لجريدة عمان:
2025-02-05@08:23:14 GMT

عندما يُقتل الجمال

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

الإنسان بفطرته عاشق للجمال، سمعا وبصرا وتذوّقا وشمّا ولمسا، وهذه طبيعة سويّة في الإنسان، ولهذا الوجود تناسق مع الجمال، من صحراء وسهول وبحار وأنهار وواحات، وتجلّى مصدر الجمال الوجوديّ في الإنسان، فهو صورة الوجود من تناسقٍ وتماهٍ معه، ثمّ تجلّى الوجود الأصغر أي الإنسان، والوجود الأكبر أي الكون في الأطفال، فهم نفحة الله في الوجود، وبراءة الحياة في التّناسق والجمال، وهم مرآة لجمال الكون، وانعكاس لجمال الإنسان.

جمال الأطفال نَفَسُ الحياة، فبقربهم تهدأ النّفوس، وتطمئن الأبدان، وبشغبهم وصراخهم ولعبهم وحركتهم نعلم أنّ في الكون حياة، فأيّ عقل سوي يقتل هذا الجمال، وأيّ دين إلهي يبيح لهم ذلك، وأيّ منهج سياسيّ أو إعلاميّ أو دوليّ يبرّر لهم ذلك أيضا.

ما حدث لأطفال غزّة عموما، وللمستشفى المعمدانيّ خصوصا لا تتقبله نفس سويّة، ولا تبرّره فطرة إنسانيّة، أطفال يلعبون ويمرحون، يرون القتل والدّمار من أمامهم وخلفهم، وأصوات رشاشات الفناء لا يفارق مسامعهم، حرموا من حنان الطّفولة، ومن سكينة الأبوة، فما بقي لهم في الكون إلّا اللّعب مع من نجا معهم، ومع هذا في عشيّة وضحاها يحرمون منه، وليتهم حرموا من اللّعب، بل حرموا من حقّ الحياة كباقي البشر.

أي جرم إنسانيّ هذا، صورة واحدة تكفي لتحرك العالم لوقف هذا الهذيان، فكيف بآلاف الصّور والمشاهد المرعبة، والّتي لا يتحملها قلب الإنسان، لتكون شاهدة للأجيال القادمة أنّ العالم اليوم، وفي هذه اللّحظة التّأريخيّة، والتي شاء القدر أن نكون جزءا منها، قد قام بقتل هذا الجمال، والعالم جميعه سياسيّا ما بين تأييد وسكون وتبرير، وما بين استنكار وبيان وتنديد خجول، ولكن مسرحيّة القتل لا تتوقف، ومسيرة البطش تسرح كما تشاء، وتفعل ما تشاء.

(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)، هي نفس واحدة تسأل العالم أجمع، بأي ذنب اقترفته لتقتل، وليحكم عليها بالفناء، هل حملت سلاحا، أو أحدثت إرهابا، فلماذا تجوّع وتحرم من حقّ الطفولة، ثمّ لماذا يكون مصيرها التّشويه الجسديّ والفناء.

هذه الدّول الكبرى، والتي بسلاحها يقتل آلاف الأطفال في غزّة اليوم، ألم تتحدّث بالأمس عن حقّ الطّفولة؟، وألم تضع قوانين في ذلك؟، وتحاسب الدّول المنتهكة لحقوق الطّفولة والمقصرة فيه، واليوم بسلاحها ومالها وبحقّ الفيتو هي لا تنتهك هذه الحقّ فحسب، بل تقتل هذا الحقّ وترفعه من الوجود.

طفل واحد تزهق روحه بغير حقّ، أو يحرم من طفولته بلا جرم، يكفي أن يستنفر العالم لذلك، فكيف بمئات الأطفال ما بين مشوّه ومقطعة أجساده، وما بين جريح ومقتول أمام مرأى ومسمع من العالم، فإن كان الخبر كاذبا، فالصّورة لا تكذب.

