زلزال غزة يُعيد تشكيل معالم المشهد الفلسطيني والإقليمي
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
شكَّل "طوفان الأقصى" الضربةَ الأقسى التي تتلقّاها إسرائيلُ في تاريخ وجودها. وبلا شكّ فإنَّ تداعيات العمليّة يمكن أن تسهم في تغيير وجه مِنطقة الشرق الأوسط.
استراتيجيًا أظهرت حماس تقدمًا كبيرًا في العتاد، والعَديد، ونوعية الهجوم وطرقه وأساليبه، وقد كانت تلك الأدوات لعقود حكرًا على الدول الفاعلة والمصنّعة.
بلا شكّ، فإنّ العملية حملت رسائلَ من حركة حماس، ومن إيران، برفض مسارات التطبيع، ورفض إبرام أي اتفاق بدون ضمان حقوق الفلسطينيين، وجلوس حماس على الطاولة للتفاوض، كذلك فإنَّ إيران حريصة على السير بمسار التصعيد الحاصل في محاولة لتثبيت نفسها ودورها في المنطقة لسنوات طويلة مُقبلة، من العراق إلى سوريا، ولبنان، وحكمًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ليس في قطاع غزة فقط، بل في الضفة والقدس مُستقبلًا.
يصرّ حلفاء نتنياهو في اليمين الإسرائيلي المتطرف على خيار حرب حاسمة، ولو كانت بشكل جزئي تؤدّي لضرب بنية حماس العسكريّة، على غرار تجربة اجتياح بيروت 82 بهدف تدمير منظمة التحرير وكسر صورتها التي كانت تتمتع بها
ولكن قبل الوصول إلى مرحلة الخلاصات التي لا تزال مستحيلةً في هذه المرحلة، لا بدَّ من متابعة الأداء الإسرائيلي، في حجمه وقدراته. كما لا بدَّ المراقبة من كثب للموقف الأميركي.
تبدو السيناريوهات الإسرائيليَّة أكثر صعوبة نتيجة المواقف العربيّة والدولية، وخاصةً أنَّ في محيط نتنياهو مَن أصيب بمتلازمة الثأر، تحت عنوان استدعاء مشهد 7 حزيران 67 في مواجهة إسرائيل لأكثر من دولة، وعلى أكثر من جبهة، والانتصار عليها جميعًا، لذا فمستشارو نتنياهو الأمنيون يعملون على إقناعه بأنَّ فتح الجبهات ليس مؤشرًا على انتصار تل أبيب، وخاصة أنَّ العالم الغربي حريصٌ على إعادة هيبة إسرائيل في المنطقة.
فيما المعارضون نهج نتنياهو، يذكّرون الاستخبارات الإسرائيلية والحكومة اليمينية بصعوبة الموقف، على اعتبار أنّه يشبه في مضمونه إعادة إحياء مرحلة حرب أكتوبر 73، والتي تلقت فيها إسرائيل نكسة عسكرية حاسمة، لكنها عادت واستفاقت وعزَّزت موقعها العسكري والتفاوضي، فذهبت مع مصر إلى مفاوضات اتفاق السلام، لذا فإن نخب إسرائيلية لا تتوانى عن بثّ فكرة ضرورة الذهاب لمشروع حلّ الدولتين، والضغط لدمج حماس وغزة في المشروع عبر أصدقائها الإقليميين.
فيما يصرّ حلفاء نتنياهو في اليمين الإسرائيلي المتطرف على خيار حرب حاسمة، ولو كانت بشكل جزئي تؤدّي لضرب بنية حماس العسكريّة، على غرار تجربة اجتياح بيروت 82 بهدف تدمير منظمة التحرير وكسر صورتها التي كانت تتمتع بها، ودفعها للمنافي وحصارها سياسيًا، وتهجير أكبر عددٍ من الفلسطينيين باتجاه مصر ودول عربية أخرى، كالأردن ولبنان، مقابل أموال تدفع لهذه الدول جزاء قَبولها بهذا المسار.
كل هذه الطّروحات المحتملة تواجه تحديات وصعوبات كبيرة، خاصة سيناريوهات التدمير والحرب، لأنه وعلى الرغم من دخول واشنطن ودول الغرب بشكل مباشر في هذه الحرب إلى جانب نتنياهو وحكومته المأزومة، والدفع باتجاه إرسال حاملتي طائرات ومدمّرات عسكرية في البحر المتوسط، إلا أنّ ذلك يهدف إلى تعزيز المعنويات والردع، وعدم فتح الأمور لتتدحرج لمشاركة إيران، وحزب الله، وحلفائهما في أي حرب، وترك إسرائيل في مواجهة قطاع غزة، كذلك فإنَّ الضغط من قبل مجموعات فاعلة ضد إسرائيل في الولايات المتحدة ودول الغرب يؤدي غرضه في تليين الموقف الأميركي والسعي لإيجاد تسويات برعاية دول مؤثرة على حماس وإسرائيل.
