هولوكوست والعنصرية بين الغرب الرسمي والغرب الإنساني
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
أكتوبر 23, 2023آخر تحديث: أكتوبر 23, 2023
سمير عادل
قال أيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في عام ٢٠٠٠، أنَّ إسرائيل تخسر تفوقها الأخلاقي لأول مرة، في الأيام الأولى لانتفاضة الحجارة الثانية، بعد اجتياح التظاهرات في معظم مناطق العالم تضامنا مع الانتفاضة.
ولكننا نقول أنَّ إسرائيل اليوم قد فقدت حتى تلك “الأخلاق” التي كان يشير إليها إيهود باراك.
فإذا كانت حماس هي داعش كما وصفتها دولة إسرائيل، فبالمعيار ذاته، تكون إسرائيل هي النازية بعينها، والنازية لا تحتاج الى التنظير والكثير من الكلام، فببساطة هي أعلى درجة من درجات المغالاة في القومية الى حد تحقير البشر الذين لا ينتمون الى عقيدتها وعرقها ودمها وجنسها وبالتالي تصدر قرار تصفيتهم، أليس هذا ما يواجهون به أهالي غزة من سياسة الإبادة الجماعية من قبل الماكنة العسكرية الإسرائيلية!
إنَّ الفرق بين ما حدث في الهولوكوست وما تعرض له اليهود على أيدي النازيين الألمان، وبين ما يحدث اليوم في قطاع غزة، إن أولئك قد تمت إبادتهم الجماعية في أفران خاصة وتحت إشراف (الجستابو) وهو الجهاز الأمني السري الألماني المرعب، بعيداً عن وسائل الإعلام وعيون العالم، بينما يتم إبادة أهالي غزة في الهواء الطلق وأمام مرأى ومسمع ومساندة قادة العالم “المتمدن” والمتحضر” و”المدافع عن حقوق الإنسان”: بايدن وماكرون وملوني وشولتز وسوناك، و بوريل المدافع الشرس على حقوق الإنسان في أوكرانيا.
لقد فشلت روسيا وبوتين وشيغو ولافروف وميديفيف وقناة (روسيا اليوم RT)، في إقناع العالم بأنَّ الغرب يدعم النازيين الجدد في أوكرانيا، إذ أنَّ الجميع كان يقول عن ذلك بأنَّه جزء من بروباغندا القومية الروسية، أما اليوم فقد نجحت إسرائيل والغرب الرسمي من خلال مؤسساتهم الحكومية و برلماناتهم وإعلامهم بإثبات ما فشلت روسيا بإثباته بأنَّ الغرب يدعم النازيين الجدد في أوكرانيا.
وما لم تستطع الرواية الروسية الذهاب إليه أو التفكير به أيضا، هو نزع الوجه الذي يلبسه ذلك الغرب الرسمي (FACE OFF) *، لقد استطاعت الأحداث الجارية في غزة إثبات أن من كانوا يدعمون النازيين الجدد في أوكرانيا هم القادة النازيين أنفسهم، لكن بوجه “حضاري” ولطالما أصموا آذاننا وسببوا لنا العماء بمقولات وعبارات المدنية والتحضر وحقوق الإنسان.
أي بعبارة أخرى نقوله، لقد كشفت السياسة الإسرائيلية عن مقدار الثمن الكبير الذي يدفعه سكان قطاع غزة، كي ينتزع ذلك القناع الخادع الذي يرتديه العالم الغربي الرسمي، ليظهر وجها آخرا ليس له أية علاقة بما كانوا يظهرونه للعالم أثناء تبجحهم عن قتل الأبرياء من قبل الالة العسكرية الروسية في أوكرانيا. فبمجرد قتل مدنيان أو حتى مدني واحد بصاروخ روسي في احدى المدن الأوكرانية، تقلب وسائل الإعلام الغربية الدنيا ولا تقعدها، ويتصدر العناوين العريضة في قنواتها التلفزيونية وصحفها، ويتم التطبيل والتزمير بأن روسيا لا تحترم حقوق الإنسان وتقتل الأبرياء، في حين يسقط كل ٣٠ ثانية شخص مدني في غزة ومنذ سبعة عشر يوما، فإنَّ ذلك الغرب الرسمي لا يخجل من نفسه بل يكرر بسماجة وعلى لسان قادته بأن من حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، ولا تقف الأمور عند هذا الحد بل إنَّ المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أمراً بإلقاء القبض على بوتين الرئيس الروسي بتهمة نقل أطفال من مناطق دونباس التي احتلها قواته الى روسيا، في حين تخرس هذه المحكمة ويطبق عليها الصم والبكم والعمى وبشكل كلي عن تهجير أهالي غزة، واذا تعذر خروجها فيتم امطارهم بالقنابل الفسفورية والصواريخ وهدم البيوت على رؤوسهم.
