طوفان الأقصى ليس الركبة الجريحة
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
طوفان الأقصى ليس "الركبة الجريحة"
قدرة إسرائيل على تحمّل الخسائر البشرية لم تُختبر بشكل حقيقي في كل جولات الحروب التقليدية منذ نشأتها حتى اليوم.
البُعد الديني في صراع اليوم يجعل الامتداد الديمغرافي للفريقيْن يضع إسرائيل في موقفٍ عصيب، وهو مأزقٌ لا تملك التقنيّة أن توفّر له حلًا.
الإصرار الإسرائيلي الغربي على استمرار سفك دماء "الهنود الحمر" الـمُتوهَّمين المجلوبين من التاريخ الأميركي بضلالات تلفيقية، ليس سوى "حيلة نفسية".
الفضاء الساكن الـمستعدّ للإذعان في أحلام نتنياهو وغالانت وحلفائهما فهو مُتَخيَّل لا وجود له إلا في عقل نخبةٍ إسرائيلية مرعوبة، بينما تحاول أن تبدو "مُرعِبة"!
الفلسطينيون لن يكونوا الهنود الحمر، ومعركة طوفان الأقصى ليست هجمات 11 سبتمبر، وليست مجزرة "الركبة الجريحة" آخر معارك إبادة الهنود الحمر.
عملٍ تبشيريٍّ كبير رسالته أن إنشاء إسرئيل وطنًا قوميًا لليهود سيمنحهم مكانًا "آمنًا" بعد قرون من النفي والطرد والإبادة والشتات، لكن ما حدث بالفعل أن اليهود أكثر أمنًا في كل العالم باستثناء إسرائيل!
* * *
يحتاج منتج الخطاب أمام مهابة الاستشهاد إلى التواضع والتأمّل، حيث الكلمة تبقى وصفًا "باردًا" لجحيمٍ ترتسم حدودُه وملامحه بخليطٍ من البطولات والمآسي، ويحتاج متلقّي الخطاب إلى قلبٍ متفائلٍ وعقلٍ بصيرٍ ويقينٍ شُجاع.
وخلال ما يزيد عن قرن من تاريخ الصراع على فلسطين كانت الأبعاد الدينية والتاريخية مدخلاتٍ رئيسة، تلاعب بها بعضهم تحريفًا وتأويلًا، واحتمى بها آخرون في مواجهة أعاصير الكذب وألسنة لهيب الحروب المؤتمتة.
وفي قلب النار التي لم تكد تنطفئ منذ وعد بلفور حتى "طوفان الأقصى"، كانت قواعد "الفصل" و"الوصل" أحد أهم الفخاخ التي نُصِبت للعقل العربي.
وفي مقدمة هذه الفخاخ أحكامٌ أطلقت تصف أفكارًا أو وقائع بأنها تشبه (أو لا تشبه) سوابق تاريخية محدّدة، وهي أحكامٌ انطوت في حالات كثيرة على تجاوز حقائق، ربما بدهية، وسنن لا تتخلّف عبر التاريخ.
وعلى المستوى الأخلاقي، انفتح على الشعوب العربية بابٌ دخلت منه رياحٌ مسمومةٌ صنّفت في حزمة واحدة ظواهر منفصلة تمامًا ومختلفة إلى حد التباين، وأقيمت حواجز فصلٍ مُتوهَّمة بين حقائق وقيم لا يبرّر الفصل بينها إلى مُصابٍ بعمى البصيرة أو موت الضمير، أو كليهما معًا!
والفلسطينيون ليسوا الهنود الحمر ولن يكونوا، ومعركة طوفان الأقصى المجيدة ليست "غزوة مانهاتن" (هجمات 11 سبتمبر الإرهابية)، وهي، يقينًا، ليست مجزرة "الركبة الجريحة".
ومأساة "الركبة الجريحة" المروّعة التي وقعت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر كانت آخر معارك الهنود الحمر، ووقعت بعد أربعة قرون من التوغّل الغربي في القارّة البكر، حيث خارت المقاومة وانتهت تمامًا عام 1890، ليسيطر الغُزاة الغربيون على البلاد نهائيًا.
وفي المعركة، قتلت قوةٌ ساحقةٌ من المستوطنين الغربيين أكثر من مائتي رجل وامرأة وأطفالاً من الهنود بعد سلسلةٍ طويلةٍ من المعاهدات التي أبرمها الغُزاة الغربيون ثم نقضوها بدم بارد.
