بورتسودان – نبض السودان

دشن اللواء شرطة (حقوقي) عبد الرحمن بدوي عبيد مدير الإدارة العامة للإلتزام والتسهيل و اللواء شرطة ياسر صديق محمد أحمد مدير دائرة جمارك البحر الأحمر صباح اليوم بالمنطقة الحرة بولاية البحر الأحمر العمل بنظام الأسيكودا العالمية وذلك بحضور العميد شرطة مجدي مدني الشيخ مدير دائرة تقنية المعلومات والعميد شرطة خالد عثمان الفكي مدير إدارة المستودعات والمناطق الحرة وعدد من السادة الضباط وضباط الصف والجنود.

و يعتبر نظام الاسيكودا العالمية من أحدث النظم الجمركية العالمية ويسهم اسهاماً كبيراً في تسهيل وتبسيط الإجراءات الجمركية وحركة التجارة العالمية بجانب احكام الرقابة الجمركية على الواردات والصادرات، كما تم خلال الزيارة الوقوف على سير الأداء بالمنطقة الحرة والتعرف على معوقات العمل لتذليلها .

واختتمت الزيارة بجولة ميدانية على ساحة المركبات ومستودعات ومخازن البضائع.

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: الاسيكودا الخدمة نظام يدخل

إقرأ أيضاً:

الثورة السورية الحدث والمآلات.. قراءة هادئة في تحول موازين القوى بالمنطقة

مثل انتصار الثوار السوريين بقيادة هيئة تحرير الشام في إسقاط نظام الأسد نقطة تحول كبرى في التاريخ السياسي المعاصر لسوريا، وربما في المنطقة برمتها، إذ يتوقع أن تكون له تبعات كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي حيث سيؤدي هذا إلى تغييرات في توازن القوى، وسيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا والمنطقة ككل.

وتعود أهمية سقوط نظام البعث الحاكم في سوريا منذ ستة عقود، ليس لأهمية البعث في ذاته، وإنما لحجم الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، مند أواخر سبعينيات القرن الماضي حتى سقوطه يوم الثامن من كانون أول / ديسمبر الماضي..

ويتزامن هذا التطور المفصلي في تاريخ المنطقة العربية مع استمرار حرب الإبادة التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول / أكتوبر 2023، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ومئاتت الآلاف من المهجرين والنازحين، فضلا عن تدمير نحو 90 بالمائة من البنية التحتية للقطاع.

الوزير التونسي السابق الكاتب والباحث في الشأن السياسي أحمد قعلول، يقرأ، في هذه الورقة التي أعدها خصيصا لـ "عربي21"، وننشرها في ثلاث حلقات متتالية، حدث الثورة السورية الذي فاجأ الجميع في لحظة تاريخية مفاجئة وتمكن من إنجاز حلم راود السوريين على مدى أجيال، وتداعياته الإقليمية..

مقدمة عامة:

ـ تتناول هذه الورقة الملف السوري بالتحليل من حيث طبيعته ومآلاته ضمن تقاطعات الأجندات الإقليمية والدولية.

ـ تسعى الورقة لفهم الثورة السورية ضمن السياقات العامة للدول التي عرفت انتقالا في منظومات الحكم نتيجة للحروب الأهلية أو حروب التحرير أو الثورات الاجتماعية.

ـ تؤكد الورقة أن طوفان الأقصى كان المعطى الأساسي الذي حفز معادلة موازين القوة وأدى لتغييرها وانقلابها الجذري بما سمح للثورة السورية بتحقيق انتصارها.

ـ كما تؤكد أن مستقبل المنطقة مرتبط بطبيعة الأجندات والاستراتيجيات في علاقتها بالملف الفلسطيني وأن هذه السياسات ستكون محددة في بقاء أو انهيار بقية الدول العربية بيد شعوبها أو بيد الكيان الصهيوني.

ـ تعرض الورقة مجموعة من الشروط والسياسات التي من شأنها فتح المجال لهذه الثورة كي تصمد حتى تستقر موازين القوى التي سمحت لها بالتحقق.

