لجريدة عمان:
2025-01-24@14:48:08 GMT

انعكاسات النمو الاقتصادي على الفرد والمجتمع

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

يتبادر سؤال في ذهن كثير من أفراد المجتمع، هل سعادة الإنسان مقرونة بمقدار حصوله على المال؟ أم سعادة الإنسان تأتي من شغفه وإبداعه في ممارسة العمل وبالتالي يصبح العمل هوايته، مما يؤهله للحصول على المال نظير اجتهاده في العمل؟ حقيقة، كلا الفرضيتين صحيحتان، وكلا الفكرتين سليمتان كونهما يجلبان السعادة للفرد والمجتمع، فبقدر إبداعه في العمل وإنتاجيته سيحصل على المال الذي يرضيه شريطة وجود بيئة عمل محفّزة على الإبداع والإنتاجية، لكن على النقيض نلاحظ أن الوظيفة لم تعد مصدرا للإبداع والإنتاج، خاصة في المجتمعات الشرقية التي باتت تنظر فيها المرأة للوظيفة على أنها درع لحمايتها من قسوة الحياة عندما لا تجد من يحتويها ويحتوي أبناءها، بل ترى المرأة أن الوظيفة تعصمها من الرياح العاتية التي ربما تعترضها طوال حياتها المليئة بالماديات والكماليات المتنوعة وذلك لطبيعة المرأة التي تحتاج للأمان والاستقرار قبل كل شيء.

وبالتالي نستطيع القول بأن الوظيفة باتت أولوية لدى المرأة لن تفرط بها ما لم تشعر بالاطمئنان والاستقرار حتى وإن كان على حساب تراجع دورها اجتماعيا، وينطبق أيضا على الرجل، فدوره تركّز على تلبية متطلبات الحياة الاجتماعية اليومية، ويعمل بلا كلل ولا ملل لتوفيرها مع غياب دوره الاجتماعي والأسري في المنزل، يجري خلف تحقيق أهدافه المادية، والأخطر من ذلك أن يكون طامعا في دخول من حوله، مما تصبح الحياة الاجتماعية في المنزل عبارة عن أشكال اجتماعية من دون نمط ولا توجه واضح. وهنا يبدأ التحدي الأكبر المتمثل في ممارسة العمل لساعات طويلة بلا إنتاجية ولا إضافة حقيقية، وبالتالي يؤثر على النمو الاقتصادي المنشود والمخطط له. وفي الجانب المقابل فإن حصول الأسرة على المال لن ينعكس إيجابا على أفرادها وبالتالي ربما لن يصنع السعادة للفرد والأسرة والمجتمع.

ورغم أن أغلب الدراسات التي أجريت خلال العقود الماضية حول دور المال في صنع سعادة الفرد والمجتمع إلا أن هناك عوامل أخرى تصنع السعادة وجديرٌ الاهتمام بها، وهي مصادر الحصول على المال مثل الصحة والعائلة والأصدقاء وهي ممكنات لتعزيز دخل الفرد ومساهم في صنع سعادة المجتمعات، فكلما ارتفع دخل الفرد استطاع تحقيق أكبر منفعة ممكنة من المال المكتسب، وبهذا ستزيد نسبة سعادته ورضاه بسبب تحسّن مستوى رفاهيته مجتمعيا واقتصاديا.

يقول الخبير الاقتصادي السويسري برونو فراي بأن «الناس الذين لديهم دخل أفضل هم أكثر سعادة» وأشار في نظريته إلى أن «البلدان الغنية غالبا مواطنوها أكثر سعادة من البلدان الفقيرة»، وفي رأيي أنه لتحقيق السعادة في المجتمع لابد أن يكون الإبداع منبعا للموظفين حتى يعزز من إنتاجيتهم في العمل، ولا بد من احتضان الإبداع في البيت، حتى نستطيع أن ندفع بهم في مقر العمل مما يسهم في إنشاء اقتصادات متينة مليئة بالمنتجين والمبدعين.

