وائل محجوب

• أي جهد سوداني يرمي لوقف الحرب وقطع الطريق على القتل والتشريد والنزوح والموت جوعا وبسبب نقص الدوا، والتخريب والدمار الذي يواجهه الوطن، هو جهد يستحق التقدير، لأنه يستجيب لنبض ومطلب الشعب الملح والعاجل، الشعب الذي يعاني الويلات لسبعة أشهر، حتى إستوى عنده الليل بالنهار من أهوال وفظائع هذه الحرب.

• ومن هذا الباب الواسع، لابد من التأكيد أولا على أهمية اجتماعات القوى المدنية الديمقراطية، التي تنطلق اليوم باديس ابابا، لكونها ستمثل أول جهد حقيقي لتوحيد المبادرات السودانية، التي طرحت خلال الفترة الماضية لوقف الحرب، والتي تمثل خلاصة تفكير وحوارات، شاركت فيها مجموعات سودانية مختلفة من الخبراء والمختصين، وممثلين لمختلف الشرائح داخل وخارج السودان.

• حيث يشارك في هذه الإجتماعات ممثلون لمبادرة الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب، ومجموعة تحالف القوى المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية “مجموعة إعلان المبادئ”، ومجموعة نساء ضد الحرب، ومجموعة خبراء ضد الحرب، ومنصة السودان للسلام والتنمية والديمقراطية، وكلها مبادرات وطنية طرحت رؤى لوقف الحرب ومعالجة قضاياها، بالإضافة لممثلين لمبادرات السلام بالشرق ودارفور والنيل الأزرق.

• ولكن حتى لا يكون جهد القوى المدنية، “تعبئة لخمر قديم في قناني جديدة”، يجب أن يتذكر المجتمعون هناك أن غالبية القوى المشاركة في الاجتماعات، على مستوى الأجسام المهنية والقوى النقابية ولجان المقاومة والمنظمات، هي قوى ذات صلة بقوى الحرية والتغيير بشكل أو بأخر، وكانت منخرطة وداعمة لكثير من مواقفها، وموقعة على بياناتها ومذكراتها، وأن هناك قوى مقدرة وفاعلة ورئيسية خارج قاعة الإجتماع، وهي قوى لا يمكن تخطيها في أي جهد جماعي لوقف الحرب، ولا في تشكيل معادلات ما بعدها، الإ إذا كنا سنمضي في ذات طريق الخلافات، وهو طريق لا يمكن المضي فيه مع ظروف الحرب وما خلفته من تفكك وانهيار للدولة.

• وعلى رأس تلك القوى كتلة التغيير الجذري، بلجان مقاومتها التي انخرطت عضويتها منذ إندلاع الحرب، في جبهات العمل الانساني غبر غرف الطوارئ سدا لحاجات الناس، في المأكل والمشرب والعلاج، وتوفيرا لدور الايواء للنازحين والمشردين جراء الحرب، وهو جهد جبار عرض عددا منهم للاستهداف بالقتل والاعتقالات، والملاحقة، وكذلك القوى النقابية التي ما زالت بعيدة عن هذا الحراك، والقوى السياسية وعلى رأسها حزبي الشيوعي والبعث.

• إن هذه المرحلة تتطلب حوارا قوميا واسعا، ولا يمكن مغالبتها بذات عقل ما قبل الحرب، من قبل كل أطراف الملعب السياسي المدني، وبالمضي على ذات نهج الاستقطاب والتشظي، الذي كان وما زال هو نهج القوى المختلفة، واننا نحتاج جميعا لإجتراح طريق مختلف يتجنب أخطأ الماضي واخفاقاتها.

• ما زال الأمل قائما أن تفضي اجتماعات اديس ابابا، لقرارات ببدء الحوار مع القوى خارجها، ومحاولة المقاربة بين الرؤى المختلفة لوقف الحرب، وما يتصل بها من عملية سياسية تفضي لإنهاء حكم العسكر، ووضع الأسس المطلوبة للعدالة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وإنهاء معضلة تعدد الجيوش والحركات المسلحة والمليشيات، وصولا لجيش قومي واحد للبلاد، منزه عن صغائر الولاء السياسي والتحيزات الأيدلوجية.

• من الطبيعي في ظل الاستقطاب السياسي الذي ظلت تشهده الساحة لسنوات، ان تكون هنالك شكوك وتحفظات، حول هذه الاجتماعات لصلة قوى الحرية والتغيير بها، لكن ذلك ينبغي أن يقابل من القوى المدنية بالانفتاح على الحوار مع الأخرين، ونشر أعمال ومناقشات هذه الاجتماعات وتمليكها للرأي العام، وامتلاك الشجاعة لمحاورة المتحفظين والمختلفين بل وحتى الرافضين، ما دامت الجهود خالصة لوجه الوطن، والهدف هو خلق وحدة سودانية تقطع الطريق على إستمرار الحرب، وتنهي مشاريع اختطاف الدولة وعسكرتها، أو الارتداد بها لظلام الإنقاذ وأهلها وربائبها.