ـ تعتبر الورقة أن الإسلام السني من خلال مكوناته السياسية معطى داعما للثورة السورية ومنتصرا بانتصارها وأن له دورا في ضمان استقرارها من خلال مجموعة من المبادرات في هذا السياق.

إن تحولا جذريا في موازين القوى بمجملها كان عاملا أساسيا في توفير شروط نظام بشار وانقلاب الوضع من مرحلة لم يكن أحد راغب في سقوطه مع وجود أطراف ترفض هذا السقوط إلى مرحلة يرغب الجميع في رحيله وإن كانوا مستعدين للتعامل معه. وهي معطيات أصبحت في النهاية داعمة لجهود الشعب السوري من خلال معارضته في إسقاطه.ـ ترى أن كلا من تركيا وقطر تقفان في نفس الديناميات التي سمحت للثورة السورية بتحقيق انتصارها كما يمثلان أحد أهم الشروط لاستقرارها وانتصارها وأنهما قادرتان على تعبئة موازين قوة إقليمية ودولية تساعد على استقرار وبناء منظومة حكم جديدة كثمرة لنجاح المعارضة السورية بعد سقوط نظام الأسد والبعث.

ـ تعتبر الورقة أن سقوط نظام بشار أبرز محدودية السياسة الإيرانية في المنطقة وأنه من الممكن انتهاج سياسة تجاهه تقلل من حجم معارضته لسقوط نظام الأسد وتساعد إيران على العودة لحضن الأمة الإسلامية.

الحدث السوري:

تحركت قوات المعارضة السورية (هيئة تحرير الشام) في اتجاه حلب، حدث بدا جزئيا إلا أنه انتهى لحدث مفصلي مفاده سقوط آخر أنظمة البعث وانتهاء حكم عائلة الأسد بعد حكم أكثر من نصف قرن.
إلى جانب كونه حدثا مفصليا فإن تطورات الحدث السوري كانت مفاجئة للجميع وغير متوقعة.

يمثل الحدث السوري إلى جانب طوفان الأقصى ثاني حدث مفصلي في حدود سنة من الزمن وقد كان طابع المفاجأة وعدم التوقع سمتان مشتركتان لكليهما. وهو أمر دفع العديد من المحللين لوضع تساؤلات على قدرات أجهزة الدول على التوقع والاستباق.

دلالات وسياقات الحدث:

استئناف أو اكتمال مسار تم إيقافه بالعنف منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة.

إن اعتبار سقوط نظام البعث السوري اكتمالا لمسار الثورة التي قام بها الشعب السوري منذ قرابة أربعة سنة يمثل أولى الخلاصات التي يمكن الانتهاء إليها.

فشل مسار الثورة المضادة التي بدأت في سوريا وسقوط نموذجها.

لا شك أن نظام الأسد صمد ولم يسقط ولكن صموده حصل بعد تفكيكه وانحسار سلطته عن طائفته وعن مؤسسات الدولة السورية التقليدية، ولذلك فإنه يمكن وإلى حد ما اعتباره حالة شبيهة لما وقع في مصر واليمن وليبيا وأخيراً تونس (وإلى حد ما السودان وإن كانت الحالة السودانية تتنزل في إطار آخر إلا أنها تأتي في نفس السياق فقد تم استهداف النظام السوداني ضمن أجندة التخلص من الإسلاميين في اتجاه فرض مسار التطبيع في المنطقة) كل هذه الأنظمة لا ينطبق عليها توصيف النظام القديم وإن أعادت منظومات الإستبداد أو غرقت في الحروب الأهلية فهذه كلها أنظمة جديدة لما تستقر بعد ولم تنجح في بناء نظام حكم قادر على الاستقرار وهي في الأغلب تدخل في تناقض مع منظومات الدولة القديمة أو العميقة وفي ذات الحين مع النخب السياسية الجديدة التي ترشحت للحكم بفضل حدث الثورات العربية.

