أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي

مات الكبار لكن الصغار لم ينسوا.
قبل أن يكبروا حملوا حجارتهم ورشقوا بها جنود الاحتلال.
وحين كبروا امتشقوا السلاح لمقاومة المحتل وتحرير الأرض مثلما يفعل كل شعب يقع تحت الاحتلال، ووفق كل الشرائع والقوانين التي تكفل حق الشعوب بمقاومة محتليها.
قبل أن يموتوا أورثَ الكبار الصغار حب الأرض، وأرضعت الأمهات أطفالهن حليب الانتماء.


سقطت مقولة غولدا مائير “غداً يموت الكبار وينسى الصغار” تحت أقدام أطفال الحجارة الذين حين كبروا لم يتركوا وسيلة أخرى إلا ولجأوا إليها دفاعاً عن حقهم في الحرية والاستقلال، فيما لم يترك الاحتلال الإسرائيلي وسيلة إلا ولجأ إليها كي يكسر شوكة المقاومة فلم يفلح، وظلت الأجيال الفلسطينية تتوارث الانتماء والمقاومة والصمود والشهادة جيلاً تلو آخر.

كل جيل من أبناء الشعب الفلسطيني كان له نصيب من الهمجية الإسرائيلية المتمثلة أولاً، وكل يوم، بوجود الاحتلال نفسه، ومن ثم بالمذابح والمجازر التي شكّلت مداميك كيانه القائم على أعمدة من دماء. فمنذ ما قبل نشوء الكيان والحركة الصهيونية تمهد لقيام دولة الاحتلال بالمجازر والعبوات الناسفة والاغتيالات.

كل محاولات تزوير التاريخ وتزييف الوعي وعمليات غسل الأدمغة التي لجأت إليها الدعاية الصهيونية متّكلة على آلة دعائية وإعلامية غربية هائلة لم تنجح في تبييض صفحة الكيان المحتل التي أراد “الغرب السياسي” أن يقنعنا أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط(!)، وينسينا أنها دولة احتلال قامت على جماجم البشر وأنقاض البيوت وذكريات المقتلَعين من أرضهم.

ما نشاهده اليوم ونشهد عليه من انعدام الضمير لدى “الغرب السياسي”، وسقوطه الأخلاقي المدوي وافتضاح نفاقه وازدواجية معاييره، ليس جديداً ولا طارئاً، دائماً كان الأمر على هذا النحو. الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة بغطاء من رعاتها الغربيين ليست الأولى من نوعها. لكنها ربما تكون الأولى على الهواء مباشرة وبتغطية وقحة ومعلنة من أولئك الرعاة، يتابعها العالم كله عبر ما تيسّر من الميديا الحديثة لأن الإعلام الغربي المرئي والمكتوب يعمد إلى طمس الحقائق وتزوريها بهدف التغطية على جرائم الاحتلال.

هذه الجرائم تشكّل روزنامة أعمارنا. نستطيع أن نؤرخ لدولة الاحتلال بالمذابح والمجازر منذ العام ١٩٤٨ وما قبله وصولاً إلى يومنا هذا. وكأن المحتل الذي راهن على أن ننسى، يجعلنا، من حيث لا يدري، لا ننسى. كلما وُلد جيل عربي جديد “أعدت” له دولة الاحتلال الإسرائيلي مذبحة جديدة “تنعش” ذاكرته، وتكشف له مجدداً مدى وحشية هذا الاحتلال المدعوم من “العالم المتحضّر”(!).

بلى، نستطيع التأريخ لأعمارنا بالمجازر الصهيونازية، كأنْ نقول، مثلاً، قبل مجزرة دير ياسين أو بعد مجزرة كفر قاسم، قبل مذبحة الطنطورة أو بعد مذبحة رفح، أثناء مجزرة بحر البقر (في مصر) أو خلال مذبحة المنصوري (في لبنان)، قبل مجزرة قانا الأولى ١٩٩٦ أو بعد مجزرة قانا الثانية ٢٠٠٦، ولو شئنا العد يلزمنا مئات الصفحات. أضفْ إلى تلك المجازر مئات عمليات الاغتيال لقادة ومناضلين ومفكرين ومثقفين فلسطينيين وعرباً على امتداد المعمورة.