ويبدو حتى الآن أن إيران تعمل ضمن حسابات دقيقة، ولم تحسم أمر دخولها في المعركة، وتحرص على الظهور بأنها ليست طرفًا فاعلًا فيها، وأنها التقطت الرسالة الأميركية بضرورة النأي عن الصراع الحالي؛ كي تتجنب مآلات ستؤثر على مشروعها في المنطقة، وعلى محاولاتها التخلصَ من العقوبات المفروضة عليها، والتي أعْيت اقتصادها بشكل كبير على مدار السنوات الماضية.
في الوقت نفسه، فإنّ إيران وحلفاءها في المنطقة يعملون بشكل محموم على التحضير والاستعداد الكامل للدخول في المعركة. وهو استعداد يحمل رسالة تحذيرية إلى واشنطن وتل أبيب بضرورة عدم استهداف إيران ضمن حملة الانتقام الإسرائيلية.
على ما يبدو فإن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف عسكرية واضحة في غزة، لتحسين واستعادة صورتها التي مزّقها عبور حماس صباح 7 تشرين الأول الجاري. ويُعتقد أنَّ إسرائيل ستعمل على إحداث تغييرات في شكل خريطة السيطرة داخل غزة، بالتوازي مع إعادة هيكلة للخريطة الديموغرافية في القطاع، بحيث تقوم بتفريغ مناطق بأكملها من السكان، وتقوم بدفع سكان غزة إلى الجنوب، وتعمل على إضعاف البنية العسكرية لحماس بشكل ملحوظ.
لاشكّ أنّ المعركة فتحت الطريق أمام مسارات إقليمية جديدة، بما يُنبئ بتغيير بنية القوى في المشهد الفلسطيني، وإعادة تشكيل التحالفات القائمة في المنطقة، والعلاقات بين هذه القوى والولايات المتحدة.
بالمقابل فإنه نتنياهو- والذي انتهى بحكم الواقع- سيعمل في سبيل إطالة أمد حضوره السياسي؛ لذلك سيحرص على تقويض أي مسعى تفاوضي محتمل، ما قد يعني أن الحرب الطويلة ستبقِي الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات العسكرية وليس السياسية، وتحويل الصراع في غزّة والمناوشات في جنوبي سوريا ولبنان إلى مساحة صراعيّة جديدة يجري من خلالها حشدُ الأطراف والقوى والمجموعات الفاعلة، كما الحال في سوريا أو أوكرانيا.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
سوريا وفلسطين.. زلزال في إثر زلزال
لم تتصدر فلسطين يوما، أجندة "السلفية الجهادية"، على الرغم من لجوء "الآباء المؤسسين" لهذه المدرسة إلى استخدامها غطاء ومبررا بين الحين والآخر... تارة، للتسويق والتسويغ، للتعبئة والتحشيد، وأخرى، لتظهير البعد "العقائدي" الكامن وراء انبثاق هذه الحركات وتمددها وديمومتها.
بهذا المعنى، يمكن وصف "الآباء المؤسسين" وتلاميذهم وحوارييهم، بـ"المُرجئة"... كرّسوا مواردهم وطاقاتهم وأفعالهم، لقتال "العدو البعيد"، مرجئين المنازلة الكبرى مع "العدو القريب" إلى زمنٍ آخر... وحين ابتدع الظواهري نظرية قتال العدو البعيد، لم تكن "إسرائيل" هي المقصود بالعدو القريب من وجهة نظرة، أو من وجهة نظر الجماعة والجهاد الإسلاميين المصريين، بالرغم من احتلالها أرضا عربية ومصرية وإسلامية خالصة، بل الأنظمة العربية، وفي الحالة المصرية، نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.
لا في زمن "الثورة" و"الإمارة المسلحة" والثورة المسلحة للنظام في دمشق، ولا في زمن "الدولة" الذي يكاد يطل برأسه من عاصمة الأمويين، تتقدم فلسطين، وقتال العدو الإسرائيلي القريب، أجندة هؤلاء... بالضد من ذلك، فقد رأينا في بواكير زمن "الثورة" فصولا من التعاون بين فصائل جهادية على الجدار الفاصل بين القنيطرة والهضبة، رأينا "مجاهدين" يتلقون العلاج في مستشفيات "العدو البعيد"... رأينا مجرم كل الحروب، بنيامين نتنياهو، يعودهم على أسرّة الشفاء في المستشفيات العسكرية الإسرائيلية، رأينا التقاء انتهازيا منقطع النظير، في الأهداف والمصالح.