يمثل الحدث السوري تفككا وانهيارا لمنظومة حكم وفتح لمجال بناء منظومة أخرى.. ويمثل سقوط منظومات الحكم في العموم (أكان ذلك انتهاء حرب أهلية أو ثورة اجتماعية أو كحركة تحرر وطني من احتلال أجنبي) يمثل هزا عنيفا لمنظومات الحكم في حدودها الإقليمية والقارية والدولية، ذلك أن حدود الدولة الحديثة رسمت بفعل العنف والحروب والقهر في حين كونها حدودا جامدة وصلبة تحرس بأعتى أدوات العنف وتعرف منظومات الحكم القائمة عليها في علاقتها بتلك الحدود، ولذلك فإن سقوط أي نظام حكم عادة ما يفتح الباب لعودة كل المكبوتات التاريخية ويحرك كل التناقضات والأجندات. مقابل ذلك فإن الدول، في الغالب، تخير فرض الاستقرار على مساحات عدم الاستقرار ومن هنا فالمتوقع أن يحرج الحدث السوري كل المنطقة وأن تتحرك أجندات الدول في اتجاهات متناقضة بخصوصه.

إن ما يدعم خلاصة أن انهيار حكم الأسد هو فشل أول موجات الثورة المضادة هو طبيعة المقاومة السورية والتطورات التي شهدتها. فنحن لا نتعامل هنا مع ثورة اجتماعية بمثل ما كان عليه الحال سنة 2011 في دول الربيع العربي، بل نتعامل مع تطور لسلوك وتنظم المجتمع السوري بعد الانقلاب على ثورته وقمعها.

وقد أدى هذا التطور لإيجاد كيان منظم في شكل دولة وإن في حدود ضيقة ولهذه الدولة تقاليد في الحكم المدني والأهم من ذلك لها جيش يقاتل، ولذلك يعتبر سقوط دمشق مواصلة للبناء وليس إبتداءا من جديد، وهي مواصلة للبناء قابلتها مواصلة في التردي والانهيار والفشل وعدم القدرة على التجدد. وهذا فرق مهم بين الحالة السورية والحالات الأخرى التي عاشتها دول الربيع العربي إذ اعتلت فيها نخب المعارضة سدة الحكم دون تجربة سابقة ودون امتلاك مؤسسات صلبة تحمي ثورتها.

التحولات في موازين القوة:

الأمر الثاني الذي يستحق التنويه في علاقته بالحدث السوري هو إن مع أهمية الوضع الداخلي، إلا أنه لا يمكن أن يكون كافيا في غياب محيط إقليمي ودولي وموازين قوة مرتبط بذلك المحيط مساعدة أو غير معاندة.

وأن الثورة السورية ما كان من الممكن أن تحقق وعودها في إسقاط آخر نظام بعثي حكم البلاد بالحديد والنار والإرهاب لولا تغير موازين القوة التي سمحت لذات النظام بالصمود لقرابة عقد ونصف من الزمن، ذلك أن نظام الأسد لم يقدر على الصمود بسبب توفر شروط بقائه الداخلية بقدر ما تمكن من ذلك بفضل الدعم الإيراني الذي حصل عليه والذي بفضله تمكن من إدخال اللاعب الروسي كطرف حاسم في معركة الحفاظ على نظام البعث الأسدي.

في حين بقي بقية الفاعلين المحليين والإقليميين في صراع بيني على الأراضي السورية وبدماء السوريين وبسبب فرقتهم وصراعاتهم الداخلية.

كما غابت إرادة تغيير النظام السوري خلال السنة الأولى من الثورة عن أغلب الفاعلين الإقليميين والدوليين خاصة وأن بشار الأسد كان حديث اعتلاء للسلطة ومثل أملا في التغيير والإصلاح في سوريا ما غلب استراتيجيات البقاء عليها ومسايرته على طلبات الشعب السوري في تغييره.

ثم إن تغير المعادلة الدولية والإقليمية وغياب تلك الشروط كان هو العامل الحاسم في تهاوي نظام الأسد الذي ساهمت الحرب الأهلية وجرائمه وغرور الأسد في مزيد تعريته وتهرئته.

طوفان الأقصى:

يصعب فهم الحدث السوري خارج سياق زلزال كبير عرفته المنطقة والعالم بحيث همشت موجاته إحدى أكبر الحروب عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية أي الحرب الروسية ـ الأوكرانية.

