المقاطعة.. ثقافة شعب
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
جابر حسين العماني
jaber.alomani14@gmail.com
المقاطعة هي ثقافة حضارية، تلتزم بها الشعوب الواعية والمتحضرة في العالم، والهدف منها محاربة الجشع والطمع والظلم والاستبداد، وهي في حد ذاتها سلوك رقابي، يعتمد على التضامن الشعبي الواسع، الذي من خلاله تخضع الشركات التجارية في كثير من الأحيان للاعتذار الرسمي للمستهلكين، ومراجعة سياساتها التجارية، والعودة إلى الأسعار الاقتصادية، التي تتناسب مع المجتمع ورغباته.
ومن أجل نجاح المقاطعة لا بُدَّ من الاعتماد على الفرد ووعيه وإدراكه والتزامه، وذلك يساعد على إصلاح الأوضاع التجارية والاقتصادية للأمة العربية والإسلامية، وتستطيع الأمة بحملات المقاطعة السلمية توجيه غضبها لأعدائها، لحل الكثير من المشاكل العالقة، ورفع صوت الإخاء والتعاون والتآزر، فكم نحن بحاجة ماسة لترسيخ ثقافة المقاطعة في بلادنا العربية والإسلامية، لمحاربة الارتفاع الفاحش لأسعار السلع المعروضة في الأسواق المختلفة والتي اتعبت وأثقلت كاهل المستهلك العربي.
اليوم هناك أمثلة واقعية حول أهمية المقاطعة الفاعلة والناجحة والمثمرة للمجتمع، والتي يجب الاستفادة منها، ومن خلالها يتم تأديب تجار الجشع والطمع ورجال الأعمال، وشركاتهم العملاقة والصغيرة، وبدون أي ضجيج يذكر، وإرغامهم على احترام المستهلكين في الداخل الاجتماعي، ولنا في الأرجنتين خير مثال، فقد تواطأ التجار على رفع أسعار البيض، مما جعل الشعب الأرجنتيني يطلق حملة شعبية واسعة لمقاطعة البيض، ولم يتخلف أحد من المشاركة في تلك الحملة، واستطاع الشعب الأرجنتيني بحكمته وتآزره وتعاونه إجبار التجار على تخفيض سعر البيض إلى ربع السعر السابق والاعتذار الرسمي للشعب الأرجنتيني.
هكذا لا بُد أن تكون المقاطعة الاقتصادية ثقافة مجتمعية يهتم بها الجميع، فهي ليست موجهة ضد غلاء الأسعار فحسب؛ بل يجب أن تكون وسيلة فعّالة لمحاربة الفساد المجتمعي بأشكاله ووسائله وعناوينه المختلفة؛ فالمقاطعة تعد الحل الأفضل والأجدر والذي لا ينبغي التفريط به؛ بل يجب توجيهه للشركات العالمية التي تستهدف تمويل الظلم والفساد في العالم، كالشركات الداعمة للمثليين واليهود الذين يستغلون الأرباح من أجل قتل الأرواح البريئة في فلسطين الإباء والعزة والصمود، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، وقال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا".
كما إننا بحاجة ماسة إلى مقاطعة الشركات التجارية الفاسدة التي أثقلت كاهل المواطن العربي، كذلك نحن بحاجة ماسة إلى مقاطعة بعض وسائل الإعلام التي تنشر الميوعة والفساد الأخلاقي، وتسعى لتجهيل المجتمع، وجعله مجتمعا لا يعرف من دنياه إلّا حب الأكل والشرب والموضة وصيحاتها، وإبعاد الإنسان العربي عن الهموم الاجتماعية والأسرية، التي هو أولى بالانشغال بها.
