لجريدة عمان:
2025-04-17@19:04:10 GMT

على هامش حرب الإبادة في غزة !!

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

إن الحرب التي تشنها إسرائيل بكل جحافلها وأدوات الدمار الشامل التي تملكها بما فيها الأسلحة الكيماوية (مثل الفوسفور الأبيض وهو مادة حارقة تشتعل في الهواء الطلق وتولد درجة حرارة تتجاوز 800 درجة مئوية ولا تطفئه المياه) هي حرب إبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، سواء بحكم هستيريا القتل التي سيطرت على القوات الإسرائيلية منذ مباغتة حماس لها في السابع من الشهر الجاري وإنزال خسائر فادحة وغير مسبوقة بالقوات الإسرائيلية، أو بكشف الغطاء عن حقيقة القوات التي لا تقهر وإظهار مدى ضعفها وهشاشتها التي غطتها دوما بدعاية وادعاءات غير حقيقية استندت وتستند دوما على مخزون السلاح الأمريكي والغربي الذي تدفق ولا يزال يتدفق عليها بمبررات مختلفة حتى الآن.

ولم تعد أرقام القتلى والجرحى على الجانبين، التي تزداد بشكل دائم، مفيدة لأنها تتغير ساعة بعد أخرى، والأهم هو أن قدرات المقاومة الفلسطينية هي الآن على درجة تدعو للتفاؤل والأمل في إمكان استمرار المواجهة المسلحة لفترة أخرى نتمنى أن تكون كافية لإحداث مزيد من الضرر بالقوات الإسرائيلية وهو أمر تتبدى بوادره باستمرار حتى الآن.

صحيح تحملت وتتحمل حماس وسكان غزة الكثير من المعاناة ومشكلات التجويع وأحكام الحصار وتعمد تدمير البنية الأساسية وتخريب المستشفيات، ولكن الصحيح أيضا أن عددا من الكتاب والصحفيين ورجال الدين الإسرائيليين تحدثوا بوضوح في الأيام الماضية وفي أكثر من صحيفة إسرائيلية (هاآرتس ويديعوت احرونوت وتايمز أوف إسرائيل على سبيل المثال) عن قوة وصلابة وجلد وإرادة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضة وتْمسكه بها والتصميم على استعادتها رغم كل ما تعرض ويتعرض له من همجية إسرائيلية أفاق العالم على حجم استهانتها بالقوانين والقيم والقرارات الدولية إلى جانب إدانة كثيرين من ذوي الضمائر الحية في دول مختلفة للسلوك الإسرائيلي وإلى حد فقد بعضهم وظيفته التي قضى فيها نحو أربعين عاما بسبب مواقفهم الحرة ومنهم رسام الكاريكاتير في صحيفة الجارديان البريطانية «ستيف بل» الذي تمت إقالته بسبب انتقاده لمواقف نتانياهو وإصراره على مواصلة تدمير غزة وتخريب بنيتها الأساسية وحرمانها من مختلف سبل الحياة، رغم الإدانات الدولية المستمرة والمتزايدة له، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب التي تتكشف تدريجيا والتي تفضح أبعاد الممارسات الهمجية الإسرائيلية التي من أهمها ما يلي:

