يحاول المتطوعون التعرف على الضحايا للعائلات التي لا تزال تبحث عن أقاربها المفقودين

على حدود قاعدة الشورى العسكرية في وسط إسرائيل، تصطف نحو عشر حاويات بجوار عدة خيام. الجو مزدحم ولكنه هادئ - احتراماً للمتوفين.

مختارات ما المعلومات المتوفرة عن الرهائن الإسرائيليين لدى حماس؟ DW تتحقق: معلومات كاذبة عن الانفجار الذي ضرب المستشفى الأهلي بغزة وزير الدفاع الألماني يتعهد من تل أبيب بدعم الجيش الإسرائيلي

في هذه المشرحة المؤقتة، يعمل الأطباء وخبراء الطب الشرعي والمتطوعون الذين يرتدون بدلات الوقاية من المواد الخطرة على مدار الساعة للتعرف على جثث جنود ومدنيين، فيما رائحة الموت تفوح في المكان.

"الأشياء التي رأيناها ، لن ننساها أبداً" .. كانت هذه هي كلمات الدكتورة دانييل، وهي طبيبة أسنان متطوعة لم تستطع إعطاء اسمها الأخير بموجب القواعد العسكرية. كانت الطبيبة تتحدث مع مجموعة من الصحفيين الذين سمح لهم الجيش الإسرائيلي بالوصول إلى المنطقة.. تقول: "نحن نعمل ليلاً ونهاراً في نوبات في محاولة لتحديد هوية كل شخص."

بعد أسبوعين من الهجمات، لا يزال ما بين 100 و200 شخص في عداد المفقودين بحسب الجيش الإسرائيلي

"نريد أن نمنحهم احترامهم الأخير"

معظم الضحايا في هذا المكان هم ممن سقطوا في الهجمات الأولى التي شنها مسلحو حركة حماس على البلدات الجنوبية في إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما اخترق المسلحون الحدود.

بعد أسبوعين، لا يزال ما بين 100 و200 شخص في عداد المفقودين، فيما لا يزال العثور على الجثث مستمر، حسبما قال الجيش الإسرائيلي في 19 أكتوبر/تشرين الأول. ولم يكن من الممكن الوصول إلى بعض المناطق القريبة من حدود غزة حتى الآن.

قُتل ما لا يقل عن 1400 شخص في إسرائيل منذ بدء الحرب، معظمهم في الهجمات الأولى. ورد الجيش الإسرائيلي بغارات جوية على غزة، وقُتل أكثر من 5000 فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في قطاع غزة.

وقالت الدكتورة دانييل: "نحن هنا نقوم بمهمة مقدسة بالنسبة لنا، وتحديد (هوية) آخر الضحايا وجميع المدنيين الذين قُتلوا".. "إنه أمر مهم جداً بالنسبة لنا. نريد أن نمنحهم احترامهم الأخير".

وقالت الطبيبة إن عملية تحديد الهوية تستغرق وقتاً كما أن العديد من الجثث قد شوهت. وأضافت دانييل : "كانت المهمة التي كلفونا بها هي تحديد هوية الضحايا".. "لم يكن هناك طبيب بشري ولا طبيب أسنان مستعد لما رأوه. [...] رأينا أشياء صادمة لنا .. نساء تعرضن للاغتصاب"، وأضافت هي وزملاؤها أن هناك أيضاً علامات على أن بعض الأشخاص قد أُحرقوا أحياء.

ومع ذلك، لم يتم حتى الآن تقديم أي دليل جنائي لدعم هذه الادعاءات. ونفت حماس أي اتهامات بارتكاب انتهاكات. 

تحدي تحديد الهوية

وقتل العديد من الضحايا الإسرائيليين ولم يكن لديهم أي بطاقة هوية، ما جعل عملية تحديد الهوية صعبة للغاية. وفي خيمة كبيرة مضاءة بأضواء نيون قوية، تعمل عدة فرق على كل جثة لفهم ما حدث لكل شخص.

تتم محاولة مطابقة الحمض النووي للجثث مع العينات التي أحضرتها العائلات التي لا تزال تبحث عن أقاربها. بمجرد تحديد الهوية، يتم الإفراج عن الجثث في أسرع وقت ممكن لتمكين العائلات من دفنها وفقاً للتقاليد اليهودية.

قال الكولونيل حاييم فايسبرغ، رئيس قسم الحاخامية في الجيش: "في تقليد يهودي، عندما يموت شخص، نقرأ صلاة كاديش، لرفع الروح إلى مثواها الأخير" .. "في هذا الحادث، سنرى أشخاصاً لن يتمكنوا من قراءة كاديش على الإطلاق لأن أياً من أفراد أسرهم لم ينجُ من هذا.. رأينا عائلات وأجداد وآباء وأحفاد، كلهم جاؤوا إلى هنا في حقائب".