المجتمع الذي تغيب فيه ثقافة المقاطعة، من السهل اختراقه وانتشار الفساد بين زواياه، وذلك لعدم اهتمام أفراده بأهمية معاقبة التجار ورجال الأعمال الفاسدين والمفسدين بالطرق السلمية المتاحة، وإيقاف جشعهم وطمعهم، حتى لا يتسلطوا على جيوب المواطنين، ويفسدوا بذلك دينهم ودنياهم. ولكن يا ترى هل سيبقى الإنسان العربي صامتا عن الدفاع عن حقوقه المسلوبة؟ أم حان الوقت ليبدي موقفه واستنكاره وشجبه لغلاء الأسعار واستغلال أرباح السلع والبضائع في نصرة الظلم والظالمين؟ متى سيتحد الجميع تحت شعار واحد وهو "انتهى وقت الجهل.. لا مكان للفساد بيننا".
إنَّ الأوطان العربية والإسلامية تقع على عاتقها مسؤولية دينية واجتماعية ووطنية تحتم عليها العمل الجاد لتطهير المجتمع من جراثيم الفساد والمفسدين، الذين لا همَّ لهم سوى جمع المال بأي شكل من الأشكال من أجل تحقيق أجندتهم وسياساتهم الظالمة، وهذا حتمًا لا يكون إلا بتفعيل حملات المقاطعة الشاملة مثل المقاطعة الاقتصادية للبضائع القادمة من الشركات والمحلات الداعمة للحروب وسفك دما الأبرياء، والتي تعتبر مقاطعتها من أهم الأساليب النموذجية التي تتم من خلالها المواجهة المشروعة ضد الاحتلال الغاشم لتنال بذلك الشعوب حريتها المطلوبة واستقلالها واستقرارها بعيدا عن الظلم والفساد الاجتماعي.
أخيرًا.. لا بُد من تفعيل حملات المقاطعة بهدف أضعاف اقتصاد المفسدين واستبدال المنتجات الأخرى بدعم المنتج الوطني، وعلى الشركات الوطنية الترويج الجاد لمنتجاتها والاعلان عن الأسعار التنافسية، حتى يستطيع المواطن العربي تفعيل حملات المقاطعة والاعتماد على المنتج الوطني، وليكن شعار الوطن العربي الأول والأخير المنتج الوطني اختيارنا الأول.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حركة المقاطعة تفشل مشاركة إسرائيلية بإصدار كتاب عالمي في أستراليا
تواصل دولة الاحتلال عزلتها السياسية والدبلوماسية حول العالم بسبب ما ترتكبه من جرائم ضد الفلسطينيين خلال حربها العدوانية على غزة، وآخر مظاهر هذه العزلة إعلان باحثين من أستراليا وبولندا عن إلغاء مشروع بحث دولي حول موضوع إعادة تأهيل السجناء بسبب مشاركة باحثين إسرائيليين بضغط من حركة المقاطعة العالمية BDS.
تال شنايدر مراسلة موقع "زمن إسرائيل" العبري، كشفت أنه "بسبب نشاط حركة المقاطعة حول العالم، قرر عدد من الأكاديميين العالميين عدم المشاركة في تأليف كتاب مشترك حول إعادة تأهيل السجناء، وهم بشكل أساسي أستراليون أصليون، وبينهم ذوي أصول أفريقية أو من المسلمين، وقد كان خلاصة مشروع مشترك بين محاضرين وباحثين من إسرائيل وبولندا والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا واليابان والمجر والهند ودول أخرى، ويتناول أبحاثا مبتكرة عن علم الجريمة والاتصالات".
ونقلت في تقرير ترجمته "عربي21"، عن البروفيسورة هيذر أندرسون، الباحثة والمحاضرة في مجال الاتصالات بجامعة جريفيث في كوينزلاند، أن "الكتاب يركز على أنظمة الاتصال الداخلية في السجون حول العالم، وتستخدم كأداة علاجية للسجناء، حيث شارك "راديو فوكس" الإسرائيلي في هذا البحث كتجربة عينية، بهدف معالجة السجناء، وتطوير نموذج التواصل لتفعيلهم، مع التركيز على إعادة تأهيلهم الشخصي، بمن فيهم أولئك الذين يقضون أحكام سجن طويلة".
