"في حزن وسع المدى"... كلمات معدودة لأغنية تكاد لا تفارق المشاهد القاسية واللإنسانية للحرب الإسرائيلية على غزة. وفي حين أن الحزن لم تعد يكفي، يجتاحك فجأة خليط من مشاعر الخوف، الغضب، العجز والذنب. والواقع الأكثر إيلاماً هو أننا بتنا في زمن يتقاتل فيه "المؤثرون" عبر مواقع التواصل الإجتماعي لمسابقة المنصات الإخبارية في نشر المشاهد المؤلمة للحرب في غزة- لركوب موجة التضامن والتعاطف من خلف الشاشة- لجذب المزيد من المتابعين، ولا مهرب من مشاهدتها في أي وقت.

فأي أثر نفسي لمشاهد الحرب علينا؟ 
 
لم تتوقف القوات الإسرائيلية منذ أكثر من أسبوعين عن قصف قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل حوالي الـ4000 شخص معظمهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، إثر الهجوم المفاجئ في 7 تشرين الأول الذي شنته حركة "حماس" عليها تحت عنوان "طوفان الأقصى".  مشاكل صحية عقلية خطيرة
وفي إطار مواكبة أخبار الحرب، قد تتفاوت نسبة القلق بين اللبنانيين إلا أن أي جلسة بينهم تكاد لا تخلو من سؤال واحد: "في حرب أو ما في؟". وهذا بديهي بالنسبة لوطن عانى الأمرّين من الإجرام الإسرائيلي، فجاءت صور الجثث وأشلاء الضحايا، فضلاً عن صفارات الإنذار وأوامر التوجه نحو الملاجئ وعويل النساء الثكالى والأرامل، لتعيد إلى السطح ما حاول اللبنانيون طوال عقود أن يلفظوه من ذاكرتهم. 
وفي إفادة صحافية سابقة لها، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنه في حالات النزاع المسلح، "سيعاني حوالي 10% من الأشخاص الذين يتعرضون لأحداث صادمة من مشاكل صحية عقلية خطيرة، وسيتطور لدى 10% آخرين سلوكيات من شأنها أن تعيق قدرتهم على العمل بفعالية".  
وأشارت إلى أن الاكتئاب والقلق والمشاكل النفسية الجسدية مثل الأرق هي من أكثر الآثار شيوعاً، في وقت  ثلاث مجموعات هي الأكثر عرضة لعواقب سلبية على الصحة العقلية: 
- المدنيون داخل الوطن المستهدف 
- الجنود على جانبي الصراع 
- أولئك الذين يستهلكون الصور ومقاطع الفيديو والصوت الخاصة بالحرب من خلال تطبيقات الوسائط الاجتماعية والتلفزيون والراديو والويب.  الشخصية تلعب دوراً كبيراً
وفي الواقع، حين يشاهد الفرد المشاهد الدموية والمؤلمة، تتطور لديه مشاعر الضغط، وبالتالي تتغير آلية ووضع الدماغ والجسم، فيصبح هرمون الكورتيزول والأدرينالين ومشاعر الغضب هي المهيمنة عليه، ما يؤدي إلى خلق آليات دفاعية معينة، بحسب الإختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية د. كارول سعادة. 
وأضافت سعادة في حديث لـ"لبنان 24"، أن بعض الأشخاص يحاولون في هذا الإطار الهرب من الأخبار المتعلقة بالحرب ومن المشاهد الصعبة جداً، بينما آخرون قد يشعرون بالذنب لعدم قدرتهم على إنهاء الظلم الواقع ولعدم قدرتهم على المساعدة في التخفيف عن المتضررين من الحرب. 
وشددت على أن التأثر بكل ما يحصل يختلف بحسب شخصية الإنسان وبمدى قدرته على التعاطف مع الآخرين، لافتة إلى أن كثر قد يصابون بحالات القلق والإكتئآب الشديدين، وقد تتأثر صحتهم النفسية بشكل عام فضلاً عن شعورهم باضطرابات النوم وتوقف القدرة الإنتاجية في حياتهم المهنية والإجتماعية. 
كما أكدت سعادة أن "الشعب اللبناني لا يعيش خوفاً ظرفياً، بل باتت مشاعر الخوف تلازمه منذ سنوات طويلة"، قائلة: "وكأن حقيبة السفر دائمة جاهزة إلا أن الوجهة غير معلومة". 
من هنا، شددت على أن كل ما يحصل إقليمياً يفاقم من الحالة غير الصحية التي يعيشها الشعب اللبناني، موضحة أن المرونة النفسية لم تعد متاحة لأنها استنزفت، فبات من الصعب على المواطنين عدم التأثر بكل هذه العوامل الجديدة نسبياً.  هل يمكن تفادي هذه المشاعر؟
وأضافت سعادة: "باستطاعة الكثيرين التعبير عمّا يشعرون به من خلال العنف تجاه الآخرين، أو عبر العصبية الزائدة، بينما يلجأ آخرون للطعام أو نحو سلوكيات إدمانية كتعاطي الأدوية المهدئة"، لافنة إلى أن الشعور بالذنب قد يلازم الكثيرين إزاء أبسط الأمور كقدرتهم على تناول الطعام أو حتى التنفس بطريقة طبيعية، بينما الشعب المظلوم الذي يعيش الحرب ليس لديه هذه "الرفاهية". 
كما كشفت أنه في هذا الوضع الأليم، لا يشاهد الأفراد حقيقة معينة بطريقة مشوهة معرفياً، فلا يمكن تفادي المشاعر الناجمة عن هذه الحقيقة بشكل مباشر لأن هذا الأمر سيدخلنا في حالة نكران الواقع، الأمر الذي قد يؤدي على المدى الأبعد إلى أن تظهر عواقبه بطريقة جسدية. 
ودعت سعادة الأفراد إلى معرفة المشاعر التي يمرّون بها وإلى تقبّلها لأنها باتت في صميم حياتهم وقد تؤثر على مجرياتها لاحقاً، ومحاولة خلق توازن ما من خلال اللجوء إلى بعض السلوكيات لتحسين صحتهم النفسية كالصلاة، التأمل والرياضة وغيرها. 
 
لا تندمل الجروح العميقة التي تخلّفها الحروب والصراعات مهما مضت الأيام، خاصة وأننا نعيش في بيئة جيوسياسية غير سويّة. فما علينا إذاً سوى عيش كل يوم بيومه، عملاً منّا بالمبدأ الفيروزي "إيه في أمل"... المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

في لبنان وغزة وسوريا.. الفرحة بعيد الميلاد تضيع وسط أوجاع العدوان الإسرائيلي

فى قطاع غزة، تختلط أصوات الطائرات والمدافع مع صرخات الأمهات وأبنائهن مع كل فقيد يفارقهن.

«كامل عياد»، مسيحى فلسطينى من غزة، فتح نافذة على معاناة شعب يعيش تحت وطأة الاحتلال، ليرى العالم ما تحمّله الشعب الفلسطينى من آلام وضياع، فى ظل احتفال الآخرين بعيد الميلاد.

«كل عام كان عيد الميلاد يحمل معانى مختلفة بالنسبة لنا، هو ليس فقط احتفالاً دينياً، بل لحظة تأمل وشعور بالانتماء إلى أرض وُلد فيها السيد المسيح»، بهذه الكلمات تحدث «عياد» بحزن، وهو يسترجع ذكرياته عن الاحتفال بعيد الميلاد فى القطاع.

وأضاف: «قبل الحرب، كنا نحاول أن نحتفل رغم الظروف، نُقيّم مسرحيات تحكى قصة ميلاد المسيح، نُغنّى الترانيم، ونتشارك الأمل مع المسلمين فى غزة وكأننا عائلة واحدة أما اليوم، فالفرح بات غريباً عنا».

فى السابع من أكتوبر 2023، تفاجأ «كامل» وعائلته بالحرب ليتّجهوا إلى كنيسة القديس برفيريوس، التى تُعتبر ثالث أقدم كنيسة فى فلسطين، ظنناً أن الكنائس ستكون أماكن آمنة بعيداً عن القصف، وكانت ملاذاً لآلاف المدنيين الذين لجأوا إليها، بعيداً عن القصف المدمّر الذى اجتاح قطاع غزة، ولكن الأمن الذى كانوا يأملون فيه سرعان ما تبخر تحت قسوة القصف والاستهداف لكل ما هو فلسطينى.

«كامل» الذى يحمل الجنسية المصرية من والدته، اضطر مع أسرته إلى الخروج من غزة، بحثاً عن الأمان، ليجد نفسه فى مواجهة مع جيش الاحتلال خلال رحلة الخروج إلى مصر، فقد كان الطريق محفوفاً بالمخاطر، وعن ذلك قال: «تحركنا عبر الشارع الآمن الذى أعلن الجيش الإسرائيلى أنه آمن من إطلاق النار، ولكن اضطررنا للمشى أنا وأطفالى وزوجتى وسط إطلاق نار رغم الوعود الكاذبة من الاحتلال، رافعين أيدينا فى الهواء نُمسك بهوياتنا، لكننا لم نكن نعرف إذا كنا سنصل إلى بر الأمان أم لا ونجحنا فى الوصول إلى مصر، وبدأت عائلتى حياة جديدة فى منطقة مدينة نصر».

ورغم وجود «كامل» فى مصر مع زوجته وبناته، إلا أن قلبه لا يزال فى غزة، حيث توجد والدته وأشقاؤه الذين لم يتمكنوا من مغادرة القطاع، ولا يزالون يعانون فى غزة، متسائلاً حول كيفية الاحتفال بعيد الميلاد وهو بعيد عن بلده، وعائلته تعيش فى خوف دائم، لكن تظل رسالة الشعب الفلسطينى فى ظل كل ما يحدث لهم هى رغبتهم فى الحياة، ذلك الحق الذى تحول إلى أمنية.

«باسم»: الأمور أفضل لكن القلق مستمر 

حالة من الترقّب والحذر يعيشها مسيحيو سوريا خلال احتفالات عيد الميلاد التى تتزامن مع الأحداث الأخيرة، ينتظرون بشغف ما ستؤول إليه تحركات الحكومة المؤقتة خلال الأيام المقبلة، وكيف يمكن أن يسير الحوار المرتقب بينهم، ولذلك تشهد احتفالات الميلاد هذا العام فى بلد الياسمين تحركات خجولة.

ورغم الظروف التى مرت بها سوريا بداية من شهر ديسمبر، إلا أن احتفالات الميلاد لم تندثر، ولكنها ندرت، فلم تملأ الشوارع أصوات آلات العزف وترانيم الميلاد كما كان سابقاً، باستثناء احتفالات باهتة فى باب شرقى وباب توما فى المدينة القديمة، ويتصل بهما حى القصاع، ومن ثم حى جناين الورد وحى القصور، وهى الأحياء الأكثر كثافة للمسيحيين فى دمشق.

وصف «باسم» -اسم مستعار لمواطن سورى رفض الكشف عن هويته- الوضع الأمنى فى سوريا بأنه فى تحسّن مستمر، وأن المعاملة من قِبل الجهات الرسمية تتسم بالاحترام للمسيحيين، رغم وجود بعض الأخطاء الفردية التى يتم التعامل معها بحزم وسرعة: «الأمور بشكل عام أفضل، لكن القلق لا يزال يساور البعض».

القلق المسيحى سيظل يُغلف احتفالات الميلاد، رغم تحسّن الأوضاع، فالكثير من المسيحيين يأملون فى قيام دولة علمانية تكفل المساواة بين جميع السوريين فى الحقوق والواجبات، وهذا الأمل لن يتحقق -كما يرى البعض- إلا بعد اعتماد دستور جديد للبلاد يكفل لهم الحقوق الكاملة: «نحن لا نريد مجرد دولة مدنية، بل دولة قانون، حيث يكون الجميع سواسية»، وفقاً لـ«باسم».

أما بالنسبة لاحتفالات عيد الميلاد، فإنها لم تتغير بشكل كبير فى ظل الظروف الحالية، إذ يمكن للمسيحيين الآن تنظيم احتفالاتهم دون الحاجة إلى التنسيق مع أى جهة، ورغم الأوضاع الصعبة لا يزال الاحتفال بالعيد يعتبر رمزاً للتضامن والأمل.

«أوغيت»: الاحتفالات تمسح الحزن عن «بيروت».. والمغتربون يعودون 

فى قلب لبنان، الذى لا يزال يعانى من تبعات الحرب، ظل الأمل ينبض فى النفوس، خلعت المدن رداء الحزن والقلق، وأخلت ساحاتها لأضواء الميلاد.. شجرة ومغارة وموسيقى رسمت ملامح عيد لا يهجر بلد الأرز وإن كان مشوباً بكثير من الحذر بسبب الأوضاع المتوترة فى جنوب البلاد وفى دول الجوار.

