس تقدمًا كبيرًا في العتاد، والعَديد، ونوعية الهجوم وطرقه وأساليبه، وقد كانت تلك الأدوات لعقود حكرًا على الدول الفاعلة والمصنّعة.

بلا شكّ، فإنّ العملية حملت رسائلَ من حركة حماس، ومن إيران، برفض مسارات التطبيع، ورفض إبرام أي اتفاق بدون ضمان حقوق الفلسطينيين، وجلوس حماس على الطاولة للتفاوض، كذلك فإنَّ إيران حريصة على السير بمسار التصعيد الحاصل في محاولة لتثبيت نفسها ودورها في المنطقة لسنوات طويلة مُقبلة، من العراق إلى سوريا، ولبنان، وحكمًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ليس في قطاع غزة فقط، بل في الضفة والقدس مُستقبلًا.

يصرّ حلفاء نتنياهو في اليمين الإسرائيلي المتطرف على خيار حرب حاسمة، ولو كانت بشكل جزئي تؤدّي لضرب بنية حماس العسكريّة، على غرار تجربة اجتياح بيروت 82 بهدف تدمير منظمة التحرير وكسر صورتها التي كانت تتمتع بها

ولكن قبل الوصول إلى مرحلة الخلاصات التي لا تزال مستحيلةً في هذه المرحلة، لا بدَّ من متابعة الأداء الإسرائيلي، في حجمه وقدراته. كما لا بدَّ المراقبة من كثب للموقف الأميركي.

تبدو السيناريوهات الإسرائيليَّة أكثر صعوبة نتيجة المواقف العربيّة والدولية، وخاصةً أنَّ في محيط نتنياهو مَن أصيب بمتلازمة الثأر، تحت عنوان استدعاء مشهد 7 حزيران 67 في مواجهة إسرائيل لأكثر من دولة، وعلى أكثر من جبهة، والانتصار عليها جميعًا، لذا فمستشارو نتنياهو الأمنيون يعملون على إقناعه بأنَّ فتح الجبهات ليس مؤشرًا على انتصار تل أبيب، وخاصة أنَّ العالم الغربي حريصٌ على إعادة هيبة إسرائيل في المنطقة.

فيما المعارضون نهج نتنياهو، يذكّرون الاستخبارات الإسرائيلية والحكومة اليمينية بصعوبة الموقف، على اعتبار أنّه يشبه في مضمونه إعادة إحياء مرحلة حرب أكتوبر 73، والتي تلقت فيها إسرائيل نكسة عسكرية حاسمة، لكنها عادت واستفاقت وعزَّزت موقعها العسكري والتفاوضي، فذهبت مع مصر إلى مفاوضات اتفاق السلام، لذا فإن نخب إسرائيلية لا تتوانى عن بثّ فكرة ضرورة الذهاب لمشروع حلّ الدولتين، والضغط لدمج حماس وغزة في المشروع عبر أصدقائها الإقليميين.

فيما يصرّ حلفاء نتنياهو في اليمين الإسرائيلي المتطرف على خيار حرب حاسمة، ولو كانت بشكل جزئي تؤدّي لضرب بنية حماس العسكريّة، على غرار تجربة اجتياح بيروت 82 بهدف تدمير منظمة التحرير وكسر صورتها التي كانت تتمتع بها، ودفعها للمنافي وحصارها سياسيًا، وتهجير أكبر عددٍ من الفلسطينيين باتجاه مصر ودول عربية أخرى، كالأردن ولبنان، مقابل أموال تدفع لهذه الدول جزاء قَبولها بهذا المسار.

كل هذه الطّروحات المحتملة تواجه تحديات وصعوبات كبيرة، خاصة  سيناريوهات التدمير والحرب، لأنه وعلى الرغم من دخول واشنطن ودول الغرب بشكل مباشر في هذه الحرب إلى جانب نتنياهو وحكومته المأزومة، والدفع باتجاه إرسال حاملتي طائرات ومدمّرات عسكرية في البحر المتوسط، إلا أنّ ذلك يهدف إلى تعزيز المعنويات والردع، وعدم فتح الأمور لتتدحرج لمشاركة إيران، وحزب الله، وحلفائهما في أي حرب، وترك إسرائيل في مواجهة قطاع غزة، كذلك فإنَّ الضغط من قبل مجموعات فاعلة ضد إسرائيل في الولايات المتحدة ودول الغرب يؤدي غرضه في تليين الموقف الأميركي والسعي لإيجاد تسويات برعاية دول مؤثرة على حماس وإسرائيل.

ويبدو حتى الآن أن إيران تعمل ضمن حسابات دقيقة، ولم تحسم أمر دخولها في المعركة، وتحرص على الظهور بأنها ليست طرفًا فاعلًا فيها، وأنها التقطت الرسالة الأميركية بضرورة النأي عن الصراع الحالي؛ كي تتجنب مآلات ستؤثر على مشروعها في المنطقة، وعلى محاولاتها التخلصَ من العقوبات المفروضة عليها، والتي أعْيت اقتصادها بشكل كبير على مدار السنوات الماضية.