كما أدى هذا الطوفان الزلزال لتحريك أرضية موازين القوى التي عليها بني استقرار نظام الأسد بعد ثورة الشعب السوري عليه. إذ غير مسار تحرك القوى الإقليمية والدولية التي التفتت عن منطقة الشرق الأوسط مهتمة أساسا بالحدث الأوكراني في حين بدأت المنطقة تدخل في مرحلة فرض مسار تطبيع وجود الكيان الصهيوني كجزء محدد في المنطقة، وفي إطار تحالفات مع فاعلين أساسيين من مكونات منظومة الدولة القطرية ما قبل ثورة الربيع العربي وعلى حساب الدول التي اندرجت في أجندته مثل قطر وتركيا أساسا وإلى حد ما الجزائر قبل الحراك، وذلك في إطار استراتيجية الولايات المتحدة الساعية للانحسار عن المنطقة وتوكيل فاعلين عنها بقيادة الحكومة الإسرائيلية.

أدى هذا التحول المفصلي إلى تأجيل مرحلة حسم الملف الأوكراني لصالح أولوية الحسم لصالح الحفاظ على الكيان الصهيوني وهو ما أدى إلى تقديم أولوية التخلص من محور المقاومة التي بنته إيران كأداة دفاع وتوسع استراتيجية لها في المنطقة والعالم.

بلوغ نموذج جبهة المقاومة حدوده القصوى:

مثل اندلاع موجة الربيع العربي سمة 2011 إعلانا لسقوط وتفكك محور الممانعة (الاعتدال) الذي قادته كل من مصر والمملكة العربية السعودية وسوريا، برزت إيران كقوة إقليمية فاعلة رافعة شعار المقاومة، وكانت لها سياسة مباشرة في دعم المقاومة الفلسطينية دعما مباشرا في وضع تم خنق كل سبل الدعم لها من أي جهة أخرى.

مثل طوفان الأقصى فرصة للعالم كي يستيقظ من حالة التوحش التي غرق فيها وقد عجزت أغلب الدول عن استثمار هذه الفرصة لتحويل خطها الاستراتيجي والتخلص من الورم الذي تم زرعه في قلب العالم. مقابل ذلك فإن إيران استثمرت هذه الفرصة لحدودها القصوى، ولكن ضمن حدود الاستراتيجية الأمنية للمصالح القومية لدولة إيران. انتهجت إيران في بناء منظومتها التي يصفها الكيان الصهيوني بحزام النار مقاربة طائفية وآليات اختراق للدول التي كونت فيها مجموعات مرتبطة ارتباط عضويا بها. وإذ مثل دعم ايران للمقاومة في فلسطين عاملا حاسما في تعقيد مسار حرب الكيان الصهيوني على فلسطين من خلال رفع حزب الله في لبنان وانصار الله الحوثي في اليمن وكذلك في العراق شعار وحدة الجبهات. وهذا أمر فشلت فيه بقية الدول الإسلامية والعربية هذا دون ذكر الدول التي تورطت في التطبيع واستهداف المقاومة الفلسطينية. ولكن ومع هذا الدور الاستراتيجي في تبني القضية المركزية للأمة فإن إيران تورطت في جرائم مباشرة ضد الشعب السوري وذلك من خلال تورط جماعات إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في قتل الشعب السوري والاعتداء عليه بجرائم لا تكاد تقارن إلا بما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم في غزة وبقية وربما فاقتها بشاعة في كثير من الأحيان.

دفعت ايران ثمنا باهضا بسبب استراتيجيتها القومية وذلك أنها تلقت ضربة مؤلمة في جنوب لبنان الأمر الذي اضطرها لإعطاء الأولوية للجبهة اللبنانية على حساب تواجدها في سوريا الذي لم يعد تواجدا آمنا خاصة في ضوء تتالي المعطيات التي تقول إن جزءا من الاختراق الأمني الذي حصل في كل من الداخل الإيراني وجنوب لبنان كان بسبب تواطؤ لنظام بشار مع الكيان الصهيوني، ولا شك أن هذا مثل تحولا جديا في موازين القوة التي سمحت ببقاء نظام البعث السوري ويسرت انهياره.

