الخليج الجديد:
2025-03-04@23:09:05 GMT

العرب وعبء «الخواء الاستراتيجي»

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

العرب وعبء «الخواء الاستراتيجي»

العرب وعبء «الفراغ الاستراتيجي»

التحديات القائمة أبرزت ضرورة توسيع إطار الشراكة في المنطقة العربية إلى المجالات الجيوسياسية التي ترتبط بها عضوياً المصالح العربية.

عودة كتلة الجنوب للرهانات الدولية من منظور «الجنوب العالمي» الذي يَأخذ في بعض الساحات صيغةَ الرفض الصريح للهيمنة الغربية سياسياً وثقافياً.

استفحال الصراعات الداخلية في عدد من البلدان العربية، وصعود الحركات الراديكالية العنيفة، وتزايد تدخل القوى الإقليمية غير العربية بشؤون المنطقة.

خروج العرب من «الخواء الاستراتيجي» في إدراك منطق الدينامية الجيوسياسية الجديدة في العالم، وبلورة مشاريع شراكة جديدة مع دوائر التمدد الإقليمي العربي.

انفجار منظومة العولمة الاقتصادية وبروز تطلعات دولية متنامية لتقويض مركزها وتنويع دوائر التحكم فيها، بما ينعكس في السياسات النقدية والاستراتيجيات التجارية المختلفة.

تصدعت المنظومة الدولية وبرزت قوى عالمية جديدة متمايزة المصالح والمطامح، مما حدا بالبعض للحديث عن عودة الحرب الباردة، وإن كان المفهوم يحيل لوضعية الصراع الأيديولوجي المتجاوز.

* * *

حول هذا العنوان المهم، انعقدت الأسبوع الماضي الندوة الأخيرة من ندوات مهرجان أصيلة الذي يشرف عليه الوزير المغربي المثقف محمد بن عيسى. وكما هو متوقع فقد سيطرت على أجواء الندوة الأحداثُ المأساوية التي يعرفها قطاع غزة في فلسطين الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق، بيد أن لقاءَ أصيلة الفكري تناولَ الموضوعَ في جوانبه الواسعة المعمقة.

ومعلوم أن وزير الخارجية السعودي الأسبق الأمير الراحل سعود الفيصل قد تحدث سنة 2016 عن حالة «الخواء الاستراتيجي» التي يعاني منها العالم العربي، وكان السياق أوانها هو استفحال الصراعات الداخلية في عدد من البلدان العربية، وصعود الحركات الراديكالية العنيفة، وتزايد تدخل القوى الإقليمية غير العربية في شؤون المنطقة.

والواقع أن المعادلة الدولية بتأثيراتها الإقليمية قد تغيرت نوعياً في السنوات الأخيرة، في اتجاهات ثلاث واضحة هي:

أولها تصدع المنظومة الدولية وبروز قوى عالمية جديدة متمايزة المصالح والمطامح، مما حدا بالبعض للحديث عن عودة الحرب الباردة، وإن كان المفهوم يحيل إلى وضعية الصراع الأيديولوجي المتجاوز.

ثانيها عودة الكتلة الجنوبية إلى الرهانات الدولية من منظور «الجنوب العالمي» الذي يَأخذ في بعض الساحات (كما هو الحال في أفريقيا جنوب الصحراء) صيغةَ الرفض الصريح للهيمنة الغربية سياسياً وثقافياً.

ثالثها هو انفجار منظومة العولمة الاقتصادية وبروز تطلعات دولية متنامية لتقويض مركزها وتنويع دوائر التحكم فيها، بما ينعكس في السياسات النقدية والاستراتيجيات التجارية المختلفة.

ومع أن الكتلة العربية ما تزال تعاني، وما يزال العديدُ مِن البلدان مشلول البناء والحركة، فإن الدول العربية الفاعلة نجحت في اقتناص الفرص الجديدة التي وفّرتها المعادلة الدولية الجديدة.

ومن أبرز الأدلة على صحة هذه الملاحظة: انضمام ثلاث من الدول العربية الرئيسية هي الإمارات والسعودية ومصر لمجموعة «بريكس» التي هي من أهم التكتلات العالمية الصاعدة.

