الإعلامي العربي زاهي وهبي يكتب لـ “أثير” عن ذاكرةُ الدَّمّ!
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي
مات الكبار لكن الصغار لم ينسوا.
قبل أن يكبروا حملوا حجارتهم ورشقوا بها جنود الاحتلال.
وحين كبروا امتشقوا السلاح لمقاومة المحتل وتحرير الأرض مثلما يفعل كل شعب يقع تحت الاحتلال، ووفق كل الشرائع والقوانين التي تكفل حق الشعوب بمقاومة محتليها.
قبل أن يموتوا أورثَ الكبار الصغار حب الأرض، وأرضعت الأمهات أطفالهن حليب الانتماء.
سقطت مقولة غولدا مائير “غداً يموت الكبار وينسى الصغار” تحت أقدام أطفال الحجارة الذين حين كبروا لم يتركوا وسيلة أخرى إلا ولجأوا إليها دفاعاً عن حقهم في الحرية والاستقلال، فيما لم يترك الاحتلال الإسرائيلي وسيلة إلا ولجأ إليها كي يكسر شوكة المقاومة فلم يفلح، وظلت الأجيال الفلسطينية تتوارث الانتماء والمقاومة والصمود والشهادة جيلاً تلو آخر.
كل جيل من أبناء الشعب الفلسطيني كان له نصيب من الهمجية الإسرائيلية المتمثلة أولاً، وكل يوم، بوجود الاحتلال نفسه، ومن ثم بالمذابح والمجازر التي شكّلت مداميك كيانه القائم على أعمدة من دماء. فمنذ ما قبل نشوء الكيان والحركة الصهيونية تمهد لقيام دولة الاحتلال بالمجازر والعبوات الناسفة والاغتيالات.
كل محاولات تزوير التاريخ وتزييف الوعي وعمليات غسل الأدمغة التي لجأت إليها الدعاية الصهيونية متّكلة على آلة دعائية وإعلامية غربية هائلة لم تنجح في تبييض صفحة الكيان المحتل التي أراد “الغرب السياسي” أن يقنعنا أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط(!)، وينسينا أنها دولة احتلال قامت على جماجم البشر وأنقاض البيوت وذكريات المقتلَعين من أرضهم.
ما نشاهده اليوم ونشهد عليه من انعدام الضمير لدى “الغرب السياسي”، وسقوطه الأخلاقي المدوي وافتضاح نفاقه وازدواجية معاييره، ليس جديداً ولا طارئاً، دائماً كان الأمر على هذا النحو. الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة بغطاء من رعاتها الغربيين ليست الأولى من نوعها. لكنها ربما تكون الأولى على الهواء مباشرة وبتغطية وقحة ومعلنة من أولئك الرعاة، يتابعها العالم كله عبر ما تيسّر من الميديا الحديثة لأن الإعلام الغربي المرئي والمكتوب يعمد إلى طمس الحقائق وتزوريها بهدف التغطية على جرائم الاحتلال.
هذه الجرائم تشكّل روزنامة أعمارنا. نستطيع أن نؤرخ لدولة الاحتلال بالمذابح والمجازر منذ العام ١٩٤٨ وما قبله وصولاً إلى يومنا هذا. وكأن المحتل الذي راهن على أن ننسى، يجعلنا، من حيث لا يدري، لا ننسى. كلما وُلد جيل عربي جديد “أعدت” له دولة الاحتلال الإسرائيلي مذبحة جديدة “تنعش” ذاكرته، وتكشف له مجدداً مدى وحشية هذا الاحتلال المدعوم من “العالم المتحضّر”(!).
بلى، نستطيع التأريخ لأعمارنا بالمجازر الصهيونازية، كأنْ نقول، مثلاً، قبل مجزرة دير ياسين أو بعد مجزرة كفر قاسم، قبل مذبحة الطنطورة أو بعد مذبحة رفح، أثناء مجزرة بحر البقر (في مصر) أو خلال مذبحة المنصوري (في لبنان)، قبل مجزرة قانا الأولى ١٩٩٦ أو بعد مجزرة قانا الثانية ٢٠٠٦، ولو شئنا العد يلزمنا مئات الصفحات. أضفْ إلى تلك المجازر مئات عمليات الاغتيال لقادة ومناضلين ومفكرين ومثقفين فلسطينيين وعرباً على امتداد المعمورة.
كل هذا التاريخ، كل هذا العمر من المجازر والمذابح الصهيونازية ثم يأتي مَن يستكثر على الفلسطينيين نضالهم ومقاومتهم ويحدّثنا عن “الطرفين” و”دورة العنف” و”الحياد” وبقية المصطلحات التي لا غاية لها سوى تمييع الحقيقة ومساواة القاتل بالقتيل.
…لكن ذاكرتنا حيّة.
الذين جاؤوا من بعيد
من شتات ذاكرة باطلة
من كتاب وصايا قاتلة
من خطأ فادحٍ ألقته على الأرض السماء
من خللٍ فاضحٍ في طبيعة الأشياء
دخلوا بيتك عنوةً قتلوا أهلك
فضحوا عورة التراب
زعموا بلداً في بلدك
جسداً في جسدك
حَرْثاً في ضرعك
.جسراً في ضلعك
تذكرّ كم مرة قطعوا صلاتك
سدوا طريق الشمس كي لا يطلع نهارك
لا تنس أبداً أنهم دخلاء مهما تمادوا
أو بدَّلوا في الأسماء.