إنّ القتل النّفسيّ، والحرمان الأسريّ، والّذي سيعانيه أطفال غزّة وغيرهم ممّن نجا منهم، هو أيضا لا يقل خطورة، وسيبقى في ذاكرة هؤلاء طول حياتهم، حتّى يولد من أصلابهم جيل آخر يعيشون لحظة تأريخيّة أخرى، لا علاقة لها بهذه اللّحظة التّأريخيّة السّوداء الّتي نعيشها الآن.

ما يحدث في غزة اليوم من قبل الكيان المحتل، ليس قضاء على الإرهاب كما يدّعون، وليس دفاعا عن النّفس، وليس حربا على الاعتداء؛ بل هي عبثيّة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، ففي كلّ مرة يقتلون الأطفال والنّساء والشّيوخ والمدنيين بلا ذنب، وليست حالة واحدة أو أخرى، وليس في لحظة تأريّخيّة وزمنيّة واحدة، فمنذ 1948م وحتّى اليوم، تتكرّر في كلّ عام مرة أو مرتين ثمّ لا يتوقفون، ومنهم خلفهم دول كبرى لهم يدعمون ويبررون ويصفقون، فأيّ عبثيّة هذه في حقّ الوجود والجمال والإنسان.

حدّثنا التّأريخ عن حالات تحدث في ظرفيّتها مع سوءاتها، لكنّه لم يحدّثنا عن إبادة لهذا الجمال لما يقرب قرن من الزّمان، فأيّ دين يبيح هذا، وأيّ قانون يبرر لهم ذلك، وأيّ فطرة وعقل يتقبله، فلابدّ أن يتوقف هذا العبث بالجمال والإنسان والطّفولة، التي خلقت حرّة لا ذنب لها، ولا علاقة لها بدين أو بلد أو حركات جهاديّة أو غيرها، فبأي ذنب تحرم من حقّ الحياة والتّمتع بها كباقي أطفال العالم؟!

إنّ الجبان هو من يظهر شجاعته على الضّعيف، والقوي هو من يحمي الضّعيف، فما نراه الآن في غزّة هو دليل ضعف لا قوّة، ودليل هزيمة لا انتصار، ثمّ لهو دليل أنّ العدو فاقد للسّيطرة على الأمور، وغير قادر على الاتّزان، وعلى المواجهة الحقيقيّة.

يجب أن تتوقف هذه العبثيّة بحقّ الجمال والإنسان اللّحظة قبل الغد، ولابّد أن يكون العالم صفا واحدا في ردع كلّ من يعبث بذلك، أو يبرر ذلك، وعلى هيئات حقوق الإنسان، والأحرار في العالم التّحرك والضّغط السّريع في ذلك، وإلّا فهناك مجازر أخرى سيجدون ما يبرّرها.

وإنّا لنشكر أحرار العالم وقفتهم الإنسانيّة، فأصبح العالم اليوم ليس كالأمس، وإعلام اليوم ليس كإعلام الأمس أيضا، حيث أصبحت الشّعوب شرقيّة وغربيّة مدركة لهذا العبث الذي يحدث في غزّة، من حصار وقتل وتشريد، وقتل للطّفل والجمال والإنسان، إلّا أنّه يحتاج إلى مزيد من الضّغط الحقوقيّ لإيقاف هذا العبث، وألّا يتوقف عند البيانات والقصائد والمظاهرات فحسب، لعلّ العالم الحر يجتمع على حماية الطّفولة والجمال والإنسان من عبث السّاسة وبطشهم وتناقضهم.

ثمّ إننا لابدّ أن نفرق بين المبادئ وتصرفات السّاسة، فهذه المبادئ الإنسانيّة الدّاعية إلى حماية الجمال والإنسان والطفولة، والتي ناضل لأجلها الفكر الإنسانيّ، واجتمع عليها الدّين والفلسفة، وخلصت إلى وثيقة حقوقيّة إنسانيّة واحدة، لا ينبغي أن يخلط بينها وبين عبثّية السّاسة والعسكريين، ومن يبرّر لهم من الأحبار ورجال الدّين والثّقافة، فعلينا أن نجتمع جميعا، وأن نحمي هذه المبادئ الإنسانيّة والحقوقيّة لعالم أفضل لجميع أبناء وأطفال العالم بلا تفريق بينهم.