ولا يمكن الحكم بأن السعادة الناتجة عن الحصول على المال هي سبب في تعزيز الإنتاجية، ولكن من المسلم به أن الإنتاجية لا تأتي إلا بالسعادة، ولذلك كبرى الشركات العالمية التي تؤثر على حركة الاقتصاد ونموه غالبا ما تكون حريصة على إسعاد العاملين، وذلك لإدراكها بأن سعادتهم لن تولد إلا إنتاجية سخية وبالتالي دخلا أكبر، وفي ظل النمو الاقتصادي والتحسن الذي تشهده اقتصادات دول العالم في الوقت الحالي بات جليا أن مستوى السعادة لدى أفراد المجتمعات في ارتفاع مستمر وانعكس إيجابا على مستوى إنتاجيتهم ولذلك لم تعد الوظيفة موردا ماليا فحسب بل عاملا لمواصلة الشغف وتحمل المسؤوليات وبيئة العمل مقرا للإبداع والتحفيز والإنتاجية. وباستمرار هذه الأجواء التفاؤلية في مقار العمل أرى من المهم أن يبتكر الموظف طرقا وأساليب تساعده على إيجاد السعادة في بيئة العمل عبر اقتراح الأفكار المعززة للإنتاجية والمساهمة في النمو الاقتصادي لتعم السعادة على الفرد والأسرة والمجتمع. وعند الحديث عن المقياس الفعلي للسعادة وربطها بعلوم الاقتصاد والنفس والاجتماع؛ فإن السعادة هي مشاعر حقيقية يعترف بها الفرد وليس مجرد أدوات أو عوامل إنتاج وفقا لنظرية تناقض إيسترلين Easterelin Paradox للخبير الاقتصادي ريتشارد إيسترلين الذي أوضح «بأنه في وقت ما تختلف السعادة بشكل مباشر مع الدخل ولكن بمرور الوقت لا تتجه السعادة إلى الأعلى مع استمرار نمو الدخل»، وأن السعادة تتمثل في إنجاز الأمور اليومية مثل الحصول على الأموال، والتمتع بصحة جيدة والحفاظ عليها، إضافة إلى العمل في وظيفة تثير اهتمام الآخرين، وربما يكون محقا في ذلك بسبب أن القيام بالأعمال الروتينية يوميا يفقد السعادة مع مرور الوقت، وذلك لوصول الفرد إلى مرحلة التشبع من عدم تغيير أساليب ممارسة الأعمال ومنهجياتها وفقا لما تفترضه العلوم الإنسانية مثل علم النفس والاجتماع.

إن انعكاسات النمو الاقتصادي على الفرد والمجتمع وإن كانت في مجملها إيجابية وتجلب السعادة، لكن من الضروري أن نتفهم بأن بعض الأشخاص لا يكون المال سببا في سعادتهم والسعي إليه سبب في إسعادهم رغم أنه وسيلة لتحقيق المطالب والغايات ولكنه يساعد في تحقيق السعادة بالنسبة لهم، ورغم عدم اتفاقي كليا مع أن النمو الاقتصادي ليس سببا في إسعاد الفرد والمجتمع، وذلك لظني بأن تحقيق التطلعات لن يتم إلا بوجود نمو اقتصادي مستدام يضمن الرفاهية للأشخاص ويحسن من مستوى معيشتهم، ومن دونه هناك تحديات مالية واقتصادية كبيرة ستحول دون تحقيق ما يصبو إليه المجتمع من رفاهية وأريحية في تحقيق التطلعات المستقبلية، مما ينعكس إيجابا على الفرد والأسرة والمجتمع، إلا أن بعض النظريات المرتبطة بعلم النفس والاجتماع ترى أن وجود الغذاء المعنوي المتمثل في المشاعر الإنسانية كفيل بإيجاد السعادة لدى البعض، وأن الغذاء المادي المتمثل في توفير الاحتياجات اليومية هو لبقاء الإنسان على قيد الحياة، ورأيي هناك أن الغذاءين المادي والمعنوي مكملان لبناء الإنسان، ولا يمكن أن تأتي السعادة إلا بوجودهما مع ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة عبر التخطيط الجيد واتخاذ القرارات الصحيحة لإيجاد السعادة المنشودة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النمو الاقتصادی الفرد والمجتمع على المال على الفرد

إقرأ أيضاً:

المشاط توقّع مع المنتدى الاقتصادي العالمي خطاب نوايا لإطلاق «محفز النموالاقتصادي والتنمية»

وقّعت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، خطاب نوايا مع المنتدى الاقتصادي العالمي، لإطلاق «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»، وذلك بحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والبروفيسور كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى.

وبتدشين «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»، تنضم جمهورية مصر العربية، لمبادرة مستقبل النمو التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2024، استمرارًا للجهود التي تقوم بها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، من أجل تعزيز الشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، وبمثابة تعاون استراتيجي جديد يدفع الشراكة مع المنتدى.

وبموجب خطاب النوايا، يتم تطوير «محفز النمو الاقتصادي والتنمية» بجمهورية مصر العربية، بما يدعم جهود تحقيق التنمية الاقتصادية في مصر، والاستفادة من الرؤى والأفكار المستمدة من مركز الاقتصاد الجديد والمجتمع التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، كما ينص خطاب النوايا على تولي الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، منصب الرئيس المُشارك للمحفز.

وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن التعاون الجديد مع المنتدى الاقتصادي العالمي، يُرسخ الشراكة الوثيقة التي تم تدشينها مع المنتدى خلال السنوات الماضية، مضيفة أن تدشين «محفزالنمو الاقتصادي والتنمية» يمكن مصر من الانضمام لمبادرة هامة أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي، من أجل إعادة صياغة النمو العالمي ودعم صناع القرار في الدول المختلفة من أجل تحقيق التوازن بين النمو كمًا ونوعًا.

وذكرت الدكتورة رانيا المشاط، أن مبادرة مسرعات مستقبل النمو تقدم نهجًا متعدد الأبعاد لتعزيز النمو العالمي والموائمة بين الأولويات لكل دولة والأهداف العالمي، كما تتيح المبادرة البيانات والتحليلات المقدمة من مجموعة واسعة من الأطراف ذات الصلة، وعبر أكثر من 100 اقتصاد، بما يعزز التكامل ويحقق الابتكار والشمول، ويدعم جهود تبادل الخبرات والرؤى لدفع النمو المستدام.

بالإضافة إلى ذلك، نوهت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن انضمام مصر لشبكة مسرعات النمو التي تجمع مجموعة واسعة من المؤسسات والأطراف من القطاعين الحكومي والخاص والرؤساء التنفيذيين وممثلي المجتمع المدني والأكاديمي، بما يدعم جهود إعادة صياغة النمو وتشكيل مستقبل الاقتصاد، ورسم خريطة لمحركات النمو وتحديد أولوياته، وتقييم عوامل النمو والتحديات، وتعزيز أهمية الحوار والتحليل والدراسات لإطلاق العنان لفرص النمو المبتكر.

وأشارت إلى أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية تتسق مع المرحلة الجديدة التي يمر بها الاقتصاد المصري، حيث تعمل الحكومة من خلال برنامجها للسنوات الثلاثة المقبلة، على تعزيز صمود واستقرار الاقتصاد المصري، وبناء اقتصادي تنافسي جاذب للاستثمارات، والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، بما يخلق نموذجًا للنمو المستدام بقيادة القطاع الخاص .

وأشارت إلى أن هذا التعاون، يُعزز الجهود التي تقوم بها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، منذ دمج الوزارتين في التشكيل الحكومي الجديد لدفع النمو الشامل والمستدام، من خلال تعظيم الاستفادة  من أدوات التخطيط، وعناصر خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموارد الخارجية من شركاء التنمية، من أجل دعم رؤية الدولة التنموية 2030.

جدير بالذكر أن الوزارة أطلقت إطار «الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية»، الذي يقوم على على 3 ركائز رئيسية:؛ صياغة سياسة التنمية الاقتصادية القائمة على البيانات والأدلة، بناء اقتصاد مرن، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لزيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال، وحشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل.

ويعد التعاون الجديد مع المنتدى، استمرارًا للشراكة الوثيقة حيث تتولى الدكتورة رانيا المشاط، منصب الرئيس المُشارك لشبكة تحفيز الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة في الاقتصادات الناشئة، كما تتولى عضوية في عدد من المراكز والتحالفات المهمة بالمنتدى منها "مركز الاقتصاد الجديد والمجتمع" و"تحالف المرونة" و"مبادرة مستقبل النمو"، إلى جانب ذلك تُنفذ الوزارة بالشراكة مع المنتدى والمجلس القومي للمرأة، مبادرة "محفز سد الفجوة بين الجنسين" لتمكين المرأة في مصر.

مقالات مشابهة

  • الكرملين: روسيا تحافظ على وتيرة عالية من النمو الاقتصادي رغم التحديات
  • قيادي بحزب العدل: المخدرات تهدم الاستدامة في الفرد والمجتمع
  • مشيرا لاستمرار النمو الاقتصادي.. "النقد الدولي" يعتمد تقرير مشاورات المادة الرابعة مع عُمان
  • وزيرة التخطيط: محفز النمو الاقتصادي والتنمية يمكن مصر من الانضمام لمبادرة هامة
  • وزيرة التخطيط: الاستفادة من خبرات المنتدى الاقتصادي العالمي
  • المشاط توقّع مع المنتدى الاقتصادي العالمي خطاب نوايا لإطلاق «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»
  • المشاط توقّع مع المنتدى الاقتصادي العالمي خطاب نوايا لإطلاق «محفز النموالاقتصادي والتنمية»
  • رئيس الوزراء يشهد مراسم توقيع خطاب نوايا مع المنتدى الاقتصادي العالمي
  • رئيس الوزراء يشهد توقيع وزارة التخطيط خطاب نوايا مع المنتدى الاقتصادي العالمي
  • خلدون المبارك يبرز نموذج الإمارات في النمو الاقتصادي والتنوع