على مدى التاريخ لَمْ يشهد العالَم جريمة موثَّقة بالصوت والصورة والشواهد مِثل جرائم الصهاينة على أرض فلسطين المقدَّسة، هذه العصابة الهمجيَّة بآليَّتها وقضِّها وقضيضها تُمارس أبشع جرائم الإبادة ضدَّ شَعب أعزل محاصَر لا حَوْلَ له ولا قوَّة في ظلِّ عالَمٍ ظالمٍ تحكمه قوى استعماريَّة تصنع من المُجرِم ضحيَّة وتزوِّر الحقائق، مستخدمةً في ذلك آليَّاتها الدعائيَّة العملاقة ونفوذها في المنظَّمات الدوليَّة وسيطرتها على مقدّرات العالَم.


ومن المفارقة أنَّ هذا الشَّعب المظلوم الَّذي تنهشه يَدُ الظُّلم منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا ينتمي لأُمَّة كانت قَبْل عدَّة قرون تحكُم الأرض. ومن المفارقة أيضًا أنَّ هذه الأُمَّة المتخاذلة تتفوق على عدوِّها في العدد ـ ولا أقول العُدَّة ـ والموارد وتجمعها وحدة اللغة والدِّين والعقيدة.. إنَّها أُمَّة (لا إله إلَّا الله) الَّتي استخلفها الله في الأرض وبعث فيها خاتم الأنبياء والمرسلين وصفها المولى عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..).
إنَّ تخاذل أُمَّة العرب عن قضيَّتهم الأُم لَمْ يأتِ صدفة، فالصهاينة ومن خلال نفوذهم على حكومات الغرب وعلى رأسها الولايات المُتَّحدة مارسوا أشدَّ أنواع الضغوط على الأنظمة العربيَّة لحذف كُلِّ ما يتعلَّق بالقضيَّة الفلسطينيَّة في المناهج التعليميَّة، وفرضوا على الخِطاب الدِّيني قيودًا شديدة لمنع أيِّ محاولة لتذكير أبناء الأُمَّة وأجيالها المتعاقبة بصفات اليهود والصهاينة عَبْرَ التاريخ من غدرٍ وسفاهة وخيانة ونقض للعهود، بالرغم أنَّ صفاتهم تلك لَمْ تأتِ من خيال داعية ديني متطرِّف اعتلى المنبر دُونَ عِلم ولا دراية، ولا من سردٍ تاريخي شابَه التحريف وفق هوى مَن قام بتوثيقه، بل وثَّقته آيات الله المُحكمات الَّتي لَمْ يمسَّها تحريف ولا تلفيق ولا تنقيح، وهل أصدقُ من الله قيلًا؟
وفي الوقت الَّذي نقَّح العرب مناهجهم وحذفوا كُلَّ ما يضايق أعداء الله اليهود الطغاة ويكدِّر خاطرهم، ضاعف الكيان الصهيوني من ترسيخ الكراهية لدى أجياله المتعاقبة ضدَّ العرب والمُسلِمين، فظلَّ العربي في أعيُنهم حيوانًا جامحًا ليس له حقُّ العيش، وفي المقابل أصبح اليهود في مناهج العرب أبناء عمٍّ لنَا وشركاءنا في التاريخ والمصير!! فأيُّ منطق متخاذل هذا؟ وأيُّ معادلة انهزاميَّة تلك؟ ثم يأتي أحَد جهلاء التاريخ ويقول: إنَّ فلسطين هي في الأصل أرضٌ لليهود قَبْل أنْ تكُونَ للعرب؟! هل رأيتم أُمَّة ضُربت في ثوابتها وعقيدتها أكثر من هذه الأُمَّة المتهالكة؟
يعاني أبناء فلسطين وخصوصًا الغزاويِّين مِنْهم، مرارة الظلم والحصار والقصف والاغتيالات والمهانة، وعِندما يقومون بعمل يحفظ لهم كرامتهم ويرهب عدوَّ الله وعدوَّهم، يقف العالَم مع المحتلِّ الغاشم ويصوِّره في إعلامه ودعايته السِّياسيَّة بالوديع المسكين الَّذي يواجه وحوشًا بَشَريَّة ضارية، وليس في هذا غرابة، فالكيان الصهيوني هو ابن الغرب المُدلَّل منذ أن زُرع في خاصرة العرب، وكُلُّ نعيقهم عن حقوق الإنسان والقانون الدولي يتساقط ويداس تحت أقدام الصهاينة وبمباركتهم، فحقوق الإنسان في نظرهم لا تشمل أُمَّة العرب والإسلام؛ لأنَّهم في الدرك الأسفل من أنماط البَشَر، لكن من المؤسف والمقرف جدًّا أن يأتيَ من العرب ويهاجم المقاومة علَنًا ويحمِّلها نتيجة الحرب الهمجيَّة الَّتي تشنُّها آلة الحرب الصهيونيَّة والأميركيَّة وأخواتها، وكأنَّه مكتوب على العربي أن يظلَّ مدى الدهر ذليلًا خاضعًا ضعيفًا يتلقَّى الطعنات من كُلِّ حدبٍ وصوب ويقابل كُلَّ صفعة على وجهه بعود زيتون وحمامة سلام.
ثمَّ نجد بعض الأقلام المأجورة والأصوات الإعلاميَّة المدسوسة تخوِّن المقاومة بجميع أطيافها؛ لأنَّها مدعومة من إيران!
وهي ذات الأقلام والأصوات الَّتي كانت تُسمِّي المجموعات الهمجيَّة الداعشيَّة الَّتي دمَّرت سوريا الصَّامدة وعاثت في الأرض فسادًا بالمعارضة!! فقط لأنَّها غير مدعومة من إيران، ولأنَّها وجَّهت بنادقها وأحزمتها الناسفة ضدَّ الدَّولة العربيَّة الوحيدة الَّتي رفضت التنازل عن حقوقها وظلَّت في حالة عداء مع العدوِّ الصهيوني، فكان الجزاء أن دُمِّرت بأيادي وأموال أبناء جلدتها خدمة لأعداء العرب!
بعد هذه المقدِّمة، هل ما يقوم به الكيان الصهيوني من قتلٍ وتصفية لشَعب فلسطين بصَمْتٍ دولي ودعم غربي هو هزيمة لقضيَّة فلسطين ومشروع المقاومة؟ وهل تظلُّ هذه المعادلة الظالمة بلا نهاية؟ وهل المقاومة قادرة على الصمود في وجْه هذه الآليَّة العسكريَّة الضخمة؟ أبشركم أنَّ من رحم المِحن تولد المعجزات، وأنَّ هناك من البشارات الَّتي لا تقبل الشَّك لكُلِّ مؤمن لَمْ يتلوَّث ضميره بدعايات الغرب المستعمر ولا بمبرِّرات العربي المُطبِّع المستسلم، بشارات ودلائل بقرب استئصال السرطان الصهيوني، يدركها حتَّى المستسلمون الَّذين تنازلوا عن ثوابتهم وعقيدتهم من أجْل كرسي زائل، ولكن ينطبق عَلَيْهم قول المولى ـ جلَّت قدرته ـ (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
يتبع …