لم تكن المنطقة قد ارتاحت بعد من تداعيات الطوفان وزلزال السابع من أكتوبر، حتى داهمها زلزال لا يقل أثرا (على مقياس ريختر) في الثامن من ديسمبر... كلا الحدثين الجللين ضربا المنطقة عند "الفالق الزلزالي" الشامي الأوسع والأكبر... لكن مركز الاهتمام السياسي والإعلامي و"الاستخباري"، ستنتقل بؤرته من غزة وفلسطين، إلى دمشق ومحيطها، وتلكم واحدة من "الآثار الفورية" للحدث السوري على المشهد الفلسطيني، وهو بالطبع، أثرٌ موضوعي، لا يمكن إلقاء اللائمة عنه على من قام به... لكنه بكل تأكيد، لا يعمل لصالح الفلسطينيين وهم يواجهون حرب التطهير والتطويق والإبادة
اليوم، نراقب بقلق، محاولات "النأي بالنفس" عن القضية الفلسطينية، بل وتقزيما متعمّدا، لمرامي وأهداف العدوان الإسرائيلي الموصول على سوريا، وإقدام "الجيش" الإسرائيلي على قضم مساحات تعادل مساحة قطاع غزة، من الأرض السورية، رأينا ميلا جارفا، يخرج على ألسنة بعض رموز الحقبة الجديدة، تعجز "الكياسة والدبلوماسية" عن كبحه وإخفائه، لمد يد السلم والتطبيع مع عدو قريب جدا، جاثم على جزء من التراب الوطني السوري، ويُعمِلُ فيه "أسرلة" وتهويدا واستيطانا.
لم نكن من قبل، ولسنا من بعد، من أنصار إطلاق الاتهامات الجزافية والمجانية، كالقول مثلا بأن هذه القوى من نتاج غربي (مع أن للغرب دورا في تمكينها في بعض المراحل)، أو القول بأنهم صنيعة إسرائيلية، مع أن "إسرائيل" وظفت واستخدمت بعض أفعالهم، لصالح تفوّقها الاستراتيجي في الإقليم... كنّا، وما زلنا، من أنصار نظرية أن هذا "المنتوج" هو ابن بيئته السياسية (الاستبدادية)، وسياقاته الاقتصادية الاجتماعية (الفشل التنموي المقيم)، وحصيلة إخفاقات مزمنة في إنجاز أهداف مشاريع التحرر والاستقلال والسيادة و"الدولة الوطنية" الحديثة، دولة ما بعد الاستقلالات الوطنية.
زلزال الثامن من ديسمبر
لم تكن المنطقة قد ارتاحت بعد من تداعيات الطوفان وزلزال السابع من أكتوبر، حتى داهمها زلزال لا يقل أثرا (على مقياس ريختر) في الثامن من ديسمبر... كلا الحدثين الجللين ضربا المنطقة عند "الفالق الزلزالي" الشامي الأوسع والأكبر... لكن مركز الاهتمام السياسي والإعلامي و"الاستخباري"، ستنتقل بؤرته من غزة وفلسطين، إلى دمشق ومحيطها، وتلكم واحدة من "الآثار الفورية" للحدث السوري على المشهد الفلسطيني، وهو بالطبع، أثرٌ موضوعي، لا يمكن إلقاء اللائمة عنه على من قام به... لكنه بكل تأكيد، لا يعمل لصالح الفلسطينيين وهم يواجهون حرب التطهير والتطويق والإبادة.
الآثار والتداعيات الاستراتيجية لانقلاب المشهد في سوريا، لم تشق طريقها بعد، ولكنها تُطل برأسها منذ اليوم، أولها؛ خروج سوريا وحتى إشعار آخر، موضوعيا إن افترضنا توفر العامل الذاتي، من ساحة المواجهة مع "إسرائيل"، وهذا في أضعف تقدير، حتى لا نفترض غلبة السيناريو الأسوأ، وهو دخولها إلى حلبة القضية الفلسطينية، من بوابة فاروق الشرع: "كل واحد يقلّع شوكه بيده"، أو من البوابة الإبراهيمية العريضة، التي تتسع لسوريا الجديدة، بالرغم من اختلاف النظم والحكام داخل "العائلة الإبراهيمية الكبيرة".