الغرب غرب والشرق شرق:
لم تطلق تلك العبارة جزافا من قبل عدد ليس بالقليل من مفكري ومثقفي الغرب العنصريين، فها هي المقولة العنصرية تجد طريقها للتحول الى معطيات مادية وعملية نعيشها بكل جوارحنا. لنتذكر قليلا كيف احتكرت الدول الغربية لقاحات كورونا، وأدرجت شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية في أدنى سلم للحصول على تلك اللقاحات، ولنذكر أيضا معا كيف فتحت أبواب أوروبا وكندا وأمريكا للاجئين الأوكرانيين أثناء الغزو الروسي، وخصصت لهم طائرات خاصة لنقلهم وعناية خاصة بهم، بينما أغلقت أبواب أوروبا امام القادمين من الشرق الأوسط وافريقيا، ومات الآلاف المؤلفة من المهاجرين أو اللاجئين الليبيين والجزائريين والعراقيين والسوريين والمغربيين والصوماليين والأفغانيين.. والقائمة تطول، في الوقت الذي يعد الغرب الرسمي ذاته هو المسؤول والمسبب الأول للحروب، التي اندلعت في مناطقهم، وهو من نهب بلدانهم، وحوَّل حياتهم الى جحيم لا يطاق، كي يشدوا الرحال مع أسرهم، وغير مبالين بتلاطم أمواج البحار التي قذفت بهم الى خارج الحياة، ولنتذكر أيضا كيف صور الإعلام الغربي موت أربع مليارديرات خرجوا بنزهة في غواصة خاصة، وتصدر انفجار غواصتهم العناوين الرئيسية في الأخبار لأيام وأيام، في حين لم يغطِ نفس ذلك الإعلام حادثة غرق باخرة وموت ٧٠٠ مهاجر على سطحها، باستثناء مقال كتب في صحيفة (واشنطن بوست) ينتقد تعامل الإعلام الغربي بين الحدثين. والحق يقال، لم يأت غرق الباخرة سوى على شكل خبر روتيني يومي، والسبب كي لا يجر انتباه الرأي العالم الى تلك المأساة وتصبح الحكومات الأوربية تحت الضغط السياسي والجماهيري.
وإنَّ ما نشاهده في غزة اليوم هو فصل من فصول السياسة الرسمية للحكومات الغربية، فلا عجب أن يتهم وزير الداخلية الفرنسية لاعباً فرنسياً من اصل جزائري بانه إسلامي أو ينتمي الى الإخوان المسلمين ويجب تجريده من الجنسية الفرنسية، لمجرد أنَّه أبدى تعاطفه وتضامنه مع أهالي غزة، وهو نفس الشيء الذي حدث مع عدد من الرياضيين في ميدان كرة القدم والسباحة، وكذلك تم طرد موظفين وعمال من وظائفهم في العديد من دول غربية وكان آخرها ما حدث لموظف في شركة الخطوط الجوية الكندية AIR Canada بسبب إظهار تعاطفه مع أهالي غزة، في حين لا ضير إن تعاطفت مع دولة نازية وفاشية بامتياز مثل دولة إسرائيل، وأخطر من ذلك هو ما ذهبت إليه شركات التواصل الاجتماعي والتكنلوجيا مثل (انستغرام) و(فيسبوك) و(غوغل) في حجب أو حذف أي شيء سواء كان فيديو أو تعليق أو أي مقال أو تعليق يشير للتعاطف مع أهالي غزة والقضية الفلسطينية.
