الخليج الجديد:
2024-09-17@04:52:04 GMT

طوفان الأقصى ليس الركبة الجريحة

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

طوفان الأقصى ليس الركبة الجريحة

طوفان الأقصى ليس "الركبة الجريحة"

قدرة إسرائيل على تحمّل الخسائر البشرية لم تُختبر بشكل حقيقي في كل جولات الحروب التقليدية منذ نشأتها حتى اليوم.

البُعد الديني في صراع اليوم يجعل الامتداد الديمغرافي للفريقيْن يضع إسرائيل في موقفٍ عصيب، وهو مأزقٌ لا تملك التقنيّة أن توفّر له حلًا.

الإصرار الإسرائيلي الغربي على استمرار سفك دماء "الهنود الحمر" الـمُتوهَّمين المجلوبين من التاريخ الأميركي بضلالات تلفيقية، ليس سوى "حيلة نفسية".

الفضاء الساكن الـمستعدّ للإذعان في أحلام نتنياهو وغالانت وحلفائهما فهو مُتَخيَّل لا وجود له إلا في عقل نخبةٍ إسرائيلية مرعوبة، بينما تحاول أن تبدو "مُرعِبة"!

الفلسطينيون لن يكونوا الهنود الحمر، ومعركة طوفان الأقصى ليست هجمات 11 سبتمبر، وليست مجزرة "الركبة الجريحة" آخر معارك إبادة الهنود الحمر.

عملٍ تبشيريٍّ كبير رسالته أن إنشاء إسرئيل وطنًا قوميًا لليهود سيمنحهم مكانًا "آمنًا" بعد قرون من النفي والطرد والإبادة والشتات، لكن ما حدث بالفعل أن اليهود أكثر أمنًا في كل العالم باستثناء إسرائيل!

* * *

يحتاج منتج الخطاب أمام مهابة الاستشهاد إلى التواضع والتأمّل، حيث الكلمة تبقى وصفًا "باردًا" لجحيمٍ ترتسم حدودُه وملامحه بخليطٍ من البطولات والمآسي، ويحتاج متلقّي الخطاب إلى قلبٍ متفائلٍ وعقلٍ بصيرٍ ويقينٍ شُجاع.

وخلال ما يزيد عن قرن من تاريخ الصراع على فلسطين كانت الأبعاد الدينية والتاريخية مدخلاتٍ رئيسة، تلاعب بها بعضهم تحريفًا وتأويلًا، واحتمى بها آخرون في مواجهة أعاصير الكذب وألسنة لهيب الحروب المؤتمتة.

وفي قلب النار التي لم تكد تنطفئ منذ وعد بلفور حتى "طوفان الأقصى"، كانت قواعد "الفصل" و"الوصل" أحد أهم الفخاخ التي نُصِبت للعقل العربي.

وفي مقدمة هذه الفخاخ أحكامٌ أطلقت تصف أفكارًا أو وقائع بأنها تشبه (أو لا تشبه) سوابق تاريخية محدّدة، وهي أحكامٌ انطوت في حالات كثيرة على تجاوز حقائق، ربما بدهية، وسنن لا تتخلّف عبر التاريخ.

وعلى المستوى الأخلاقي، انفتح على الشعوب العربية بابٌ دخلت منه رياحٌ مسمومةٌ صنّفت في حزمة واحدة ظواهر منفصلة تمامًا ومختلفة إلى حد التباين، وأقيمت حواجز فصلٍ مُتوهَّمة بين حقائق وقيم لا يبرّر الفصل بينها إلى مُصابٍ بعمى البصيرة أو موت الضمير، أو كليهما معًا!

والفلسطينيون ليسوا الهنود الحمر ولن يكونوا، ومعركة طوفان الأقصى المجيدة ليست "غزوة مانهاتن" (هجمات 11 سبتمبر الإرهابية)، وهي، يقينًا، ليست مجزرة "الركبة الجريحة".

ومأساة "الركبة الجريحة" المروّعة التي وقعت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر كانت آخر معارك الهنود الحمر، ووقعت بعد أربعة قرون من التوغّل الغربي في القارّة البكر، حيث خارت المقاومة وانتهت تمامًا عام 1890، ليسيطر الغُزاة الغربيون على البلاد نهائيًا.

وفي المعركة، قتلت قوةٌ ساحقةٌ من المستوطنين الغربيين أكثر من مائتي رجل وامرأة وأطفالاً من الهنود بعد سلسلةٍ طويلةٍ من المعاهدات التي أبرمها الغُزاة الغربيون ثم نقضوها بدم بارد.

ولم تكن ثقافة الهنود الحمر بـ "سكونيّتها" ومحدودية أفقها قادرةً على مواجهة رؤية كوزموبوليتانية (كونية) تستند إلى استعارةٍ مجازيةٍ كبرى، استُدعيت من "الكتاب المقدّس" لتمنح الغزاة قوة دفع جبّارة (ولم تكن التقنية وحدها لتحسم المعركة) فالوعد الغيبي والتشابه المتَوهَّم بين المستوطنين الغزاة ودخول بني إسرائيل أرض كنعان قبل عدة آلافٍ من السنين كانا قوة دفع حاسمة.