إن النتيجة الواضحة من هذه المبادرات هي اعتماد رؤية دينامية للنظام الدولي، تنعكس في التوجهات الاستراتيجية في سياسة تنويع الشراكة الجيوسياسية، ومقاربة الانفتاح الإيجابي على الأطراف الإقليمية الفاعلة، وإطفاء بؤر التوتر والصراع في الإقليم، مع العمل على تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في البلدان التي تعاني من الفتن والصراعات والحروب الأهلية.

ومع أن النظام الإقليمي العربي المؤسَّس على فكرة الاندماج القومي والعمل المشترك لا يزال هو الإطار الأساسي والثابت لأي توجهات استراتيجية إقليمية، فإن التحديات القائمة أبرزت ضرورة توسيع إطار الشراكة في المنطقة إلى المجالات الجيوسياسية التي ترتبط بها عضوياً المصالح العربية.

ومن أهم هذه المجالات منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي التي ترتبط بصفة وثيقة بالخليج العربي والجزيرة العربية والبلدان النيلية، بما يقتضي تفعيل مشروع «مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن»، بالإضافة إلى منطقة شرق المتوسط التي هي جسر الارتباط الحيوي بين أوروبا وشمال أفريقيا أي مصر ودول المغرب العربي، وكذلك منطقة جنوب وشرق آسيا التي هي الامتداد الطبيعي للبلدان الخليجية، ومن هنا أهمية قمة الرياض الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وكتلة «الآسيان».

في مطلع التسعينيات طُرح مشروعُ «الشرق الأوسط الجديد» الذي تحول في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن إلى مشروع «الشرق الأوسط الموسع» الذي يضم من أفغانستان وباكستان إلى موريتانيا.

كما ظهر في الفترة نفسها مشروعُ الشراكة المتوسطية الذي كانت آخر محاولة لإحيائه مبادرةُ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لبناء «الاتحاد من أجل المتوسط».

ومن الجلي للعيان أن مختلف هذه المشاريع فشلت ولم تترك أثراً على الأرض، نتيجةً لغياب كتلة عربية فاعلة ومنسجمة قادرة على التأثير الإيجابي في السياسات والمقاربات الإقليمية المطروحة دولياً.

وخلاصة الرأي هنا أن خروج العرب من حالة «الخواء الاستراتيجي» التي تحدث عنها الأمير سعود الفيصل (رحمه الله) وتناولتها ندوة أصيلة، يكمن في إدراك منطق الدينامية الجيوسياسية الجديدة في العالم، والتي تقتضي بلورةَ وصياغة مشاريع جديدة للشراكة مع دوائر التمدد الإقليمي العربي في أفريقيا وآسيا وحوض المتوسط، بما يُخرج العالمَ العربي مِن عزلته ويمكِّنه من النهوض المتجدد. وذلك ما أدركته القيادات الجديدة في البلدان العربية المؤثرة والفاعلة.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العرب العولمة المعادلة الدولية الشرق الأوسط سعود الفيصل الحرب الباردة بريكس

إقرأ أيضاً:

أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان

ليست السياسة إلا ترجمة لموازين القوى، ومن لا يملك القوة لا يملك القدرة على فرض موقف أو الحفاظ على تحالف؛ وليس هناك درس أشد وضوحا لهذا المبدأ من المشهد الذي جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي والأمريكي ترامب.. كانت وعود أمريكا ودعمها يتهاوى ويتكشف المشهد عن حقيقة طالما أنكرها البعض ممن راهن على الحماية الخارجية وهي أن المصالح هي القانون الأوحد في العلاقات الدولية خاصة في زمن تآكلت فيه القيم والمبادئ وعادت إلى المشهد بشكل واضح حقبة البقاء للأقوى.

ما حدث للرئيس الأوكراني هو استعراض أمام العالم لما يمكن أن يفعله الأقوى بالضعيف أو الذي يبدو ضعيفا، حتى لو بدا وكأنه حليف استراتيجي، ما دام لا يملك ورقة تفاوضية، يُمكن المساومة عليها. بدا وكأن زيلينسكي لم يكن رئيس دولة، بل متهم في قفص ترامب، مطالبا بإثبات ولائه وتقديم التنازلات المطلوبة.

لكن هذا المشهد رغم مرارته ورغم أنه النموذج الذي لا بد أن يقرأ وفقه المستقبل يستحق أن تستخلص منه الدروس والعبر وخاصة بالنسبة للعالم العربي.

