انعكاسات النمو الاقتصادي على الفرد والمجتمع
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
يتبادر سؤال في ذهن كثير من أفراد المجتمع، هل سعادة الإنسان مقرونة بمقدار حصوله على المال؟ أم سعادة الإنسان تأتي من شغفه وإبداعه في ممارسة العمل وبالتالي يصبح العمل هوايته، مما يؤهله للحصول على المال نظير اجتهاده في العمل؟ حقيقة، كلا الفرضيتين صحيحتان، وكلا الفكرتين سليمتان كونهما يجلبان السعادة للفرد والمجتمع، فبقدر إبداعه في العمل وإنتاجيته سيحصل على المال الذي يرضيه شريطة وجود بيئة عمل محفّزة على الإبداع والإنتاجية، لكن على النقيض نلاحظ أن الوظيفة لم تعد مصدرا للإبداع والإنتاج، خاصة في المجتمعات الشرقية التي باتت تنظر فيها المرأة للوظيفة على أنها درع لحمايتها من قسوة الحياة عندما لا تجد من يحتويها ويحتوي أبناءها، بل ترى المرأة أن الوظيفة تعصمها من الرياح العاتية التي ربما تعترضها طوال حياتها المليئة بالماديات والكماليات المتنوعة وذلك لطبيعة المرأة التي تحتاج للأمان والاستقرار قبل كل شيء.
ورغم أن أغلب الدراسات التي أجريت خلال العقود الماضية حول دور المال في صنع سعادة الفرد والمجتمع إلا أن هناك عوامل أخرى تصنع السعادة وجديرٌ الاهتمام بها، وهي مصادر الحصول على المال مثل الصحة والعائلة والأصدقاء وهي ممكنات لتعزيز دخل الفرد ومساهم في صنع سعادة المجتمعات، فكلما ارتفع دخل الفرد استطاع تحقيق أكبر منفعة ممكنة من المال المكتسب، وبهذا ستزيد نسبة سعادته ورضاه بسبب تحسّن مستوى رفاهيته مجتمعيا واقتصاديا.
يقول الخبير الاقتصادي السويسري برونو فراي بأن «الناس الذين لديهم دخل أفضل هم أكثر سعادة» وأشار في نظريته إلى أن «البلدان الغنية غالبا مواطنوها أكثر سعادة من البلدان الفقيرة»، وفي رأيي أنه لتحقيق السعادة في المجتمع لابد أن يكون الإبداع منبعا للموظفين حتى يعزز من إنتاجيتهم في العمل، ولا بد من احتضان الإبداع في البيت، حتى نستطيع أن ندفع بهم في مقر العمل مما يسهم في إنشاء اقتصادات متينة مليئة بالمنتجين والمبدعين.
ولا يمكن الحكم بأن السعادة الناتجة عن الحصول على المال هي سبب في تعزيز الإنتاجية، ولكن من المسلم به أن الإنتاجية لا تأتي إلا بالسعادة، ولذلك كبرى الشركات العالمية التي تؤثر على حركة الاقتصاد ونموه غالبا ما تكون حريصة على إسعاد العاملين، وذلك لإدراكها بأن سعادتهم لن تولد إلا إنتاجية سخية وبالتالي دخلا أكبر، وفي ظل النمو الاقتصادي والتحسن الذي تشهده اقتصادات دول العالم في الوقت الحالي بات جليا أن مستوى السعادة لدى أفراد المجتمعات في ارتفاع مستمر وانعكس إيجابا على مستوى إنتاجيتهم ولذلك لم تعد الوظيفة موردا ماليا فحسب بل عاملا لمواصلة الشغف وتحمل المسؤوليات وبيئة العمل مقرا للإبداع والتحفيز والإنتاجية. وباستمرار هذه الأجواء التفاؤلية في مقار العمل أرى من المهم أن يبتكر الموظف طرقا وأساليب تساعده على إيجاد السعادة في بيئة العمل عبر اقتراح الأفكار المعززة للإنتاجية والمساهمة في النمو الاقتصادي لتعم السعادة على الفرد والأسرة والمجتمع. وعند الحديث عن المقياس الفعلي للسعادة وربطها بعلوم الاقتصاد والنفس والاجتماع؛ فإن السعادة هي مشاعر حقيقية يعترف بها الفرد وليس مجرد أدوات أو عوامل إنتاج وفقا لنظرية تناقض إيسترلين Easterelin Paradox للخبير الاقتصادي ريتشارد إيسترلين الذي أوضح «بأنه في وقت ما تختلف السعادة بشكل مباشر مع الدخل ولكن بمرور الوقت لا تتجه السعادة إلى الأعلى مع استمرار نمو الدخل»، وأن السعادة تتمثل في إنجاز الأمور اليومية مثل الحصول على الأموال، والتمتع بصحة جيدة والحفاظ عليها، إضافة إلى العمل في وظيفة تثير اهتمام الآخرين، وربما يكون محقا في ذلك بسبب أن القيام بالأعمال الروتينية يوميا يفقد السعادة مع مرور الوقت، وذلك لوصول الفرد إلى مرحلة التشبع من عدم تغيير أساليب ممارسة الأعمال ومنهجياتها وفقا لما تفترضه العلوم الإنسانية مثل علم النفس والاجتماع.
