قحت والدعم السريع: لا تلعبوا بالنار طالما ليس بوسعكم إخمادها متى اشتعلت «2- 2»

د. عبد الله علي ابراهيم

استغربت لكيف أمنت “قحت” لـ”الدعم السريع” حتى قبلت منها دعواها عن الحرب وما بعدها بغير نأمة ريبة. فزكّى السياسي المخضرم والقيادي في “قحت” ياسر عرمان، “الدعم السريع” لأنها على جانب الصحة في موقفها من الحرب وما بعدها، فقال إن الدعم “تقول عبارات صحيحة بأنها تريد إنهاء الحرب.

تريد تحولاً ديمقراطياً. لن نقول لها لا تقولي ذلك. سنختبرها عملياً. دع الفريق أول البرهان والقوات المسلحة تقول الشيء نفسه، وأن يذهبا معاً للتوقيع على الاتفاق الإطاري”. وهذا الإطاري هو الذي انفجرت الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي في سياق خطته للإصلاح الأمني والعسكري. ولا يعرف المرء إن جاز لسياسي محنك مثل عرمان إرجاء الحكم على مصداقية مثل “الدعم السريع” للزمن. فما رآه الناس منها في الحرب والسلم منذ قيامها في 2013 موجب للحذر من دون مثل تزكية عرمان التي تعطل الحكم بالسابقة في انتظار اللاحقة

علماً بأن هذه ليست مرة عرمان الأولى في التعاطي مع جيش غير نظامي، فكان اختلف مع الحزب الشيوعي في 1988 حول ما وصفه بموقف الحزب السلبي من حركة تحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق، ورغب عرمان في أن يرى حماسة أكبر لهما من الحزب، بل انتظاماً من عضويته في سلكهما لبناء السودان الجديد المقطوع من قماشة برنامج الشيوعيين أنفسهم. ولم يتفق موقفه للحزب الذي كان يرى استنفاد النظام الديمقراطي القائم آنذاك بفضل ثورة أبريل 1985. وافترقا ليلتحق عرمان بالحركة الشعبية ويتميز سياسياً بين صفوفها وعند زعيمها.

فماذا كانت محصلة هذا الجيش غير النظامي، الذي هاجر إليه عرمان من وطن ديمقراطي يطلب ديمقراطية أفضل، في الحكم؟ لن نطيل وسنكتفي بالقول إنه لا أحد، بعد أن رأينا من حال جنوب السودان بعد استقلاله، يأتي بذكر السودان الجديد على فمه هذه الأيام. كأن مأمولاً أن يكون جنوب السودان واجهة تسوق للفكرة فصار مقبرة لها.

ولم يصمد الجيش الشعبي الذي علق عليه عرمان بناء السودان الجديد لا لخلاف جنرالاته حول الانتخابات في 2010 قبل الانفصال عن السودان ولا لترتيبات الحكم بعده. فاندلعت “ثورة الجنرالات”، في قول الصحافي خالد أبو أحمد، إثر احتجاجات مختلفة على نتائج الانتخابات التي خاضها بعضهم. فاحتج الفريق قلواك قاي على سقوط السيدة أنجلينا، زوجة رياك مشار، نائب رئيس الجمهورية، لنيل ولاية الوحدة بدعوى أنهما معاً من شعب النوير، الخصم التقليدي لشعب الدينكا الذي منه تعبان دينق الفائز بالمنصب. فلما احتج قاي على ذلك أقصوه من الجيش ليتعين نائباً لمدير سجون ولاية الوحدة. فأعلن تمرده في 20 ألف جندي قائلاً إن جوبا لا تعرف غير لغة السلاح. وطلب في تفاوض لاحق مع الحكومة إبعاد تعبان دينق من المنصب ومحاكمته، وكان قد نسب دينق إلى شمال السودان، وقال إنه من قرية شبشة بولاية النيل الأبيض واسمه الأصلي محمد الحسن حاج الصديق الملقب بـ”تعبان”.

