لجريدة عمان:
2025-03-29@01:06:52 GMT

انعكاسات النمو الاقتصادي على الفرد والمجتمع

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

يتبادر سؤال في ذهن كثير من أفراد المجتمع، هل سعادة الإنسان مقرونة بمقدار حصوله على المال؟ أم سعادة الإنسان تأتي من شغفه وإبداعه في ممارسة العمل وبالتالي يصبح العمل هوايته، مما يؤهله للحصول على المال نظير اجتهاده في العمل؟ حقيقة، كلا الفرضيتين صحيحتان، وكلا الفكرتين سليمتان كونهما يجلبان السعادة للفرد والمجتمع، فبقدر إبداعه في العمل وإنتاجيته سيحصل على المال الذي يرضيه شريطة وجود بيئة عمل محفّزة على الإبداع والإنتاجية، لكن على النقيض نلاحظ أن الوظيفة لم تعد مصدرا للإبداع والإنتاج، خاصة في المجتمعات الشرقية التي باتت تنظر فيها المرأة للوظيفة على أنها درع لحمايتها من قسوة الحياة عندما لا تجد من يحتويها ويحتوي أبناءها، بل ترى المرأة أن الوظيفة تعصمها من الرياح العاتية التي ربما تعترضها طوال حياتها المليئة بالماديات والكماليات المتنوعة وذلك لطبيعة المرأة التي تحتاج للأمان والاستقرار قبل كل شيء.

وبالتالي نستطيع القول بأن الوظيفة باتت أولوية لدى المرأة لن تفرط بها ما لم تشعر بالاطمئنان والاستقرار حتى وإن كان على حساب تراجع دورها اجتماعيا، وينطبق أيضا على الرجل، فدوره تركّز على تلبية متطلبات الحياة الاجتماعية اليومية، ويعمل بلا كلل ولا ملل لتوفيرها مع غياب دوره الاجتماعي والأسري في المنزل، يجري خلف تحقيق أهدافه المادية، والأخطر من ذلك أن يكون طامعا في دخول من حوله، مما تصبح الحياة الاجتماعية في المنزل عبارة عن أشكال اجتماعية من دون نمط ولا توجه واضح. وهنا يبدأ التحدي الأكبر المتمثل في ممارسة العمل لساعات طويلة بلا إنتاجية ولا إضافة حقيقية، وبالتالي يؤثر على النمو الاقتصادي المنشود والمخطط له. وفي الجانب المقابل فإن حصول الأسرة على المال لن ينعكس إيجابا على أفرادها وبالتالي ربما لن يصنع السعادة للفرد والأسرة والمجتمع.

ورغم أن أغلب الدراسات التي أجريت خلال العقود الماضية حول دور المال في صنع سعادة الفرد والمجتمع إلا أن هناك عوامل أخرى تصنع السعادة وجديرٌ الاهتمام بها، وهي مصادر الحصول على المال مثل الصحة والعائلة والأصدقاء وهي ممكنات لتعزيز دخل الفرد ومساهم في صنع سعادة المجتمعات، فكلما ارتفع دخل الفرد استطاع تحقيق أكبر منفعة ممكنة من المال المكتسب، وبهذا ستزيد نسبة سعادته ورضاه بسبب تحسّن مستوى رفاهيته مجتمعيا واقتصاديا.

يقول الخبير الاقتصادي السويسري برونو فراي بأن «الناس الذين لديهم دخل أفضل هم أكثر سعادة» وأشار في نظريته إلى أن «البلدان الغنية غالبا مواطنوها أكثر سعادة من البلدان الفقيرة»، وفي رأيي أنه لتحقيق السعادة في المجتمع لابد أن يكون الإبداع منبعا للموظفين حتى يعزز من إنتاجيتهم في العمل، ولا بد من احتضان الإبداع في البيت، حتى نستطيع أن ندفع بهم في مقر العمل مما يسهم في إنشاء اقتصادات متينة مليئة بالمنتجين والمبدعين.

ولا يمكن الحكم بأن السعادة الناتجة عن الحصول على المال هي سبب في تعزيز الإنتاجية، ولكن من المسلم به أن الإنتاجية لا تأتي إلا بالسعادة، ولذلك كبرى الشركات العالمية التي تؤثر على حركة الاقتصاد ونموه غالبا ما تكون حريصة على إسعاد العاملين، وذلك لإدراكها بأن سعادتهم لن تولد إلا إنتاجية سخية وبالتالي دخلا أكبر، وفي ظل النمو الاقتصادي والتحسن الذي تشهده اقتصادات دول العالم في الوقت الحالي بات جليا أن مستوى السعادة لدى أفراد المجتمعات في ارتفاع مستمر وانعكس إيجابا على مستوى إنتاجيتهم ولذلك لم تعد الوظيفة موردا ماليا فحسب بل عاملا لمواصلة الشغف وتحمل المسؤوليات وبيئة العمل مقرا للإبداع والتحفيز والإنتاجية. وباستمرار هذه الأجواء التفاؤلية في مقار العمل أرى من المهم أن يبتكر الموظف طرقا وأساليب تساعده على إيجاد السعادة في بيئة العمل عبر اقتراح الأفكار المعززة للإنتاجية والمساهمة في النمو الاقتصادي لتعم السعادة على الفرد والأسرة والمجتمع. وعند الحديث عن المقياس الفعلي للسعادة وربطها بعلوم الاقتصاد والنفس والاجتماع؛ فإن السعادة هي مشاعر حقيقية يعترف بها الفرد وليس مجرد أدوات أو عوامل إنتاج وفقا لنظرية تناقض إيسترلين Easterelin Paradox للخبير الاقتصادي ريتشارد إيسترلين الذي أوضح «بأنه في وقت ما تختلف السعادة بشكل مباشر مع الدخل ولكن بمرور الوقت لا تتجه السعادة إلى الأعلى مع استمرار نمو الدخل»، وأن السعادة تتمثل في إنجاز الأمور اليومية مثل الحصول على الأموال، والتمتع بصحة جيدة والحفاظ عليها، إضافة إلى العمل في وظيفة تثير اهتمام الآخرين، وربما يكون محقا في ذلك بسبب أن القيام بالأعمال الروتينية يوميا يفقد السعادة مع مرور الوقت، وذلك لوصول الفرد إلى مرحلة التشبع من عدم تغيير أساليب ممارسة الأعمال ومنهجياتها وفقا لما تفترضه العلوم الإنسانية مثل علم النفس والاجتماع.