سعيد بن محمد الرواحي
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة العرب من الم

إقرأ أيضاً:

صنعاء.. مسير ووقفة لخريجي دورات طوفان الأقصى في مديرية بني مطر

الثورة نت|

نفذ خريجو دورات “طوفان الأقصى”، ضمن وحدات التعبئة العامة بعزلة شهاب أسفل بمديرية بني مطر في محافظة صنعاء، مسيراً راجلاً ووقفة مسلحة، تزامنا مع النصر الكبير الذي حققه الفلسطينيون في غزة وإعلانًا للجهوزية التامة.

وفي المسير الذي انطلق من منطقة الصباحة إلى قرية المساجد، ولمسافة تزيد على ثلاثة كيلو مترات، ردد المشاركون الهتافات المعبرة عن الصمود والثبات في مواجهة الأعداء.

وأكدوا جهوزيتهم الكاملة لإسناد القوات المسلحة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، مجددين تأييدهم المطلق لقائد الثورة في اتخاذ القرارات المناسبة، واستعدادهم الكامل لأي تصعيد في مواجهة قوى البغي والاستكبار أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وحلفائها.

وأبدوا استعدادهم التام وجهوزيتهم العالية في حال نكث العدو الاتفاق، وعلى استعداد لمواصلة التحرك حتى تحرير القدس والأقصى الشريف.

وباركوا نجاح العمليات العسكرية النوعية للقوات المسلحة اليمنية ضد الكيان الصهيوني والعدو الأمريكي البريطاني، والإنجازات الأمنية لضبط خلايا التجسس التابعة للمخابرات البريطانية والسعودية.

وهنأوا الشعب الفلسطيني في غزة على هذا النصر المبين الذي تحقق بعون الله وصبر المجاهدين والشعب رغم الحصار والدمار والتجويع.

مقالات مشابهة

  • طوفان الأقصى يجرف أركان الاحتلال العسكرية.. تعرف على المستقيلين
  • بسبب الفشل أمام “طوفان الأقصى”.. موجة من الاستقالات تضرب قيادة جيش العدو الصهيوني
  • ماذا استفاد اليمن من مشاركته في معركة “طوفان الأقصى” انتصارًا لغزة؟
  • الخارجية العراقية تدين عدوان الكيان الصهيوني المستمر على مدينة جنين
  • السيد الخامنئي: لولا الاسناد الأمريكي لانهار الكيان الصهيوني في الأسابيع الأولى
  • الكيان الصهيوني يقتحم بلدة الخضر جنوب بيت لحم
  • مسير لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية بلاد الروس بصنعاء
  • بدء الحساب في الداخل الصهيوني:طوفان الأقصى يطيح برئيس أركان جيش الاحتلال وقائد «المنطقة الجنوبية».. ومطالبات باستقالة نتنياهو وحكومته
  • منها اقتحام قرى.. الكيان الصهيوني يواصل عدوانه على قطاع غزة
  • صنعاء.. مسير ووقفة لخريجي دورات طوفان الأقصى في مديرية بني مطر