القضية الفلسطينية في الخطاب السياسي العماني
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
إثر طوفان الأقصى.. صبّت إسرائيل للتغطية على هزيمتها جام غضبها على المدنيين؛ بما فيهم الأطفال والمرضى، ومن جرائمها النُكر قصف دور العبادة والمستشفيات، وأصبح ضحاياها يحسبون بالدقائق. وهناك تخوّف من تمدد الحرب، ودخول المنطقة في الفوضى، وظهور موجة من الإرهاب، وارتفاع أسعار الوقود، وهبوط أسواق المال العالمية.
لذلك؛ سعت سلطنة عمان مع المجتمع الدولي إلى تهدئة الأوضاع والحفاظ على أرواح المدنيين، حيث أكد مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق -أدام الله مجده- خلال اجتماعه بمجلس الوزراء في: 11/ 10/ 2023م على تضامن سلطنة عمان (مع الشعب الفلسطيني الشقيق، ودعم كافة الجهود الداعية لوقف التصعيد والهجمات على الأطفال والمدنيين الأبرياء، وإطلاق سراح السجناء وفقًا لمبادئ القانون الإنساني والدولي، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لحماية المدنيين وضمان احتياجاتهم الإنسانية، ورفع الحصار غير المشروع على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، واستئناف عملية السلام؛ لتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة كافة حقوقه المشروعة، بإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وفق مبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وجميع القرارات الأممية ذات الصلة)، وأجرى جلالته -حفظه الله- اتصالات مع بعض رؤساء الدول؛ بغية الوصول إلى التهدئة وإيقاف نزيف الدم الفلسطيني. كما أن سلطنة عمان بترؤسها حاليًا مجلس التعاون لدول الخليج العربية، دعت إلى عقد جلسة استثنائية للمجلس الوزاري، بتاريخ: 17/ 10/ 2023م؛ لبحث تطورات الأوضاع في غزة. وقد طالب المجلس بالوقف الفوري للعمليات الإسرائيلية، وتقديم إغاثة عاجلة للشعب الفلسطيني، وأكد على تقرير مصيره وإقامة دولته، وعلى التزام المجلس بموقفه الثابت، الداعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية.
إن القضية الفلسطينية في صلب الاهتمام العماني، وهذا ليس أمرًا غريبًا على العمانيين، فاهتمامهم بإخوانهم الفلسطينيين منذ بدء الأزمة الفلسطينية، وقد تتبع محمد العريمي ذلك في مقاله «العمانيون لم ولن ينسوها.. نماذج من تفاعلهم مع القضية الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي»، [أثير، 16/ 10/ 2023م]. وفي الدولة الحديثة حازت القضية الفلسطينية من السياسة العمانية اهتمامًا بالغًا؛ فهي تأتي في أول اهتمام الخطاب السامي بعد الشأن العماني. وبالعودة إلى «كلمات وخطب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، طيّب الله ثراه» نجد أن الخطاب في نظرته للقضية ركّز على أسس منها:
أ. إرساء السلام: وهذا مبدأ تسير عليه الدولة العمانية، وهو ليس تكتيكًا متغيّرًا وفقًا للمصلحة، ولا استراتيجية تبنى عليها السياسات فحسب، وإنما مبدأ راسخ، وبتعبير الخطاب (السلام مذهب آمنّا به)، وهو مطلب يجب أن يتحقق دون تفريط في الحقوق، ولا إفراط يضر بأي طرف: (مطلب نسعى إلى تحقيقه دون تفريط أو إفراط)، فيكون (على أساس من العدل الشامل والاحترام المتبادل).
وعلى هذا المبدأ العظيم قامت الدولة العمانية في (السياسة الخارجية؛ فهي ترتكز على مبادئ أساسية لا نحيد عنها منذ فجر النهضة المباركة، وهي مبادئ تنبع من قناعتنا بالسعي لما فيه الخير والسلام للجميع). وعليه تقيم سلطنة عمان أواصر علاقاتها مع الدول وشعوبها، ومنها القضية الفلسطينية: (وفي ضوء هذه المبادئ.. فإننا نعمل دائمًا مع الأسرة الدولية على ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار والسلم في العالم).
ب. تحقيق العدل: السلام الذي لا يحقق العدل ليس بسلام، وإنما هو ظلام، والخطاب السامي.. يؤكد أنه في السعي إلى السلام لحل القضية الفلسطينية لابد من تحقق العدل، فهو وحده مؤدٍ إلى هناء البشرية وطمأنينتها: (إن الظلم ظلمات، ونحن ضد الظلم والظلام، ومع العدل والنور والوئام. ولن تهنأ البشرية ولن تكتب لها الطمأنينة إلا بإقامتها ميزان العدل، واحترامها لكل ما يكفل للإنسان حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها حقه في الكرامة وعدم الإذلال، وحقه في الحرية والاستقلال). فالسلطنة.. تساند الحل السلمي، بشرط أن يكون عادلًا يعيد للفلسطينيين حقوقهم: (ندعو إلى تقديم مزيد من الدعم والمساندة للجهود المبذولة في سبيل التوصل إلى حل سلمي دائم وعادل يعيد الحقوق المشروعة إلى أصحابها، ويضمن الأمن والسلم والاستقرار لدول المنطقة).
ج. تقرير المصير: أي قرار يُتخذ تجاه الشعب الفلسطيني ينبغي أن يكون صادرًا عن إرادته، فهو وحده من يقرر مصيره، وبما يكفل له حقوقه ويرفع عنه الظلم: (وإيمانًا منا جميعًا بواجبنا القومي في دعم ومناصرة القضية الفلسطينية؛ فإننا نؤكد على ضرورة العمل، ودون إبطاء، لإيجاد حل عادل ومشرف، ينصف الشعب الفلسطيني، ويستجيب لمبادراته السلمية وانتفاضته الباسلة في الأراضي المحتلة، التي تعبّر عن إصراره على حقه في الحرية وتقرير المصير). (والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، ونضاله المشروع من أجل الحرية وتقرير المصير).
