حرب السودان تكمل شهرها السادس بينما تشغل العالم صراعات أخرى كثيرة
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
غيرت حرب السودان خلال قرابة السبعة أشهر الكثير في حياة معظم المواطنين، ومع استمرارها وتنامي الصراعات في مناطق أخرى، يبدو العالم منشغلاً عن هذه الأزمة الطاحنة.
المصدر: شبكة الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية
ترجمة: التغيير
جوهانسبير- دخلت الحرب بين الجيش السوداني وجماعة شبه عسكرية شهرها السابع، مما تسبب في ما يقرب من 190 يومًا وليلة من الرعب والخسائر والصدمات لكثير من سكان الدولة الواقعة في شمال شرق إفريقيا.
وقد قُتل ما يقدر بنحو 9000 شخص وأجبر 5.6 مليون آخرين على الفرار من منازلهم خلال الصراع، وفقًا للأمم المتحدة.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيثس في بيان إن “نصف عام من الحرب أدخل السودان في واحدة من أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ الحديث”.
تحدثت شبكة الإذاعة الوطنية العامة الامريكية إلى عدد من السودانيين– أطباء في المستشفى، وناشط شاب وحاكم سابق– حول كيف تغيرت الأمور بالنسبة لهم منذ اندلاع القتال في أبريل بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
نشطاءكانت دعاء طارق، 30 عامًا، من بين النشطاء الشعبيين الذين ساعدوا في تنظيم احتجاجات جماهيرية سلمية في عام 2019 في الخرطوم، عاصمة السودان، والتي أسقطت دكتاتورية الرئيس السابق عمر البشير التي استمرت عقودًا، ثم شهدت انقلابًا عسكريًا في عام 2021 مما عرقل أحلام جيلها في الديمقراطية. وقد أدى اندلاع الصراع هذا العام إلى تبديد تلك الآمال بشكل أكبر.
لكن دعاء وزملائها النشطاء مستمرون في مقاومة النزاع الجديد الذي نشب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي من خلال أعمال عصيان صغيرة، مثل ترديد الأغاني الثورية في الشارع بين التفجيرات أورش الرسائل السياسية على الجدران.
وبعد ستة أشهر من الحرب، تقول دعاء إن الاحتجاجات على الجدران في الشوارع صارت تنطوي على مخاطرة كبيرة.
“لكن يمكن للمقاومة أن تتخذ أشكالاً عديدة… ليست هناك فرصة للاحتجاج فعلياً في الشارع، حتى مع الكتابة على الجدران، لأن الميليشيا تحتل جميع المنازل”.
وقد اضطرت دعاء- التي أنجبت طفلاً أثناء النزاع- إلى الخروج من منزلها، الذي تقول إن الميليشيات استولت عليه ونهبت “كل ما لدينا”.
مع ذلك، وجدت دعاء وناشطين آخرون طرقًا مختلفة للمقاومة، حيث أنشأوا العشرات مما يسمونه “غرف الاستجابة للطوارئ” في جميع أنحاء الخرطوم والتي تقول إنها تقدم “جميع أنواع المساعدات الإنسانية والدعم النفسي والاجتماعي المتبادل”.
والآن لدينا غرف استجابة نسائية تتعامل مع احتياجات المرأة مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي “فيما يتعلق بالعنف الجنسي والاغتصاب فإن النساء يعانين كثيراً… هناك الكثير من حالات الاغتصاب التي تم تسجيلها وتوثيقها. من الخطير جدًا على اي امرأة الخروج اثناء هذه الحرب الخطيرة لأنك تشعرين دائمًا انك مهددة وأنك مستهدفة.
بل هن مهددات حتى داخل بيوتهن “هناك نساء من إثنيات معينة تم استهدافهن بشكل خاص. وهناك نساء يتم اغتصابهن أمام عائلاتهن، ويتم اغتصاب النساء باستمرار من قبل القوات، وهناك حالات قليلة تم فيها أخذ النساء من منازلهن. لذا فإن الأمر خطير للغاية بالنسبة للنساء في الوقت الحالي والوضع يزداد سوءًا.”
وتقول دعاء إن الأطفال ليس أفضل حالا “لقد تأثروا بشدة بعسكرة المنطقة، وخاصة الآن حيث تقوم المليشيا بتوزيع الألعاب على الأطفال ويقدمون الطعام للناس والأشياء، ويخشى الناس عدم أخذها”.