ولم تكن ثقافة الهنود الحمر بـ "سكونيّتها" ومحدودية أفقها قادرةً على مواجهة رؤية كوزموبوليتانية (كونية) تستند إلى استعارةٍ مجازيةٍ كبرى، استُدعيت من "الكتاب المقدّس" لتمنح الغزاة قوة دفع جبّارة (ولم تكن التقنية وحدها لتحسم المعركة) فالوعد الغيبي والتشابه المتَوهَّم بين المستوطنين الغزاة ودخول بني إسرائيل أرض كنعان قبل عدة آلافٍ من السنين كانا قوة دفع حاسمة.
واليوم يتحدّث يوآف غالانت وبنيامين نتنياهو ووزراء حكومة إسرائيل عن معركة تغيير الشرق الأوسط، بالضبط كما طوت معركة "الركبة الجريحة" صفحةً من التاريخ وفتحت أخرى.
ولأن التاريخ لا يسير في مسار خطّي، ولأن منطق "الفصل" و"الوصل" أكثر تعقيدًا من المنطق التبسيطي الصهيوني الذي قام بعملٍ تبشيريٍّ كبير رسالته الرئيسة أن إنشاء إسرئيل لتكون وطنًا قوميًا لليهود سيمنحهم مكانًا "يأمنون" فيه بعد قرون من النفي والطرد والإبادة والشتات الطوعي والقسري، لكن ما حدث بالفعل أن اليهود كانوا أكثر أمنًا في كل مكان في العالم، تقريبا، باستثناء إسرائيل!
والعوامل الغائبة في تقييم التشابه والاختلاف في المسارات والمصائر تعبيرٌ عن إغفال حقائق أساسية لا يجوز إغفالها، وفي مقدّمتها أن سقف توقع المستوطن الصهيوني، منذ إجهاض "ثورات الربيع العربي"، كان أن إسرائيل لم تكن أكثر أمنًا مما هي اليوم، وأن الثمرة توشك أن تسقُط في حِجر حكومة يمينيةٍ مستأسدةٍ ومخمورةٍ بانفتاح أبواب عواصم عربية بعد عقود من العزلة الخانقة. ومع التمدّد السهل، جاءت مفاجأة "طوفان الأقصى" لتجعل مسار التاريخ يبدو "معكوسًا".
ومن الحقائق الـمُغفَلة أيضًا أن قدرة إسرائيل على تحمّل الخسائر البشرية لم تُختبر بشكل حقيقي في كل جولات الحروب التقليدية منذ نشأتها، وأن البُعد الديني في صراع اليوم يجعل الامتداد الديموغرافي للفريقيْن يضع إسرائيل في موقفٍ عصيب، وهو مأزقٌ لا تملك التقنيّة أن توفّر له حلًا.
ومن الحقائق الـمُغفَلة أيضًا أن التخلّص من فلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي الخط الأخضر يحتاج، بناء على هذا المنطق البائس، إلى معركة، بل ربما معارك. والإصرار الإسرائيلي/ الغربي على استمرار سفك دماء "الهنود الحمر" الـمُتوهَّمين، المجلوبين من التاريخ الأميركي بضلالات تلفيقية، ليس سوى "حيلة نفسية".
أما الفضاء الساكن الـمستعدّ للإذعان في أحلام نتنياهو وغالانت وحلفائهما فهو مُتَخيَّل لا وجود له إلا في عقل نخبةٍ إسرائيلية مرعوبة، بينما تحاول أن تبدو "مُرعِبة"!
*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أميركا إسرائيل فلسطين طوفان الأقصى الضفة الغربية الهنود الحمر الاستيطان الإسرائيلي يوآف غالانت طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
أردوغان يستقبل وفدًا من حركة حماس في أنقرة
أعلنت الرئاسة التركية في بيان اليوم الأربعاء، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقبل وفدًا من حركة حماس بالقصر الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة.
وضم وفد حركة حماس، رئيس مجلس شورى حماس محمد درويش، ورئيس حماس في الخارج خالد مشعل، والقيادي البارز بالحركة خليل الحية، ومسؤول حماس بالضفة الغربية زاهر جبارين، إضافة لمسؤولين اثنين آخرين.
فيما شارك بالاجتماع عن تركيا وزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن، ورئيس قسم الإعلام والاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألتون، وعاكف تشاغاتاي كيليتش كبير مستشاري الرئيس التركي بملفات السياسة الخارجية والأمن.
حماس: معركة "طوفان الأقصى" كسرت أسطورة الاحتلال الإسرائيلي
قال رئيس المجلس القيادي لحركة حماس محمد درويش، إن معركة "طوفان الأقصى" كسرت أسطورة الاحتلال الإسرائيلي التي استمرت 76 عاما، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي.
وأضاف أن رسالة الطوفان هي تأكيد أن الشعب الفلسطيني المناضل سيحقق النصر.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في حفل استقبال الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية، والمبعدين إلى خارج فلسطين في العاصمة المصرية القاهرة.
