واقع جديد فرضه طوفان الأقصى.. ما خيارات إيران في المنطقة؟
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
مع تصاعد المواجهة في قطاع غزة منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، برز تطور ملحوظ في الموقف الإيراني، حيث دعا عدة مسؤولين إيرانيين إلى ضرورة وقف الحرب وحذروا من أن احتمالات توسع نطاقها تبقى واردة.
ويثير الموقف الإيراني من هذه المعركة عدة تساؤلات حول ملامح تطوره ميدانيا، وأبرز محدداته في التعامل مع التصعيد في غزة، وبشأن خيارات طهران في حال استمر التصعيد.
منذ اللحظات الأولى لبدء معركة "طوفان الأقصى"، تصاعد الجدل حول احتمالات توسّع نطاقها لمواجهة إقليمية متعددة الجبهات تنخرط فيها مكونات مختلفة. وتجلى ذلك في ارتفاع وتيرة التصعيد في جنوب لبنان، حيث تمكن حزب الله من إدخال ما تسميه إسرائيل الجبهة الشمالية في نطاق الاشتباكات.
توصف هذه الحالة اليوم بأنها "ما دون الحرب المفتوحة". ورغم محددات حزب الله ولبنان كون إسرائيل ما تزال تحتل أراضي لبنانية، ولاعتبارات جغرافية وسياسية وعسكرية، لا يمكن الفصل بين تصاعد انخراط حزب الله في المواجهة عن مجمل الموقف الإيراني شديد التأثير بموقف الحزب. ويشكل أي انفجار لحرب مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل احتمالية أعلى لانخراط طهران في المواجهة.
من جهة ثانية، شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا ملحوظا في عمليات استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، تزامنا مع تصعيد في الموقف الإيراني الذي أعقب مجزرة مستشفى المعمداني.
وكانت "المقاومة الإسلامية" في العراق، وهي تحالف لعدد واسع من الجماعات المسلحة الموالية لإيران، قد أعلنت أنها استهدفت بطائرتين مسيرتين قاعدة "عين الأسد" الجوية الأميركية في محافظة الأنبار وقاعدة "حرير" الجوية بإقليم كردستان يومي 18 و19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن المدمرة "يو إس إس كارني" أسقطت الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، 3 صواريخ وعددا من المسيّرات أطلقها الحوثيون من اليمن.
وقال المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر -في مؤتمر صحفي- إنه لا يمكن على وجه اليقين تحديد هدف الصواريخ، وإنه يُحتمل أن تكون موجهة نحو أهداف في إسرائيل.
وتشير المعطيات إلى ارتباط استهداف القواعد الأميركية بالموقف الإيراني الذي شهد منذ اليوم الأول لمعركة "طوفان الأقصى" تطورا دقيقا في موقفها دبلوماسيا وعسكريا.
ويؤثر في الموقف الإيراني عدة محددات رئيسية:
السعي لوقف الحرب في غزة. حيث أكدت طهران أن استمرار القصف الإسرائيلي للقطاع واستهداف المدنيين سيشكل سببا كافيا لتوسّع نطاق الحرب واضطرار أطراف إقليمية أخرى للانخراط في المعركة. وأكدت أنه ليس خيارها الأول وأنها تستهدف وقف الحرب وليس توسعها. تحرص إيران على أن تحافظ نتائج معركة "طوفان الأقصى" على وضعية المقاومة الفلسطينية الحالية وتقدّمها، لما لذلك من تداعيات على البيئة الأمنية والسياسية للمنطقة. وترى طهران في أي تقدم لإسرائيل، تقدما على حسابها يضر بمصالحها الكلية في المنطقة.وحسب التصريحات الإيرانية، فإن هذا المحدد يعد الأكثر حساسية في التأثير على موقف طهران في ظل استمرار الحرب وإصرار إسرائيل على مواصلة استهداف غزة والنيل من المدنيين ومقومات الحياة الرئيسية.
وتشير المعطيات الميدانية والمواقف الدولية ومواقف أطراف الصراع إلى أن الأمور تتجه نحو تصعيد ميداني وإطالة أمد المعركة التي قد تدخل مرحلة الحرب البرية في أي وقت.