إن انعكاسات النمو الاقتصادي على الفرد والمجتمع وإن كانت في مجملها إيجابية وتجلب السعادة، لكن من الضروري أن نتفهم بأن بعض الأشخاص لا يكون المال سببا في سعادتهم والسعي إليه سبب في إسعادهم رغم أنه وسيلة لتحقيق المطالب والغايات ولكنه يساعد في تحقيق السعادة بالنسبة لهم، ورغم عدم اتفاقي كليا مع أن النمو الاقتصادي ليس سببا في إسعاد الفرد والمجتمع، وذلك لظني بأن تحقيق التطلعات لن يتم إلا بوجود نمو اقتصادي مستدام يضمن الرفاهية للأشخاص ويحسن من مستوى معيشتهم، ومن دونه هناك تحديات مالية واقتصادية كبيرة ستحول دون تحقيق ما يصبو إليه المجتمع من رفاهية وأريحية في تحقيق التطلعات المستقبلية، مما ينعكس إيجابا على الفرد والأسرة والمجتمع، إلا أن بعض النظريات المرتبطة بعلم النفس والاجتماع ترى أن وجود الغذاء المعنوي المتمثل في المشاعر الإنسانية كفيل بإيجاد السعادة لدى البعض، وأن الغذاء المادي المتمثل في توفير الاحتياجات اليومية هو لبقاء الإنسان على قيد الحياة، ورأيي هناك أن الغذاءين المادي والمعنوي مكملان لبناء الإنسان، ولا يمكن أن تأتي السعادة إلا بوجودهما مع ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة عبر التخطيط الجيد واتخاذ القرارات الصحيحة لإيجاد السعادة المنشودة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النمو الاقتصادی الفرد والمجتمع على المال على الفرد
إقرأ أيضاً:
ربيع: الحفاظ على اللغة العربية مشكلة الحكومة والمجتمع معا
قال مبارك ربيع، رئيس اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي، اليوم الجمعة، إنه يشارك متشرفا ومنوها في المؤتمر الوطني السابع للغة العربية الذي ينظمه الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمكتبة الوطنية، بالرباط.
وأكد أن « الائتلاف بذل جهودا كبيرة في مناسبات وملتقيات وعبر مؤسسات مختلفة »، مشيرا إلى أن « مؤسسة علال الفاسي لم تكن داخل الائتلاف مجرد مشاركة أو مباركة، بل كانت تتقاسم نفس زاوية الرؤيا التي تتعلق بقضايا اللغة العربية في هذا العصر ».
وأبرز ربيع أن « المؤسسة والائتلاف، يتقاسمان زوايا مشتركة للتحديات المطروحة، وللجهود التي يجب أن تبذل لكي تستحق هاته اللغة ما هو جدير بها، وبتاريخها، وحضارتها عبر الانفتاح والتطور في مساراته المختلفة »، بحسبه.
وأوضح المتحدّث أن « هذه المسارات تعني بالأساس ضرورة انعكاس المتغيرات والمستجدات المحلية والعالمية على واقع اللغة العربية من جهة، ومن جهة أخرى تفاعل هاته اللغة مع هاته المستجدات لكي تشق طريقها ولكي تركز مكانتها ».
وأفاد بأنه « لا يمكن أن تركز اللغة العربية مكانتها كليا أو جزئيا إلا بأهلها الذين عليهم أن يبتكروا الطرق الكفيلة، سواء بيداغوجيا أو نظريا أو علميا، أو على المستوى التكييفي مع ما يقتضيه العصر حتى تكون في المستوى المطلوب حاضرا ومستقبلا ».
وشدّد ربيع على أن « اللغة العربية يبدو أن مشاكلها وقضاياها في جزء كبير منها، أو الجزء الكلي منها، يرجع للمؤسسات الحكومية والرسمية، ولكن بالأساس وبالذات، هي مشكلة الجميع، المجتمع في كليته، والأفراد حسب إمكاناتهم ومواقعهم، ووظائفهم وما يستطيعون أن يقدموه للغتهم »، وفق تعبيره.
ودعا في مداخلته « المجتمع المدني إلى مواصلة فعله، وذلك إذ أن الأخير يمتلك روح المبادرة ويستطيع في كل الأحوال تطوير اللغة العربية وتكييفها مع مقتضيات عصرها ».
كلمات دلالية اللغة العربية علال الفاسي مبارك ربيع