حماس: حافظنا على أسرى الاحتلال التزاما بأخلاقنا وأعرافنا
قالت حركة المقاومة الفلسطينية حماس، إن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية، ترى النور اليوم في إطار صفقة طوفان الأقصى).
وأضافت في بيان عبر قناتها الرسمية بتطبيق تليجرام، صباح السبت: اليوم نُرغِم المحتل المجرم على فتح أبواب زنازينه لأسرانا الأبطال، وهذا عهدنا لهم بالحرية، ولشعبنا بمواصلة السير معاً على طريق الاستقلال وتقرير المصير.
وأكملت: رغم العدوان الغاشم غير المسبوق الذي استهدف في همجيته كل شبرٍ في غزة، حافظنا على أسرى العدو، التزاماً بأخلاقنا وأعرافنا، في الوقت الذي حاوَل فيه العدو المجرم التخلّص منهم، وملاحقتهم بالاستهداف والقصف.
واختتمت: هذا يوم من أيام شعبنا الفلسطيني الخالدة، يجسّد فيه طريقه وخياراته، ويؤكّد التفافه حول مقاومته، وإصراره على المضيّ في طريق العزّة والكرامة، والوصول إلى أهدافه المشروعة بالحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وأنهت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس، صباح السبت، عملية تسليم الرهينات الإسرائيليات الأربعة إلى الصليب الأحمر.
وظهرت المجندات الأربعة بلباسهن العسكري الأخضر، كما حملن في أيديهن حقيبة هدايا وشهادة تفيد بإنهاء فترة الاحتجاز لدى القسام.
وانتشرت عناصر كتائب القسام وسرايا القدس بشكل مكثف في «ميدان فلسطين» في مدينة غزة، أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات ضمن صفقة التبادل.
وفي وقت سابق، قال رئيس المجلس القيادي لحركة حماس محمد درويش، إن معركة "طوفان الأقصى" كسرت أسطورة الاحتلال الإسرائيلي التي استمرت 76 عاما، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي.
وقالت حركة المقاومة الفلسطينية حماس، إن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية، ترى النور اليوم في إطار صفقة طوفان الأقصى).
وأضافت في بيان عبر قناتها الرسمية بتطبيق تليجرام، صباح السبت: اليوم نُرغِم المحتل المجرم على فتح أبواب زنازينه لأسرانا الأبطال، وهذا عهدنا لهم بالحرية، ولشعبنا بمواصلة السير معاً على طريق الاستقلال وتقرير المصير.
وأكملت: رغم العدوان الغاشم غير المسبوق الذي استهدف في همجيته كل شبرٍ في غزة، حافظنا على أسرى العدو، التزاماً بأخلاقنا وأعرافنا، في الوقت الذي حاوَل فيه العدو المجرم التخلّص منهم، وملاحقتهم بالاستهداف والقصف.
واختتمت: هذا يوم من أيام شعبنا الفلسطيني الخالدة، يجسّد فيه طريقه وخياراته، ويؤكّد التفافه حول مقاومته، وإصراره على المضيّ في طريق العزّة والكرامة، والوصول إلى أهدافه المشروعة بالحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وأنهت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس، صباح السبت، عملية تسليم الرهينات الإسرائيليات الأربعة إلى الصليب الأحمر.
وظهرت المجندات الأربعة بلباسهن العسكري الأخضر، كما حملن في أيديهن حقيبة هدايا وشهادة تفيد بإنهاء فترة الاحتجاز لدى القسام.
وانتشرت عناصر كتائب القسام وسرايا القدس بشكل مكثف في «ميدان فلسطين» في مدينة غزة، أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات ضمن صفقة التبادل.
ووفقًا للناطق باسم كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس أبو عبيدة، فإن الـ4 مجندات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن هذه الدفعة، هن: كارينا أرئيف، ودانييل غلبوع، ونعمة ليفي، وليري إلباغ.
فيما ستتضمن قائمة الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم في الدفعة الثانية 120 أسيرًا من ذوي المؤبدات، و80 أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية.
مقاتلو القسام حملوا سلاحًا إسرائيليًا خلال تسليم المجندات للصليب الأحمر
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بأن 4 من مقاتلي كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية كانوا بجانب المجندات الإسرائيليات الأربع على المنصة خلال الإفراج عنهم، وكانوا يحملون سلاح "تافور" الخاص بالنخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ونقل موقع واللا الإسرائيلي، عن مصدر عسكري (لم تسمه) أن حماس اختارت عناصر نخبة للظهور إلى جانب المجندات وهم يحملون سلاحًا للجيش الإسرائيلي حصلوا عليه خلال هجوم 7 أكتوبر 2023، في إشارة لعملية طوفان الأقصى.