كل هذا التاريخ، كل هذا العمر من المجازر والمذابح الصهيونازية ثم يأتي مَن يستكثر على الفلسطينيين نضالهم ومقاومتهم ويحدّثنا عن “الطرفين” و”دورة العنف” و”الحياد” وبقية المصطلحات التي لا غاية لها سوى تمييع الحقيقة ومساواة القاتل بالقتيل.

…لكن ذاكرتنا حيّة.

‏‎ الذين جاؤوا من بعيد
‏‎ من شتات ذاكرة باطلة
‏‎ من كتاب وصايا قاتلة
‏‎ من خطأ فادحٍ ألقته على الأرض السماء
‏‎ من خللٍ فاضحٍ في طبيعة الأشياء
‏‎ دخلوا بيتك عنوةً قتلوا أهلك
‏‎ فضحوا عورة التراب
‏‎ زعموا بلداً في بلدك
‏‎ جسداً في جسدك
‏‎ حَرْثاً في ضرعك
‏‎ .جسراً في ضلعك
‏‎ تذكرّ كم مرة قطعوا صلاتك
‏‎ سدوا طريق الشمس كي لا يطلع نهارك
‏‎ لا تنس أبداً أنهم دخلاء مهما تمادوا
أو بدَّلوا في الأسماء.
هنا القدسُ، هنا الأمسُ
والغدُ الأبيضُ في أثداء الأمهات.
هنا قُبّةُ الله على الأرض
ومهدُ الطفولةِ الناطقة.
هنا يافا، هنا حيفا، هنا بيسان
هنا قانا،
هنا كانَ مخاضُ امرأتك
هنا سمعت صراخ مولودك لأول مرة
هنا لعبت، هنا كبرت، وكبر أبوك وجدُّك وجدُّ جدِّك.
(٠٠٠)
تذكّر لا متّسع للطغاة
لا قبر لكما معاً
بين يديك رضيعٌ آخر
بين يديك كفنٌ دائم
لا متّسعَ للطغاة
لا وردة لا للجلاد
لا نوم للقتيل
انهضْ الآن،
وقلْ
باسم الشهداء والشعراء
باسم الذين ظلّوا عند ربّهم أحياء
باسم الجنوب الذي فتحَ ذراعيه واستقبلك
باسم المفتاح الذي حملتْه أُمُّك خمسين عاماً
بيدَين مرتجفتين أعطتك إياه قبيل المجزرة
باسم النساء اللواتي شِبْنَ حول التوابيت
باسم البكاء، باسم الدعاء
لا متّسع لهم ولك
وطنك دمك
وطنك ضيِّقٌ على الغزاة.
—————
(*) مقاطع من قصيدة “لا تنسَ” للكاتب.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

تحقيق الاحتلال عن هجوم 7 أكتوبر في “نير عوز”: فشل ذريع بكل المقاييس

#سواليف

ما زالت المؤسسة العسكرية والأمنية لدى #الاحتلال تصدر نتائج تحقيقاتها تباعاً بشأن إخفاقها في التصدي لعملية #طوفان_الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وهذه المرة حول ما حصل في #كيبوتس_نير_عوز في #غلاف_غزة، حين اقتحمه 500 مقاوم وأدخلوا #جيش_الاحتلال في الفوضى العارمة، ووصل أول الجنود بعد أربعين دقيقة فقط من مغادرة آخر مقاوم.

عيمانوئيل فابيان مراسل موقع زمن إسرائيل، كشف عن “أهم ما جاء في تحقيقات الجيش بشأن تفاصيل الهجوم على كيبوتس نير عوز”، وهو جزء من سلسلة تحقيقات مُفصّلة في أربعين معركة خاضها الجيش مع مقاتلي حماس خلال الهجوم.