ويعتبر سقوط نظام بشار الأسد إعلانا لمحدودية استراتيجية إيران في المنطقة وإنذارا بفشلها إن لم يتم التراجع عنها وذلك أن هذا الفشل سيكون له أثره المباشر على استقرار الدولة الإيرانية ذاتها.

الحرب الأوكرانية:

مثل تواجد روسيا في سوريا فرصة تاريخية لها لافتكاك منفذ على المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط ولذلك فإنها كانت الشرط الأساسي الذي مكن لنظام الأسد وذلك من أنها استجابت للطلب الإيراني للتدخل المباشر في سوريا والمساهمة الفعالة في قمع الشعب السوري.

وفي ذات الوقت واجهت روسيا تهديدا استراتيجيا في حدودها الغربية المباشرة وذلك بسبب السياسة التوسعية التي انتهجتها الولايات المتحدة لحلف الناتو وبرنامج إدخال أوكرانيا فيه، وهو ما أدى لدخول روسيا في حرب مباشرة ضد أوكرانيا لم تحقق نتائجها المتوقعة، أي سقوط نظام زيلنسكي وتسليمه، وهو ما أدى لدخول روسيا وأوروبا في حرب طويلة غيرت من أولويات روسيا العسكرية ومن ذلك تواجدها وحجم الدعم الذي تخصصه لنظام بشار وقد وصل هذا إلى حد الجنوح للتخلي عنه مقابل الحفاظ على تواجدها وإن في حدود دنيا.

انشغال العالم:

مثل انشغال العالم الغربي أساسا بالحرب الأوكرانية أولا وبطوفان الأقصى وبروز التيارات اليمينية المتطرفة مع الأزمة الاقتصادية وتصاعد ملف الهجرة ودخول الولايات المتحدة في مرحلة انغلاق على الذات خلال مرحلة الانتقال من إدارة بادين إلى إدارة ترامب كذلك فسحة ارتخاء في الأجندات الدولية وعدم تركيز على الأحداث التي تتسارع في سوريا.

تحجر نظام الأسد:

لم ينتبه نظام بشار للتحولات الجذرية التي حصلت في موازين القوى الأساسية الداعمة له ولعله ضن أن مواصلة انتهاج لعبة صراع المحاور وانفتاح الفرصة للقفز في اتجاه محور الدول العربية والدول الغربية سيمثل له فرصة لتطبيع وجوده نهائيا وغلق باب الثورة السورية. ولعل هذا كان أحد أسباب تعنته ورفضه الاستجابة لدعوات الرئيس أردوغان والمعارضة السورية بالالتزام بمقتضيات لقاء "استانة" كما لم ينتبه نظام بشار لحالة الترهل التي وصلت إليها منظومته الداخلية على كل المستويات.

كل هذا ساهم في عزله كليا ليس فقط على المستوى الداخلي، بل كذلك على المستوى الإقليمي والدولي.

وقد تزامن هذا مع تطور مهم عرفته المعارضة السورية من خلال منظومة الحكم الذاتي التي بنتها خاصة في منطقة إدلب بقيادة "هيئة تحرير الشام" التي لم تتردد في اختبار الوضع بالتقدم تجاه حلب ثم حماة ومن ثم اقتناص الفرصة لإسقاط نظام البعث السوري.

خلاصة الأمر:

إن تحولا جذريا في موازين القوى بمجملها كان عاملا أساسيا في توفير شروط نظام بشار وانقلاب الوضع من مرحلة لم يكن أحد راغب في سقوطه مع وجود أطراف ترفض هذا السقوط إلى مرحلة يرغب الجميع في رحيله وإن كانوا مستعدين للتعامل معه. وهي معطيات أصبحت في النهاية داعمة لجهود الشعب السوري من خلال معارضته في إسقاطه.

مآلات الثورة السورية:

يفتح سقوط نظام الأسد المجال لبناء منظومة حكم جديد في سوريا وعادة ما تحكم عمليات الانتقال هذه العديد من الديناميات التي فصل فيها الخبراء في الانتقال السياسي من أهم هذه الخلاصات:

ـ إن أغلب عمليات الانتقال لا تنجح إلا بعد دورات من الفشل والارتداد والعنف والحروب مع المحيط أو الحروب الأهلية وبروز للتيارات الشعبوية والراديكالية.