إن انعكاسات النمو الاقتصادي على الفرد والمجتمع وإن كانت في مجملها إيجابية وتجلب السعادة، لكن من الضروري أن نتفهم بأن بعض الأشخاص لا يكون المال سببا في سعادتهم والسعي إليه سبب في إسعادهم رغم أنه وسيلة لتحقيق المطالب والغايات ولكنه يساعد في تحقيق السعادة بالنسبة لهم، ورغم عدم اتفاقي كليا مع أن النمو الاقتصادي ليس سببا في إسعاد الفرد والمجتمع، وذلك لظني بأن تحقيق التطلعات لن يتم إلا بوجود نمو اقتصادي مستدام يضمن الرفاهية للأشخاص ويحسن من مستوى معيشتهم، ومن دونه هناك تحديات مالية واقتصادية كبيرة ستحول دون تحقيق ما يصبو إليه المجتمع من رفاهية وأريحية في تحقيق التطلعات المستقبلية، مما ينعكس إيجابا على الفرد والأسرة والمجتمع، إلا أن بعض النظريات المرتبطة بعلم النفس والاجتماع ترى أن وجود الغذاء المعنوي المتمثل في المشاعر الإنسانية كفيل بإيجاد السعادة لدى البعض، وأن الغذاء المادي المتمثل في توفير الاحتياجات اليومية هو لبقاء الإنسان على قيد الحياة، ورأيي هناك أن الغذاءين المادي والمعنوي مكملان لبناء الإنسان، ولا يمكن أن تأتي السعادة إلا بوجودهما مع ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة عبر التخطيط الجيد واتخاذ القرارات الصحيحة لإيجاد السعادة المنشودة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النمو الاقتصادی الفرد والمجتمع على المال على الفرد

إقرأ أيضاً:

انعكاسات ورفض سياسي.. ماذا لو تسلمت شخصية عسكرية الحكم في العراق؟

بغداد اليوم - بغداد 

أكد المستشار العسكري السابق، اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، اليوم الخميس (27 آذار 2025)، أن العراق سيكون أكثر انضباطًا في حال تولت رئاسته شخصية عسكرية.

وقال الأعسم، في حديثه لـ"بغداد اليوم"، إن "اختيار شخصية عسكرية ذات خبرة عالية لرئاسة الوزراء سيجعل العراق أكثر انضباطًا"، مشيرًا إلى أن "هذه الشخصية ستكون متخصصة في المجال الأمني، وتعرف كيف تدير الملف، خصوصًا فيما يتعلق بالجماعات الخارجة عن القانون، وكذلك الفصائل، بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو حزبية، ولهذا السبب لا ترغب بعض القوى السياسية في مثل هذا الخيار".

وأضاف أن "الأطراف السياسية تخشى وصول شخصية عسكرية إلى رئاسة الوزراء، بسبب عدم قدرتها على فرض إملاءات سياسية عليه بما يتناسب مع الاتفاقيات والصفقات، ولهذا يتم دائمًا اختيار شخصية مدنية من داخل هذه الكتل والأحزاب لغرض السيطرة عليه، رغم أن فكرة تولي شخصية عسكرية لرئاسة الوزراء ستجعل العراق أكثر انضباطًا من الناحيتين الأمنية والعسكرية، وستسهم في حل معظم الملفات التي لم تتمكن الحكومات السابقة من حلها، وأبرزها ملف السلاح المنفلت".

وتشهد المحافظات العراقية، بين الحين والآخر، وقوع ضحايا بسبب انتشار السلاح المنفلت، تحت مسميات مختلفة، مثل النزاعات العشائرية والخلافات الشخصية وغيرها، رغم مساعي الحكومة العراقية لتقليص هذه الظاهرة وتحجيمها.



مقالات مشابهة

  • عيد الفطر في مصر.. بين طقوس الاحتفال ومعادلات السياسة والمجتمع
  • بيت المال: كيف نكون سعداء في ظل التفاوت الاقتصادي والجمود السياسي؟
  • تزايد التشاؤم بين الأمريكيين.. توقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة
  • عضو الجمعية المصرية للاقتصاد: النمو الاقتصادي يسجل 4.3٪ في الربع الثاني من 2024
  • 6 عادات للحفاظ على الصحة خلال الصيام
  • انعكاسات ورفض سياسي.. ماذا لو تسلمت شخصية عسكرية الحكم في العراق؟
  • البنك الإفريقي للتنمية يخطط لاستثمار 331 مليون دولار في ليسوتو لتعزيز النمو الاقتصادي
  • وزيرة التخطيط: النمو الإيجابي لقطاعات كثيرة مؤشر مهم للتعافي الاقتصادي
  • «الإفريقي للتنمية» يخطط لاستثمار 331 مليون دولار في ليسوتو لتعزيز النمو الاقتصادي
  • البنك الدولي: صدمة تضخمية أدت إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر المغربية مخفضا مؤشرات الثقة