وإذا ما حافظت إيران على هذا المحدد بمنع تغيير واقع المقاومة، أو إحداث تغيير جوهري في الوضع السكاني بغزة، فإن فرص توجهها نحو مزيد من التصعيد تتضاعف مع الوقت.
وهذا الأمر الذي قد يفسر المحاولات الإيرانية الدبلوماسية والعسكرية للتعبير عن جديتها في احتمالية انخراط أطراف موالية لها في المعركة، واتساع رقعتها لتشمل المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، مما يؤثر على الموقف الأميركي نفسه صاحب التأثير الحاسم في الموقف الإسرائيلي.
تراقب إيران بدقة الموقف الأميركي وجدية انخراط إدارة الرئيس جو بايدن في المواجهة العسكرية إلى جانب إسرائيل في حال شملت المواجهة أطرافا أخرى. ويعد هذا المحدد ذا تأثير حاسم كبير حيال موقف طهران وطبيعة الأدوات التي ستستخدمها للانخراط في المواجهة وقواعد الاشتباك التي ستتبعها.
خيارات
وتملك إيران خيارات وفيرة في المنطقة دون انخراط قواتها العسكرية النظامية بشكل مباشر في المعركة. وبدا ذلك عبر سلسلة الاستهداف التي طالت القواعد العسكرية في العراق وسوريا. إلا أنه استهداف ما يزال في مراحله المبكرة وعلى نطاق محدود.
وبذلك تملك إيران خيارات عديدة، في إدارتها لموقفها أثناء معركة "طوفان الأقصى"، سياسيا وعسكريا وأبرزها:
تفعيل مسار استهداف المصالح العسكرية الأميركية في العراق وسوريا بشكل واسع مما يؤثر على الموقف الأميركي من الحرب. حيث تسعى إدارة بايدن منذ قدومها لخفض التصعيد في المنطقة ونزع فتيل التوترات الإقليمية والتي لطهران تأثير مباشر في معظمها. كما أن الإدارات الأميركية في العقد الأخير عبرت عن حرصها على عدم انخراطها في صراعات عسكرية جديدة في المنطقة والإبقاء على مستوى معين من القوات لدعم الحلفاء وتنفيذ مهام وعمليات عسكرية محدودة.وعليه، فإن إدخال إيران لهذه الورقة بشكل فعال سيدفع إدارة بايدن لإعادة حساباتها إما على مستوى الغطاء الواسع الممنوح لدولة الاحتلال في حربها ضد قطاع غزة، أو لصالح إعادة واشنطن النظر في مجمل إستراتيجيتها شديدة التعقيد والحساسية في المنطقة. وتملك إيران فرصة العودة لحرب الظلال مع الاحتلال عبر تفعيل استهداف السفن والمصالح الإسرائيلية، على غرار النمط الذي ساد في السنتين الأخيرتين بينهما.
وفي ظل حالة الاستنفار والتوتر التي تعيشها المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، فإن تفعيل هذا الخيار سيمارس ضغطا مباشرا على دولة الاحتلال التي تخشى أن تُفتح عليها جبهات غير تقليدية جديدة خارج الحسابات النمطية.
ولدى إيران الخبرة والإمكانية والتنوع في الأدوات لاعتماد هذا الخيار. كما أن ذلك قد يجنبها الاشتباك المفتوح مع واشنطن التي قد ترى في ذلك مستوى "منضبطا" من الانخراط الإيراني في المعركة.
أثبت "طوفان الأقصى" الهشاشة الأمنية التي تعيشها المنطقة في ظل استمرار الإستراتيجية الأميركية الساعية لحماية دولة الاحتلال ومنحها الغطاء اللازم لتواصل اعتداءاتها وعدوانها على شعوب المنطقة ودولها.
وتعيد القضية الفلسطينية تذكير جميع الأطراف المعنية أن أية محاولة لتجاوزها أو فرض حلول على حساب الشعب الفلسطيني، لن تجلب الاستقرار والأمن للمنطقة التي تقف على أعتاب تصعيد خطير لا يُعرف مداه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأمیرکیة فی طوفان الأقصى فی المواجهة فی المعرکة فی المنطقة فی العراق فی الموقف طهران فی حزب الله
إقرأ أيضاً:
الصين تعلمت الدرس من اليابان.. كيف تهزم البحرية الأميركية؟
مقدمة الترجمة
في عام 2022، تفوقت البحرية الصينية رسميا على نظيرتها الأميركية من حيث عدد القطع العاملة، لكن الولايات المتحدة ظلت مطمئنة إلى أن تفوقها النوعي الكبير سيظل حاسما في أي مواجهة بحرية مع الصين، بغض النظر عن عدد السفن.
