صحيحٌ أنّ معركة غزة عسكريّة ودموية، لكنّها في الوقت نفسه تكشفُ عن أسرارٍ كثيرة وراءها وترتبطُ بمُخطط كبيرٍ جداً سيُغير ملامح المنطقة. في الواقع، ومن خلال التدقيق في خلفيات الحرب، يتضحُ أنّ غزة تشكل عائقاً بالنسبة لإسرائيل، ليس فقط لأنها تضمُّ حركة "حماس" التي تصنفها تل أبيب "إرهابية"، بل لأنها تعتبرُ منطقة نزاعٍ تؤثر على خطّة تريد إسرائيل تحقيقها، وتتمثل بإستحداث قناة بحرية تنطلقُ من إيلات إلى غزّة ذهاباً وإياباً وتربطُ البحرين الأحمر والأبيض المتوسط ببعضهما البعض.



فعلياً، تُمثل غزة بوضعها الحالي "خاصرة رخوة" لإسرائيل، ووضعها الحالي في ظلّ وجود "حماس" المتحالفة مع إيران، يشكل عائقاً أمام تنفيذ تلك القناة التي تُعرف بإسم قناة "بن غوريون". لهذا السبب، باتت إسرائيل تبحثُ عن حُجّة لتنفيذ عملية تطهير غزة من "حماس"، وإزاء هذا الأمر راحت تحشدُ كل قوّتها لإنهاء الحركة عسكرياً ووجودياً. الفرصةُ الآن سانحة تماماً أمام تل أبيب باعتبار أنّ الدعم الدولي كله مُكرّس لها بشدة، وذلك بعكس جولات القتال السابقة ضد "حماس". الآن، هناك حاملات طائرات وصلت إلى المتوسط، وهناك إصرار دولي على تكريس دعم كبير لإسرائيل لا نهاية له. السرّ هنا هو أنّ تل أبيب تعتبرُ "كنزاً" لأوروبا وللأميركيين، فمن خلال القناة البحرية المذكورة، سيكون هناك طريقٌ جديد يوفر الكثير على الدول الغربية، كما أنَّ إسرائيل ستُصبح همزة وصلٍ بين العالمين، الشرقي والغربي وستصبح ملتقى جديداً يجمع قاراتٍ ببعضها البعض. كذلك، فإن إسرائيل ومن خلال تلك القناة، يمكن أن تعجل نفسها مركزاً أساسياً على صعيد الغاز لاسيما أنها تعتبرُ اليوم موئلاً أساسياً لذاك المورد الطبيعي في ظلّ أزمة الطاقة العالمية.

لهذين الأمرين، شدّت أوروبا الرحال بإتجاه إسرائيل لدعمها، فوجود "حماس" في غزّة يُعتبرُ عائقاً أمام مخطط تستفيدُ منه الدول الغربية بالدرجة الأولى. مع هذا، فإن ما يتبين هو أنّ العملية التي نفذتها "حماس" يوم 7 تشرين الأول تحت عنوان "طوفان الأقصى"، شكلت "شحمة على فطيرة" بالنسبة لإسرائيل. هنا، يمكن القول إن تل أبيب ضحّت بأمنها وصورة جيشها من أجل قبض الثمن الأكبر، فهي في الأساس تحظى بثقة الغربيين "أمنياً"، وترى أنَّ الجميع معها وبالتالي لا تخشى من نظرة بعض الدول العربية إليها باعتبار أن الصراع العربي – الإسرائيلي مستمرّ وبشدة ولن ينتهي، وبالتالي مهما حصل من تسويات ستبقى نظرة العداء تجاه إسرائيل قائمة رغم كل مساعي السلام والتطبيع.