ـ ومن ذلك أنه وخلال مرحلة الانتقال الأولى عادة ما يمسك الحكم طرف معتدل وبقدر الحاجة لذلك الاعتدال فإنه هو ذاته يكون سببا في الفشل من حيث أن المجموعة المعتدلة عادة ما تفتقد القدرة الموضوعية للاستجابة لسقف التوقعات العالية للشعوب التي تحررت من عقود من الاستبداد بحيث يفك تحررها كل المكبوتات التي ركنت لعقود من الزمن ويحمل عبؤها على الحاكمين الجدد من اليوم الأول بينما تغيب عن أذهان هذه الشعوب صورة المستبد القديم وعادة ما تلبس البروباغندا الحاكم الجديد لباس الحاكم الذي أسقطته الثورة.

ـ عادة ما يؤدي هذا لصراع بين المجموعات الثورية فيخترق صفوفها انتهازيو المنظومة القديمة وحتى بعض عناصرها وذلك في سلوك حمائي تلقائي ثم وبعد الاطمئنان، وكذلك في سلوك تآمري وبروح راديكالية وشعبوية، وهذا عادة ما ينتهي إلى انهيار حكم الطرف المعتدل ما يؤدي إما لعودة بقايا المنظومة القديمة التي عادة ما تعيد بناء نفسها تحت لافتات قومية فاشية وبمضمون شعبي وراديكالي، أو أن يبرز طرف راديكالي ثوري يفتك الحكم.

ـ تدخل البلاد في هذه المرحلة لحقبة دموية تقع فيها عادة تصفيات لرموز الثورة وقادتها وتحدث فيها تغييرات جذرية هيكلية في بنية ومنظومة حكمها.

ـ بعد هذه الفترة عادة ما يقع افتكاك الحكم من الأطراف الراديكالية التي تفشل هي كذلك في إدارة وتحقيق الاستقرار وهي عادة ما تدخل إما في حروب إقليمية أو حروب أهلية.

ـ عادة ما يستقر الوضع بعد ذلك وتكتسب الدولة حدا من العقلانية والبراغماتية.

وهذا لا يعني أن هذه العقلانية تنتهي بإنتاج للديمقراطية وحرية الشعوب، خاصة في مرحلة تشهد فيها المنظومات الديمقراطية الليبيرالية أزمة جذرية في منظومتها في إدارة الشأن العام أو في منظومة قيمها التي تروج خاصة في ضوء ازدواج المعايير الذي تعاني منه المنظومة الغربية في علاقاتها بالقضية الفلسطينية وحق الشعوب العربية في تقرير المصير وسيادتها على نفسها.

كما أن تجارب الانتقال الثوري في أوروبا لم تنتج ديمقراطيات إلا بعد أكثر من قرن أو قرنين من الزمن.

وإن بدا هذا المسار حتميا في تاريخ الانتقال السياسي لمنظومات الحكم فإنه يمكن الحديث عن حالات تبدو استثنائية تحقق فيها نوع من النجاح في بناء منظومات حكم بديل بمستوى عال من الاستقرار مع منظومة ديمقراطية في إدارة الشأن العام وهي حالة ألمانيا الغربية واليابان وجنوب إفريقيا وقد قام هذا النجاح بناءا على توفر شروط يمكن تلخيصها فيما يلي:

ـ إن تغيير النظام هو في المقام الأول قضية داخلية، ومن الأفضل تركها لأهل البلد. وهذا لا يلغي قيمة الدعم الخارجي الذي يمثل عاملا محوريا في نجاح تجارب الانتقال ما تناسق مع الإرادة الداخلية للفاعلين المحليين.

ـ البعد الأمني وهذا يعني الحاجة الضرورية لدعم أمني قوي يقوم على شبكات المعلومات والمخابرات بما يحفظ الاستقرار الداخلي ويمنع عمليات الاختراق والتآمر التي تصاحب عمليات الانتقال في منظومات الحكم.