إنّ النّفس البشريّة واحدة، وأطفال غزّة وشيوخها ونسائها لا تفترق بحال عن أيّ نفس في العالم أجمع، ولا يمكن لأي رجل دين أو كاتب أو إعلامي أو مثقف أو شاعر أو فنّان أن يبرّر هذه العبثيّة غير الإنسانيّة الّتي تحدث في غزّة بحق الإنسان عموما، وبحقّ الأطفال خصوصا، وإلّا كان مشاركا في هذا الجرم النّاتج عن هذه العبثيّة.

إنني أرجو أن أفارق الحياة وأرى أطفال غزّة كغيرهم من أطفال العالم، يلعبون ويلهون ويمرحون في بلدهم آمنين مطمئنين، بين أهاليهم وأسرهم، يذهبون إلى مدارسهم صباحا كغيرهم، ويشاكسون بعضهم مساء كأيّ طفل في العالم، وهذا ما أرجوه لأطفال العالم جميعا، فهناك أيضا عبثيّة الفقر والجهل والحرمان من حقوق التّمتع بالطّفولة والحياة في أجزاء كبيرة من العالم، فعلينا أن نجتمع في حماية هذا الجمال، وإلّا فطبيعيّ أن ينقلبوا على العالم مستقبلا؛ لأنّه غرسنا في طفولتهم التّمييز والكراهيّة والحرمان، فما بالك بأطفال غزّة وقد حرموا حتّى من حقّ الأمومة والأبوّة الّتي فطروا عليها، فبأيّ سلام وجمال نتحدّث معهم مستقلا، ونحن من ساهمنا في حرمانهم منها، وسكتنا عن هذه الحروب العبثيّة بحق الجمال والإنسان والطّفولة!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أطفال العالم هذا الجمال الإنسانی ة ة واحدة ما بین

إقرأ أيضاً:

تيك توك خابي.. من الفكاهة إلى سفير للنوايا الحسنة لدى اليونيسيف

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" عن تعيين صانع المحتوى الشهير خابي لام سفيرا للنوايا الحسنة في السنغال، بهدف تعزيز الوعي بالقضايا الإنسانية في أفريقيا، خاصة تلك المتعلقة بتعليم الأطفال والمساواة بينهم.

خابي لام، المعروف بمحتواه الفكاهي على منصات التواصل الاجتماعي، سيستثمر شعبيته العالمية لدعم جهود اليونيسيف في تحسين ظروف الأطفال حول العالم.

View this post on Instagram

A post shared by Khabane Lame (@khaby00)

لام -الذي يحمل الجنسية الإيطالية أيضا- قال "إنه لشرف حقيقي لي، تعييني سفيرا للنوايا الحسنة لليونيسيف، وأن أكون جزءا من منظمة تضع حقوق الأطفال في المقدمة في كل يوم".

وأضاف "من واقع تجربتي كطفل يخشى الفقر ويكافح ليجد ما يثير شغفه في المدرسة، إلى جانب خسارتي لعملي أثناء جائحة كوفيد-19، ومن ثم عثوري على موضعي ورسالتي في هذا العالم، أنا أعلم أنه بوسع جميع الأطفال الازدهار عند منحهم مجالا وفرصة".

لقد أثبت للعالم كيف يكون للأفعال أثر أقوى من الكلمات.
يسعدنا أن نرحب بخابي لام كسفير جديد للنوايا الحسنة. سيساعدنا خابي في رفع الوعي حول حق #كل_طفل في مستقبل أكثر إشراقًا، وإسماع أصوات الأطفال كل يوم. اضغط على الرابط لقراءة البيان الصحفي. https://t.co/4xHVIc0EAB pic.twitter.com/8fIQ4xwKPp

— منظمة اليونيسف (@UNICEFinArabic) January 31, 2025

إعلان

وخلال زيارته إلى السنغال، التقى لام أطفالا يعيشون في الشوارع في مأوى بمدينة داكار، حيث شاركهم الأنشطة الرياضية واستمع إلى قصصهم حول التحديات التي واجهوها.