المسألة الأكثر خطورة هنا هي أن تلك القناة البحرية التي تريد إسرائيل تأسيسها تستهدفُ بشكلٍ خاص قناة السويس المصرية كونها ستسلب نشاطها منها، ما يعني أن دولة عربية أساسية ستُكسر تماماً بيدٍ إسرائيليّة. بحسب الكثير من الخبراء، فإن قناة "بن غوريون" ستضربُ دور قناة السويس عالمياً، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى إضعاف مصر إقتصادياً. هنا، يكمنُ المخطط الأخطر، فتل أبيب هي التي ستستفيد من إضعاف الدول العربية الكبرى، كما أنها تسعى إلى جعل كل مرافقها هي الأساسية في حوض البحر الأبيض المتوسط. النقطة هذه تعيدنا قليلاً إلى إنفجار مرفأ بيروت الذي خسر دوره الريادي في المنطقة، وبات الضغطُ كبيراً باتجاه مرفأ حيفا الذي تعتبره إسرائيل مهداً أساسياً للتجارة في المنطقة. حقاً، إستفادت إسرائيل من إنفجار مرفأ بيروت لتعزيز مرافئها، وهي الآن ومن خلال ضرب غزة وإنهاء "حماس"، ستستفيدُ من قناة بحرية جديدة تؤدي إلى تحجيم دور قناة السويس المصرية.  

حتماً، الصورة وسط تلك المعطيات تبدو خطيرة وقاتمة أيضاً، وإن لم يتم الإنتباهُ لهذا الأمر، فعندها سنكون أمام صورة جديدة من المنطقة ستُرسم ملامحها عسكرياً حالياً ليتم قبض ثمنها إقتصادياً لاحقاً.

في خلاصة القول، المخطط كبيرٌ جداً، وحقاً يمكن أن تكون المعركة أكبر من غزة التي حاولت إسرائيل تهجير سكانها للإستفادة من أرضها واستثمارها لصالح قناتها. هنا يُطرح السؤال الأساس: هل سيتنبّه العرب للمخطط المرسوم؟ هل سينقذون غزة ويُحبطون كسر دولة عربية كبرى إسمها مصر؟ الإجابة رهن بالتسويات وبما سيفرضه الميدان.. وعندها لكل حادث حديث...
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: تل أبیب

إقرأ أيضاً:

انقسام والسنوار غير مدرك.. وثائق تكشف سبب تخلي حماس عن مطلبها

أفادت وثاق اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس بوجود انقسامات داخل حركة حماس، وأن بعض قادة الحركة دعوا إلى تخفيف شروط وقف إطلاق النار بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالقطاع، على عكس رغبة زعيم الحركة، يحيى السنوار.

واندلعت الحرب في القطاع، إثر هجوم حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) غير المسبوق على مناطق إسرائيلية في السابع من أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.

وخلال الهجوم، اختطفت حماس 251 رهينة، ما زال 116 منهم محتجزين في غزة، بينهم 42 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنته السلطات الصحية بالقطاع.

ويعتقد العديد من المسؤولين في الشرق الأوسط والولايات المتحدة أن حجم الدمار في قطاع غزة، الناجم عن الهجوم الإسرائيلي، ساهم على الأرجح في دفع حركة حماس إلى تخفيف مطالبها باتفاق وقف إطلاق النار، وفق أسوشيتد برس، إذ يبدو أن حماس تخلت خلال عطلة نهاية الأسبوع عن مطلبها بأن تتعهد إسرائيل بإنهاء الحرب في إطار أي اتفاق.

وأثار هذا التحول المفاجئ آمالا جديدة في إحراز تقدم في المحادثات.

وتفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأحد، بأن الضغط العسكري "هو ما دفع حماس للدخول في المفاوضات".

مصادر: حماس تتخلى عن "مطلب رئيسي" بمفاوضات غزة تخلت حركة حماس، التي تدير قطاع غزة، عن مطلب رئيسي بأن تلتزم إسرائيل أولا بوقف دائم لإطلاق النار قبل توقيع اتفاق، بحسب ما أفادت وكالتا رويترز وفرانس برس. 

يشار إلى أن حماس، التي سيطرت على قطاع غزة عام 2007، تتسم بالسرية الشديدة ولا يعرف سوى القليل عن أعمالها الداخلية.

لكن رسائل وقعها العديد من كبار الشخصيات في حماس بغزة، التي اطلعت عليها أسوشيتد برس، حثت القيادة السياسية للحركة في المنفى على قبول مقترح وقف إطلاق النار الذي طرحه الرئيس الأميركي، جو بايدن.

ووصفت الرسائل، التي شاركها مسؤول في الشرق الأوسط مطلع على المفاوضات الجارية، الخسائر الفادحة التي تكبدتها حماس في ساحة المعركة والظروف الصعبة في القطاع الذي تمزقه الحرب.

