على ألمانيا الاستثمار لتَحييد تهديد اليمين المتطرف
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
هذه أوقات مثيرة للقلق في ألمانيا. فهناك قضيتان تهيمنان على عناوين الأخبار هما الركود الاقتصادي وارتفاع تأييد حزب «البديل لأجل ألمانيا» في استطلاعات الرأي العام إلى 22%. فالحزب بهذا المعدل المزعج يتفوق على كل واحد من الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف الحاكم.
قد يبدو وكأن هاتين القضيتين الاقتصادية والسياسية لا صلة بينهما.
اقترنت عوامل عديدة لكي تلفّ بالغموض الآفاق الاقتصادية لألمانيا. فصدمة أسعار الطاقة كانت موجعة. وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين سيء للصادرات الألمانية. لكن أهم سبب أساسي هو استنفاد طاقة نموذج النمو الذي دشنته قبل عشرين عاما سياساتُ الرفاه وسوق العمل لحكومة ائتلاف الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر وقتها.
فالإجراءات المعروفة باسم إصلاحات «هارتس 4» دفعت الألمان إلى العمل من خلال خفضها الدعم الموجه للباحثين عن عمل لفترة طويلة وتحرير العمل بأجر متدنٍ.
وكانت «ثورة العمل» هذه وليست الزيادات في الاستثمار والإنتاجية هي التي أطلقت نموا اقتصاديا أعلى من المتوسط.
مع بلوغ معدلات التوظيف مستويات قياسية وصل هذا النموذج إلى حدوده الطبيعية. لقد تعاظم التأثير السلبي للتغيرات السكانية (شيخوخة السكان ونقص العاملين). وإذا كانت ألمانيا تريد التخفيف من التدهور في قوة العمل فإنها بحاجة إلى تعزيز الهجرة. وهذا يقودنا إلى الحديث عن حزب «البديل من أجل ألمانيا».
منذ تأسيسه في عام 2013 تبنى هذا الحزب قضايا متنوعة. في الأصل كان بُعبعه المخيف إدارة ماريو دراغي للبنك المركزي الأوروبي. ثم عارض الحزب سياسة المناخ التي تبناها حزب الخضر. وكان يشكك في حقيقة جائحة كوفيد ويعارض دعم ألمانيا لأوكرانيا. لكن أهم ما يشغل ويحرك ناخبيه إلى حد بعيد المخاوف المفرطة واللاعقلانية المرتبطة بالهجرة.
ينخرط الحزب في حملة لا هوادة فيها لإثارة الذعر بالترويج للتنميطات العرقية للمقيمين في ألمانيا والخوف المرضي من المسلمين. لكن التحول الذي حدث في المجتمع الألماني حقيقي. فخلال نصف القرن المنصرم انتقلت ألمانيا من مجتمع عرقي متجانس بقدر كبير إلى مجتمع حوالي 28.7% من أفراده إما ولدوا بجوازات أجنبية أو وُلِد أحد والديهم بجواز أجنبي، حسب بيانات عام2022.
وفي عام 2020 كان حوالي 49.3% من الأطفال تحت سن 5 سنوات إما مهاجرون أو ولدوا على الأقل لأب أو أم من المهاجرين. وفي مدن مثل بريمن تقترب النسبة من الثلثين.
استجاب البرلمان الألماني (البوندستاغ) لهذا التحدي بتحرير قوانين المواطنة. لقد كان التحول في المعايير والمواقف الثقافية تجاه الأجانب (أوسلندر) ووجودهم في الحياة العامة مذهلا. في الواقع تظل الأغلبيات الراسخة في أوساط الألمان منفتحة ومرحبة بالتعددية. لكن السياسات والقرارات الثقافية لا تذهب أبعد من ذلك. ففي مثل هذه الأوضاع كثيرا ما يكون المال هو العنصر الأساسي المفقود.
وكما أوضحت التجربة البريطانية في سنوات العشرية الثانية من هذا القرن يشكل اقتران التقشف بالهجرة الواسعة النطاق «وصفة» لكراهية الأجانب. ولكي تنجح سياسة الهجرة المتحررة ولتجنب النزاعات الخطرة حول الخدمات الإسكانية والاجتماعية لا بد من الاستثمار العام. وهذا هو المجال الذي قصَّرت فيه ألمانيا. فمنذ أوائل العشرية الأولى كان صافي الاستثمار الحكومي سلبيا (عائده أقل من الإنفاق) وتشييد المساكن أقل من المطلوب. ومنذ عام 2009 أدت القيود المفروضة على الاستدانة التي تحدّ من الاقتراض العام إلى استمرار عدم كفاية الإنفاق.
