سليمان: الألم.. من مظاهر رحمة الله بالإنسان
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
الألم الذي يشعر به الإنسان ويحسبه مِحنًة، هو من صميم منح الله تعالى ورحمته به.
والألم أحد مظاهر تقويم الله لبني البشر.. فهو اختبار للشخص، ومحرك له نحو صلاحه وإصلاحه.
وقد أراد الله تعالى أن يكون الألم صنو الحياة؛ فخلق للإنسان جهازا آية في الإعجاز، يستشعر من خلاله الألم والإحساس والشعور والحياة.. والعضو الميت لا يحسّ ألمًا؛ لذلك فإن أخطر الأمراض هي تلك تسري وتتطور دون ألم، وتعمل في خفاء وسكون إلى أن تصل إلى مرحلة خطرة يصعب علاجها، كبعض أمراض السرطان.
ولقد كان الألم سببا في تحريك القلم وشحذ الهمم وقيادة العقل البشري إلى نهضة فكرية لاكتشاف الألم أين هو؟ والبحث عن مسبباته ومسكناته وعلاجاته.. وتدوينها لإفادة البشر في كل مكان.
وكان الألم سببا في نشأة مدارس وكليات الطب والصيدلة والتمريض وغيرها..
وكان الألم أيضا سببا في إيجاد ملايين من فرص العمل للأطباء والباحثين والممرضين والعاملين في مجال التحاليل الطبية والأشعة وغيرهم ممن يعملون في رعاية مَن يتألمون..
وكان الألم رحمة من الله تعالى وسببا في زراعة ملايين الأفدنة من النباتات الطبية التي يعمل فيها ملايين البشر في كل مكان.
وكان الألم كذلك رحمة من الله وسببا في نشأة الآلاف من مراكز البحوث الطبية والصيدلية، والآلاف من مصانع وشركات الأدوية والتي يعمل فيها كثيرون من البشر حول العالم.
ومن عظيم رحمة الله تعالى ببني الإنسان أن جعل الآلام أنواعا شتى وصورا متباينة؛ لضبط حركة الإنسان، وحركة الحياة!!
• ألم يكن ألم الجسد عزيزي القارئ سببا في دفع الشخص نحو التداوي من أجل الشفاء واستعادة الصحة لإعمار الكون والحياة؟!.
• ألم يكن ألم النفس سببا في عدولها عن طريق الضلال، والاتجاه سلوك سبيل الله المستقيم؟!.
• ألم يكن ألم الضمير سببا في إحقاق الحق والبعد عن الظلم ورد المظالم إلى أصحابها؛ حتى يسكن الضمير من آلامه؟!.
• ألم يكن ألم الفقر سببا في سعي الفقير في مناكب الأرض والأكل من رزق الله، وإجادة العمل وزيادة الإنتاج، والبراعة فيه، وتحليه بقيم الشرف والحرية والاعتماد على النفس، ومن ثم البعد عن الاتكالية أو الأكل من عَرق الغير؟!.
• ألم يكن ألم الراسبين في الامتحانات سببا في تفجير طاقاتهم نحو بذل الجهد والجد والمثابرة؛ لتحقيق النجاح المنشود؟!.
• ألم يكن ألم الهزيمة في الحروب سببا في تعبئة الجهود والتدريب والتسليح والتخطيط لتحقيق النصر المبين؟!.
• ألم يكن ألم الظلم سببا في اللجوء إلى الله والتعلق بحباله وتحقيق الوصال الدائم مع الله؟!.
• ألم يكن ألم المرض سببا في جمع القلوب النافرة ودافعا للرحمة والتعاطف الاجتماعي، وسببا في تحقيق الصلح بين المتخاصمين؟!.
• ألم يكن ألم الجوع سببا في تفجير ينابيع الخير والعطاء والسخاء في قلوب الناس، وتحقيق التكافل والتراحم بين الناس؟!.
• ألم يكن ألم رؤية الحوادث والمصائب سببا في مزيد من الحيطة والحذر، والأخذ بالأسباب للسعي نحو النجاة؟!.
• ألم يكن ألم الصبر وانتظار مال أو زواج أو إنجاب.. إلخ سببا في زيادة الدعاء والتعلق بحبال الله، وعدم فتور علائقنا بالله، ومن ثم تحقيق خصيصة الصبر وخصيصة الرجاء وخصيصة الأمل، وزيادة رصيدنا في بنك الرحمن؟ّ.
وهكذا يتجلى لنا أن الألم مظهر من مظاهر رحمات الله تعالى لبني الإنسان.
أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الله تعالى سببا فی
إقرأ أيضاً:
تحفيز الشباب على السعي بالتوكل وليس بالتواكل
سالم البادي (أبو معن)
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النجم "وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى". والسعي في الرزق أو البحث عن عمل هو أمر قائم على الفعل والحركة، وليس على التمني والكلام والرغبة والنوايا، والسعي هو الخوض في الحياة ودروبها، والمغامرة وبذل الجهد.
والسعي يعني الإيمان التام بأن الله قد خلق الإنسان حرًا، وهذه الحرية تقتضي الاختيار، والاختيار بدوره يعني الحركة للأمام وعدم الثبات والسكون أو القعود والاستسلام، كما يعني أيضًا الخوف من الفشل والرغبة العارمة في النجاح، والإيمان بهذه المعاني دافع قوي لفهم معاني الحياة.
وعلى شبابنا معرفة أن السعي هو الذي يصنع الأقدار، وهو صانع المعجزات والمتغيرات، فما يقوم به الشباب من خطوات في عقولهم هي ما يصنع يومهم وغدهم كذلك، وذلك لا يتنافى مع إيماننا بأن الحياة والأرزاق مقدرة في علم الله، لكن طالما لا يعلم شبابنا ما تخبئه لهم الأقدار فعليهم مواجهتها بما تفعله وتصنعه أيديهم.
إن الله تعالى أمر عباده بالسعي في الأرض لطلب الرزق والتكسب وكفاية النفس عن الحاجة إلى الناس، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (المُلك: 15).
السعي للرزق بالتوكل يعني العمل الجاد والاجتهاد مع الاعتماد على الله في تحقيق النتائج، بينما التواكل يعني انتظار الرزق دون بذل أي جهد. والتوكل يتطلب من الشباب أن يبذلوا جهودا وأن يأخذوا بالأسباب، مثل العمل أو الدراسة، والنتائج تأتي بعد التوكل على الله.
هذا هو التوازن الصحيح بين الجهد والتوكل، حيث العمل بجد والسعي لتحقيق الأهداف، مع الإيمان بأنَّ الله هو الذي يرزق العباد ويسخر لهم الأسباب.
وقد حثَّ ديننا الإسلامي الحنيف على السعي والعمل وعدم التواكل ففي سورة الجاثية (آية: 13): يقول تعالى "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". هُنا دلت الآية الكريمة على أهمية استخدام ما وهبه الله من وسائل لتحقيق الرزق.
وفي سورة العنكبوت (آية: 69): قال تعالى "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"، هنا تأكيد على أنَّ الجهد والسعي في سبيل الله يؤديان إلى الهداية والرزق.
إن آيات الكتاب الحكيم تعكس أهمية السعي والجهد في الحصول على الرزق وعدم الاعتماد فقط على التوكل دون العمل. وهنا لا بُد أن يعرف ويعي شبابنا معنى الفرق بين التوكل والتواكل، وهو فرق أساسي في المفهوم والسلوك:
أولًا: التوكل: هو الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب، يعني أن الشخص يقوم بما عليه من واجبات ويسعى لتحقيق أهدافه، ثم يضع ثقته في الله ويتوكل عليه في النتائج. والتوكل يتضمن الإيمان بأن الله هو الذي يحدد النتائج النهائية، ولكن الشخص يبذل جهده ويعمل بجد.
ثانيًا: التواكل: وهو الاعتماد على الله دون اتخاذ أي خطوات فعلية؛ فالشخص المتواكل يتوقع أن تأتي النتائج دون أن يبذل أي جهد أو عمل، وهذا السلوك يعتبر سلبياً لأنه يتجاهل أهمية العمل والسعي لتحقيق الأهداف.
باختصار.. التوكل هو التوازن بين السعي والاعتماد على الله، بينما التواكل هو الاعتماد فقط على الله دون أي جهد شخصي.
والسعي بالتوكل في الحياة له فوائد عديدة، منها: الطمأنينة النفسية؛ فالتوكل يمنح الشخص شعورًا بالراحة والسكينة، حيث يثق بأن الله هو المتولي لأمره، مما يقلل ذلك من القلق والتوتر ويبعد الخوف. كذلك زيادة الإيمان، عندما يتوكل الشخص على الله، فإنه يعزز إيمانه ويزيد من ثقته في حكمة الله وقدرته على تدبير الأمور، فضلًا عن تحقيق الأهداف، فالتوكل على الله يشجع الشخص على العمل بجد والسعي نحو تحقيق أهدافه، حيث يدرك أن الجهد المبذول يجب أن يقترن بالتوكل على الله.
