القراران (الحرب والسلام) في حاجة للشجاعة والقوة، لكن الأهداف والغايات والآليات والتداعيات تختلف.
قرار الحرب يعني القتل والدمار وزرع الكراهية والخوف والثأر والحقد البشري، وقتل الأمل في الحياة، والتشرد والتشتت وقتل الإنسانية التي خلقها الله. قرار الحرب يعني غطرسة القوة والاستعلاء العنصري والشعبوية والقومية السلبية.
أما قرار السلام فيحتاج إلى القوة والشجاعة أكثر من قرار الحرب؛ لأنه يعني الأمان والبناء والإعمار والتعايش والتسامح والبناء والإنسانية المشتركة والخيرية، والاستقرار، وتجدد الحياة والمستقبل لطفولة آمنة. قرار السلام تحكمه الشعوب بأكملها على عكس قرار الحرب الذي تتخذه نخبة حاكمة تحكمها النزعات الميكيافيلية الشخصانية الباحثة عن البقاء الشخصي.
الحرب والسلام يلخصان تطور البشرية منذ بدء الخليقة، ويفسّران تطور العلاقات الدولية والنظام الدولي وبنية القوة والإنفاق العسكري الضخم الذي يأتي على حساب الفقر والمجاعات التي تسود أغلبية دول العالم. ومنذ أن ظهرت الكينونات السياسية في صورة إمبراطوريات ودول قومية كانت الحرب تحكم سلوكها كوسيلة لتحقيق التوسع والسيطرة والهيمنة.
تتفاوت الحروب في صورها وأشكالها ومبرراتها، ولعل أخطرها الحروب الدينية التي تتغلف بمبررات ووعود دينية لا أساس لها من الواقع. وهذه الحروب هي أكثرها شراسة وقتلاً وتدميراً؛ لأنها حروب عمياء لا ترى ولا تبصر إلا القتل. وتبقى الحروب مدانة ومرفوضة وظاهرة ملعونة بشرياً، لكنها تبقى ترجمة للقوة التي تحكم العلاقات بين الدول. لكن إلى جانب الحروب الدينية المرفوضة منطقاً ووسيلة هناك حروب التحرر الوطني التي تلجأ إليها الشعوب التي تعاني من الاحتلال والاستعمار، ولقد كفل القانون الدولي للشعوب المستعمرة والمحتلة أن تلجأ للمقاومة المشروعة بكل الوسائل، بما فيها المقاومة العسكرية وفق محددات ومعايير إنسانية. فسبب هذه الحروب هو الاحتلال؛ كونه السبب الرئيسي للمقاومة.
فالدول المحتلة، وكما نرى اليوم في غزة، فإن المشكلة أن إسرائيل ترفض الاعتراف بأنها دولة احتلال، وتقوم بمصادرة الأرض، وتمارس الاستيطان وترفض الدولة الفلسطينية وكل القرارات الدولية الشرعية التي أصدرتها الأمم المتحده. ولو التزمت إسرائيل بالهدف من اتفاقات أوسلو ما قامت الحرب، بل عمدت إلى إفشالها على مدار الثلاثين عاماً. وإلى جانب ذلك تتحمل الولايات المتحدة والدول الغربية المسؤولية المباشرة عن هذه الحرب وغيرها وفشلها في تحقيق السلام. هنا الحرب حرب تحرير من أجل إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، فيما إسرائيل من جانبها تصوّرها أنها حرب ضد الإرهاب، وتصف حركات المقاومة الفلسطينية ب«المتوحشين»، وتربط بينهم وبين «داعش».
إن حروب اليوم ليست كحروب الأمس من حيث توظيفها لكل عناصر القوة المتطورة وتكنولوجيا السلاح الذي يكون حجم تدميره شاملاً. والحرب بكل المعايير والمبررات غير أخلاقية، وهي وسيلة للتغيير الديمغرافي والجغرافي للبشر. وهذا أخطر ما فيها؛ إذ تدمّر البيت والذكريات، وتحول البشر لجماعات مشتتة تبحث عن هوية وملجأ جديد، وتمزق النسيج الاجتماعي، وتحوّل الشعب إلى جماعات تعيش في الخيام، وهذه أهداف الحرب الحالية على غزة.
بالحرب، تسعى الدول القوية كإسرائيل لفرض الهيمنة والخضوع والاستسلام على شعب آخر. فالسلام لا يمكن تحقيقه من خلال القوة والاحتلال والقهر والإذلال. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي فرديريك غروس في كتابه «فلسفة الحرب».. واليوم نرى العودة للحروب العدمية التي تلغي الأخلاق والقوانين الإنسانية.