أولا، إنه في الوقت الذي تستكمل فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها عناصر حشدها العسكري - كل حسب قدرته وحسب قربه من إسرائيل وتقاطع مصالحه معها بغض النظر عما يبدو على السطح - فإن تزويد القوات الغربية وبالذات الأمريكية بمزيد من القوات البرية وبعناصر دفاع جوي متقدمة من طراز صواريخ «ثاد» و«باتريوت» يشير بوضوح إلى مدى القلق الغربي من احتمال اتساع نطاق الحرب التي قد تندلع ثم تتسع إلى المستوى الإقليمي مع بدء الاقتحام البري الإسرائيلي لشمال قطاع غزة كخطوة تجريبية، خاصة أن هناك تحذيرات مختلفة من الإقدام على هذه المغامرة ورغبة في تجنب ذلك بقدر الإمكان ليس خوفا على دول وشعوب المنطقة وخاصة إسرائيل ولكن قلقا من حجم الخسائر المحتملة التي وصفها نتانياهو بأنه «دمار لا يمكن تخيله» إذا دخل حزب الله في الحرب. جدير بالذكر أن الأيام من السابع من الشهر الجاري وحتى الآن أظهرت بوضوح أنه برغم التهديد والوعيد الإسرائيلي وحكومة الطوارئ والدعم العسكري العلني الغربي غير المسبوق لإسرائيل بزعم حقها في الدفاع عن نفسها وهو زعم باطل نظرا لأن الاحتلال الإسرائيلي لغزة والأراضي الفلسطينية هو أكبر انتهاك للقانون الدولي وللشرعية والمواثيق الدولية كما أن التهجير القسري لسكان شمال قطاع غزة من شمال القطاع إلى جنوبه هو أمر بالغ الصعوبة ليس فقط لصعوبة تهجير نحو 1.3 مليون مواطن فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، هذا فضلا عن تعذر إمكانية توفير الاحتياجات اللوجستية والإدارية والمعيشية لهذا العدد الكبير من المواطنين الفلسطينيين خلال وقت قصير. أما عمليات الضغط المباشر على سكان شمال قطاع غزة سواء بإسقاط منشورات التهديد للسكان باعتبار أن من يرفض النزوح وإخلاء منزله ستعتبره إسرائيل عضوا في حركة حماس ومعاملته على هذا الأساس أو التعرض لخطر الموت في الغارات الإسرائيلية التي تزداد كثافة وهمجية في الأيام القادمة. ولأن الموت هو ما ينتظر الفلسطينيين أو الكثير منهم فإن ذلك منح المواطنين في غزة المزيد من التصميم على التمسك بالأرض ورفض التحرك إلى وادي غزة، والأكثر من ذلك فإن بعض الذين تحركوا في الأيام الماضية فضلوا العودة إلى ديارهم خاصة بعد أن تعرضوا لإطلاق النار خلال نزوحهم وعودتهم.

ثانيا، إنه في حين تعيش المنطقة أجواء حرب وصراع مسلح تملك فيه إسرائيل كل أنواع الأسلحة المتطورة في حين تعتمد حماس والفصائل الفلسطينية على أسلحة أقل تطورا بكثير حيث تعتمد حماس والفصائل الأخرى في تسليح نفسها على ما تحصل عليه من دول صديقة وعلى ما تشتريه وعلى ما تحصل عليه بالتهريب أو بصناعة بعض الأسلحة وهي في مجملها لا يمكن أن تقارن بالترسانة الإسرائيلية والغربية المفتوحة دون تحفظ لتلبية احتياجات إسرائيل التي وصلت إلى ذروتها في ظل إدارة بايدن مما أدى إلى انتقاد لسياسة الرئيس بايدن بسبب انحيازه «الأعمى» لإسرائيل وإهماله الجانب الفلسطيني حسبما أشارت وثيقة وقعها أربعمائة شخصية وديبلوماسي أمريكي، وقد أدت هستيرية وهمجية القصف الإسرائيلي لغزة وتدمير نحو نصف مبانيها ومعظم مؤسساتها الخدمية إلى ظهور درجة عالية من إدانة واستنكار سياسات إسرائيل والتأييد الأمريكي والغربي لها، وهو ما انعكس بوضوح في حجم واتساع المظاهرات المعادية لإسرائيل ولنتانياهو ذاته في مظاهرات امتدت من تل أبيب إلى نيويورك ولندن ومدريد وروما فضلا عن عشرات المدن العربية والإقليمية وبامتداد العالم وهو ما أعاد الحياة إلى القضية الفلسطينية التي حاول نتانياهو دفنها بكل الوسائل المتاحة، ومع أن الثمن كان ويظل فادحا وعلى حساب أرواح ودماء عشرات الآلاف من الأطفال والشباب والنساء والشيوخ الفلسطينيين إلا أن ما يخفف ولو نسبيا من ذلك هو أن هذه المجازر الهمجية أثبتت أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بتصفية قضيته ولا بالترحيل القسرى ولا بأي ثمن وأنه لن يقبل بأي بديل لأرضه وأرض أجداده مهما بلغت التضحيات وتحت أية ظروف ولعل ما يؤكد نجاح الصمود الفلسطيني، رغم تضحياته لأكثر من سبعين عاما، أن هناك من الإسرائيليين من يفكرون في مغادرة إسرائيل وبشكل يتزايد مع مرور الوقت وهو ما بدأ يعكس نفسه في مناقشات الإعلام الإسرائيلي بأوضح مما كان سابقا لحل تقام في إطاره دولة فلسطينية مستقلة وهو أمر بالغ الدلالة إذا لم يتم التوصل إلى حل عادل ومتوازن في إطار حل الدولتين ووفق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية.