غير أن أستاذ الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، ستيفن بيدل، ومحلل القوات البحرية في مكتب الميزانية التابعة للكونغرس، إيريك لابس، يجادلان بأن هذا التقدير ينطبق فقط على المعارك قصيرة الأمد، أما في حال نشوب معركة بحرية طويلة بين الولايات المتحدة والصين، فإن البحرية الأميركية ستعاني، ليس فقط بسبب نقص عدد السفن، ولكن الأهم بسبب صعوبة وبطء وتيرة استبدالها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كندا لترامب وأوكرانيا لبوتين وتايوان لشي.. ملامح النظام العالمي الجديدlist 2 of 2نبوءة ميرشايمر.. هل اقتربت الحرب المدمرة بين أميركا والصين؟end of listينبع تفوق الصين العددي من حقيقة مهمة هي أن قدرات صناعة السفن الخاصة بها تفوق الولايات المتحدة بأكثر من 200 ضعف، وهذه القدرة الصناعية الضخمة وحدها هي التي توفر التدفقات اللازمة من السفن لخوض المعارك الطويلة.
في الحقيقة، كان هذا الدرس الرئيسي من المواجهة البحرية بين الولايات المتحدة واليابان خلال الحرب العالمية الثانية، حين نجحت واشنطن في هزيمة البحرية اليابانية المتفوقة من حيث التقنية والخبرات بسبب قوة مجمعها البحري الصناعي الذي أعاد بناء الأسطول الأميركي كاملا خلال زمن الحرب.
إعلانتبدو الصورة معكوسة تماما اليوم، حيث تعمل الولايات المتحدة بافتراض أن الأسلحة والتدريب المتفوقَيْن سيعوّضان بطء بناء السفن، ويسمحان لأسطولها المتفوق بالانتصار بسرعة في حرب بحرية مع الصين.
على النقيض من ذلك، تشبه البحرية الصينية الأسطول الأميركي في فترة الحرب العالمية الثانية، فهي أقل قدرة من الناحية النوعية، ولكنها تتمتع بقدرة بناء سفن أكبر بكثير، مما يسمح لها بالتعافي بسرعة من الخسائر المبكرة للحرب، وبمرور الوقت، التغلب حتى على خصم أكثر مهارة لا يستطيع إنتاجه مواكبة متطلبات الحرب الطويلة.
على مدى السنوات الماضية، تزايدت بشكل مطرد المخاوف بشأن البحرية الصينية والتهديد المحتمل الذي تُمثِّله للمصالح الأميركية.
فقبل عقدين من الزمان، كان لدى البحرية الأميركية 282 سفينة قتالية مقابل 220 سفينة للبحرية الصينية، ولكن بحلول منتصف العقد الأول من القرن 21، اختفت هذه الميزة تماما. واليوم، يفوق عدد السفن الصينية نظيرتها الأميركية، بواقع 400 سفينة لدى بكين مقابل 295 لدى واشنطن.
وفي حال استمرار وتيرة بناء السفن في الولايات المتحدة كما هي دون تغيير، فإن ما باتت تُعرف باسم "فجوة السفن" ستستمر في النمو والاتساع.
بالطبع، لا تعكس الأرقام الأولية جودة السفن البحرية أو قدراتها، كما أنها لا تعكس استراتيجيات أيٍّ من الجيشين أو القدرات البرية ذات الصلة أو غيرها من العوامل التي يمكن أن تؤثر على الحرب البحرية. وعادة ما تكون السفن الأميركية أكبر من نظيرتها الصينية، كما أنها تُجهَّز بأجهزة استشعار أكثر تقدما، فضلا عن الإلكترونيات والأسلحة المتفوقة.