لا تزال بعض العائلات لا تعرف ما إذا كان أحباؤها قد قتلوا أو اختطفوا إلى غزة على أيدي المسلحين. وقام الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين بتحديث عدد الرهائن الذين تحتجزهم حماس إلى 222 رهينة.

قالت الدكتورة دانييل إن توضيح الأمر للعائلات المنتظرة هو أفضل ما يمكنهم فعله في هذه الحالة، قبل أن تضيف: "كأمة، كأشخاص، لن نكون كما كنا مرة أخرى".

قام الجيش الإسرائيلي بتسهيل هذه الزيارة.

تانيا كرامر من قاعدة الشورى العسكرية، وسط إسرائيل

ع.ح/ ع.خ/ م.س.

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: الطب الشرعي حركة حماس عملية حماس قطاع غزة غزة الجيش الإسرائيلي حاخام دويتشه فيله مسلحي حماس الحمض النووي التعرف على الجثث الرهائن الطب الشرعي حركة حماس عملية حماس قطاع غزة غزة الجيش الإسرائيلي حاخام دويتشه فيله مسلحي حماس الحمض النووي التعرف على الجثث الرهائن الجیش الإسرائیلی

إقرأ أيضاً:

شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة

القدس المحتلة- في كل عام، يحمل المهندس سليمان فحماوي ذاكرته المثقلة بالحنين والوجع، ويسير على خُطا قريته المهجرة "أم الزينات" الواقعة على سفوح جبال الكرمل في قضاء حيفا، والتي اضطر لمغادرتها قسرا كباقي مئات آلاف الفلسطينيين، تاركا خلفه طفولته وذكرياته لتصبح جزءا من تاريخ النكبة الذي لا ينفك يعيد نفسه.

سليمان، اللاجئ في وطنه، عاش فصول النكبة الفلسطينية متنقلا بين بلدات الكرمل والساحل، قبل أن يستقر به الحال في بلدة أم الفحم، على تخوم حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.

واليوم، وفي الذكرى الـ77 للنكبة، وبعد عقود من التهجير، يقف كعضو ومتحدث باسم "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين" بالداخل الفلسطيني، محاولًا الحفاظ على ذاكرة القرى التي طمست معالمها، وفي مقدمتها قرية "كفر سبت" المهجرة، في قضاء طبريا في الجليل شمالي فلسطين.

فحماوي: لمسنا نياتٍ مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين (الجزيرة) شروط صادمة

منذ تأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" عام 1997، اعتاد سليمان ورفاقه تنظيم مسيرة العودة السنوية إلى القرى المهجّرة، بالتنسيق مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، حيث أصبحت المسيرات ذات رمزية تقول للعالم "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وتعيد للأذهان قصص البيوت المهدومة والأرواح التي لا تزال معلقة بأطلال قراها.

"هذا العام كان مختلفا" يقول فحماوي للجزيرة نت بنبرة يغلب عليها الأسى، فبدلا من التحضير المعتاد للمسيرة الـ28 نحو "كفر سبت"، اصطدمت الجمعية بسلسلة من الشروط التعجيزية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية، ما اضطرهم إلى اتخاذ قرار صعب "سحب طلب التصريح".

يوضح فحماوي "كما كل عام، قدمنا طلبا للحصول على التصاريح، لكن الشرطة هذه المرة وضعت شروطًا غير مسبوقة، كان أولها عدم رفع العلم الفلسطيني، ذلك العلم الذي لطالما خفقت به القلوب قبل الأيادي، كما اشترطت الحصول على موافقة المجلس الإقليمي في الجليل الغربي، الذي تقع القرية ضمن نفوذه، إضافة إلى تحديد عدد المشاركين بـ700 شخص فقط".

إعلان

"بالنسبة لنا، العلم الفلسطيني خط أحمر" يؤكد سليمان، ويتساءل "كيف لمسيرة تحمل اسم العودة أن تقام دون علمنا، ودون مشاركة الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني الذين يحملون هم القضية؟".

وبين تهديدات الشرطة بالاقتحام، والوعيد بقمع المسيرة حال تجاوز الشروط، وجدت الجمعية نفسها أمام مفترق طرق، ويقول فحماوي "خلال المفاوضات، لمسنا نوايا مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين من أطفال ونساء وشباب".

وفي مشهد تتداخل فيه الوطنية بالمسؤولية الأخلاقية، اجتمعت كافة الأطر السياسية والحزبية والحقوقية في الداخل الفلسطيني، ليصدر القرار الأصعب (سحب الطلب)، لخصها فحماوي بقوله "نقطة دم طفل تساوي العالم"، مضيفا "لن نسمح بأن تتحول مسيرتنا إلى ساحة قمع جديدة، اخترنا العقل على العاطفة، لكن شوقنا للعودة لا يلغيه انسحاب مؤقت".