هنا القدسُ، هنا الأمسُ
والغدُ الأبيضُ في أثداء الأمهات.
هنا قُبّةُ الله على الأرض
ومهدُ الطفولةِ الناطقة.
هنا يافا، هنا حيفا، هنا بيسان
هنا قانا،
هنا كانَ مخاضُ امرأتك
هنا سمعت صراخ مولودك لأول مرة
هنا لعبت، هنا كبرت، وكبر أبوك وجدُّك وجدُّ جدِّك.
(٠٠٠)
تذكّر لا متّسع للطغاة
لا قبر لكما معاً
بين يديك رضيعٌ آخر
بين يديك كفنٌ دائم
لا متّسعَ للطغاة
لا وردة لا للجلاد
لا نوم للقتيل
انهضْ الآن،
وقلْ
باسم الشهداء والشعراء
باسم الذين ظلّوا عند ربّهم أحياء
باسم الجنوب الذي فتحَ ذراعيه واستقبلك
باسم المفتاح الذي حملتْه أُمُّك خمسين عاماً
بيدَين مرتجفتين أعطتك إياه قبيل المجزرة
باسم النساء اللواتي شِبْنَ حول التوابيت
باسم البكاء، باسم الدعاء
لا متّسع لهم ولك
وطنك دمك
وطنك ضيِّقٌ على الغزاة.
—————
(*) مقاطع من قصيدة “لا تنسَ” للكاتب.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
“القدس الدولية” تكشف انتهاكات الاحتلال في الأقصى خلال شهر رمضان
#سواليف
دعت #مؤسسة_القدس الدولية إلى الدفاع عن #المسجد_الأقصى_المبارك المبارك عبر #شد_الرحال و #الرباط و #الاعتكاف، في مواجهة تصاعد العدوان الإسرائيلي خلال الأيام العشرة الأولى من #شهر_رمضان.
ووفق تقرير أصدرته المؤسسة، فقد شهد الأقصى ثلاث #انتهاكات رئيسية من قبل الاحتلال، تمثلت في منع الاعتكاف، والسطو على مكبرات الصوت في المصلى المرواني، وتجديد سياسة #الحصار على المسجد ومحيطه.
وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، أقدمت قوات الاحتلال على منع الاعتكاف في المسجد الأقصى في الجمعة الأولى من رمضان، حيث اقتحمت المصليات وأجبرت المعتكفين على مغادرتها بالقوة.
ويعدّ هذا الإجراء تصعيدًا خطيرًا ضمن محاولات الاحتلال فرض سيطرته الكاملة على إدارة شؤون المسجد الأقصى، في تحدٍّ مباشر لصلاحيات الأوقاف الإسلامية التابعة للحكومة الأردنية.
وفي تصعيد آخر، أقدمت شرطة الاحتلال يوم الأحد 9 الماضي على السطو على سماعتين في المصلى المرواني، بحجة أنهما “ركّبتا دون تنسيق”، وهو ما يمثل استمرارًا لمحاولات الاحتلال فرض سيادته على الإعمار والصيانة داخل المسجد الأقصى وفقا للمؤسسة.
ويأتي هذا الاعتداء في سياق استهداف متكرر لمنظومة الصوتيات في الأقصى، إذ سبق للاحتلال تدميرها عام 2022، ما عرّض انتظام الصلاة والتلاوات القرآنية للاضطراب.
وفي مظهر ثالث من العدوان، شددت سلطات الاحتلال حصارها على المسجد الأقصى، عبر فرض ثلاثة أطواق عسكرية تحول دون وصول المصلين إليه؛ إذ يقيم الاحتلال نقاط تفتيش على مداخل المدينة، وفي محيط البلدة القديمة، وعلى أبواب الأقصى ذاته.
وحذّرت مؤسسة القدس المحتلة من أن هذه الانتهاكات تأتي ضمن مخطط الاحتلال واضح يهدف إلى فرض واقع جديد في المسجد الأقصى، وتحويله إلى موقع خاضع للسيطرة الإسرائيلية تمهيدًا لإقامة الهيكل المزعوم.
وأشارت المؤسسة إلى أن هذا التوجه بات أكثر وضوحًا خلال الحرب المستمرة على غزة، حيث رفع جنود الاحتلال شعارات “الهيكل” خلال العمليات العسكرية، ما يؤكد أن مشروع الاحتلال ضد الأقصى ليس مجرد اعتداءات متفرقة، بل استراتيجية تهدف إلى إنهاء الوجود الإسلامي في المسجد.
وفي ظل هذه التطورات، شددت مؤسسة القدس الدولية على أن حماية المسجد الأقصى مسؤولية الأمة الإسلامية جمعاء، داعيةً إلى تصعيد الرباط والاعتكاف داخل المسجد، ورفض الإملاءات الإسرائيلية.
كما حثّت المؤسسة الحكومة الأردنية على اتخاذ موقف حاسم لاستعادة صلاحياتها الحصرية في إدارة الأقصى، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات الصيانة والإعمار التي يواصل الاحتلال عرقلتها.