على سبيل المثال، تتكون قوة الغواصات الصينية في الغالب من غواصات تقليدية تعمل بالديزل، في حين أن الغواصات الهجومية 49 التي تشغلها البحرية الأميركية تعمل جميعا بالطاقة النووية وتمتلك قدرات أكبر بكثير.
إعلانوبالمثل، تمتلك البحرية الأميركية عددا أكبر من حاملات الطائرات والسفن الحربية الأكبر والأقوى، مثل الطرادات والمدمرات، ناهيك بكون تلك السفن تُشغَّل بواسطة أطقم أفضل تدريبا وتحت قيادة ضباط أكثر خبرة. وقد أظهرت البحرية الأميركية مهارات تكتيكية ممتازة خلال العمليات الأخيرة ضد الحوثيين في اليمن، وهي خبرة واقعية تفتقر إليها البحرية الصينية.
ولكن القدرة الهائلة لبناء السفن الصناعية التي منحت الصين تفوقها العددي، توفر أيضا مزايا مهمة في خضم أي حرب طويلة، وهي مزايا لا يمكن للجودة أو المهارة الفائقة تعويضها كليًّا.
تمتلك الصين أكبر صناعة لبناء السفن في العالم بفارق ضخم عن أقرب منافسيها، وهي تطلق حمولة طنية جديدة في كل عام أكثر من بقية دول العالم مجتمعة. ووفقا لمكتب الاستخبارات البحرية الأميركي، فإن قدرة الصين في هذا القطاع تتجاوز قدرة الولايات المتحدة بأكثر من 200 ضِعف.
في الوقت الحالي، تُشكِّل السفن التجارية معظم ناتج صناعة السفن الصينية، وحتى مع الأخذ بالاعتبار أن السفن الحربية الحديثة أكثر تعقيدا في البناء، ففي سياق حرب طويلة يمكن لأحواض بناء السفن التجارية في الصين أن تعيد توجيه نشاطها، وستمنح هذه الإمكانات الصناعية الهائلة الصينَ القدرةَ على التوسع بسرعة أو استبدال الخسائر التي تلحق بأسطولها، وهي ميزة كبيرة لا تستطيع الولايات المتحدة مجاراتها.
يتشابه الوضع الحالي إلى حدٍّ بعيد، من حيث نقاط القوة والضعف، مع مشهد الصراع البحري بين الولايات المتحدة والإمبراطورية اليابانية على مسرح المحيط الهادي إبان الحرب العالمية الثانية. في بداية ذلك الصراع، كانت البحرية الأميركية أقل مهارة وخبرة من نظيرتها اليابانية، لكنها كانت مدعومة بقدرةٍ صناعية أكبر بكثير، مما سمح لها بالتفوق على عدوها في بناء السفن والتغلب عليه في حرب طويلة.
إعلانوكما هو واضح، فإن الوضع معكوس اليوم مع الصين، وعليه فإن الولايات المتحدة تحتاج أولا إلى إدراك عواقب ضعف قدرتها الصناعية، ثم التحرك بسرعة لمعالجة هذا النقص، بما يشمل توسيع قدرات بناء السفن، وربما حتى تخزين المواد الأساسية المطلوبة للبناء المحتمل في زمن الحرب.
وينبغي للولايات المتحدة أن تنظر إلى البحرية الصينية وترى الإمكانات المرعبة لما كانت عليه يوما، وتستجيب على الفور وفقا لذلك، قبل أن يصبح الوقت متأخرا بالفعل على التصرف.
تاريخيا، كانت الحروب البحرية مدمِّرة للغاية. فمنذ منتصف القرن 17 وحتى نهاية الحرب الباردة، خسرت القوات المهزومة في المعارك البحرية قرابة ثلث أساطيلها المقاتلة في المتوسط، وفي 13% من الحالات، كان الجانب الخاسر يُباد تماما.
وحتى القوات المتفوقة ماديا ربما تخسر بعض المعارك، ففي عام 1941، عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، كانت بحريتها متفوقة عدديا على البحرية الإمبراطورية اليابانية، ومع ذلك عانت أميركا من سلسلة من الهزائم المبكرة المكلفة، بما فيها الهجوم المفاجئ على "بيرل هاربر"، والمعارك اللاحقة في مضيق بادونغ، وبحر جاوة، ومضيق سوندا، في المياه المحيطة بجزر الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا حاليا).