الأطباءتضرر النظام الصحي في السودان بشدة بسبب النزاع، حيث أغلقت العديد من المستشفيات الى جانب نقص الأدوية والإمدادات الأساسية، وخاطر الأطباء بحياتهم لرعاية المرضى. يعمل أحمد خوجلي كمسؤول طوارئ في جناح الأطفال حديثي الولادة في مستشفى البلك بالخرطوم، والذي يعمل بحوالي 60٪ فقط من طاقته. ويصف احمد النزاع الذي اكمل ستة أشهر بأنه يبدو وكأنه “مدى الحياة”. ويقول: “الوقت متجمد تماماً منذ بداية هذه الحرب لأنني بالكاد أجد الوقت لأشعر أو أفكر أو أتحسر على أي شيء… اوحتى للنوم أو العمل”.
ويصف احمد خطورة العمل في ظروف الرعب الراهنة “كنا على وشك أخذ قسط من الراحة في المكتب لتناول وجبة الإفطار وشرب الشاي مع حلوى لذيذة تم إحضارها من المنزل في ذلك اليوم، عندما وقع انفجار هائل فجأة في الفناء الشمالي للمستشفى مما أدى إلى مقتل أحد الرجال الذين كانوا يقفون هناك ببراءة وأصيب آخرين بجروح خطيرة”.
تعمل الدكتورة آمنة قاسم أيضًا في مستشفى البلك كأخصائية أطفال. تقول في الأشهر القليلة الماضية سقطت أربعة قذائف في المستشفى حيث يعيش العديد من الموظفين لتعذر العودة إلى منازلهم أو رؤية أسرهم. وتضيف ان قدرتها على علاج مرضاها يعوقها نقص الموارد
“من أصعب القصص.. والدان احضرا ابنتهما البالغة من العمر 12 عاما، والتي كانت طفلتهما الوحيدة انجباها بعد مرور ثماني سنوات من العقم، وتم تشخيص إصابة الفتاة بالفشل الكلوي وتحتاج إلى غسيل كلى عاجل.. ولم يكن متاحا فماتت الطفلة.
الوالي السابقفي الفترة الانتقالية القصيرة المليئة بالأمل بين الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير والانقلاب الذي أدى إلى تنصيب الحكومة الحالية، كان أديب يوسف حاكماً لولاية وسط دارفور. يوسف حاصل على الدكتوراه في حل الصراعات من جامعة جورج ماسون في الولايات المتحدة، ولا يزال يعيش في دارفور.
ويأسف يوسف لتركيز معظم وسائل الإعلام على العاصمة في هذه الحرب، مع إهمال المناطق الأخرى التي يحتدم فيها الصراع “دارفور في وضع حرج للغاية والناس يعانون. “أعتقد أن الأمور على الأرض تزداد سوءا.”
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت دارفور مرادفة للإبادة الجماعية حيث ارتكبت مليشيات عربية تعرف باسم الجنجويد جرائم حرب ضد القبائل غير العربية في المنطقة. والمجموعة شبه العسكرية الحالية التي تقاتل الجيش، قوات الدعم السريع، هي فرع من الجنجويد. ويقول يوسف إن العنف الحالي له مرة أخرى عنصر عرقي “إنه صراع عرقي أكثر منه صراع سياسي”.
وهذا مطابق لما قاله إريك ريفز، الأكاديمي الأمريكي الذي أجرى أبحاثًا في السودان، في رسالة بالبريد الإلكتروني، قائلًا إن قوات الدعم السريع منخرطة “في حملة إبادة جماعية بشكل لا لبس فيه” ضد شعب المساليت في مدينة الجنينة في غرب دارفور.
واضاف “نحن لا نبذل قصارى جهدنا هذه المرة في التصدي للإبادة الجماعية التي بدأت بشكل جدي في دارفور في عام 2003- قلنا لن يحدث ذلك مرة أخرى! … لكنه حدث مرة أخرى”.
ويقول يوسف إن الوضع الإنساني في منطقته مروع لأن دارفور كانت تعج اصلا بالنازحين داخلياً، ويضاف إليهم الآن نازحون جدد. علاوة على ذلك، هناك انعدام كبير للأمن الغذائي.
موسم الأمطار هذا العام قليل جدًا. والأراضي التي تمت زراعتها هذا العام محدودة جدًا وفوق ذلك هناك حشرات، وهذا يعني أن موسم الحصاد سيكون سيئًا للغاية … مما يؤدي إلى نقص الغذاء”.