وكان من بين من احتج على الانتخابات الفريق جورج طور في هيئة أركان قيادة الجيش الشعبي منذ 1983 وهو من شعب النوير أيضاً. فسقط في الانتخابات ليكون والياً على جونقلي أمام مرشح الحركة الشعبية كوال ميانق، فهجم على مدينة ملكال، وكانت حربه صعبة لتمرسه في القتال ضد جيش الحكومة السودانية. وخسر العقيد ديفيد ياو ياو، قائد قوة الكوبرا في الجيش الشعبي، الانتخابات فتمرد. وانعقد الحلف بين هؤلاء الضباط العظام وانضم إليهم كل من قائد سلاح المدفعية في الجيش الشعبي فيتر قاديت وغابربيل تانج، وقائد شمال منطقة بحر الغزال عبد الباقي أول أقانج وجون ألونج. وجعلوا قاي رئيساً لهيئة أركان حرب جيشهم. فحاصر قاي عاصمة ولاية الوحدة وكاد يجتاحها، فاعتقلوا عائلته، ورفض المساومة مع الحكومة على رغم ذلك لأنها تحت سيطرة الدينكا في قوله.

أما قاديت، فتمكن من هزيمة الجيش الشعبي وهدد بإزالة حكومة سلفاكير في ثلاثة أسابيع. واستسلم تانج للأسر بعد معركة مع الجيش الشعبي. وقتلت الحكومة قاي خلسة فقفلت باب التفاوض مع الجنرالات المتمردين لاستنكارهم الغدر من وراء مقتله. وصدر للمتمردين “إعلان ميوم” الذي طالب بحل الحكومة ووقعه قاديت وقائد القوة المدمجة مع جيش الخرطوم كارلو كول والعقيد بول جاتكوث عضو برلماني سابق في حلف مع أطور.

أما تفرق الجيش الشعبي إلى دينكا ونوير والتطهير العرقي الذي وقع في أثر ذلك، فكان بعض مادة كتاب إليزابيث شاكلفورد “قناة المنشق” (2020). وكانت شاكلفورد دبلوماسية في سفارة أميركا بجنوب السودان اضطرت إلى الاستقالة لإساءة السفارة استخدام نفوذها من أجل حماية دولة جنوب السودان من المؤاخذة المستحقة. فكانت السفارة تلطف من تقاريرها شفقة بدولة وصفتها بأنها خرجت إلى الوجود من عدم “أسطورة خلق” أميركية. فكانت أميركا لا تريد أن تبدو كمن تدين نفسها لاصطناع دولة خرقاء. فبعد تعدٍّ لجماعة من الجيش الشعبي على دبلوماسية مع الأمم المتحدة، كتبت شاكلفورد “على رغم كل جهودنا ودولاراتنا لم يتغير شيء. فالجيش الشعبي جيش غابة وليس جيشاً مهنياً. ولن يصبح جيشاً وطنياً بهوية وطنية. لن تتغير طبيعته، بخاصة أنه لم يكن هذا التغيير مما شغل القادة في الدولة”، بل أنشأ سلفاكير ميليشيات خاصة لحمايته من خاصة أهله الدينكا عرفت بـ”صبيان لوري” ولوري هي مزرعة سلفاكير القريبة من جوبا، وأصر على دمجها في حرسه الجمهوري، كتيبة النمر، ولم يسمع لاعتراض قيادة الجيش الشعبي على ذلك.

واستولى سلفاكير على بلدة هجليج السودانية على رغم تحذير الرئيس أوباما نفسه له بألا يفعل ذلك، ودارت الحرب بين السودان وجنوب السودان لستة أشهر حتى استردها السودان لحظيرته. كما نصحته السفيرة الأميركية وكبار موظفي وزارة الخارجية والقصر الجمهوري ألا يفصل نائبه رياك مشار، ففعل، واندلعت الحرب بين قواتهما، دينكا ضد نوير.

لا يعرف المرء إن كان جسد الأمة سيتحمل مخاطرة أخرى مع جيش غير نظامي على بينة تصريحات منه عن الديمقراطية والمدنية لا تزيد على كونها مادة علاقات عامة بينما الشيطان في تفاصيل بنيته. فإذا أضربنا عن معرفتها والحكم عليها بفراسة كان اعتزال “قحت” للقوات المسلحة التي ذاقت منها الأمرين والتواثق مع “الدعم السريع” مثل ما ذاع عن الممثلة الأميركية ماي وست وقولها إنها إذا واجهها الخيار بين شرّين اختارت الشر الذي لم تجربه من قبل. ومعلوم أن “قحت” جربت العلقم من “الدعم السريع” مع ذلك، ولكن ليس في سدة الحكم.