وما نشاهده ونعيشه اليوم من أحداث دراماتيكية، تشحذ ذاكرتنا، وتعود بنا الى التهم التي كانت تطلق من قبل الأنظمة القومية العربية المستبدة في البلدان العربية تجاه أي معارض سياسي، بأنه عميل ل”الكيان الصهيوني” أو “الإمبريالية” أو معادي لل”الامة العربية”، وكان المهم هو صياغة تهمة جاهزة للحيلولة دون طرح أسئلة تضع علامات استفهام على شرعية سياساتها في الميادين المختلفة، اليوم ولمجرد أنك تتعاطف مع الفلسطينيين وتدين قتل المدنيين، توجه لك تهمة الانتماء الى الإخوان المسلمين أو في افضل الأحوال إذا كنت محظوظا، فتلصق بك تهمة معاداة السامية على وزن قانون “ازدراء الأديان” لمجرد أنَّ لديك رأي معارض أو تود التعبير عن رأيك بالأحداث الجارية.
وبالرغم من كل هذه المآسي التي تحدث لأهالي قطاع غزة بشكل خاص والفلسطينيين في الضفة الغربية وباقي مدن فلسطين على يد السياسة النازية والفاشية لدولة إسرائيل وبمساندة ودعم النازيين الجدد في أمريكا والاتحاد الأوربي وبريطانيا، إلا أن القضية الفلسطينية تجاوزت منطقتنا وتجاوزت القومية والدين، وأمست قضية تمس الضمير الإنساني العالمي، وقد جردت الإسلام السياسي أو الأنظمة القومية العربية من حقانيتها الزائفة وبإشهار سيفها في قمع أي معارض سياسي، أو فرض سياسة الإفقار والجوع عبر بذخ الأموال المسروقة من عرق العمال والكادحين وإنفاقها على عسكرتاريتها وميليشياتها تحت عنوان “القضية الفلسطينية” وتحرير “الأقصى”.
وأظهرت التظاهرات التضامنية مع جماهير فلسطين ونضالها في كل من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وكندا وأمريكا، الهوّة والبون الشاسع بين الغرب الرسمي والغرب الإنساني، وبينت أنَّ حكومات فرنسا وبريطانيا التي منعت الاحتجاجات التضامنية مع أهالي غزة والشعب الفلسطيني على الأقل لا تختلف كثيرا عن حكوماتنا المستبدة في الشرق الأوسط، والتي تتحجج في منع حق التعبير تحت وابل من الذرائع السخيفة مثل الآداب العامة ومشاعر المجتمع التي هي دائما متخلفة ورجعية وكذلك قضايا زائفة مثل حساسية الأمن القومي.
لقد مزقت جماهير أوربا قرار وزارات الداخلية في فرنسا وبريطانيا، وأرغمت السلطات على الرضوخ بل وراحت قواتها إلى حماية التظاهرات العظمية التي اجتاحت مدن فرنسا وبريطانيا بدلاً من منعها.
وبينت حرب إسرائيل على أهالي غزة أيضاً، أنَّ العالم المتمدن والإنساني في الغرب لا يناصر سياسة دولة إسرائيل الفاشية وإنَّه بريء من جرائمها، وكان المثقفين اليهود في نيويورك جزءا من العالم المتمدن إذا لم نقل في مقدمتهم، قد أصدروا بيان يدينون دولة إسرائيل وسياستها وقد تضامنوا مع الشعب الفلسطيني، ورفضوا جرائم دولة إسرائيل باسمهم كيهود.
وفي خضم هذه الحرب الدموية الرجعية والتي تلقي بضلالها على المنطقة والعالم، قد سقط العنصريون سواء كانوا في الشرق أو في الغرب، وسقطت كل تنظيراتهم الواهية والسخيفة و أفكارهم المعادية للهوية الإنسانية في نشر الكراهية الدينية والقومية.
إنَّ ردود الفعل على ما يجري في غزة بيَّن أنَّ الشرق والغرب، عالم إنساني واحد، ويحركه الضمير الإنساني، وفي الوقت نفسه بيَّن أن سياسات الأنظمة السياسية الغربية والأنظمة السياسية في منطقتنا هي واحدة، وإن الرتوش تسقط ويكشف عن الوجه الحقيقي فقط لمجرد وجود صوت أو رأي يتعارض مع مصالحها.