في الوقت نفسه، فإنّ إيران وحلفاءها في المنطقة يعملون بشكل محموم على التحضير والاستعداد الكامل للدخول في المعركة. وهو استعداد يحمل رسالة تحذيرية إلى واشنطن وتل أبيب بضرورة عدم استهداف إيران ضمن حملة الانتقام الإسرائيلية.

على ما يبدو فإن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف عسكرية واضحة في غزة، لتحسين واستعادة صورتها التي مزّقها عبور حماس صباح 7 تشرين الأول الجاري. ويُعتقد أنَّ إسرائيل ستعمل على إحداث تغييرات في شكل خريطة السيطرة داخل غزة، بالتوازي مع إعادة هيكلة للخريطة الديموغرافية في القطاع، بحيث تقوم بتفريغ مناطق بأكملها من السكان، وتقوم بدفع سكان غزة إلى الجنوب، وتعمل على إضعاف البنية العسكرية لحماس بشكل ملحوظ.

لاشكّ أنّ المعركة فتحت الطريق أمام مسارات إقليمية جديدة،  بما يُنبئ بتغيير بنية القوى في المشهد الفلسطيني، وإعادة تشكيل التحالفات القائمة في المنطقة، والعلاقات بين هذه القوى والولايات المتحدة.

بالمقابل فإنه نتنياهو- والذي انتهى بحكم الواقع- سيعمل في سبيل إطالة أمد حضوره السياسي؛ لذلك سيحرص على تقويض أي مسعى تفاوضي محتمل، ما قد يعني أن الحرب الطويلة ستبقِي الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات العسكرية وليس السياسية، وتحويل الصراع في غزّة والمناوشات في جنوبي سوريا ولبنان إلى مساحة صراعيّة جديدة يجري من خلالها حشدُ الأطراف والقوى والمجموعات الفاعلة، كما الحال في سوريا أو أوكرانيا.

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

فلسطين ترحب بالتقرير الأممي حول ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني

رحبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، اليوم الخميس، بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، المعنون "أكثر مما يستطيع الإنسان تحمله"، والذي يوثّق بالتفصيل الجرائم والانتهاكات الجسيمة والممنهجة التي ترتكبها إسرائيل، قوة الاحتلال غير الشرعي، بما في ذلك استخدامها المتعمد للعنف الجنسي، وأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي كأدوات للقمع والإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية ومنذ بدء عدوانها على الشعب الفلسطيني.


وشددت الوزارة - في بيان أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) - على النتائج التي خلص اليها التقرير، وحقيقة ارتكاب إسرائيل اعمال إبادة جماعية، وغيرها من الجرائم والانتهاكات التي عانى ويعاني منها الشعب الفلسطيني منذ النكبة، والتي تجاوزت حدود الاحتمال، وأن هذه المعاناة التي يتكبدها أبناء الشعب الفلسطيني، نساءً ورجالًا وأطفالًا، هي معاناة غير مقبولة ولا يمكن التغاضي عنها، ويجب مساءلة ومحاسبة مرتكبيها.

الصحة الفلسطينية: الاحتلال تعمد تدمير محطات توليد الأكسجين بمستشفيات غزةمصدر لبناني: التطبيع مع دولة الاحتلال غير مطروح
وأشادت الوزارة بالجهود الحثيثة التي تبذلها لجنة التحقيق الدولية المستقلة في سبيل إحقاق العدالة وكشف الحقيقة، وأكدت ضرورة حماية اللجنة وضمان استمرار عملها بعيدًا عن أي ضغوط مسيسة أو محاولات للتشكيك في مصداقيتها، وبدلًا من مهاجمة اللجنة وتقويض ولايتها، يتوجب على المجتمع الدولي دعمها والالتزام بنتائجها، التي تستند إلى أسس قانونية وحقوقية دولية راسخة، مؤكدة رفضها محاولات النيل من عمل اللجنة أو عرقلة عملها، واعتبرتها محاولات لمنح الحصانة لإسرائيل، قوة الاحتلال غير الشرعي، من المساءلة وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب، وهو ما يعتبر تواطؤا في جريمة الإبادة الجماعية ومن شأنه تشجيعها وتشجيع مجرميها على مواصلة انتهاكاتهم الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.


ودعت الخارجية الفلسطينية جميع الدول والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني إلى دعم لجنة التحقيق الدولية المستقلة وولايتها، تنفيذ توصياتها، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل، قوة الاحتلال غير الشرعي، واتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية واقتصادية صارمة لمحاسبة وضمان امتثال الاحتلال للقانون الدولي، وضمان الحماية والعدالة للضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • مكتب نتنياهو: إسرائيل ستواصل محادثات وقف إطلاق النار في غزة وفقًا للمقترح الأمريكي
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • طبقا لتصنيف فوربس.. كيف يعيد مديري الأصول تشكيل المشهد الاستثماري بالمنطقة
  • غولان: نتنياهو باع أمن إسرائيل من أجل بقائه السياسي
  • فلسطين ترحب بالتقرير الأممي حول ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي
  • لجنة اممية تتهم إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني
  • الأقوى خلال الأربعين عامًا الماضية.. زلزال جديد يضرب نابولي جنوب إيطاليا
  • بقوة 4.4 درجة.. زلزال يضرب نابولي جنوب إيطاليا
  • زلزال قوي يضرب إيطاليا