د. وحدة الكلمة: لكل قضية بيئة حاضنة، بيئة لابد أن تكون مرصوصة الصف موحدة الكلمة. والأمة العربية.. حاضنة القضية الفلسطينية، كلٌ لا يتجزأ، واحتلال فلسطين هو تعدٍ على الحق العربي كله، وعُمان.. مع (تأييد الحق العربي، في استعادة جميع الأراضي العربية التي اغتصبها العدو بالقوة والغدر والإرهاب. وسنبقى دائمًا مؤيدين للحق العربي ندعمه بالدم والمال، ونسانده بكل طاقاتنا، حتى يعود الحق إلى نصابه، وترتفع أعلام النصر على الرؤوس بعون الله). وعُمان مع أشقائها العرب ضد العدوان الصهيوني: (لقد شارك شعبنا بقدر استطاعته في معركة الأمة العربية، مع أشقائه في الوطن العربي الكبير ضد العدو الصهيوني، وكان ذلك بدافع الإيمان بأننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، نعتز بالانتماء إليها، ونفخر بالمشاركة في معاركها، والإسهام في حل قضاياها ومشاكلها، تقديرًا لأهمية إجماعها على عمل ورأي وكلمة).
هـ. التعاون الدولي: القضية الفلسطينية.. ليست شأن الفلسطينيين وحدهم، أو العرب والمسلمين فحسب، بل هي شأن إنساني، وما لم تتعاون الدول؛ خاصة ذات التأثير العالمي، فالمشكلة لن تحل، ولذا؛ دعا الخطاب السامي المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم؛ لتحقيق تسوية عادلة ترفع عن الشعب الفلسطيني معاناته: (إننا ندعو المجتمع الدولي وكل القوى العالمية، لتقديم المزيد من المساندة والدعم للجهود الرامية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، وبالمستوى الذي يمهد الطريق لتحرك جاد، يعمل على التوصل إلى تسوية سلمية عادلة ودائمة، تضع حدًّا للمعاناة القاسية التي يرزح تحتها الشعب الفلسطيني). (كما ندعو القوى الدولية الصديقة لإسرائيل للقيام بمسؤوليتها، وممارسة كل ما لديها من وسائل التأثير الفعال، لوضع حد للتعنت الإسرائيلي؛ لكي تتاح فرصة حقيقية للتوصل إلى تسوية سليمة شاملة، تكفل نهاية سريعة للمحن القاسية والمريرة، التي يعانيها الشعب الفلسطيني كل يوم تحت وطأة الاحتلال، وتعيد إليه حقوقه المشروعة في الحرية).
ز. دولة للفلسطينيين: تبنّى الفلسطينيون ممثلين في السلطة الفلسطينية «حل الدولتين» بحدود 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وقد أيدتهم فيه الدول العربية وعموم النظام العالمي، وأيدت سلطنة عمان هذا الحل، على أن تكون الدولة الفلسطينية ذات سيادة مستقلة، وأن يُرفع الظلم والمعاناة عن الفلسطينيين: (ونؤكد على دعمنا الكامل لحق الشعوب العربية في استعادة أراضيها المحتلة عام 1967م، ونقف بكل حزم إلى جانب الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف)، و(نحن ندعو بقوة إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة قابلة للاستمرارية في أقرب فرصة).
هذه أهم الأسس الثابتة التي ارتكز عليها خطاب السياسة العمانية تجاه القضية الفلسطينية، وعملت الحكومة ووزارة الخارجية على تفعيلها في تحركها العربي والدولي، وستبقى سلطنة عمان سائرة عليها في نهضتها المتجددة، إلى أن تحل المشكلة، ويرتفع الظلم والمعاناة عن الشعب الفلسطيني، وترجع إليه حقوقه كاملة، في دولة فلسطينية مستقلة غير منقوصة السيادة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی المجتمع الدولی سلطنة عمان مع الدول
إقرأ أيضاً:
السلام والتنمية في ليبيا: العقوري يدعو لتوحيد الجهود وتجاوز الانقسام السياسي
ليبيا – انطلاق المؤتمر الأول للسلام والتنمية في بنغازي برعاية مجلس النواب
افتتح رئيس لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب، يوسف العقوري، المؤتمر الأول للسلام والتنمية الذي أقيم في مدينة بنغازي تحت شعار “السلام ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة”.
فرص واعدة ومسيرة إعمار
العقوري أكد في كلمته أن ليبيا تمتلك العديد من الفرص الواعدة، مشيرًا إلى أن المؤتمر يمثل فرصة للتعريف بالاستقرار ومسيرة الإعمار التي بدأت في البلاد.
دعم التنمية من خلال صندوق إعادة الإعمار
وشدد العقوري على دعم مجلس النواب لعملية التنمية عبر إنشاء صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، لتجاوز الانقسام السياسي وتحقيق الاستقرار. وأوضح أن التنمية تمثل أولوية للمجلس في ظل الجهود المبذولة من القوات المسلحة لمحاربة الإرهاب والتطرف كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار.
تعزيز النمو الاقتصادي وقضايا الشباب
وأشار العقوري إلى أن مسيرة التنمية ستستمر لتشمل تعزيز النمو الاقتصادي، معالجة قضايا الشباب، ومحاربة الفقر، مشددًا على أهمية الاستفادة من خبرات دول الجوار والدول المتقدمة لدفع عجلة التنمية في البلاد.