إن مهمة وقف الحروب هي مهمة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، والاعتراف بحقوق الشعوب المحتلة بتقرير مصيرها، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل قرار الحرب
إقرأ أيضاً:
معرض القاهرة للكتاب يناقش شبح الحرب العالمية الثالثة ومستقبل النظام الدولي
في إطار فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب استضافت القاعة الرئيسية ندوة فكرية تحت عنوان "هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟" قدمها الباحث المتخصص في العلاقات الدولية الصحفي سيد جبيل وأدارها الإعلامي تامر حنفي.
استهل تامر حنفي الندوة بالإشارة إلى الخلفية الواسعة لسيد جبيل الذي لا يقتصر دوره على الصحافة بل يمتد إلى التحليل السياسي والاقتصادي كما تحدث عن تجربته الشخصية معه موضحًا أنه تعرّف عليه من خلال تحليلاته العميقة التي ينشرها والتي دفعته إلى التواصل معه باستمرار وأعرب عن سعادته بإدارة الجلسة مؤكدًا أن سيد جبيل مفكر يستحق الاستماع إليه أكثر من مرة.
من جانبه أوضح سيد جبيل أن الحديث عن حرب عالمية ثالثة في منتصف التسعينيات كان يُعد نوعًا من المبالغة أو الإثارة الإعلامية خاصة مع تفكك الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي أما اليوم فقد أصبح هذا الحديث واقعًا تتبناه قيادات العالم نظرًا لحالة الفوضى غير المسبوقة التي يعيشها النظام الدولي.
وأشار جبيل إلى عدة مظاهر تعكس هذه الفوضى وأبرزها تزايد الصراعات المسلحة حيث يشهد العالم حاليًا 56 صراعًا نشطًا وهو العدد الأكبر منذ عام 1945 إضافة إلى أربع مواجهات كبرى محتملة قد تشعل العالم وهي التوتر بين الصين وتايوان واتساع رقعة الحرب في أوكرانيا وتصاعد الأزمة في شبه الجزيرة الكورية والاضطرابات المتزايدة في الشرق الأوسط.
وأضاف أن من مظاهر الفوضى إلغاء أو تعليق العديد من الاتفاقيات المتعلقة بتقليص الأسلحة مثل معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى وهو ما يضع العالم على أعتاب سباق تسلح جديد قد يؤدي إلى حرب نووية.
كما أن العالم بات مقسومًا بين معسكرين رئيسيين الأول بقيادة الولايات المتحدة والثاني بقيادة الصين وروسيا وهو انقسام ينعكس في تصعيد العقوبات الاقتصادية المتبادلة وتصاعد موجة العداء للهجرة والمهاجرين والرفض المتزايد لمفهوم العولمة.
وأوضح أن عودة التجنيد الإجباري وزيادة الإنفاق العسكري مؤشر آخر على تصاعد التوترات حيث أعادت بعض الدول فرض التجنيد الإجباري مثل لاتفيا وكرواتيا بينما توسعت فيه دول أخرى مثل السويد وإستونيا والدنمارك وهناك دول تدرس إعادة فرضه مثل اليابان وصربيا وهو ما يعكس القناعة المتزايدة لدى هذه الدول بأن العالم يقترب من حرب كبرى.
أضاف سيد جبيل أن حالة الفوضى الحالية انعكست على تصريحات كبار المسؤولين حيث أطلق عدد من القادة العسكريين تحذيرات علنية بشأن احتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة ومن بين هؤلاء قائد الجيش البريطاني ووزير الدفاع الألماني اللذين نبّها شعبيهما إلى ضرورة الاستعداد لأسوأ السيناريوهات.
أكد جبيل أن العالم يعيش مرحلة انتقالية بين نظام دولي تقوده الولايات المتحدة ونظام جديد لم يتشكل بعد ومن المفارقات أن القوى الكبرى الثلاث الولايات المتحدة وروسيا والصين تتفق على ضرورة التخلص من النظام الحالي وإن كانت لكل منها رؤيتها الخاصة لشكل النظام القادم.
وأوضح أن السياسة الأمريكية تعكس هذا التململ من النظام القائم حيث يتبنى دونالد ترامب موقفًا ناقدًا للعولمة والتجارة الحرة ويرفض الهجرة وحقوق الإنسان كما يحتقر المؤسسات الدولية والتحالفات التقليدية للولايات المتحدة مما يعكس اضطراب النظام العالمي وغياب رؤية واضحة للمستقبل.