ويحذر يوسف قائلاً “يمكننا أن نتوقع حدوث مجاعة في دارفور”.
الوسومأديب يوسف إريك ريفز الجيش السودان القوات المسلحة حرب السودان دارفور قوات الدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أديب يوسف الجيش السودان القوات المسلحة حرب السودان دارفور قوات الدعم السريع الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
تقرير لـ«الجارديان» يرصد رد أهالي غزة على دعوات التهجير: «لن نكرر النكبة مرة أخرى»
امتلأت عينا الجد الفلسطينى «سعيد سالم» بالدموع وهو يتفقد ما تبقى من منزله وبيوت جيرانه فى شمال قطاع غزة، جلس يستريح على كرسيه، الذى نجا بطريقة ما من العدوان الإسرائيلى، محاطاً بأحفاده والأنقاض، يتذكر المنزل الذى فقدته عائلته فى السابق أثناء «نكبة فلسطين» فى عام 1948، عندما فروا من قرية «هربيا»، التى تبعد نحو 15 كيلومتراً من مدينة غزة، والتى أصبحت الآن، بعد تهجير الفلسطينيين منها، مستوطنة إسرائيلية تحمل اسم «زيكيم»، هرباً من القصف والفظائع التى ارتكبتها العصابات الصهيونية، يقول عن تلك اللحظات العصيبة، التى لا يستطيع محوها من ذاكرته: «أغلقنا منزلنا وأخذنا المفتاح وسرنا باتجاه غزة، معتقدين أننا سنعود بعد أيام قليلة».
«سالم»: فقدت 90 شخصاً من أسرتى وأصدقائى ونعرف مخاطر البقاء فى «غزة» ولن نتخلى عن منازلناكان عمر «سالم» فى ذلك الوقت 5 سنوات، ليصطدم بالواقع الأليم، ففى نهاية الطريق، لم يكن هناك سوى مخيمات اللجوء «المنفى الدائم للأسر النازحة»: «عندما اتضحت الحقيقة، أننا تركنا منازلنا وأخذها آخرون، تمنينا ألف مرة لو أننا بقينا وواجهنا الموت بدلاً من ذلك، الندم لم يغادرنا أبداً»، كان واحداً من بين 700 ألف فلسطينى أُجبروا على ترك منازلهم فى حرب 1948، لذا عندما بدأ العدوان الإسرائيلى على غزة فى 7 أكتوبر 2023.
تحدى «سالم» وعائلته أوامر الإخلاء إلى جنوب القطاع: «لقد أقسمنا على ألا نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى»، ظلت العائلة فى شمال غزة، خلال الحرب، مع قرابة 400 ألف شخص آخرين: «لقد عانينا من المجاعة والعطش والقصف والخوف وكل شىء، الجثث مدفونة تحت الأنقاض، نأكل طعاماً لم يكن صالحاً حتى للحيوانات، ولكننا لم نغادر شمال غزة»، وفى كل مرة يأمر فيها جيش الاحتلال الإسرائيلى الفلسطينيين بالإخلاء، كان «سالم» ينتقل فقط إلى حى قريب، ثم يعود إلى منزله.
ووفق تقرير نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية، فى عددها لهذا الأسبوع، فإن إعلان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، أنه يريد امتلاك غزة، وإعادة توطين سكانها فى مكان آخر، واصفاً القطاع الفلسطينى بأنه «سيئ الحظ، ويجب إعادة بنائه ليكون ريفييرا الشرق الأوسط»، أثار موجة غضب واسعة، ليس فقط فى معظم دول العالم وأروقة الأمم المتحدة، بل أيضاً فى نفس «سالم» وعائلته، التى فقد منها الكثير، وغيرها من العائلات الفلسطينية، حيث أشار العجوز الفلسطينى إلى أنه فقد نحو 90 شخصاً من أصدقائه وأسرته، عندما دمرت غارة جوية منزل شقيقه، وقضت على كل من كان يحتمى به: «أعرف مخاطر البقاء فى غزة، خاصةً إذا لم تصمد اتفاقية وقف إطلاق النار، لكنى لن أغادر، لن أكرر النكبة، ولن أتخلى عن غزة».