ثالثا، جدير بالذكر أنه في حين يلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورا بالغ الأهمية في الحرب على قطاع غزة مع قيام العديد من الأطراف والوسائل والمؤسسات بممارسة عمليات ترويج لأكاذيب مفضوحة بالنسبة للقضية الفلسطينية ولتطورها ومحاولة طمس حقائقها بما في ذلك حقائق وممارسات حدثت قبل أيام فقط، ولا تزال حية في ذاكرة شهود العيان، فإن الجدل الذي حدث حول ما سمي بصفقة القرن والحديث حول ترحيل مواطني غزة إلى صحراء سيناء وإخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين، وما قد يتبع ذلك من إخلاء الضفة الغربية المحتلة منهم بترحيل الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن الشقيق بما يعني إخلاء الضفة كان جدلا بالغ الأهمية، ليس فقط لأن مصر والأردن رفضتا بشكل حاسم هذا الأمر، حيث اعتبرته مصر خطا أحمر بالنسبة لأمنها القومي واعتبرته الأردن بمثابة إعلان حرب كما أكدت الدولتان رفضهما ذلك في بيان مشترك، ولكن أيضا لأن هذا الجدل أيقظ الوعي الجماهيري المصري والأردني والعربي العام بهذه القضية ووضع خطوطا لن يستطيع أحد تجاوزها للمخاطر العديدة التي يمكن أن تترتب عليها ولا يفيد في ذلك الزعم بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني بغض النظر عمن يزعم ذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی قطاع غزة وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟

يتبين للمتابع منذ عودة حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة في 18 آذار/ مارس الماضي أنها حرب فوق كل الأهداف المعلنة المزعومة لها، وعودتها خارج كل المبررات المساقة من الإسرائيليين، وجاءت بعد اختبارهم الناجح للعالم وللإدارة الأمريكية الجديدة عبر انتهاك الاتفاق عشرات وربما مئات المرات أمام ترامب، فكانت نتيجة طبيعية للشعور المفرط بقوة الدعم الأمريكي لكل ذلك. وفي الواقع كانت بقرار وأمر أمريكي يدعو بنيامين نتنياهو لذلك أو يحركه بهذا المسار لينوب عن واشنطن في إبادة أهل غزة؛ لدوافع سياسية اقتصادية كشف عنها ترامب نفسه من خلال صفقته المضخمة حول غزة مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الذي دمرته إسرائيل، وهو ما شكل حجر الأساس الأمريكي لتدمير الاتفاق وبما يتماشى مع رغبات نتنياهو الشخصية والسياسية بمواصلة حرب ضد شعب فلسطيني أعزل، بهدف دفعه نحو التهجير القسري وتفريغ غزة وسرقتها.

وتشير المعطيات منذ استئناف الإبادة إلى أن معركة وجودية لم يعد يخوضها الاحتلال ضد المقاومة المقاتلة ككيان عسكري في قطاع غزة، بل إنها معركة وجودية بالنسبة إليه ضد كل الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، وانتقل الحديث المعلن المكشوف لدى كثير من قادته ووسائل إعلامه باعتبار المدنيين أضرارا

جانبية إلى جعلهم هدفا معلنا، وهو أوقح أنماط الإصرار على الإبادة، فما يحدث في غزة الآن حرفيا هو إبادة فقط وإبادة للسكان الأصليين بدون الحد الأدنى من المقاومة المعتادة المعهودة، أو على الأقل الظاهرة بتكتيك المعارك الثابتة والتصدي المباشر.