الوسوموائل محجوب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: القوى المدنیة لوقف الحرب

إقرأ أيضاً:

ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع

توشك المفاوضات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس أن تصل إلى ذروتها بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ورغم أن جانب دولة الاحتلال غير مأمون بناء على التجارب التاريخية وبناء على تجارب مفاوضات الحرب الحالية، لكن المؤشرات والتسريبات التي رشحت خلال الأيام الماضية والمشهد العام في المنطقة والمزاج الأمريكي كلها تشير إلى أن إسرائيل مضطرة هذه المرة إلى التوقيع قبل بدء الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي ترامب.

إن هذه الخطوة كان يمكن أن تحدث منذ أكثر من عام لولا تعطش رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة للدماء ولولا الأحقاد التي تستعر في نفوسهم ضد الشعب الفلسطيني، ولو حدثت في ذلك الوقت لكان يمكن لآلاف الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب أن يكونوا من بين الذين سيفرحون بالقرار وهم يعودون إلى قراهم المدمرة ليبحثوا عما تبقى من ذكرياتهم وألعابهم وبعض طفولتهم.

لكن قتلة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء لا يفهمون معنى الطفولة ولا قدسيتها حتى خلال الحرب ومن باب أولى لا يفهمون معنى أن تعود الأمهات الثكلى بأطفالهن فلا يجدن حتى قميصا فيه رائحة طفلها قد يخفف بعض حزنها أو يوقف دموع عينها المبيضة من الحزن والبكاء.

من حق الفلسطينيين أن يشعروا بالنصر رغم كل الخسائر التي منوا بها: خسائر في الأرواح التي قد تصل الآن بعد أن تتلاشى أدخنة الحرب إلى نحو 50 ألف شهيد وأكثر من 200 ألف جريح وبنية أساسية مهدمة بالكامل وغياب كامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية وانعدام كامل للمواد الغذائية والطبية.. وشعور النصر مصدره القدرة على البقاء رغم الإبادة التي عملت عليها قوات الاحتلال، الإبادة المدعومة بأعتى الأسلحة الغربية التي جربها العدو خلال مدة تصل إلى 18 شهرا.

في مقابل هذا لا أحد يستطيع أن ينكر أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالكامل خلال هذه الحرب، والمنطقة في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ليست هي المنطقة التي كانت عليها قبل يوم 7 أكتوبر.

وإذا كانت إسرائيل قد صفَّت الكثير من خصومها في هذه الحرب وفككت محور المقاومة وأثخنت الكثير من جبهاته وآخرها الجبهة السورية إلا أنها كشفت عن ضعفها في المواجهات المباغتة، وفضحت أسطورة أجهزتها الأمنية وقبتها الحديدية.

وفي مقابل ذلك فإن حركة حماس رغم ما تعرضت له من خسائر فادحة في رجالها وقياداتها الميدانية إلا أنها أثبتت في الوقت نفسه أنها منظمة بشكل دقيق ومعقد وأنها قادرة على الصمود وتجديد نفسها وتقديم قيادات جديدة.

والأمر نفسه مع حزب الله ومع إيران التي دفعتها هذه الحرب إلى دخول مواجهة مباشرة لأول مرة في تاريخها مع إسرائيل، ولا شك أن تلك المواجهات كشفت لإيران نفسها عن مواطن الضعف في منظوماتها كما كشف مواطن القوة.

ورغم أن بعض الخبراء يرون أن حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله يمكنهم تجديد قوتهم خلال المرحلة القادمة إلا أن الأمر يبدو مختلفا في سوريا التي يظهر أنها خرجت من المحور تماما سواء كان ذلك على المستوى الأيديولوجي أو حتى مستوى العمل الميداني واللوجستي.

وأمام هذا الأمر وتبعا لهذه التحولات ما ظهر منها وما بطن فإن الموازين في المنطقة تغيرت بالكامل، ولا يبدو أن ذلك ذاهب لصالح القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي أو في جوهر ما تبحث عنه وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة ولو على حدود 5 يونيو 1967.

لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستنتهي أو تنتهي نصرة القضية الفلسطينية من الشعوب الحرة المؤمنة بالقضية، بل ستزهر في كل مكان في فلسطين أشكال جديدة من المقاومة والندوب الذي أحدثتها الحرب في أجساد الفلسطينيين وفي أرواحهم، ستبقى تغلي وستكون بذورا لمواجهات أخرى أكثر ضراوة وأكثر قوة وإصرارا على النصر.

مقالات مشابهة

  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • البرهان من نواكشوط .. رسائل للداخل والخارج
  • الحرب في السودان: كيف تؤثر أزمة الحكم علي الانتقال السلمي الديمقراطي
  • رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها
  • مكونات القوى المدنية والحقوقية بعدن: لا تفويض مطلق للانتقالي ونطالب بمحاسبة المعتدين على المتظاهرين
  • العملية السياسية لوقف الحرب في السودان
  • القوى السياسية والتحنيط العقلي
  • WP: ما هو الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه غزة بعد تهديدات ترامب؟
  • WP: كم هو الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه غزة بعد تهديدات ترامب؟
  • القوى الفلسطينية ترفض المساس بـ “الأونروا وتدين جرائم العدو