وليس من المعروف ما إذا كان هذا الضغط الداخلي عاملا في مرونة حماس، لكن الرسائل "تشير إلى انقسامات داخل الحركة واستعداد" بين كبار المسلحين للتوصل إلى اتفاق سريعا، حتى لو لم يكن المسؤول الأعلى لحماس في غزة، يحيى السنوار، في عجلة من أمره.

وقال شخص مطلع على الاستخبارات الغربية إن قيادة الحركة تدرك أن قواتها تكبدت خسائر فادحة، وقد ساعد ذلك حماس على الاقتراب من اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويقول مسؤولان أميركيان إن الأميركيين يدركون الانقسامات الداخلية داخل حماس وأن تلك الانقسامات والدمار في غزة أو الضغوط التي يمارسها الوسطيان، مصر وقطر، يمكن أن تكون عوامل في تخفيف الحركة المسلحة لمطالبها بالتوصل إلى اتفاق.

وشارك المسؤول الشرق أوسطي تفاصيل من رسالتين داخليتين لحماس، وكلاهما كتبهما مسؤولون كبار داخل غزة إلى قيادة الجماعة المنفية في قطر، حيث يقيم زعيم حماس، إسماعيل هنية.

وأشارت الرسائل إلى أن الحرب كان لها تأثيرها السلبي على مسلحي حماس، إذ حثت الشخصيات البارزة الجناح السياسي للحركة في الخارج على قبول الاتفاق على الرغم من عزوف السنوار.

ونفى المتحدث باسم حماس، جهاد طه، أي تلميحات بوجود انقسامات داخل الحركة. وقال لأسوشيتد برس إن "موقف الحركة موحد ويتبلور من خلال إطار العمل التنظيمي للقيادة".

واعترفت الرسائل بمصرع مسلحين من حماس وبحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة بسبب الحملة الإسرائيلية في القطاع.

وتشير أيضا إلى أن السنوار إما أنه لا يدرك تماما حجم خسائر القتال أو أنه لا ينقلها بشكل كامل إلى أولئك الذين يتفاوضون خارج القطاع.

وبعد أشهر من التقلبات، استؤنفت المحادثات، الأسبوع الماضي. ومن المقرر أن تستمر في الأيام المقبلة.

وخرج محتجون إلى الشوارع في أنحاء إسرائيل، الأحد، للضغط على الحكومة من أجل التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن الإسرائيليين.

وقال مسؤولون أميركيون لأسوشيتد برس إنهم متفائلون بحذر بشأن احتمالات وقف إطلاق النار بناء على التطورات الأخيرة، لكنهم أكدوا أن العديد من الجهود بدت واعدة لكنها لم تنجح.

ومع ذلك، يبدو أن الجانبين أقرب إلى التوصل إلى اتفاق عما كانا عليه منذ أشهر.

وأكد مسؤولون للوكالة أن الاتفاق يبدأ بوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، حيث تطلق حماس سراح الرهائن المسنين والمرضى والنساء مقابل الإفراج عن مئات السجناء الفلسطينيين.

وأضافوا أن المحادثات بشأن اتفاق أوسع، بما في ذلك إنهاء الحرب، لن تبدأ إلا خلال هذه المرحلة.

مقالات مشابهة

  • رؤية اقتصادية تُحدد علاقة دول الجوار بارتفاع العملة الخضراء في العراق
  • أنفاق غزة بحالة جيدة بعد 9 أشهر من الحرب! قناة إسرائيلية تكشف التفاصيل
  • في كل مرة نخترع طريقة.. ماذا تكشف سوق السجائر السوداء في غزة؟
  • في كل مرة نخترع طريقة.. ماذا تكشف سوق السجائر السوداء عن غزة؟
  • انقسام والسنوار غير مدرك.. وثائق تكشف سبب تخلي حماس عن مطلبها
  • مظاهرات إسرائيلية للمطالبة بصفقة تبادل أسرى
  • بعد مرور 9 أشهر على الحرب بالونات صفراء وسوداء في سماء إسرائيل: إحياء لذكرى قتلى 7 أكتوبر ورهائن غزة
  • إسرائيل.. مظاهرات أمام منازل 18 مسؤولا للمطالبة بتبادل أسرى
  • مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى للمطالبة بتبادل أسرى مع حماس
  • إسرائيل تكشف معلومات جديدة عن هجوم 7 أكتوبر وتطبيقها لبروتوكول "هانيبال"