إنها حرب يشنها جيش منظم على عظام المدنيين وخيام النازحين دون مقدمات أو مبررات، فحتى مبرر هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد بطل كليا من النواحي السياسية والعسكرية والشعبية التي تحركها دوافع الانتقام نفسها والرغبة بالتدمير العسكري للمقاومة الفلسطينية نفسها وتحرير الأسرى، هذا إن افترضنا بشكل حيادي للحظات أنها معركة لفعل ذلك، فكل ذلك لم يعد مبررا بالمرة ولم يعد أحد يمكنه تصديق كل ذلك، حتى من كثير من الجنود وضباط الجيش والمخابرات في دولة الاحتلال وكثير من حلفاء إسرائيل والمؤيدين لإبادة غزة، فانتقلت إسرائيل بكل وقاحة لمرحلة الإفصاح عن الهدف المباشر، وهو القتل الجماعي بهدف القتل الجماعي الذي يؤدي لتهجير السكان أو دفعهم للهجرة بعد قتل نسبة كبيرة منهم. حتى الجولة الأولى من الإبادة قبل الاستئناف الأخير في 18 آذار/ مارس الماضي لم يكن شكلها بهذا الشكل.

وهذا الكلام ليس للوم المقاومين، فهم بذلوا كل ما يملكون وما يمكنهم سواء أكانوا يحاولون الحفاظ على بعض مقدراتهم المحلية أو ضرب العدو بذكاء وبشكل نوعي محقق ليظهر بمظهر الإرهابي أكثر وأن يسوؤوا وجهه أكثر سياسيا وحقوقيا وعسكريا من خلال عدم الرد أو التعامل معه عسكريا بنفس الطريقة السابقة قبل استئناف الإبادة، أو ربما بسبب أنه لم يعد لديهم مقدرات كافية لفعل ذات الأمر. وأتحدث هنا بتجرد تام وحيادية مؤقتة.

وفي سياق المقترح المقدم لاتفاق جديد مؤخرا فهناك نقطتان خطيرتان في المقترح الجديد الذي مررته مصر لحركة حماس من الاحتلال والذي قالت حركة حماس إنها تدرسه، وهما: تضمنه شرطا ابتزازيا بالتفاوض على نزع سلاح المقاومة بغزة كشرط أساسي لأي اتفاق لوقف إطلاق النار وفقا لما تم نشره وتداوله، وهو أمر رفضته حماس كليا وقطعيا، وثانيا فكرة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ضمن دفعتين فقط مقابل أسرى فلسطينيين، والتزامات تترتب على الاحتلال وضمن فترات زمنية. وهذا يسهل على إسرائيل التنصل لاحقا والعودة للإبادة التي ترغب بها، فهي فعلت شيئا مشابها وتنصلت من التزاماتها في الاتفاق الأخير ومنعت الانتقال للمرحلة الثانية رغم أن الإفراج كان يتم على دفعات صغيرة، فإن تم تعجيل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ضمن دفعتين فهذا يعني تعجيل تمكن الاحتلال من التنصل منه في حال لم تكن هناك ضمانات أقوى ضد إسرائيل؛ من خلال ابتزازها بأوراق من المقاومة داخليا أو بقوة ردع من المجتمع الدولي.

وبالعودة لمسألة حرب الإبادة وقدرات المقاومة، فربما يرجح أن المقاومة تركت الجيش الإسرائيلي يقاتل دون إشعارها له بوجود عمليات مقاومة ثابتة متكررة الضربات ومتوقعة التكتيكات، وهو ما يربك الاحتلال ويعزز عنصر المفاجأة لدى المقاومة والخوف لدى الجنود الإسرائيليين المتوغلين، كما يعزز من استراتيجية اقتصاد القدرات لديها، ومن ناحية أخرى يثبت أو يتقارب مع نظريات عسكرية تحدث عنها جنرالات أمريكيون متقاعدون من أن المقاومة (بشكل عام وليست الفلسطينية فقط، بل من حيث المبدأ لدى المقاومات) تعمل أحيانا بتكتيكات تحاول إبراز الجانب الإجرامي والدموي الوحشي غير المبرر للاحتلال ضد السكان، من خلال كشف معركته الحقيقية التي هي ضد كل السكان الأصليين وليس ضد حَمَلة السلاح والمقاتلين، وهذا بحد ذاته يضعفه ويضعف روايته ويربكه أمام مجتمعه وأمام العالم وأمام المقاومين أنفسهم.