#سيناريو_كابوس

مقالات ذات صلة يوم “السكاكين الطويلة”.. كيف أربكت حماس “إسرائيل” إلى الأبد؟ 2025/03/15

وأضاف في تحقيق مطول أن “نتائج التحقيقات شدّدت على #فشل_الجيش، الذي سمح لمئات المسلحين بالاستيلاء على الكيبوتس دون مواجهة جندي واحد على الأرض، وبالتالي فقد فشل بمهمته لحماية المستوطنين، ويعود ذلك أساسًا لعدم استعداده إطلاقًا لهذا السيناريو المتمثل بوقوع مستوطنة إسرائيلية في أيدي المقاومين، وفي الوقت نفسه #هجوم_واسع النطاق على العديد من #المستوطنات والقواعد في جميع أنحاء الغلاف”.

وأوضح أنه “على عكس المستوطنات الأخرى التي تعرضت للهجوم في ذلك اليوم، فإن كيبوتس نير عوز الذي يبلغ عدد مستوطنيه 420 نسمة، كان منهم 386 موجودًا وقت الهجوم، لم يقاتل الجيش المسلحين على الإطلاق، وفي المجموع، قُتل 47 منهم، واختطفت حماس 76 آخرين، وحتى اليوم، لا يزال خمسة منهم على قيد الحياة، عقب نجاح المسلحين في اقتحام جميع منازل المستوطنة، متسبّبين بدمار هائل، وتخضع المستوطنة لعملية إعادة تأهيل طويلة”.

وأشار إلى أن “التحقيق فيما حدث في نير عوز، أجراه اللواء عيران نيف، الرئيس السابق لقسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي كرّس وفريقه مئات الساعات للتحقيق، وفحص جميع مصادر المعلومات الممكنة، بما فيها الوثائق التي صوّرها المسلحون بكاميرات مثبتة على أجسادهم، ورسائل واتساب من المستوطنين، وتسجيلات كاميرات المراقبة، ومقابلات مع ناجين ومختطفين سابقين ومقاتلين حاولوا حماية الكيبوتس، وأجروا زيارات ميدانية، وكل ذلك بهدف استخلاص استنتاجات عملياتية محددة للجيش”.

انهيار القيادة

وكشف التحقيق أن “عددًا غير عادي من المسلحين قاموا بغزو نير عوز، مقارنة بباقي المستوطنات، وقد تفاقم الوضع فيه بسبب الغياب التام للجيش، مما أعطى المسلحين شعورًا بحرية العمل، وأدى لوصول مئات الفلسطينيين من بلدة خزاعة إلى نير عوز، ومن بين أكثر من 500 مسلح تسلّلوا للمستوطنة، فلم يتمكن فريق التحقيق من العثور على جثة واحد منهم، ويبدو أن مقاتلي حماس جمعوا جثث رفاقهم خارج الكيبوتس، وعلى الطريق المؤدي لغزة، تم العثور على جثث 64 منهم، حيث قُتلوا بنيران مروحيات ودبابة”.

وخلص فريق التحقيق إلى أن “القوات لم تستعد، ولم تتدرب على سيناريوهات بحجم ما حدث في السابع من أكتوبر، ولم يتلقوا أي تحذير في ذلك الصباح، ومع بداية القتال، أصيب العديد من القادة على مختلف المستويات في القطاع، وانهارت سلسلة القيادة والسيطرة، ولم يكوّن الجيش صورة دقيقة لما يحدث في المنطقة بأكملها، وفي نير عوز تحديدًا، ولم يتمكن من إجراء تقييم منظم للوضع، كما لم يكن هناك نشاط قتالي في أي وقت أثناء الهجوم، ولم يجرِ أي اتصال بين الجيش والمستوطنين لفهم مسار المعركة هناك”.

وأشار إلى أن “الجنود لم يحموا قاعدة البحث والتطوير قرب نير عوز، الذي كان بإمكان وحداته حماية الكيبوتس لو لم تقع في أيدي المسلحين، كما أن تقدم القوات المدرعة نحو حدود غزة أثناء الهجوم كان خطأً، بدلاً من البقاء أقرب للتجمعات الاستيطانية لحمايتها، أما الفصيل المتأهّب، فقد عانى من نقص في عدد قواته أمام هذا العدد الكبير من المقاومين القادمين من غزة”.