شن جيش الاحتلال الإسرائيلى حرباً مدمرة على غزة، بعد أن نفذت حركة «حماس» هجوماً عبر الحدود، فى 7 أكتوبر 2023، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلى، واحتجاز 251 آخرين، وفى الأشهر الـ15 التى تلت ذلك اليوم، استشهد أكثر من 48 ألف فلسطينى نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، بمن فيهم 13 ألف طفل، فضلاً عن إصابة أكثر من 111 ألف شخص، وفق السلطات الصحية فى القطاع الفلسطينى، وتضررت آلاف المنازل، وأصبح 90% من سكان غزة مشردين وجوعى بشكل دائم، كما تعرضت المستشفيات إلى غارات جوية وقصف بالمدفعية الثقيلة، مما أدى إلى شلل نظام الرعاية الصحية تماماً، ولم تعد هناك مياه نظيفة.
«معزوزة»: نرفض مخططات التهجير ولن نقبل بمنازل بديلة فى المنفىأحد أبناء «معزوزة أبوهندى»، ذات الـ60 عاماً، كان من بين الشهداء، حيث سقط قتيلاً بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلى أثناء محاولته العثور على الطعام والحطب لعائلته، واختفى ابن آخر فى معتقلات الاحتلال، وكان منزلها من بين المبانى التى دمرتها الهجمات الإسرائيلية، فى الوقت الحالى، تتشارك مع بناتها الثلاث وأحفادها، فصلاً دراسياً محترقاً فى إحدى المدارس المخصصة للاجئين، ذلك الفصل هو الملجأ العاشر لها منذ بدء الحرب، وتحدثت لـ«الجارديان» قائلةً إنها وعائلتها هربوا ذهاباً وإياباً لمدة 15 شهراً، وسط ظروف معيشية بالغة الصعوبة، بدون ماء أو طعام: «عشنا كالحيوانات، أكلنا طعام الدواجن وعلف الأرانب، كنا نحصل على بعض الخبز والأرز من منظمات الإغاثة، لكنها لا تكفى دائماً، نستيقظ فى الـ5 صباحاً للصلاة، على الرغم من عدم وجود مساجد، لأنها دُمرت تماماً».
تابعت «معزوزة»: «يستيقظ الأطفال فى السادسة صباحاً، يعدون الإفطار إذا كان لديهم طعام، وحال عدم وجوده يكتفون بالشاى، يمكن استبدال المال والممتلكات، لكن من سيعوضنا عن الأرواح التى فقدناها؟»، هى مثل «سالم» تفضل أن تكافح فى غزة، بدلاً من قبول عرض «ترامب» الغامض بمنزل جديد فى المنفى: «أرفض تماماً فكرته بتهجيرنا، إذا كان يريد إعادة بناء غزة، فلنتركه يبنيها وسنبقى نحن هنا».
«خالدية»: لا أحد يستطيع إنهاء وجودنا على أرضنا.. وتحملنا الجوع والقصففى بداية الحرب كانت «خالدية الشنبرى» لديها 3 أخوات، والآن، أصبحت تعيش فى قوقعة سوداء مع شقيقتها الوحيدة الباقية على قيد الحياة، داخل أحد فصول اللاجئين المحترقة، تجلس على كرسى متحرك، بعد أن احترقت ساقاها بشكل سيئ إثر هجوم لقوات الاحتلال الإسرائيلى على مدرسة أخرى كانت تحتمى بها، تطبخ على نار صغيرة فى الفصل، لا توجد نوافذ أو أبواب، وكل ما يثير قلقها أن يُدمر الفصل الذى تحتميان فيه أو يؤخذ منهما، قالت: «ستفتح المدارس أبوابها من جديد أمام الطلاب، وإذا أُجبرنا على الخروج، فلن يكون لدينا مكان نذهب إليه، منزلى وكل ما أملك اختفى، لقد زرعت الأعشاب والخضراوات وسط الأنقاض، على أمل أن نجد شيئاً نأكله، لكن العثور على الماء هو الصراع الدائم، أنا لا أنام، أريد فقط الحياة التى كانت لدينا قبل الحرب، الخوف يطاردنى، ماذا لو بدأت الحرب مرة أخرى؟».
وعلى الرغم من الحزن والخسارة والإرهاق اليومى، فإن «خالدية» مصممة على البقاء فى غزة، وعبرت عن ذلك بقولها: «لا ترامب ولا أى شخص آخر يستطيع القضاء علينا، عندما هرب الناس إلى الجنوب، نحن لم نغادر شمال غزة، على مدار عامين، تحملنا الجوع والقصف والخسائر، لكننا ما زلنا هنا، وسنصمد حتى ينتهى هذا الكابوس».