كما زار مدرسة في زيغينشور بمنطقة كازامانس، حيث يتلقى الأطفال ذوو الإعاقات دعما من خلال تكنولوجيا مساعدة، ولعب كرة القدم مع أطفال مكفوفين.

من جانبها، أعربت المديرة التنفيذية لليونيسيف، كاثرين راسل، عن سعادتها بانضمام لام قائلة، "نحن مبتهجون بالترحيب بخابي لام في أسرة اليونيسيف كسفير للنوايا الحسنة. إنَّ خابي مناصر متحمس وقوي للأطفال واليافعين في جميع أنحاء العالم. وقد ألهمت إبداعيته ومنظوره الفريد للعالم مئات ملايين المتابعين، وسيواصل تحفيز الآخرين ليرفعوا أصواتهم ويسردوا قصصهم بطرقهم الفريدة".

وقالت المديرة التنفيذية لليونيسيف، كاثرين راسل، "نحن مبتهجون بالترحيب بخابي لام في أسرة اليونيسيف كسفير للنوايا الحسنة. إنَّ خابي مناصر متحمس وقوي للأطفال واليافعين في جميع أنحاء العالم. وقد ألهمت إبداعيته ومنظوره الفريد للعالم مئات ملايين المتابعين، وسيواصل تحفيز الآخرين ليرفعوا أصواتهم ويسردوا قصصهم بطرقهم الفريدة".

نجم الإنترنت

خابي لام، الإيطالي من أصول سنغالية، اشتهر بمقاطع الفيديو الصامتة التي تسلط الضوء على مواقف الحياة اليومية بطريقة فكاهية، مما جعله واحدا من أبرز الشخصيات على منصات التواصل الاجتماعي.

ومؤخرا، شارك لام صورة له أمام الكعبة المشرفة أثناء أداء مناسك العمرة، معبرا عن امتنانه لله، وكتب: "الحمد لله، لقد منحني الله كل شيء، والأهم من ذلك، القوة للاستمرار والإيمان بأحلامي".

View this post on Instagram

A post shared by Khabane Lame (@khaby00)

تجدر الإشارة إلى أن لام حصل على الجنسية الإيطالية في أغسطس/آب 2022، بعد سنوات من الانتظار، وتجاوزت شهرته حدود تطبيق "تيك توك"، ليصبح سفيرا لعدة علامات تجارية مرموقة، مثل "هوغو بوس"، حيث شارك في إطلاق مجموعة أزياء تحت اسم (Boss x Khaby).

إعلان

مقالات مشابهة

  • معدة كتاب «الأطفال يسألون الإمام» لـ"البوابة نيوز": شيخ الأزهر أوضح مفهوم حقوق الإنسان الصحيح فى الإسلام
  • محمود فوزي: دول العالم أثنت على التقدم الملحوظ في ملف حقوق الإنسان بمصر
  • نائب وزير العدل وحقوق الإنسان يلتقي البروفيسور الاسترالي تيم اندرسون
  • نائب وزير العدل يلتقي البروفيسور الأسترالي تيم ان
  • التحليق في عالم متجدد
  • تيك توك خابي.. من الفكاهة إلى سفير للنوايا الحسنة لدى اليونيسيف
  • بيرم: أهل الجنوب يصنعون المعادلة التي تحمي الوطن
  • وزير الأوقاف: السوشيال ميديا تؤثر في تشكيل وعي الإنسان وتدينه
  • وزير الأوقاف يستقبل طلاب مدرسة القديس بولس الفرير بشبرا
  • «لعبة الحبار»عندما يطاردنا الماضي