لتجنب دوامة الموت، حيث تخلق الخسائر المبكرة مشكلات مزمنة تُعجِّل بالمزيد من الخسائر، تحتاج القوات البحرية في الحروب الكبرى إلى أن تكون قادرة على أن تعوّض السفن البحرية المدمرة بأخرى جديدة في أسرع وقت ممكن.
في أوائل الأربعينيات من القرن 20، تمكنت الولايات المتحدة من القيام بذلك مُطلقةً العديد من السفن الجديدة، لدرجة أنها في العام الذي تلا "بيرل هاربر" زادت حجم أسطولها بأكثر من الضعف، حتى مع استمرار البحرية في تحمل خسائر فادحة في المعارك. على النقيض من ذلك، استطاعت القدرة الصناعية المحدودة لليابان بالكاد تعويض ما كانت تخسره بحريتها في المعارك، ناهيك بزيادة حجم أسطولها.
إعلانيمكن لهذه الميزة على صعيد بناء السفن أن تجعل مسار صراع طويل الأمد دراميا. فعندما دخلت البحرية الأميركية الحرب العالمية الثانية، كان لديها فقط 7 حاملات طائرات كبيرة وحاملة مرافقة واحدة، وبحلول نهاية الحرب، كان لديها 28 حاملة طائرات كبيرة و71 حاملة مرافقة. وفي عام 1940، لم تكن الولايات المتحدة تمتلك أي سفن برمائية، وبحلول نهاية الحرب، كان لديها 2547 سفينة.
وبحلول أغسطس/آب 1945، كان حجم الأسطول الأميركي أكبر من حجم الأسطول الياباني بأكثر من 20 ضِعفا، وكانت الغالبية العظمى منه تتكون من سفن لم تكن موجودة عند بدء الحرب. لقد كانت هذه البحرية الجديدة، التي بُنيت بأكملها خلال الحرب، هي التي سحقت اليابانيين.
من جانبهم، أدرك القادة اليابانيون الإمكانات الصناعية المتفوقة للولايات المتحدة، وأدركوا أن بناء السفن الأميركية سيتفوق عليهم في حرب طويلة. ومع ذلك، كانوا يأملون أن مزيجا من السفن المتفوقة والبحارة المدربين تدريبا عاليا يمكن أن يعوِّض هذا العيب ويضمن تحقيق انتصارات سريعة. خطط اليابانيون بعد ذلك لبناء سلسلة من تحصينات الجزر عبر المحيط الهادي من شأنها أن تُثني الولايات المتحدة عن شن هجوم مضاد، وتجبرها على تسوية مبكرة بالشروط اليابانية.
وبالفعل سارت الحرب في البداية بالطريقة التي توقعها اليابانيون، حيث لعبت كفاءتهم في القتال الليلي والطوربيدات والطائرات المقاتلة أدوارا حاسمة في سلسلة من الانتصارات اليابانية المبكرة. ولكن بدلا من التسوية، واصلت الولايات المتحدة القتال بينما عجزت اليابان عن إنهاء الصراع بسرعة، فعلقت في حرب استنزاف طويلة أثبتت فيها إمكاناتها الصناعية المتدنية أنها مدمرة ذاتيا.
تلعب ديناميكيات مماثلة دورا في المنافسة البحرية القائمة اليوم بين الصين والولايات المتحدة، ولكن مع تبادل الأدوار. فمثل اليابان في الحرب العالمية الثانية، تعمل الولايات المتحدة بافتراض أن الأسلحة والتدريب المتفوقَيْن سيعوّضان بطء بناء السفن ويسمحان لأسطولها المتفوق بالانتصار بسرعة في حرب بحرية مع الصين.
إعلانعلى النقيض من ذلك، تشبه البحرية الصينية الأسطول الأميركي في الفترة التي سبقت "بيرل هاربر"، فهي أقل قدرة من الناحية النوعية من خصمها، ولكنها تتمتع بقدرة بناء سفن أكبر بكثير، مما يسمح لها بالتعافي بسرعة من الخسائر المبكرة للحرب، وبمرور الوقت التغلب حتى على خصم أكثر مهارة لا يستطيع إنتاجه مواكبة متطلبات الحرب الطويلة.