والمحتل في كل الأحوال يرتكب الجرائم وسيتم الرد عليه مهما اختلف التكتيك في القتال، لكن هذه الأساليب ترفع من أسهم المقاومة والرأي العام الداعم لها وللشعب الفلسطيني، وتحسن الحالة النفسية للمقاومين وتحسن الاستثمار الوطني والنتائج الممكنة بالتضحيات الكبيرة وفقا لوجهات نظر، كما تُشعر الجندي الإسرائيلي بأنه يقاتل بشكل عبثي ودون وجهة أو هدف واضحين، كما ينزع هذا الأسلوب وفقا لمقالة للمحلل في قناة الجزيرة سعيد زياد؛ الشرعية عن حرب الاحتلال داخليا أمام جمهور الإسرائيليين ويظهرها بمظهر الحرب العبثية التي تشن لأهداف شخصية لدى نتنياهو واليمين الإسرائيلي.

وعلى الرغم من كل ذلك تبقى حقيقة أن المقاومة هي بإمكانيات محدودة عسكريا من الناحية العملية، وموضوعيا إن أردنا مناقشة الأمر المتعلق بالشرط الإسرائيلي بنزع سلاح المقاومة بواقعية عسكرية وسياسية، فهدف إضعاف المقاومة عسكريا قد تحقق إسرائيليا وإن نسبيا، فيستحيل أن تكون المقاومة لم تفقد كثيرا من قوتها مقارنة بما قبل هذه الحرب الوحشية، وهذا لا يعني أنها غير قادرة على الردع والصمود والثبات.

وفكرة نزع سلاح المقاومة هي فكرة غير قابلة للتنفيذ بتاتا؛ ليس لأنه أمر غير قابل للمساومة والنقاش أو لأنه من ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة للدفاع عن بقائه على قيد الحياة ومواجهة الاحتلال دون شطب كامل له ولهويته، فالفلسطينيون صنعوا سلاحهم محليا ويمكنهم صناعة مثله من أبسط الإمكانيات دائما، ولكن لأنه لا يوجد سلاح للنزع أصلا، بل هي محاولات فلسطينية لإيجاد سلاح وردع والحفاظ على البقاء، وليس سلاحا بالمعنى الحقيقي للسلاح الذي يمكن نزعه.

وفكرة استمرار القصف الإسرائيلي على غزة والتدمير والقتل حتى اللحظة دون مواجهة عسكرية شاملة في كل زقاق وشارع وحي كالسابق؛ من منظور عسكري غير مبررة عند الإسرائيليين، فالمقاومة حاليا شبه منزوعة السلاح وإن نظريا وصوريا أو إن كانت تفعل ذلك كخدعة، لكن هذا ما يظهر واستنفدت كثيرا من إمكانياتها في مراحل مضت من محاولة التصدي لجرائم الإبادة، بل إن أسلحتها من الأساس دفاعية خفيفة يمكنها إن استخدمت بذكاء واقتصاد ومرونة كما أن تحدث إصابات مؤكدة لكنها ليست حاسمة، ولا يمكن غالبا من تكرار طوفان الأقصى كل عدة سنوات مثلا، فعن أي نزع سلاح يتحدث الإسرائيليون إذا؟!