IbrahimA@missouri.edu

قحت والدعم السريع: لا تلعب بالنار إن لم يكن بوسعك إخمادها (1-2)

الوسومالحركة الشعبية الدعم السريع السودان القوات المسلحة جنوب السودان د. عبد الله علي إبراهيم سلفاكير قوى الحرية والتغيير هجليج ياسر عرمان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحركة الشعبية الدعم السريع السودان القوات المسلحة جنوب السودان د عبد الله علي إبراهيم سلفاكير قوى الحرية والتغيير ياسر عرمان الدعم السریع جنوب السودان الجیش الشعبی

إقرأ أيضاً:

الفاشر.. اشتباكات عنيفة بين الجيش و”الدعم السريع” وتوقف مطابخ خيرية

الفاشر: اندلعت الاثنين، اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد، توقف على إثرها عدد من المطابخ الخيرية عن تقديم وجبات الطعام داخل المدينة، وقالت “الفرقة السادسة مشاة” بالفاشر التابعة للجيش السوداني في بيان مقتضب، إن قواتها “تخوض معركة عنيفة في المدينة بثبات وشجاعة وتتقدم في جميع المحاور”.

من جانبها، قالت “تنسيقية مقاومة الفاشر” (لجنة شعبية)، إن “معارك شرسة متواصلة تدور في مدينة الفاشر اليوم الاثنين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة”.

وأردفت في بيان: “نأسف أن ننقل إليكم هذا الخبر الثقيل على قلوبنا جميعا، إذ أعلنت عدة تكايا (مطابخ خيرية) ومراكز لتقديم الوجبات في مدينة الفاشر توقفها عن العمل مؤقتاً إلى حين هدوء الأوضاع، نتيجة للواقع القاسي الذي تعيشه المدينة هذه الأيام”.

وأوضحت أنه “مع اشتداد القصف العنيف والمتعمد، أصبح تحضير وجبة ساخنة مخاطرة بحياة الطهاة والمتطوعين”.

َوتقدم “التكايا” بدعم خيري، وجبات الطعام لعشرات الآلاف من السكان والنازحين في الفاشر، جراء الحرب والحصار الذي تفرضه “الدعم السريع” على المدينة منذ أكثر من عام، وفق مراسل الأناضول.

ومنذ 10 مايو/ أيار 2024، تشهد الفاشر اشتباكات بين قوات الجيش و”الدعم السريع” رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.

وفي السياق، أعلنت منظمة الهجرة الدولية، عن نزوح أكثر من 406 آلاف شخص من مخيم زمزم للنازحين بالفاشر.

وقالت المنظمة في بيان: “نزح حوالي 406.265 شخص، أي 81.252 أسرة خلال يومي 13 و14 أبريل/ نيسان الجاري”.

وأشارت إلى أنها سجلت حتى أمس الأحد، حركة نزوح من مخيم زمزم إلى 19 منطقة في ولايات شمال ووسط وشرق وجنوب دارفور.

وبعد هجوم متواصل لقوات الدعم السريع على مخيم زمزم استمر عدة أيام، أعلنت تلك القوات السيطرة على المخيم في 13 أبريل الجاري، بعد اشتباكات مع الجيش والقوات المساندة له، ما أدى إلى سقوط 400 قتيل ونزوح عشرات الآلاف، وفق الأمم المتحدة.

ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

ومنذ أسابيع و بوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع في ولايات السودان لصالح الجيش، وتمددت انتصارات الأخير في الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقار أمنية وعسكرية.

وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد “الدعم السريع” تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور.

(الأناضول)

   

مقالات مشابهة

  • السودان يطالب الصين بتوضيح حول كيفية حصول قوات الدعم السريع على مسيرات صينية
  • 41 قتيلا في الفاشر والدعم السريع تدعو لإخلاء المدينة
  • طيران الجيش ينفذ ضربات جوية استهدفت مواقع قوات الدعم السريع في مدينة الدبيبات
  • الجيش السوداني: سقوط 41 مدنيا وإصابة عشرات بقصف مدفعي للدعم السريع في الفاشر
  • مليشيا الدعم السريع تدعو الجيش والقوات المشتركة الي إخلاء مدينة الفاشر
  • السودان.. 20 قتيلًا في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم "أبو شوك"
  • السودان.. الدعم السريع يشن قصفا عنيفا على الفاشر
  • قتلى وجرحى في اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بالفاشر
  • الفاشر.. اشتباكات عنيفة بين الجيش و”الدعم السريع” وتوقف مطابخ خيرية
  • البرهان في مصر اليوم.. وملفات الحرب وإعادة الإعمار تتصدر المباحثات.. الدعم السريع يفاقم معاناة السودانيين باستهداف البنية التحتية