واليوم يتحدّث يوآف غالانت وبنيامين نتنياهو ووزراء حكومة إسرائيل عن معركة تغيير الشرق الأوسط، بالضبط كما طوت معركة "الركبة الجريحة" صفحةً من التاريخ وفتحت أخرى.

ولأن التاريخ لا يسير في مسار خطّي، ولأن منطق "الفصل" و"الوصل" أكثر تعقيدًا من المنطق التبسيطي الصهيوني الذي قام بعملٍ تبشيريٍّ كبير رسالته الرئيسة أن إنشاء إسرئيل لتكون وطنًا قوميًا لليهود سيمنحهم مكانًا "يأمنون" فيه بعد قرون من النفي والطرد والإبادة والشتات الطوعي والقسري، لكن ما حدث بالفعل أن اليهود كانوا أكثر أمنًا في كل مكان في العالم، تقريبا، باستثناء إسرائيل!

والعوامل الغائبة في تقييم التشابه والاختلاف في المسارات والمصائر تعبيرٌ عن إغفال حقائق أساسية لا يجوز إغفالها، وفي مقدّمتها أن سقف توقع المستوطن الصهيوني، منذ إجهاض "ثورات الربيع العربي"، كان أن إسرائيل لم تكن أكثر أمنًا مما هي اليوم، وأن الثمرة توشك أن تسقُط في حِجر حكومة يمينيةٍ مستأسدةٍ ومخمورةٍ بانفتاح أبواب عواصم عربية بعد عقود من العزلة الخانقة. ومع التمدّد السهل، جاءت مفاجأة "طوفان الأقصى" لتجعل مسار التاريخ يبدو "معكوسًا".

ومن الحقائق الـمُغفَلة أيضًا أن قدرة إسرائيل على تحمّل الخسائر البشرية لم تُختبر بشكل حقيقي في كل جولات الحروب التقليدية منذ نشأتها، وأن البُعد الديني في صراع اليوم يجعل الامتداد الديموغرافي للفريقيْن يضع إسرائيل في موقفٍ عصيب، وهو مأزقٌ لا تملك التقنيّة أن توفّر له حلًا.

ومن الحقائق الـمُغفَلة أيضًا أن التخلّص من فلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي الخط الأخضر يحتاج، بناء على هذا المنطق البائس، إلى معركة، بل ربما معارك. والإصرار الإسرائيلي/ الغربي على استمرار سفك دماء "الهنود الحمر" الـمُتوهَّمين، المجلوبين من التاريخ الأميركي بضلالات تلفيقية، ليس سوى "حيلة نفسية".

أما الفضاء الساكن الـمستعدّ للإذعان في أحلام نتنياهو وغالانت وحلفائهما فهو مُتَخيَّل لا وجود له إلا في عقل نخبةٍ إسرائيلية مرعوبة، بينما تحاول أن تبدو "مُرعِبة"!

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أميركا إسرائيل فلسطين طوفان الأقصى الضفة الغربية الهنود الحمر الاستيطان الإسرائيلي يوآف غالانت طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

تطورات اليوم الـ346 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة

غزة - صفا

دخلت عملية "طوفان الأقصى" التي أعلن القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف انطلاقها، يومها الـ346، ردًا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى، فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي بدء عملية "سيوف حديدية" ضد قطاع غزة.

واستأنف جيش الاحتلال يوم الجمعة الأول من ديسمبر/ كانون الأول عدوانه على القطاع بعد هدنة إنسانية استمرت سبعة أيام.

واستشهد منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 41206  مواطنًا، فيما وصل عدد المصابين إلى 95337، كما أن 72% من الضحايا هم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة.

ومع استمرار العدوان الهمجي، توقفت معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل، إما بسبب القصف أو نفاد الوقود.

في المقابل، أشارت التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أنّ أكثر من 1500 إسرائيلي قتلوا منذ بدء المعارك، بينهم أكثر من 700 ضابط وجندي، بالإضافة إلى نحو 10 آلاف جريح.

وفيما يلي آخر تطورات الأحداث:

00:18 الدفاع المدني: 6 شهداء بينهم طفلان وسيدة وعدد من الإصابات جرّاء قصف طائرات الاحتلال منزلًا لعائلة "بصل" جنوب مسجد الشمعة بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة

00:11  5 شهداء وإصابات جرّاء قصف طائرات الاحتلال منزلًا لعائلة بصل جنوب مسجد الشمعة بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة

00:08 قصف مدفعي إسرائيلي في محيط منطقة المصلبة بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة

00:04 قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق قنابل إنارة غربي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة

مقالات مشابهة

  • صاروخ يمني واحد يُرعب الصهاينة ويُوقظ العالم
  • تطورات اليوم الـ347 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • السنوار: المقاومة بخير وتحضر نفسها لحرب استنزاف
  • نص رسالة يحي السنوار إلى قائد أنصار الله
  • نص رسالة السنوار للسيد القائد
  • ما بعد الإسلام السياسي بين مآلات الربيع العربي وتداعيات طوفان الأقصى؟
  • تطورات اليوم الـ346 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • صواريخ ومسيرات الحوثيين ضد إسرائيل منذ طوفان الأقصى
  • تطورات اليوم الـ345 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • في ظلال طوفان الأقصى “117”