ويساعد التوكل في مواجهة التحديات والصعوبات؛ حيث يمد الشخص بالقوة والعزيمة للاستمرار رغم العوائق. وتُفتح أبواب الرزق باعتقاد أن التوكل يجلب الرزق والتوفيق؛ حيث إن الله ييسر ويسهل الأمور لمن يتوكل عليه.
وبالتوكل على الله تتحسن العلاقات العامة ويُعزز من روح التعاون والتفاهم والتعاضد مع الآخرين، حيث يعمل الشخص بعقلانية وروح إيجابية ويتقبل نتائج الأمور بصدر رحب.
وهذه الفوائد تجعل التوكل عنصرًا مهمًا في حياة الأفراد، مما يساعدهم على التقدم والنمو في مختلف جوانب حياتهم.
وعلى شباب اليوم أن يعقدوا العزم ويتحلوا بالصبر والتوكل على الله قال تعالى: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران: 159)، وقال تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق:3). وهذه الآيات تؤكد على أهمية التوكل على الله والثقة به في كل الأمور.
والقرآن الكريم ذكر لنا قصصًا ملهمة عن التوكل على الله، ومنها: قصة النبي موسى عليه السلام عندما واجه فرعون وجنوده، كان في موقف صعب للغاية، لكن عندما وصل إلى البحر، توكل على الله ورفع يده، فانفلق البحر ونجا هو وقومه. وهذه القصة تظهر كيف أن التوكل على الله يمكن أن يؤدي إلى معجزات.
وقصة النبي إبراهيم عليه السلام عندما أمره ربه تعالى بذبح ابنه إسماعيل، وكان موقفًا صعبًا جدًا، لكنه توكل على الله وأطاع أمره، وعندما كان على وشك التنفيذ، فدى الله إسماعيل بكبش عظيم. وهذه القصة تعكس الإيمان العميق والتوكل الكامل على الله.
كذلك قصة الصحابي أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- في رحلة الهجرة مع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث كان أبو بكر يتوكل على الله تمامًا رغم المخاطر، وكان يثق في الله ويؤمن بأنَّ الله سيوفر لهما الحماية، وبالفعل، تمكنا من الوصول إلى المدينة المنورة بأمان.
وكذلك قصة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها عندما بدأ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوته؛ حيث كانت- رضي الله عنها- تدعمه وتتوكل على الله في كل خطوة، كانت ترى في دعوته حقًا وتؤمن بأنه سيحقق النجاح، وهذا التوكل كان له دور كبير في دعم ومؤازرة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في بداية دعوته.
وهذه القصص وغيرها تظهر كيف يُمكن للتوكل على الله أن يكون مصدر إلهام وقوة في مُواجهة التحديات والصعوبات والأزمات.
أخيرًا.. نحث وندعو الشباب على السعي بالتوكل دون التقاعس والتواكل، وعلى الحكومة والمجتمع والأسرة دور كبير في الوقوف مع الشباب، على سبيل المثال: التوعية: نشر الوعي حول مفهوم التوكل وأهميته في تحقيق الأهداف، ويمكن تنظيم ورش عمل أو محاضرات وندوات حول ذلك. والتشجيع على العمل الجاد، وتعزيز ثقافة العمل الجاد والمثابرة، من خلال تقديم أمثلة ملهمة لنجاحات تحققت بفضل الجهد والتوكل، وتوفير الدعم: توفير الدعم النفسي والاجتماعي للشباب، مثل الإرشاد والتوجيه، لمساعدتهم في تخطي العقبات التي قد تواجههم. وكذلك تحديد الأهداف، من خلال تشجيع الشباب على وضع أهداف واضحة وقابلة للتحقيق، مما يساعدهم على التركيز والسعي نحو تحقيقها.
والعمل على تنمية المهارات؛ حيث إن توفير فرص لتعلم مهارات جديدة، مما يعزز الثقة بالنفس ويزيد من قدرة الشباب على مواجهة التحديات. وأيضًا المشاركة المجتمعية، عبر تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة المجتمعية، مما يعزز روح التعاون والتفاعل مع الآخرين.
ومن خلال هذه الخطوات، يمكن تحفيز الشباب على التوكل والسعي بجد نحو تحقيق أهدافهم، ونبذ مفهوم التواكل والتقاعس والتخاذل والتهاون، والاعتماد على أنفسهم دون الانتظار العون من أحد.
إن الشباب هم ركيزة أساسية لبناء أوطانهم، وهم السد الأول في مواجهة التحديات، واستثمار الطاقة والقدرات الشبابية يعزز من تطور المجتمعات ويؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة، عندما يشعر الشباب بقيمتهم وأهميتهم، سيكونون أكثر حماسًا للمساهمة في بناء مستقبل أفضل.
يقول تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة: 105).
رابط مختصر