جبارين: حق العودة ليس مناسبة بل حياة كاملة نعيشها يوميا (الجزيرة) ذاكرة لا تموت

قبل نحو 30 عاما، لم تكن مسيرات العودة جزءا من المشهد الوطني الفلسطيني، وكانت قضية القرى المهجرة تعيش في طي النسيان، مطموسة في ذاكرة مغيبة، تكاد تمحى بفعل الإهمال والسياسات الإسرائيلية المتعمدة، يقول فحماوي، ويضيف "لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيا مع انطلاق المبادرات الشعبية، وعلى رأسها مسيرة العودة".

وعلى مدى هذه العقود الثلاثة، شارك مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني -وخاصة من فلسطينيي الداخل- في مسيرات العودة، التي تحوّلت إلى محطة وطنية سنوية ثابتة، تحمل رسائل سياسية وشعبية عميقة، وتؤكد على حق العودة بوصفه حقا فرديا وجماعيا غير قابل للتنازل أو التفاوض.

ورغم قرار سحب طلب التصريح لمسيرة العودة الـ28، لا يتوقف التساؤل لدى أدهم جبارين، رئيس اللجنة الشعبية في أم الفحم، وابن عائلة لاجئة من قرية اللجون المهجرة عن "ماذا يعني أن يمنع لاجئ فلسطيني من العودة، ولو ليوم واحد، إلى قريته التي طُرد منها؟ وماذا يعني أن يجرم رفع العلم الفلسطيني؟"

إعلان

"هذه ليست النهاية" يؤكد جبارين للجزيرة نت، ويقول "نحن مستمرون، فحق العودة ليس مناسبة، بل حياة كاملة نعيشها يوميا"، مضيفا "رغم القيود والتهديدات، تبقى مسيرة العودة أكثر من مجرد حدث سنوي، هي ذاكرة حية تورَّث للأجيال، ورسالة واضحة بأن القرى المهجرة ستظل حاضرة في القلوب والعقول، حتى يتحقق حلم العودة.

حضور الأطفال كان بارزا في مسيرة العودة التقليدية التي تنظم سنويا عشية ذكرى النكبة (الجزيرة)

 

ويؤكد جبارين أن قرار سحب الطلب "لم يكن تراجعا، بل خطوة واعية اتخذت من منطلق المسؤولية الوطنية، بعد أن اتضح خلال مفاوضات الجمعية مع الشرطة الإسرائيلية وجود نية مبيتة للترهيب والترويع، وحتى تهديد ضمني بإمكانية قمع المسيرة بالقوة، وربما ارتكاب مجزرة بحق المشاركين".

ويقول "نرى ما يجري من حرب إبادة في غزة، وعمليات التهجير في الضفة الغربية، وما لمسناه من سلوك الشرطة يعكس تحضيرات لتنفيذ سيناريو مشابه في الداخل، حيث بات استهدافنا على خلفية إحياء المناسبات الوطنية مسألة وقت لا أكثر".

لكن رغم المنع، لم تتوقف الفعاليات، فالجمعية أطلقت برنامج زيارات موسعًا إلى أكثر من 40 قرية مهجّرة، بمرافقة مرشدين مختصين، لتتحوّل ذكرى النكبة من فعالية مركزية واحدة إلى عشرات الجولات والأنشطة الميدانية.

ويختم جبارين حديثه للجزيرة نت بالقول إن "مسيرة العودة ليست مجرد تظاهرة، بل رسالة متجددة وتذكير سنوي بالنكبة، وتجذير للوعي الوطني، وانتقال للذاكرة من جيل إلى آخر، ورسالة واضحة بأن لا حق يضيع ما دام هناك من يطالب به".

ويضيف أنها "أيضا رد مباشر على المقولة الصهيونية الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون، فالصغار لم ينسوا، بل باتوا في مقدمة الحشود، يحملون الراية، ويرددون أسماء القرى التي هُجرت، وكأنها ولدت من جديد على ألسنتهم".

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي: إجلاء 3 مواطنين سوريين دروز لتلقي العلاج الطبي داخل إسرائيل بعد إصابتهم في سوريا
  • رئيس الوزراء الهندي يمنح الجيش حرية تحديد موعد وطريقة الرد على هجوم كشمير
  • اللواء عبد الحميد خيرت: الإخوان الإرهابية وحماس خططوا لتوريط الأردن في صدام مع إسرائيل
  • شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
  • الجيش الإسرائيلي يحشد "ألوية احتياط" للقتال في غزة
  • بكري: زيارة البرهان مهمة في ظل انتصارات الجيش السوداني.. ومصر لا تتعامل مع الميليشيات
  • تعثر الحوار بين فتح وحماس ... لماذا يتجدد ؟
  • الجيش الإسرائيلي يعبء قوات الاحتياط لشن هجوم واسع على غزة
  • الجيش الإسرائيلي يسوي رفح بالأرض
  • بوتين يشكر كوريا الشمالية على مشاركة جنودها بقتال كورسك .. وكيم: مهمة مقدسة