تُعد فترة الإنتاج الطويلة والمتزايدة باستمرار مشكلةً جوهرية تواجه صناعة بناء السفن الأميركية، فمعظم تصاميم السفن الحربية الحديثة تستغرق وقتا أطول بكثير في البناء مقارنة بنظيراتها في الحرب العالمية الثانية.
وفي الوقت نفسه، أصبحت الصناعة الأميركية أقل كفاءة بصورة متزايدة، إذ يستغرق بناء حاملة طائرات في الولايات المتحدة في المتوسط 11 عاما، بينما يستغرق بناء غواصة هجومية نووية أو مدمرة 9 أعوام. وقد ازدادت هذه الجداول الزمنية بشكل كبير على مدار الأعوام 15 الماضية، حيث واجه صُناع السفن الأميركيون صعوبة في توظيف العمال المهرة والاحتفاظ بهم، مما يُصعّب على أحواض بناء السفن الأميركية تلبية الطلبات المتزايدة من البحرية.
لمعرفة إلى أيّ مدى يُعد هذا الجدول الزمني بطيئا، ربما علينا الإشارة إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية كان يمكن بناء حاملة طائرات فيما يزيد قليلا عن عام واحد، بينما استغرق بناء غواصة في الحقبة نفسها ما لا يزيد عن بضعة أشهر.
وإذا تكبدت البحرية الأميركية اليوم خسائر فادحة في المرحلة الأولى من الحرب، فسيستغرق الأمر وقتا طويلا جدا قبل أن تتمكن القاعدة الصناعية الدفاعية من بناء بدائل، فضلا عن توسيع الأسطول. أما إذا فُقدت حاملة طائرات في معارك اليوم، فقد لا تُستبدل لعقود، وربما لا تُستبدل للأبد.
إعلانتزيد هذه المشكلة تعقيدا بفضل التقدم المطرد الذي تحرزه الصين ويتسبب في تآكل التفوق النوعي للولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، تكاد تكون المدمرة الصينية الشبحية من نوع "رينهاي" المعروفة باسم "طراز 055" مكافئة للطرادات والمدمرات الأميركية الحالية.
وفي عام 2020، أبلغ مكتب الاستخبارات البحرية الكونغرس أن السفن البحرية الصينية أصبحت الآن "في كثير من الحالات قابلة للمقارنة" مع نظيراتها الأميركية، وأن الصين "تسد سريعا الفجوة في جودة التصميم". كما تبني بكين المزيد من حاملات الطائرات والغواصات النووية أيضا، وفي نحو نصف الوقت الذي تستغرقه أحواض بناء السفن الأميركية حاليا لبناء أنواع السفن نفسها. وتمتد القدرة الصناعية المتفوقة للصين إلى الذخائر، مما يزيد من نقاط ضعف الولايات المتحدة في حال خوض حرب طويلة الأمد.
من نافلة القول الإشارة إلى أنه ليست كل الحروب طويلة الأجل. وقد تخيلت العديد من المناورات الحربية الأخيرة في مضيق تايوان صراعات قصيرة، تنتهي خلالها الحملة العسكرية برُمَّتها في غضون أسابيع قليلة.
في الحقيقة، كانت بعض الحروب التي وقعت خلال العقود الأخيرة قصيرة بالفعل، مثل حرب الخليج (1990-1991) التي دامت أقل من 7 أشهر، والحرب الروسية الجورجية عام 2008 التي انتهت خلال 16 يوما، وحرب ناغورني قره باغ الثانية عام 2020 التي استمرت زهاء شهر ونصف.
ولكن هناك العديد من الأمثلة المعاكسة أيضا، ففي أعقاب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022 على سبيل المثال، توقع القليلون أن تكون أوكرانيا قادرة على الدفاع عن نفسها ضد عدو متفوق ماديا لأكثر من 3 سنوات. ومن المؤكد أن اليابان الإمبراطورية لم تخطط لصراع لمدة 4 سنوات تقريبا مع الولايات المتحدة بعد "بيرل هاربر".
وبافتراض أن الحروب المستقبلية ستكون قصيرة، فإن البحرية الأميركية تُعرِّض أسطولها -وبالتالي المصالح الأميركية- لمخاطر كبيرة.