ثانيهما؛ ويتصل بمعادلات القوة وتوازناتها داخل البيت الفلسطيني، وكيف ستتأثر موازين القوى الداخلية، بالتغيير الحاصل في سوريا، ومجيء قيادة "إسلامية سنيّة"، سلفية في منهجها العام، وتستبطن شراكة إخوانية، من قماشة حماس ذاتها... حتى الآن، لا يبدو أن الصورة قد تظهّرت، والكثير سيعتمد على وجهة النظام الجديد وتوجّهه، لكن المؤشرات الأولية، تشي بأن ارتياحا أخذ يعم أوساط حماس، معظمها على أقل تقدير، فيما حالة "لا أدرية" تخيم على السلطة والمنظمة في المقاطعة ورام الله.
ثالثهما؛ الأثر الذي استحدثه الثامن من ديسمبر على معادلات القوة وتوازناتها في الإقليم، وكيف ستعمل، إن لجهة صراع الفلسطينيين مع عدوهم التاريخي، أو لجهة توازنات القوى الفلسطينية الداخلية... تركيا وقطر حليفتا حماس، اللتان تحتفظان بعلاقة لا يستهان بأهميتها مع السلطة والرئاسة، تعاظم نفوذهما الإقليمي، على حساب نفوذ منكمش لإيران ومحورها في الإقليم... وإذا كانت حماس قد احتفظت بعلاقات "طيبة" مع المعسكرين طيلة العقدين الفائتين، فإن السلطة والمنظمة، لم تتوفرا على ترفٍ من هذا النوع... هل سيؤثر هذا "المتغير" في معادلات القوة في الداخل الفلسطيني، وكيف؟...الأرجح أن حماس، ستخرج من مولد التغيير في سوريا، بنصيبٍ من الحمصٍ أكثر من ذاك الذي ستخرج به السلطة.
ملاحظات في لحظة الانتقال
لن نسترسل في رصد تداعيات الحدث السوري وآثاره على القضية الفلسطينية بفصولها وملفاتها المختلفة، فالمقالة لا تحتمل ذلك بالأساس، وسننتقل لرصد وتوضيح ما نعتقده إضاءات لا بدّ منها، لقراءة المشهد السوري المتحرك، وأثره على هذه القضية:
الملاحظة الأولى؛ تقول إن سوريا في عهد الأسدين، وخلال أزيد من نصف قرن، أطفأت جبهة الجولان، وهذا صحيح باعتراف العدو الذي طالما وصف الجبهة بأنها الأكثر أمنا وهدوءا من بين جبهاته المختلفة... لكن سوريا في المقابل، احتضنت حماس لعشرية من السنين "الذهبية"، حظيت خلالها الحركة وقيادتها، بما لم تحظ به في أي بلد عربي آخر، باعتراف قادتها في تلك المرحلة... وسوريا، التي لم تشارك في الحروب اللاحقة لحرب تشرين 1973 التي خاضتها فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية مع العدو، كانت أهم محطة لتصنيع السلاح ونقله إلى هذه "المقاومات"... حتى إشعار آخر، سوريا لن تدخل حربا مع "إسرائيل"، ولن تقوم بدور "محطة الترانزيت" لفصائل المقاومة، بل وقد لا توفر لها معسكرات التدريب والمقار وحرية الحركة على أرضها، فأولوياتها اليوم مختلفة، بعضها مفهوم، وبعضها الآخر مثير للقلق والتساؤل.
الملاحظة الثانية؛ وتتصل بالمقاربات الحدّية التي يجري فيها تناول الملف السوري.... فمن جهته أشاح محور المقاومة بنظره عن جميع مظاهر الفساد والإجرام والاستبداد التي ميّزت حكم الأسدين لسوريا، مكتفية بإبراز دوره "المقاوم"، وتلكم واحدة من الأخطاء (اقرأ الخطايا) التي قارفها المحور... وفي المقابل، أدار خصوم النظام والمحور والمقاومة ومجادلوهم أنظارهم، عن دور النظام السابق في دعم "المقاومات" العربية في مواجهة "إسرائيل"، سفّهوا هذا الدور وأنكروه... والنتيجة أن ساحة أخرى من ساحات الطوق، ستضيق بالفعل العربي المقاوم، أقل في المدى المرئي.