ـ الدعم الاقتصادي: أن يكون هناك التزام رئيسي بالدعم الاقتصادي والمالي من قبل أصحاب المصلحة الدوليين.

ـ إشراك النخبة السابقة، بل والاعتماد عليها خاصة في مراحل الانتقال الأولى والتأسيس.

ـ تنفيذ العدالة فيما يتعلق بجرائم النظام السابق.

ـ رسم حدود واضحة للتغيير والتعامل مع الماضي.

يمكن الحديث عن عوامل أخرى مثلت في تاريخ عدد من الثورات شروطا لنجاحها واستقرارها ومنها:

ـ وجود دول قوية داعمة وقد كان هذا من الشروط التي توفرت للثورة الأمريكية مثلا من خلال دعم فرنسا الثورة لها وكذلك الثورة الصينية من خلال الدعم الاتحاد السوفياتي لها وهو نفس الأمر الذي توفر لثورة الكوبية وأخيرا وقوف المنظومة الغربية مع الثورات الملونة التي حصلت في أوروبا الشرقية.

ـ وجود قوة متغلبة تملك السلاح وتفرض الاستقرار إلى جانب توفر الدعم الخارجي، وقد كان هذا متوفرا للثورة الروسية مع غياب محيط إقليمي ودولي معاند، كما كان هو حال الثورة الإيرانية التي كان محيطها متآمرا عليها، ولكنها صمدت من خلال تكوينها للحرس الثوري كقوة عسكرية حاسمة لمعادلات الصراع الداخلي كما ساهم دخل إيران في حروب مع المحيط في منع تفكك الجبهة الداخلية، والتغطية عن المسار الراديكالي الذي انتهجه الحكام الجدد لإيران بعد الثورة.

المآلات المحتملة لموازين القوة:

مازالت سوريا مقسمة بين عدد من المجموعات المسلحة والطائفية فهناك:

ـ هيئة تحرري الشام في الشمال الغربي
ـ المجموعات الكردية في الشمال الشرقي
ـ سوريا الحرة بالجنوب
ـ بالإضافة للانقسام العرقي والطائفي.
ـ عشرات الآلاف من مساجين تنظيم داعش
ـ بقايا المنظومات الأمنية والعسكرية لنظام بشار التي يمكن أن تتحول لبنادق تبحث عمن يدفع لمواصلة ما تربت عليه وطبعت عليه من إجرام.
ـ الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة والعلويين والدروز والمسيحيين بطوائفهم مع التنوع العرقي بين العرب والكرد والترك.

مع أن الانقسام أو التنوع الطائفي والعرقي بقدر ما يمكن أن يكون عامل إعاقة فإنه يمكن أن يمثل عامل ثراء للمجموعة الوطنية في حال نجاحها في صناعة توافقاتها الداخلية وإجماعها السياسي ولذلك فإن الدولة السورية ستحتاج لتحديد مقاربتها لهوية الدولة الوطنية بين مفهوم الدولة القومية الحديثة التي تقوم على الصهر بالإكراه للهويات الجماعية المتعددة من أجل بناء هوية متخيلة وهذا يعني الحاجة لحجم كبير من العنف ووقت طويل لتحقيق هذه الهوية الجامعة ومن البين أن هذا المسار قد فشل بسقوط حكم الأسد ونظام البعث، أو بناء منظومة حكم بمفهوم مختلف للدولة القومية أقرب ما يكون لمنظومة الدولة في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة مع مراعات الاختلافات الموجودة.

لا شك كذلك أن سوريا بقدر حاجتها للتوافق من أجل تحقيق الاستقرار والحد من حد المتضررين من الثورة السورية وتوسيع دائرة المنتفعين بثمارها فإنه يحتاج لقوة لها قدرة قهرية قادرة على فرض الاستقرار وحسم بعض التناقضات والتخذيل عن التآمر ضد الثورة.

وبناء على هذا فإن:

ـ هناك من سيسعى لتعميق التناقضات وتأليب عوامل الحرب الأهلية لإفشال الحدث السوري وإلهاء سوريا بحدودها الداخلية وتهميشها في المنطقة وهي نفس الوضعية التي وصلت إليها الدولة المصرية ودولة العراق قبلها.