ووفقًا للتحقيق، فإن “الهجوم الواسع والمنسق الذي شنته حماس على عشرات المواقع والقواعد العسكرية جعل من الصعب للغاية على الجيش، على جميع المستويات تكوين صورة دقيقة للأحداث، خاصةً لخطورة الوضع في كل موقع، أما قوات التعزيزات التي وصلت لحدود غزة من الشمال، فقد انحصرت بالقتال داخل سديروت، أما الآخرون الذين تمكنوا من التقدم جنوباً فقد وقعوا في معارك أخرى، أو تعرضوا لكمين من قبل المسلحين عند تقاطعات رئيسية”.

وأكد أن “القوات القادمة من الجنوب هوجمت أثناء طريقها، مما أدى لتأخير وصولها، فلم يصل الجنود الأوائل إلى نير عوز إلا بعد الساعة الواحدة ظهرًا، ولم تتلقَّ سوى قوات قليلة أوامر صريحة بالوصول إليه، أما القوات التي تلقّتها فقد علق أفرادها في القتال على طول الطريق، وعندما نجحت قوة خاصة باقتحام مفترق ماعون قرب الكيبوتس الساعة 11:45 فقد كان الأوان فات بالفعل”.

فشل منهجي

وكشف التحقيق عن “وجود معلومات آنية كان من الممكن لقادة الجيش استخدامها لفهم خطورة الوضع في نير عوز، إلا أنها لم تُستغل، ومنها لقطات من كاميرا مراقبة تابعة للجيش تُظهر عشرات المسلحين يدخلون ويخرجون من نير عوز، وهي لقطات بُثت مباشرةً إلى مركز قيادة الجيش، إضافة لمعلومات من مروحيات سلاح الجو المحلّقة فوق المنطقة، وهذه المعلومات أكدت وجود مسلحين ينشطون في نير عوز، لكنها جاءت من أماكن أخرى عديدة، ولم يكن ممكنا فهم أن نير عوز في وضع أصعب من غيرها من المستوطنات”.

وأكد التحقيق أن “مستوطني نير عوز استغاثوا مرارًا وتكرارًا، لكن اتصالاتهم ضاعت وسط فوضى آلاف الرسائل والتقارير، ونفّذ المسلحون خطتهم في الكيبوتس دون انقطاع، مما يجعل فشل الجيش بحماية نير عوز منهجياً، وليس تكتيكيًا أو أخلاقيًا، لأنه لم يُعطِ أولوية خاصة لإرسال قوات إليه على حساب أماكن أخرى، مما يتطلب إنشاء موقع عسكري جديد بين نير عوز وغزة، وتعزيز الأمن المحلي، وإنشاء آلية جديدة لتكوين صورة استخباراتية للوضع حتى في حالات انهيار سلسلة القيادة أثناء القتال، وتغييرات تكتيكية في الجيش”.

مقالات مشابهة

  • رئيس الجمهورية يخالف الحقيقة التي تؤكد “إن إيران من قصفت حلبجة بالكيمياوي وليس العراق”
  • “فتح الانتفاضة”: مجزرة بيت لاهيا يمثل إمعانًا في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني
  • تحقيق الاحتلال عن هجوم 7 أكتوبر في “نير عوز”: فشل ذريع بكل المقاييس
  • لغز بلا أدلة مذبحة الرحاب.. لغز الجثث الخمس التي حيرت الجميع!
  • العلماء يكتشفون طريقة جديدة للعثور على حياة خارج الأرض
  • عقار.. التفاوض مع الدعم السريع صعب لأن قيادتها ليست موحدة بجانب الأعداد الكبيرة من “المرتزقة” التي تقاتل في صفوفها
  • الغزيون يبحثون في باطن الأرض للعثور على “إفطار” رمضان
  • خطاطو الباحة يطلقون مبادرة “التقويم الرمضاني” بالخط العربي
  • التماس 5 سنوات حبسا لصاحب مذبحة وتجار حاولوا إغراق السوق بأزيد من 117 قنطار من “زوائد” الغنم والبقر فاسدة في رمضان
  • علماء يحددون “السن الحرجة” التي يبدأ فيها الدماغ بالتراجع