إعلانعلى جانب آخر، يراهن الكثيرون أن أحواض بناء السفن الصينية ربما لا تصمد طويلا في زمان الحرب بما يكفي لبناء أسطول ضخم. خلال الحرب العالمية الثانية، كانت يد اليابان القصيرة (أي عجزها عن الوصول إلى أحواض بناء السفن في الولايات المتحدة) هي السبب في أن واشنطن أنتجت سفنها بأريحية تامة دون مضايقة من عدوها.
في المقابل، ستكون أحواض بناء السفن الصينية على ساحل المحيط الهادي أكثر عُرضة للهجمات الأميركية في عالم اليوم. لكن اختراق مظلة الدفاع الجوي الصينية بما يكفي من الذخائر لتدمير أو إضعاف صناعة هائلة وواسعة النطاق تُعد مهمة ضخمة للقوات الأميركية التي تعمل على بُعد آلاف الأميال من البر الرئيسي للولايات المتحدة، فضلا عن أن ذلك الهجوم يمكن أن يؤدي إلى إثارة الانتقام، مما قد يدفع الصين إلى التصعيد ضد الأراضي الأميركية، ربما بالأسلحة النووية.
رغم ذلك، يبدو السعي لحل هذه المشكلة عن طريق مضاهاة قدرات بناء السفن الصينية التي تفوق نظيرتها الأميركية؛ أمرا غير عملي. ولكن ربما يستطيع حلفاء الولايات المتحدة تعويض بعض النقص، حيث تُعدّ كوريا الجنوبية واليابان ثاني وثالث أكبر بُناة السفن في العالم على التوالي، وتتفوق الطاقة الإنتاجية المحلية لكلٍّ منهما على الولايات المتحدة.
لكن احتمالية تعرضهما للهجمات الصينية، فضلا عن حساباتهما السياسية المعقدة في سيناريوهات مختلفة للصراع الأميركي-الصيني، هي عوامل تخلق شكوكا بشأن إمكانية الاعتماد عليهما، هذه الشكوك تُترجم إلى مخاطر استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
يمكن أن تشمل الخيارات الأخرى تخزين المكونات الأساسية اللازمة لبناء السفن خلال أوقات السلم، مثل أعمدة الدفع أو مكونات الدفع النووي، وفي حالة الحرب، يمكن للبحرية الأميركية الاستفادة من هذه الإمدادات لتسريع عملية البناء. كما يمكن للولايات المتحدة بناء قدرات صناعية أكبر مما هو مطلوب في أوقات السلم للسماح بالتوسع بسهولة أكبر خلال الحرب.
إعلانولربما تدرس البحرية الأميركية أيضا توسيع محفظة بناء السفن لتشمل سفنا جديدة مثل السفن المقاتلة السطحية المزودة بالصواريخ على غرار العديد من الفرقاطات التي تبنيها الصين، والتواصل مع أحواض بناء السفن التي لا تبني بالفعل سفنا تابعة للبحرية أو خفر السواحل لإنتاجها.
ويُعدّ شراء سفن غير مأهولة بأسعار معقولة نسبيا لاستخدامها بطرق مبتكرة إلى جانب سفن البحرية العادية؛ طريقة أخرى للحصول على الإمدادات من أحواض بناء السفن المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة تسليح المزيد من سفنها التي لا تحمل صواريخ حاليا، مثل سفنها البرمائية أو سفن الدعم، أو حتى الاستعداد لتحويل السفن التجارية لحمل الصواريخ بوصفها وسيلة لزيادة حجم أسطولها سريعا في أي مواجهة محتملة مع البحرية الصينية.
وراء ذلك كله، ينبغي توسيع نطاق النقاشات حول توازن البحريتين الصينية والأميركية لتشمل ديناميكيات الإنتاج التنافسي خلال الحروب البحرية الطويلة. صحيح أن المقارنات التاريخية لا تسهم في اتخاذ قرارات سليمة بشأن السياسات الدفاعية إلا بقدر محدود، لكنها قد تساعد في تحديد الأخطاء المحتملة، كالدخول في حرب بحرية طويلة ضد خصم أكبر، دون قاعدة صناعية قادرة على المنافسة.
____________
هذه المادة مترجمة عن فورين أفيرز ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت