"ربّ ضارّة نافعة". هو مثل يُقال عادة عندما تنقلب الأدوار فتكون النتيجة عكس ما أُريد لها. وهذا المثل ينطبق تحديدًا على واقعنا اليوم، وهو تمثّل في عدم دعوة لبنان إلى القمة العربية، التي عُقدت في القاهرة، والتي لم تخرج بنتيجة معلنة بالنسبة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالأخصّ في هذا الظرف التاريخي، الذي يتعرّض فيه الفلسطينيون لأبشع أنواع الإبادة الممنهجة في قطاع يُراد له الانقطاع عن العالم لتسهل لاحقًا عملية الاخلاء والتشريد والتهجير.

 
فلو حضر لبنان هذه القمة لما كان استطاع أن يغيّر من واقعها المأزوم شيئًا. فكان غيابه أو أذا صحّ التعبير "تغييبه" لمصلحته غير المقصودة، وهو الذي يحاول أن يسير بين النقاط الساخنة والخطوط المتعرجة في هذا الظرف الدقيق والمصيري. وبهذا الغياب تجاوز لبنان الرسمي "قطوعًا" جديدًا هو في غنىً عنه، أقّله بالنسبة إلى وضعيته الداخلية وحساسية التعاطي الحذر مع كل حدث بحدّ ذاته بكثير من الواقعية والعقلانية، في محاولات حثيثة لإبعاد الكأس المرّة عن لبنان، الذي يعيش في الأساس أزمات قد تتجاور في عمقها الأزمات الأخرى. وهذا ما يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر مروحة واسعة من الاتصالات الدولية والعربية والمحلية لتجنيب الساحة اللبنانية ما لا قدرة لها على التحمّل والاحتمال.  
فما لمسه الرئيس ميقاتي من خلال هذه الاتصالات التي لم تتوقف لحظة واحدة من تفهّم لوضعية لبنان الداخلية أراح بعض الشيء جميع الذين يعيشون قلقًا متناميًا، خصوصًا أن كثرة الشائعات والأخبار المغلوطة أربكتهم وزادت لديهم منسوب الاضطراب والخوف مما هو آتٍ، وقد لا يأتي، مع حرص الحكومة على التعاطي مع الواقع استنادًا إلى حكمة الامام علي بن أبي طالب، الذي يقول فيها "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل للآخرة كأنك تموت غدًا". أي بمعنىً مجازي آخر، وهو أن يعيش اللبناني كل لحظة بلحظتها من دون أن يستبق التطورات، التي قد تحصل أو لا تحصل. فإذا وقعت يكون لبنان متحضّرًا لها بما لديه من إمكانات، ولو متواضعة. وإن لم يقع ما هو متخّوف منه يكون هذا "اللبنان" المغلوب على أمره قد نجا من كارثة كونية.    
فالتفاؤل الذي تكّون لدى الرئيس ميقاتي نتيجة اتصالاته لا يلغي فرضية أخذ الحيطة والحذر، خصوصًا أن من يواجهه لبنان هو عدّو غادر ويتربص به شرًّا ليس اليوم فحسب، بل في كل لحظة، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، مع العلم أن ما يجتازه جميع اللبنانيين، الذين يجمعون الرأي على تحديد مطامع العدو، هو بالغ الخطورة والصعوبة وسط تصعيد متدحرج يومي على جبهة الخطوط الامامية الجنوبية، والتي باتت تتسم بضراوة ميدانية لافتة في الهجمات المباشرة المتبادلة بين" حزب الله" واسرائيل. فإذا حصل المزيد من التصعيد في قطاع غزة فإنه لن يشمل لبنان فقط، بل ستعمّ الفوضى الامنية في كل المنطقة. ويحدد ميقاتي تدرج الوضع على قاعدة "ان الايام الثلاثة او الاربعة التي تلت عملية حماس في اسرائيل كانت الامور تقاس وفقا للدقيقة الواحدة إذا كان يمكن للبنان ان يدخل الحرب ام لا.  بعد ذلك باتت الامور تقاس وفقا للساعة الواحدة وتطور الامور تبعًا للساعات وبتنا اخيرًا وفقا للأيام. وهذا لا يعني ان امكانات التصعيد لم تعد موجودة او الغيت او أنه يجب ان نطمئن". 
فالحرب ممكنة ولا أحد يلغيها من حساباته، ولكن هذا لا يعني أن يبقى اللبنانيون معّلقين على حبال هواء الأمل، الذي يعتبره من هم على تماس يومي مع ما يقوم به "حزب الله" من ضمن عملياته العسكرية أنه أمل تعلّق الغريق بحبال النجاة، حتى ولو كان ما يتوهمّه حبل نجاة ليس إلاّ حيّة. فالأمل ضروري لضخّ الحياة في بعض الشرايين الميتة، ولكن التعاطي مع التطورات في غزة وفي الجنوب بكثير من الواقعية هو أكثر من ضروري في هذه المرحلة المصيرية والخطرة.  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

التسوية لم تنضج.. والمبادرة جدية

كل المؤشرات السياسية والتصريحات والنشاط الديبلوماسي يوحي بأن ما يحصل بين لبنان واسرائيل بوساطة اميركية يقودها المبعوث الشخصي للرئيس الاميركي اموس هوكشتاين في غاية الجدية، خصوصا ان مسار المعارك والحرب الذي بدأ في لبنان منذ نحو شهرين وصل الى نوع من الجمود..

من الواضح ان اسرائيل حققت الكثير من الانجازات لكنها اليوم لم تعد تستطيع تحقيق المزيد ،حتى ان ما تفعله مثل اغتيال مسؤول وحدة العلاقات الاعلامية محمد عفيف او القصف العنيف على الضاحية او مسؤول الوحدة الصاروخية في بلدة جنوبية لا يؤثر على نتيجة المعركة ولا على واقع "حزب الله" المستقبلي، لذلك فإن الانجاز قد حُقق وما يحصل اليوم قد يكون اضاعة للوقت بأحسن الاحوال بالنسبة لتل ابيب.

حتى في الواقع السياسي، استطاعت تل ابيب تحقيق عدة امور قد تكون انجازات جدية، الامر الاول هو فصل الجبهات، فالحديث اليوم عن تسوية في لبنان من دون وقف اطلاق النار في غزة وهذا تنازل من قبل "حزب الله"، كما ان الحزب اليوم يفاوض تحت النار وهذا ما كان قد رفضه في السابق..

وترى مصادر مطلعة ان ما قدمه الحزب هو اقصى ما يمكن ان يقدمه خصوصا ان اسرائيل لم تكسر موازين القوى الى حد اكبر من هذا الحدّ، وعليه حتى لو تمكنت اسرائيل من التعمق اكثر في الاراضي اللبنانية فإن السيطرة على القرى سيكون صعبا حدا، اذ انها منذ اسبوع تقاتل في بلدة صغيرة جدا اسمها شمع من دون تحقيق اي تقدم، لا بل قد يشكل الامر فرصة للحزب لاستنزاف اسرائيل ما يحسن شروطه التفاوضية..

وترى المصادر ان الايجابية اليوم تسير بالتوازي مع التصعيد العسكري من كلا الطرفين وايصال الرسائل الميدانية، خصوصا ان تل ابيب مستعجلة للقيام بإنجاز ميداني، اذ ان الجيش الاسرائيلي لا يقوم بأي معركة عسكرية متكاملة للسيطرة على المساحات بل يقتصر خرقه الميداني على اطراف القرى للوصول الى عمق معين لتوثيق التقدم، وهذا ما لا يمكن صرفه ميدانيا بل قد يشكل عبئا عليه ان لم يدخل القرى ويثبت في داخلها.

خلال جولته اوحى هوكشتاين ان المفاوضات تحتاج الى اسبوع قبل الوصول الى وقف اطلاق نار، وهذا كله مرهون بنية نتنياهو، فالجانب اللبناني تجاوب بشكل كبير مع المبادرة وقدم كل ما يمكن تقديمه في هذه المرحلة وعليه فإن ما يحصل اليوم سيجعل للمرة الاولى الكرة في ملعب رئيس الحكومة الاسرائيلية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مُطاردة جويّة بين لبنان وإسرائيل.. استمرّت لـ40 دقيقة وهذا ما حصل!
  • ميقاتي استقبل جنبلاط وتلقى برقيات تهنئة بالإستقلال من البابا فرنسيس وملكيّ الأردن وبريطانيا
  • ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
  • لبنان .. ميقاتي: الجيش يستعد لتعزيز حضوره جنوبي لبنان
  • ميقاتي: اللبنانيون مصرون على إحياء ذكرى الاستقلال
  • في ذكرى الاستقلال والانتخابات.. اللبنانيون يأملون في الديمقراطية وخلق نظام جديد
  • ميقاتي: الجيش اللبناني يستعد لتعزيز وجوده في الجنوب وسط تصعيد التوترات
  • ميقاتي بذكرى الاستقلال: الجيش الذي يستعد لتعزيز حضوره في الجنوب يقدم التضحيات زودا عن ارض الوطن
  • هل تريد إسرائيل فعلًا التوصل إلى تسوية مع لبنان؟
  • التسوية لم تنضج.. والمبادرة جدية