إن انتصار عدالة القضية الفلسطينية مرتبط بهذا التيار الإنساني الذي يربط الشرق بالغرب أو الغرب بالشرق.
*أحد أفلام هوليوود الشهيرة
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: دولة إسرائیل مع أهالی غزة فی أوکرانیا فی حین فی غزة من قبل
إقرأ أيضاً:
300 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ سنوياً.. ما القيمة التي يشكلها هذا المبلغ مقارنة بقطاعات أخرى؟
الاقتصاد نيوز - متابعة
وافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ كوب 29 (COP29) على تخصيص 300 مليار دولار سنوياً لتمويل جهود مكافحة تغير المناخ وآثاره. وفيما يلي بعض المقارنات التي توضح حجم هذا المبلغ في مجالات رئيسية على مستوى العالم:
القوة العسكرية
وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العالمي على القطاع العسكري في عام 2023 نحو 6.7 مليار دولار يومياً. وهذا يعني أن هدف التمويل السنوي لمكافحة تغير المناخ البالغ 300 مليار دولار يعادل 45 يوماً من الإنفاق العسكري العالمي، بحسب رويترز.
استهلاك النفط
حالياً، تبلغ قيمة 300 مليار دولار تقريباً تكلفة النفط الخام الذي يستهلكه العالم في أقل من 40 يوماً، بناءً على بيانات رويترز التي تعتمد على الطلب العالمي على النفط الخام البالغ نحو 100 مليون برميل يومياً وأسعار خام برنت في نهاية نوفمبر تشرين الثاني.
إيلون ماسك
بحسب مجلة "فوربس"، بلغت ثروة إيلون ماسك الصافية 321.7 مليار دولار في أواخر نوفمبر تشرين الثاني. ويعد ماسك، الملياردير صاحب الشركات الكبرى مثل تسلا وسبيس إكس، أغنى رجل في العالم.
خسائر الأعاصير
تسببت الأعاصير في خسائر ضخمة، حيث بلغت خسائر إعصار كاترينا، أحد أكثر الأعاصير تدميرًا في تاريخ الولايات المتحدة، حوالي 200 مليار دولار في عام 2005. وفي هذا العام، قد تصل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إعصار هيلين إلى 250 مليار دولار في الولايات المتحدة، كما تقدر خسائر إعصار ميلتون بنحو 100 مليار دولار.
مشتريات مستحضرات التجميل
تقدر شركة "باين اند كومباني" حجم سوق السلع الفاخرة العالمية بحوالي 363 مليار يورو (378 مليار دولار) في عام 2024.
تجارة النحاس
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتشيلي، أكبر منتج للنحاس في العالم، 335.5 مليار دولار في عام 2023، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
حزمة الإنقاذ المالي لليونان
بين عامي 2010 و2018، أنفقت دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي حوالي 260 مليار يورو (271 مليار دولار) في إطار برامج الإنقاذ المالي لليونان، وهي أكبر عملية إنقاذ دولة في التاريخ الاقتصادي.
سندات بريطانية
من المتوقع أن ترتفع إصدارات السندات الحكومية البريطانية في السنة المالية الحالية إلى 296.9 مليار جنيه إسترليني (372.05 مليار دولار) لتمويل الموازنة.
حصة في شركة
حسب بيانات مجموعة بورصات لندن، تبلغ قيمة حصة قدرها 10% في شركة "مايكروسوفت" العملاقة حوالي 300 مليار دولار، بينما تبلغ القيمة السوقية لشركة "شيفرون" النفطية الأميركية 292 مليار دولار.
عملات مشفرة
يمثل هدف التمويل المناخي السنوي 75% من القيمة الإجمالية لعملة "إيثر"، ثاني أكبر عملة مشفرة في العالم. كما يمكن أن تغطي ثلاثة ملايين "بتكوين" هدف التمويل المناخي السنوي، حيث تقترب قيمة البتكوين من 100 ألف دولار بعد الارتفاع الأخير الذي جاء نتيجة لفوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في 5 نوفمبر تشرين الثاني.