إن الحقيقة التي باتت واضحة ولا جدال فيها أن السياسة الأمريكية، كما كشفتها هذه الواقعة، لم تعد تُدار وفق المبادئ التي روّجت لها طيلة عقود: الدفاع عن الديمقراطية، حماية الحلفاء، نصرة الشعوب المضطهدة، بل هي اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، صفقة تجارية بحتة، يُقدَّم فيها الدعم وفق معادلة حسابية واضحة: كم ستدفع؟ وماذا ستقدّم في المقابل؟

ليس هذا وليد اللحظة، لكنه بلغ حد الخروج عن الأعراف الدبلوماسية التي تحكم العلاقات الدولية، حيث جرى تسليع التحالفات علنا، دون مواربة أو تجميل. وحين ينظر العرب إلى ما جرى مع أوكرانيا، عليهم أن يتساءلوا، إذا كانت واشنطن قد تخلّت عن أوكرانيا، وهي في قلب المعركة، فكيف يمكن لدول أخرى أن تثق في التزاماتها؟ وإذا كانت المصالح الاقتصادية هي التي تحكم، فأين يقف العرب في هذه المعادلة؟

لا يبنى القرار السياسي الاستراتيجي على استشعار العاطفة أو على حسن الظن، فحين جرى توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وحين قُسمت فلسطين، وحين سقطت بغداد، وحين تُركت ليبيا وسوريا لمصيرهما، كان الدرس ذاته يتكرر: من لا يملك قراره، لا يملك مصيره.

وأكبر خطأ تقع فيه الدول هو الاعتقاد بأن هناك «حليفا دائما»، بينما الحقيقة أن هناك فقط مصالح دائمة يتم الموازنة بين أفضلها كل حسب قيمته في لحظة الموازنة، ولذلك لا بد أن تعي الدول العربية أن المصالح الحيوية والاستراتيجية لا تُحمى بالوعود إنما بالقدرة الذاتية على فرض الإرادة.

ولذلك لا خيار أمام الدول العربية من أن يكون لديها أدوات القوة التي تتمثل بدءا في الشعور بالتكامل وحقيقة المصير المشترك ثم بالاقتصاد القوي المستقل فمن يعتمد على الآخرين في رزقه، لا يستطيع الاعتراض على شروطهم، وببناء تكنولوجيا متطورة في كل الجوانب بما في ذلك الجوانب العسكرية حتى تستطيع هذه الدول الدفاع عن نفسها دون وصاية أو حماية من أحد وبناء تحالفات قائمة على فكرة الندية وليس التبعية لأن الدول الكبرى تحترم من يفرض احترامه، لا من يستجديه. ثم إن على العالم العربي أن يعمل جادا على بناء وعي سياسي ووعي ثقافي وإرادة جماعية تنطلق من رؤية هذه الدول باعتبارها كيانا مترابط التاريخ وتحيط به الأخطار نفسها وينتظره نفس المستقبل.

وإذا كانت السياسة لا تعترف بالفراغ الذي إن لم تملأه أنت ملأه غيرك فإن على العالم العربي أن يدرك أمام كل هذه الأخطار التي تحيط به وهذه التجارب التي تقدم له بالمجان أن مكانه في الخارطة لا يحدد فقط بموقعه الجغرافي، بل بمدى قدرته على امتلاك قراره بعيدا عن حسابات الآخرين. وهذه لحظة مفصلية لا بد أن يعي فيها الجميع الدرس.

مقالات مشابهة

  • جامعة الدول العربية: السلام خيار العرب الاستراتيجي
  • المملكة ولبنان تؤكدان أهمية تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة على الساحتين الإقليمية والدولية
  • الاتحاد العربي للجولف يطلق سلسلة بطولات الجولف العربية (AGS)
  • المملكة ولبنان تؤكدان في بيان مشترك أهمية تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة على الساحتين الإقليمية والدولية، وأهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة
  • شيخ الأزهر: ندعو الله أن يوفِّق القادة العرب في القمة العربية ووضع حدٍّ للغطرسة والفوضى التي يتعامل بهما الداعمون للكيان المحتل
  • ليون: بن العمري هو اللاعب العربي الوحيد الذي حمل الرقم 3
  • ليون :”بن العمري اللاعب العربي الوحيد الذي حمل رقم 3 “
  • يترأسه عراقي.. وفد من البرلمان العربي يتحرك أمام الجنائية الدولية لكشف جرائم إسرائيل
  • أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان
  • ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