أنا لا أتحدث هنا عن رؤية كل منا للطريقة الأفضل التي يمكن أن تدار بها معركة أو نهج قتالي من مقاومة شعبية ضد احتلال، فهذه معركة طويلة ولها رؤى عديدة كلها تحمل في طياتها الإيجابي والسلبي، وليس الحديث أيضا عن خلافات أيديولوجية أو خصومات سياسية أو توافق مع حركة المقاومة الأبرز حاليا، أو حول سؤال كيف نفكر باليوم التالي، فالأمر تجاوز ذلك منذ وقت طويل من عمر هذه المجزرة المتواصلة، وكل تلك القضايا نوقشت وقيل فيها كل شيء، بل إن اليوم التالي الفلسطيني نوقش مرارا وتكرارا بين الفلسطينيين بمن فيهم الفرقاء وتم التوصل لحالة يمكن تطبيقها كتشكيل حكومة وحدة وطنية أو لجان إسناد تدير القطاع مثلا. حتى مسألة إن كانت المقاومة قد فكرت مليا بنتائج الطوفان أم لا نوقشت، ولم تعد هذه المسألة هي الفكرة الرئيسية اليوم ولم يعد النقد الداخلي هو أساس الحل أو المشكلة، رغم أهميته، وذلك بصرف النظر عن كل الرؤى؛ من أكثرها تمسكا بالمقاومة المسلحة إلى الأبعد عنها أو حتى من يجاهر بالعداء معها. تجاوزت الأمور مسألة كيف يمكن للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم دعم غزة وفلسطين في ظل حرب الإبادة المستمرة، كما تجاوز الأمر كل مراحل خذلان المدنيين والمقاتلين في قطاع غزة الذين خفت ذخيرتهم وجفف عنهم الطعام والدواء والماء وكل شيء، هذا عدا عن القتل الجماعي الذي لا يتوقف للحظة.

 لكن بالفعل، ماذا يعني طلب نزع سلاح المقاومة في ضوء كل ذلك؟ وماذا تعني فكرة نزع سلاح كان بالأصل سلاحا دفاعيا مصنعا محليا خفيفا لم يعد موجودا منه الكثير، وحتى إن كان بالأصل موجودا فهو لا يعادل سلاح كتيبة شرطية في أصغر دولة في العالم؟ ماذا يعني نزعه كشرط لوقف المقتلة؟ وهل هذا يعني شيئا سوى تأكيد أن إسرائيل خائفة من أبسط أداة يمكن أن يقاتل بها الفلسطينيون للبقاء وتأكيد على استمرار المقتلة والإبادة أطول وقت ممكن؟

ما يعنيه ذلك باختصار هو أن السلاح الذي تتحدث إسرائيل عن ضرورة نزعه من غزة هو الشعب، نعم الشعب الفلسطيني، فإما نزع الشعب وتهجيره واقتلاعه أو الإبادة، أو ربما كلاهما معا، لأن السلاح العسكري الحقيقي بالأساس هو سلاح مقاومة قدراتها محدودة مصدرها الشعب نفسه، والتسليح كنظرية فعلية بسيط جدا وسطحي ومحدود في كل من تخشاهم إسرائيل عسكريا مقارنة بها، وهذا ما أثبتته الوقائع منذ نشوئها إلى اليوم وليس فقط خلال حرب الإبادة الأخيرة، ولا ترقى الأمور لفكرة النزع فهو سلاح متواضع خفيف بسيط محلي الصنع.

الشعب الفلسطيني في غزة ككتلة بشرية كبيرة هو السلاح المراد نزعه هذه المرة -على الأقل في غزة- لأنه سيقاوم دائما بمجرد بقائه في أرضه، وهو من يقاوم، وهو السلاح حتى لو امتلك حجرا أو قلما أو رصاصة. لو كان هناك سلاح عسكري حقيقي لدى الفلسطينيين لما استمر الشيء المدعو "إسرائيل" حتى اللحظة أصلا، باعتبار المعركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي المعركة الوجودية الصفرية الأشد بين الكيان والسكان الأصليين، ورفض نزع سلاح الفلسطينيين يعني رفض انتزاعهم من أرضهم بكل بساطة.

مقالات مشابهة

  • بيوم الأسير الفلسطيني.. تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى (إنفوغراف)
  • موظفة مقالة من مايكروسوفت: للشركة دور في الإبادة الإسرائيلية في غزة
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 51 ألفا و65 شهيدا منذ بدء الحرب
  • بسبب غزة .. المالديف تحظر دخول حاملي جوازات السفر الإسرائيلية
  • الصحة بغزة تعلن استشهاد 1400 كادر طبي خلال الإبادة الإسرائيلية
  • ملك الأردن يبحث مع سيناتور أمريكية جهود وقف الإبادة الإسرائيلية بغزة
  • وزارة الصحة في غزة: 1400 كادر طبي ضحايا الإبادة ‘الإسرائيلية’
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 51 ألف شهيد منذ بدء الحرب
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • جراء الاعتداءات الإسرائيلية.. خروج آخر مستشفى في غزة عن الخدمة