فى الوقت الذى يعيش فيه المسيحيون فرحة استقبال الطفل «يسوع»، تجد فى لبنان فرحة استثنائية بعيد الميلاد هذا العام، إذ هلّ الفرح بعد فترة من الحرب والدمار فتقول أوغيت سلامة، سيدة لبنانية، فى وصفها للعيد هذا العام: «عيد الميلاد مميز للبنانيين كما هو لجميع المسيحيين فى العالم، فهو ميلاد الرجاء وبداية أعظم قصة حب للبشرية التى بدأت ببشارة مريم العذراء ثم ميلاد يسوع، ولكن هذا العام، ومع كل المعاناة التى مر بها لبنان، أصبح للعيد معنى آخر، فهو يحمل معه أملاً فى السلام ورجاءً جديداً مع شعور عميق بأن الحياة قد عادت، وأن اللبنانيين يمكنهم العودة للاحتفال، بعيداً عن نار الحرب والدمار الذى عاشوه، وخاصة منذ سبتمبر الماضى وحتى إعلان وقف إطلاق النار فى نوفمبر».

وفى كنائس لبنان على الجبل، تجتمع العائلات، وتختلف الوجوه، لكنْ هناك شىء مشترك بينهم ألا وهو الأمل، وتنعكس أضواء زينة الميلاد على الوجوه المرهقة من الحرب، وتملأ الكنيسة أصوات الترانيم التى تتردد فى أرجائها، تقول «أوغيت»: «حتى إن أجواء البهجة والزينة ترافق كل الأديان والطوائف فى لبنان»، لكن ما يميز هذا العام أكثر من أى وقت مضى هو فرحة الأطفال: «أنشطة الأطفال تتعدد بين المسرح وتوزيع الهدايا مع بابا نويل، لكن فرحتهم هذا العام مضاعفة، كما الكبار، لأنهم عادوا للاحتفال فى المناطق التى شهدت العمليات العسكرية، خصوصاً فى بيروت والجنوب والبقاع، فبعد الحروب جاء هذا العيد ليحيى الأمل للأطفال والكبار على حد سواء، ويزرع فى قلوبهم فرحة جديدة».

ليس فقط اللبنانيون داخل لبنان من يفرحون بميلاد المسيح، فحتى أولئك الذين غادروا إلى الخارج بسبب ظروف الحرب، عادوا ليحتفلوا بعيد الميلاد مع عائلاتهم فقد عاد اللبنانيون فى الخارج، سواء للعمل أو الدراسة، إذ حجزوا تذاكر سفرهم فور إعلان وقف إطلاق النار، ليكونوا مع أهلهم فى هذا العيد، وتختتم «أوغيت»: «اللبنانى لا يفقد الأمل، وكلما اشتدت عليه التحديات، زادت عزيمته، لتمسكه بالحياة وبالحرية مهما كانت الظروف والأثمان».

مقالات مشابهة

  • شتاء ثانٍ تحت الحصار الإسرائيلي.. الجوع والبرد يفاقمان أزمة فلسطين مع استمرار الحرب
  • وقفة لأبناء مدينة البيضاء تضامنا مع فلسطين واعلان النفير العام في مواجهة الأعداء
  • سياسيون لـ”الوحدة”: العدوان الصهيوني لن يخيف اليمنيين ويثنيهم عن نصرة فلسطين
  • كوادر ديوان أمانة العاصمة يعلنون الجهوزية لمواجهة العدوان ونصرة فلسطين
  • عمرو خليل: خرق وقف إطلاق النار يكلف لبنان خسائر بشرية واقتصادية جسيمة
  • ريمة.. وقفات تضامنية مع فلسطين في وجه العدوان
  • في لبنان وغزة وسوريا.. الفرحة بعيد الميلاد تضيع وسط أوجاع العدوان الإسرائيلي
  • وقفة لأبناء مدينة رداع تضامنًا مع فلسطين واعلان النفير في مواجهة الأعداء
  • القوات المسلحة تستهدف هدفا عسكريا للعدو الإسرائيلي بصاروخ فرط صوتي
  • الاحتلال يرتكب 3 مجازر وارتفاع فى ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ بداية الحرب