إن تغيير النظام هو في المقام الأول قضية داخلية، ومن الأفضل تركها لأهل البلد. وهذا لا يلغي قيمة الدعم الخارجي الذي يمثل عاملا محوريا في نجاح تجارب الانتقال ما تناسق مع الإرادة الداخلية للفاعلين المحليين.ـ نقدر أن النجاح في تفكيك الوضع السوري سيؤدي لتوسيع دائرة تفكك عدد من الدول العربية الأخرى خاصة منها الدول ذات الثقل الإقليمي، وهو ما نقدر أن الأجندة الإسرائيلية تسعى لتحقيقه إذ يصعب أن يطمئن الكيان الصهيوني لوجوده في محيط إقليمي وإن كان أقل منه تسلحا فهو متحدة شعوبه على هوية جامعة ودين واحد ذو منظومة تشريعية تنظم حياته الخاصة ورؤية لتنظيم مجالها العام، ودول لها مساحات واسعة وثروات كبيرة ومنظومات حكم مستقرة حتى وإن كانت منظومات استبدادية.

ـ إن أجندة التطبيع لا تستهدف في الحقيقة الشعوب العربية بقدر ما تستهدف قبلها الدول الإقليمية التي يراد جرها لمسار التطبيع بما في ذلك المملكة العربية السعودية والجزائر ومصر.

من السابق لأوانه الحكم بمآلات الثورة السورية إذ أن هذا مرتبط بالعديد من المتغيرات ومن التناقضات إلا أن توفر العوامل المذكورة أعلاه لا شك سيساعد على توفير عوامل النجاح وتغليبها على عوامل الفشل.

لا شك أن النجاح أو الفشل له عوامل داخلية، ولكن وكما تخبرنا الثورة السورية ذاتها فإن قمعها ثم نجاحها ارتبط وبشكل جوهري بموازين القوة الإقليمية والدولية.

ويمكن من خلال المقدمات السابقة الحديث عن عدد من العوامل المتوفرة للثورة السورية والتي يمكن أن تساهم في نجاحها ومن أهمها:

ـ وجود قوة متغلبة في سوريا لها دربة على إدارة الحكم ولها جيش عقائدي مدرب على القتال.
ـ تبني المجموعة المتغلبة لمنظومة أيديولوجية جامعة.
ـ الوضع الدولي المنشغل بقضايا تجعل الاستقرار من أولوياتها الكبرى ومن ذلك الاستقرار في سوريا.
ـ وجود دولة ملاصقة وداعمة يعتبر استقرار سوريا من مصالحها القومية الاستراتيجية.
ـ دروس الثروات المضادة التي حصلت في بقية الدول العربية.

يبقى أنه من المهم الالتفات لخارطة التقاطعات الإقليمية والدولية الحافة بالحالة السورية للنظر في توجهات موازين القوى.

مقالات مشابهة

  • الثورة السورية الحدث والمآلات.. قراءة هادئة في تحول موازين القوى بالمنطقة
  • مستثمري المنطقة الحرة بمدينة نصر: نحتاج تسهيلات تمويلية لمواجهة التحديات العالمية
  • فعالية تُمكِن فرص العمل الحر في قطاع المنسوجات بالمنطقة الحرة بصلالة
  • الصحة العالمية: لا معلومات حديثة عن مدير مستشفى "كمال عدوان" حسام أبو صفية
  • تأكيدات أمريكية بخروج حاملة طائراتها في البحر الأحمر عن الخدمة
  • الدقهلية: رفع 870 طن مخلفات بلدية وأتربة بالمنطقة المركزية
  • كربلاء.. اعتقال 5 موظفين بينهم مدير بتهمة الاستيلاء على المال العام
  • مدير الهلال الأحمر في غزة: الاحتلال أخرج 26 مستشفى عن الخدمة من أصل 38
  • تعرف على وصية مدير عام شرطة غزة لمنتسبي الداخلية والشرطة (صورة)
  • نائب محافظ البحر الأحمر تتفقد المشروعات التنموية بمدينة القصير