جريدة الوطن:
2024-09-19@22:16:53 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

ندرك جميعًا عِندما تنظر لتلك المدينة من خلال التلفاز، وتشعر بخواء الشوارع، وبتلك اليد الغريبة المستمرَّة بطعْنها وقتلها وتدمير كُلِّ بساط بها. وللأسف لا يدرك أولئك أنَّ حجم وكثافة البَشَريَّة هو ما يجعل المُدُن تشعر بالأمان. إنَّ متعة المدينة وأَلَمَها هو أنَّنا لا نكُونُ وحيدين أبدًا، حتَّى عِندما نريد بشدَّة أن نكُونَ كذلك.

لَمْ يكُنْ هذا هو الحال في أرض كان يسودها الرَّخاء منذ زمن بعيد! حينها تجلس مع حزن عميق، ولعلَّها طريقة تكبت بها البكاء، لأُناسٍ ظلموا وما زالوا يظلمون، وأنتَ تنظر لتلك المدينة من بعيد، ليس بسبب الخوف بقدر ما هو بسبب الصدمة النقيَّة والتعاطف العميق. قُتل مِنْهم الكثير من أجْلِ أرضهم ومدينتهم. لَمْ أكُنْ أعرف أنا أو أصدقائي أيًّا مِنْهم، ولكنَّنا ـ بلا شك ـ شعرنا بأنَّهم معروفون جدًّا. ومع ذلك، هذه المرَّة لَمْ تكُنْ هناك محاولة حقيقيَّة لإقامة لحظة حداد. نحن هنا لَمْ نحزن فحسب، لقَدْ بدا أنَّنا مستاؤون من فقدان حتَّى ولو لمرَّة واحدة من محاولتنا للعودة إلى طبيعتنا. وهنا بشكلٍ ما يتمُّ تنمية التعاطف من خلال التفاعلات مع الأشخاص الَّذين لا نعرفهم جيِّدًا، وتلك اللمحات من عوالم داخليَّة أخرى. وربَّما دُونَ أن يدركَ أحَد فلقَدْ قُمنا، على مدى عقود ونحن ننظر تلك المدينة ببطء ثمَّ بسرعة، محاولين (إخراج) الآخرين من حياتنا إلى أقصى حدٍّ. باستخدام تطبيق واحد في كُلِّ مرَّة، قلَّلنا بشكل كبير من حاجتنا إلى التفاعل بشكلٍ عرضي مع أيِّ شخص لا نعرفه من تلك المدينة، مع أنَّ ألَمَ تلك المدينة وأرضها مستمرٌّ لَمْ يتوقفْ! ولعلِّي أقول هنا: ماذا لو لَمْ تكُنْ معاناتنا داخليَّة فقط لَنَا ـ لتقصيرنا مع تلك المدينة ـ؟ ماذا لو تدهور سكَّانها وقانطوها كما نراه اليوم؟ وماذا لو تدهورنا؛ لأنَّنا بدأنا بالاستياء ليس فقط من التفاعلات البَشَريَّة، بل أيضًا من فترة البَشَر؟! وأكثر فأكثر، اعتدنا واعتاد سكَّانها ـ تلك المدينة ـ على المعاناة والموت. يعتقد الكثيرون أنَّه تمَّ كتابة مقالات حَوْلَ سبب عدم تحرُّك مُدُن أخرى ـ حَوْلَ تلك المدينة ـ لوقفِ عمليَّات إطلاق النَّار والدَّمار الَّذي يعصف بها ظلمًا، والجرعات الزائدة الَّتي لا نهاية لها من الموت وقتل على يد الغرباء. ماذا لو كان الجمود نتيجة لأنَّنا ببساطة لَمْ نَعُدْ نقدر الحياة البَشَريَّة أو المسؤوليَّة الحقيقيَّة تجاه إخواننا بالطريقة الَّتي كنَّا نفعلها من قَبْل! هذه فرضيَّة قاتمة، لكنَّها فرضيَّة كان عَلَيْنا ـ ربَّما ـ أن نتقبَّلَها بجديَّة، ونحن نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي منذ الهجوم الظالم الَّذي وقع على أهل تلك المدينة. فصدقًا ما مدى صحَّتنا العاطفيَّة كأُناس تراقب المشهد من بعيد عِندما نشعر، في لحظات المأساة العميقة والمؤلمة، بأنَّنا مضطرون إلى إدراج آرائنا أو مواقفنا؟ ألَا يُمكِننا ولو للحظة واحدة أن نشعرَ بالضحايا… ثم ماذا بعد ذلك؟ هل باتَتِ النَّاس تتجنَّب التعامل مع الآخرين وإدراك آلامهم؟ فمَن يدري لعلَّ تجنُّب ذلك أدَّى إلى تآكل تعاطفنا! ختامًا، قَدْ يكُونُ هذا الوقت يُمكِننا أن نحاولَ الابتعاد عن عدم المبالاة وإعادة احتضان الإنسانيَّة والأُخوة الحقيقيَّة لإخراج أنفسنا من شرانق العزلة. وكمِثال يُمكِننا رفع الهاتف والاتِّصال بصديق بدلًا من الإعجاب بمنشور ما. يُمكِننا صدِّقْ أو لا تصدِّق، الاهتمام بما يحدُث في تلك المدينة ونقدِّم ما نستطيع تقديمه مهما كان بسيطًا. أما أنَّنا اعتدنا على المعاناة الإنسانيَّة… فماذا حدث للتعاطف ـ كان الله في عون غزَّة ـ؟!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تلک المدینة ماذا لو

إقرأ أيضاً:

سليمان: تفجير الاف الاجهزة عمل اجرامي ضد الإنسانية

اشار رئيس الجمهورية الاسبق العماد ميشال سليمان، في تصريح اليوم، الى ان "أي عمل عسكري يقع على أرض المعركة يندرج من ضمن الاعمال العسكرية المتبادلة بين المحاربين ولكن تفجير الاف الاجهزة مع حامليها وعائلاتهم في منازلهم او في الاماكن العامة خارج الميدان العسكري، هو عمل اجرامي ضد الإنسانية ويطال الاطفال والنساء والعجزة".



وتابع: "كما انه يفتح المجال واسعا أمام العصابات والمافيات والارهابيين التي لا علاقة لها بالدفاع المشروع عن أوطانها لاستعمال وسائل الدمار الشامل في حال تمكنت من وضع يدها عليها".

مقالات مشابهة

  • سليمان: تفجير الاف الاجهزة عمل اجرامي ضد الإنسانية
  • “أمنية” تُحقق أمنيات 21 طفلاً من أطفال غزة المرضى بالتعاون مع مدينة الإمارات الإنسانية
  • محور تعز يخرج عن صمته ويكشف ماذا حدث وسبب الانفجار في مخزن للسلاح وسط مدينة تعز
  • لأن التعليم حق للجميع.. عام دراسي جديد لأطفال من غزة في مدينة الإمارات الإنسانية
  • مدينة الفنيدق .. ماذا بعد أحداث 15 شتنبر؟
  • الفاشر… ماذا يعني سقوط المعقل الأخير للجيش السوداني؟
  • بريطاني تناول 3 لترات من المياه الغازية بشكل يومي.. ماذا قال الأطباء؟
  • دوري أبطال آسيا 2…الوحدات يفوز على سباهان أصفهان الإيراني
  • الحردلو (21) الليله العديله تقدّمو وتبرا…!!
  • تعز… صاعقة تقضي على 5 رؤوس من الإبل