تشييد المزيد من الشقق ودور الحضانة لن يقضي على العنصرية. فهنالك حوالي 14% من الناخبين الألمان لديهم مواقف تضعهم في أقصي اليمين. و2% من هؤلاء نازيون جدد حقيقيون. هذا شيء مؤسف. لكن أقلية بائسة بهذا الحجم يمكن عزلها.
ما يثير القلق حقا هو انزلاق نسبة أخرى تتراوح بين 10% إلى 15% من الناخبين (الذين يخشون من الهجرة لكن لا يؤيدون مواقف يمينية متطرفة) في قبضة حزب البديل من أجل ألمانيا.
إغلاق حدود ألمانيا ليس خيارا. فالمسألة لا تقتصر فقط على حاجة الاقتصاد الألماني إلى العمالة ولكن الملايين من الناس حول العالم لهم حق اللجوء ولديهم رغبة معقولة في تحسين أوضاعهم المعيشية من خلال الهجرة.
وما يحسب لبرلين أنها طالبت في الاتحاد الأوروبي بسياسة موحدة ومعقولة للاجئين. وعلى خلاف ما يروج له مثيرو الخوف من الأغراب ألمانيا ليست « مليئة» بالمهاجرين أو عرضة لفوضى كارثية. لكن هنالك اختناقات حقيقية في الإسكان والتعليم والرعاية الاجتماعية ربما تعني أن استمرار الوضع القائم سيقود إلى تصاعد التوتر.
المطلوب لوقف التردي ليس ترضية دعاة العرقية لكن الاتفاق بين كل الأحزاب الرئيسية على تقديم «بديل» لحزب البديل لألمانيا يتمثل في برنامج موحد للاستثمار الحكومي في المساكن والخدمات الاجتماعية. وإذا كان هذا الاستثمار يتطلب التفافا حول قيود الدَّين من خلال أموال خاصة خارج الموازنة مثل تلك التي خصصت لمقابلة أزمة أوكرانيا والتغير المناخي فلا بأس من ذلك.
من أجل ازدهار ألمانيا وسلامها الداخلي ضمانُ نجاح الهجرة أهم كثيرا من إنفاق البلايين على أسراب مقاتلات أمريكية معقَّدة التصميم أو مصانع للرقائق الدقيقة والمنتجات الأخرى التي تحبِّذها السياسة الصناعية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بدء توريد القطارات الكهربائية الشهر المقبل بعد انتهاء الاختبارات في ألمانيا
قال الدكتور طارق جويلي رئيس الهيئة القومية للأنفاق، إنه بحلول شهر ديسمبر المقبل، سيجري البدء في توريد القطارات التي تعمل على الخط الأول «السخنة – العلمين – مطروح» من شبكة القطارات الكهربائية السريعة، بمعدل 5 قطارات شهريًا للركاب والبضائع، مشيرًا إلى أن شركة سيمنس الألمانية المنفذة للمشروع انتهت من تصنيع 12 قطارا، وتواصل استكمال الأعداد المتفق عليها.
الخط الأول من القطار السريعوأضاف «جويلي» لـ«الوطن»، أن القطارات ستقدم خدمات متميزة لجمهور الركاب، وجرى تصميمها وفق المواصفات والمعايير العالمية، وتجريبها جيدًا في ألمانيا قبل تشغيلها في مصر، لافتًا إلى أن الخط الأول يمتد من محطة السخنة على ساحل البحر الأحمر مرورًا بالعاصمة الإدارية الجديدة والإسكندرية والعلمين، بطول نحو 660 كم وعدد 21 محطة «8 محطات للقطار الإقليمي – 13 محطة للقطار السريع».
ونوه رئيس الهيئة القومية للأنفاق، إلى أن تنفيذ مشروع القطار الكهربائي السريع، يأتي في إطار الخطة التي وضعتها وزارة النقل لتحقيق رؤية مصر 2030، من خلال تنفيذ شبكة من مفردات النقل السككي بالجر الكهربائي الأخضر صديق البيئة، وتحقيق التكامل فيما بينهما لتبادل خدمة نقل الركاب، ويجري حاليًا استكمال شبكة مترو الأنفاق طبقًا لتوجيهات القيادة السياسية.
توفير آلاف من فرص العملوأكد أن المشروع وفر آلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وسيربط الكثير من المحافظات ببعضها البعض، فضلًا عن تكامل الخدمة مع وسائل النقل الجماعي الأخضر الصديق للبيئة الأخرى.