الملاحظة الثالثة؛ عامّة، ومفادها أنه ليس قدرا مكتوبا على سوريا، وعلينا كذلك، أن نبقى نفاضل بين عهد ديكتاتوري مستبد وفاسد، وعهد يبيح لنفسه إخراج سوريا من معادلة الصراع مع العدو... هل كتب علينا ألا نتعلم الدرس الذي اشتقه آباؤنا بعد هزيمة الخامس من حزيران: لا يمكن لشعب مقموع ومضطهد أن يكون رائدا في المقاومة ومقارعة العدو القومي... سوريا تستحق الحرية، وشعبها أكثر من غيره توّاق لاستعادة كرامته وإنسانيته، ولكن سوريا لن تبقى سوريا، إن لم تستعد مكان القلب في المشرق والعالم العربي، ولنا وللسوريين، عبرة فيما فعله السادات من قبل: أرجع سينا وأضاع مصر.
الحديث عن أثر الزلزال السوري وتداعياته، ما زال، وسيبقى لفترة قادمة، محكوما بالطابع الانتقالي الضبابي للمرحلة العاصفة التي تمر بها سوريا... وأن الحكم على "الأثر" سيبقى معلقا على الوجهة التي ستسلكها الأحداث والتطورات في "الشام"، وما إن كان الأشقاء السوريون سيتمكّنون من تخطي هذه المرحلة بقدر أقل من الفوضى والدماء، وكيف... وأين سيتموضع النظام الجديد حيال مسألة الصراع مع "التهديد الإسرائيلي الوجودي"، وعلى الخريطة الإقليمية والدولية
الملاحظة الرابعة؛ وتخص حماس على نحو خاص، ومؤدّاها أن سعيها المتعثر للمصالحة مع الأسد من جهة، ومشاعر التضامن التي أبدتها "هيئة تحرير الشام" -زمن إدلب- مع مقاومة غزة والشهداء القادة من جهة ثانية، لا يعنيان أن طريقها إلى دمشق بات مُعبّدا... ربما نشهد زيارة قريبة لوفد قيادي من حماس لدمشق، وربما نرى عودة الاتصالات السياسية مع العاصمة السورية، لكن زمن الوجود الحر والطليق لحماس في سوريا قد انتهى على ما يبدو... زمن توريد السلاح ومعسكرات التدريب و"العلاقة المتميزة" حتى على المعابر والنقاط الحدودية، قد انتهى... لكن بالمعنى السياسي، ربما يضيف التغيير في سوريا، ومن ورائه توازنات الإقليم الجديدة، إلى مكانة حماس السياسية (لا الجهادية)، قيمة إضافية.
الملاحظة الخامسة؛ وتتصل بالسلطة هذه المرة، فهي بلا شك، تنظر بارتياح لتراجع نفوذ إيران وانكماش دور المحور... وهي وإن احتفظت بأفضل العلاقات و"التكريم" في أنقرة، وبعلاقات طبيعية مع الدوحة، فإنها من دون ريب، لا تنظر إلى ذلك بوصفه مكسبا خالصا لها، فحماس هناك، تشاطرها عوائد هذا التغيير... لكن من غير المفهوم، أن تقف السلطة ساكنة حيال هذا الجديد الناشئ في المشهد السوري، ولماذا لم تبادر إلى إرسال أرفع الوفود إلى دمشق، وهي التي تمثل -رسميا على الأقل- أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني في سوريا؟... لماذا لم ترسل "دوريات استطلاع" للتعرف إلى النظام الجديد ونواياه حيال فلسطين والفلسطينيين، ليس من باب ضمان بقاء سوريا في خندق الصراع مع العدو الإسرائيلي، فهي أصلا خارجه، ولكن على الأقل، من أجل التأسيس لعلاقة مستقبلية مع دولة محورية بوزن سوريا وحجمها، بصرف النظر عن التقاء أو تباعد وجهة كلا الطرفين وتوجهاتهما.
الملاحظة الأخيرة؛ إن الحديث عن أثر الزلزال السوري وتداعياته، ما زال، وسيبقى لفترة قادمة، محكوما بالطابع الانتقالي الضبابي للمرحلة العاصفة التي تمر بها سوريا... وأن الحكم على "الأثر" سيبقى معلقا على الوجهة التي ستسلكها الأحداث والتطورات في "الشام"، وما إن كان الأشقاء السوريون سيتمكّنون من تخطي هذه المرحلة بقدر أقل من الفوضى والدماء، وكيف... وأين سيتموضع النظام الجديد حيال مسألة الصراع مع "التهديد الإسرائيلي الوجودي"، وعلى الخريطة الإقليمية والدولية.
(الميادين)