وأشارت إلى أن "مصممي الراديو الإسرائيلي طوّروا علاقات مع زملائهم حول العالم، وفي 2022 عُقد مؤتمر أول من نوعه في النرويج، بمشاركة باحثين في مجال علم الجريمة والاتصالات، وحينها نشأت فكرة العمل على كتاب مشترك يتضمن الأبحاث والخبرة السريرية ومجموعة من المبادئ التوجيهية لتشغيل أنظمة الاتصالات في المدارس الداخلية في السجون، ومنذ ذلك الحين، ولمدة عامين تقريبا".
وأوضحت أن "عشرات الباحثين والكتاب والأكاديميين شاركوا في إنتاج هذا الكتاب الدولي لنشر الأفكار التي يشملها، حيث شارك من إسرائيل البروفيسور تومر عينات من قسم علم الجريمة بجامعة بار إيلان، ود. موتي غيغي، رئيس قسم الاتصالات والمحاضر الأول بجامعة سابير في مستوطنة سديروت".
وأكدت أن "الأيام الأخيرة شهدت وصول رسالة عبر البريد الإلكتروني لأكاديمي مسلم أسترالي المولد، تحفظت إدارة المشروع على نشر اسمه، ضد فكرة إصدار الكتاب المشترك، ومنذ وصول الرسالة للمشاركين فيه أصبح المشروع في حالة تغير مستمر، وبات معرّضا لخطر الإلغاء، لأن الردود المتبادلة على هذه الرسالة الإلكترونية من قادة المشروع كشفت عن حجم الانتقادات الصارخة ضد الأكاديميين الإسرائيليين، مما منح حركة المقاطعة العالمية مزيدا من القوة والنفوذ لإلغاء مشاركة الإسرائيليين في هذا الكتاب".
وكشفت الكاتبة بعضا مما جاء في تلك الرسالة ممن وصف نفسه بـ"أكاديمي أسترالي مسلم المولد، يعتبر أن مشاركة الإسرائيليين في ذلك الكتاب يخلق مشكلة بالنسبة له، في ضوء المقاطعة الأكاديمية العالمية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، كجزء من حركة دولية واسعة تهدف للضغط على الاحتلال لتغيير سياسته تجاه الفلسطينيين، خاصة وان هذه المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تتواطأ مع الاحتلال العسكري، وانتهاكات حقوق الإنسان".
وقال الأكاديمي الأسترالي في رسالته "إذا قمت بنشر بحث مع الباحثين الإسرائيليين، فسأواجه عداء عاما بسبب عدم التضامن مع الفلسطينيين، وهي مخاطرة لا أستطيع تحملها، مما يتطلب من الباحثين الإسرائيليين المشاركين في المشروع الانسحاب منه، وفي حال ظلوا فيه، فلا أستطيع المشاركة".
وكشفت أن "البروفيسور أندرسون وشركائها في إدارة المشروع أعلنوا عن إلغاء العمل على الكتاب من جانب واحد، لأنهم ملتزمون بممارسات إنهاء الاستعمار من خلال إبداء الاحترام والتفاهم لأصوات السكان الأصليين، وهم الفلسطينيون، وفي ضوء الأجواء السياسية الحالية التي لا تسمح لنا بإحراز تقدم في إنتاج الكتاب، بسبب الخوف من مقاطعته".
وختمت الكاتبة تقريرها، بالقول إن "حركة المقاطعة باتت تخترق كل زاوية حول العالم، والآن، وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة، يواجه الإسرائيليون تسونامي حركة المقاطعة، وتتيح الاقتباسات من المراسلات التي حصل عليها الموقع ما يمرّ به الباحثون الإسرائيليون، مما يعني أن المشروع الإسرائيلي راديو فوكس يشهد حالة تراجع حاليا، رغم حصوله على اعتراف وجوائز دولية".