جريدة الوطن:
2025-03-29@16:38:54 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

ندرك جميعًا عِندما تنظر لتلك المدينة من خلال التلفاز، وتشعر بخواء الشوارع، وبتلك اليد الغريبة المستمرَّة بطعْنها وقتلها وتدمير كُلِّ بساط بها. وللأسف لا يدرك أولئك أنَّ حجم وكثافة البَشَريَّة هو ما يجعل المُدُن تشعر بالأمان. إنَّ متعة المدينة وأَلَمَها هو أنَّنا لا نكُونُ وحيدين أبدًا، حتَّى عِندما نريد بشدَّة أن نكُونَ كذلك.

لَمْ يكُنْ هذا هو الحال في أرض كان يسودها الرَّخاء منذ زمن بعيد! حينها تجلس مع حزن عميق، ولعلَّها طريقة تكبت بها البكاء، لأُناسٍ ظلموا وما زالوا يظلمون، وأنتَ تنظر لتلك المدينة من بعيد، ليس بسبب الخوف بقدر ما هو بسبب الصدمة النقيَّة والتعاطف العميق. قُتل مِنْهم الكثير من أجْلِ أرضهم ومدينتهم. لَمْ أكُنْ أعرف أنا أو أصدقائي أيًّا مِنْهم، ولكنَّنا ـ بلا شك ـ شعرنا بأنَّهم معروفون جدًّا. ومع ذلك، هذه المرَّة لَمْ تكُنْ هناك محاولة حقيقيَّة لإقامة لحظة حداد. نحن هنا لَمْ نحزن فحسب، لقَدْ بدا أنَّنا مستاؤون من فقدان حتَّى ولو لمرَّة واحدة من محاولتنا للعودة إلى طبيعتنا. وهنا بشكلٍ ما يتمُّ تنمية التعاطف من خلال التفاعلات مع الأشخاص الَّذين لا نعرفهم جيِّدًا، وتلك اللمحات من عوالم داخليَّة أخرى. وربَّما دُونَ أن يدركَ أحَد فلقَدْ قُمنا، على مدى عقود ونحن ننظر تلك المدينة ببطء ثمَّ بسرعة، محاولين (إخراج) الآخرين من حياتنا إلى أقصى حدٍّ. باستخدام تطبيق واحد في كُلِّ مرَّة، قلَّلنا بشكل كبير من حاجتنا إلى التفاعل بشكلٍ عرضي مع أيِّ شخص لا نعرفه من تلك المدينة، مع أنَّ ألَمَ تلك المدينة وأرضها مستمرٌّ لَمْ يتوقفْ! ولعلِّي أقول هنا: ماذا لو لَمْ تكُنْ معاناتنا داخليَّة فقط لَنَا ـ لتقصيرنا مع تلك المدينة ـ؟ ماذا لو تدهور سكَّانها وقانطوها كما نراه اليوم؟ وماذا لو تدهورنا؛ لأنَّنا بدأنا بالاستياء ليس فقط من التفاعلات البَشَريَّة، بل أيضًا من فترة البَشَر؟! وأكثر فأكثر، اعتدنا واعتاد سكَّانها ـ تلك المدينة ـ على المعاناة والموت. يعتقد الكثيرون أنَّه تمَّ كتابة مقالات حَوْلَ سبب عدم تحرُّك مُدُن أخرى ـ حَوْلَ تلك المدينة ـ لوقفِ عمليَّات إطلاق النَّار والدَّمار الَّذي يعصف بها ظلمًا، والجرعات الزائدة الَّتي لا نهاية لها من الموت وقتل على يد الغرباء. ماذا لو كان الجمود نتيجة لأنَّنا ببساطة لَمْ نَعُدْ نقدر الحياة البَشَريَّة أو المسؤوليَّة الحقيقيَّة تجاه إخواننا بالطريقة الَّتي كنَّا نفعلها من قَبْل! هذه فرضيَّة قاتمة، لكنَّها فرضيَّة كان عَلَيْنا ـ ربَّما ـ أن نتقبَّلَها بجديَّة، ونحن نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي منذ الهجوم الظالم الَّذي وقع على أهل تلك المدينة. فصدقًا ما مدى صحَّتنا العاطفيَّة كأُناس تراقب المشهد من بعيد عِندما نشعر، في لحظات المأساة العميقة والمؤلمة، بأنَّنا مضطرون إلى إدراج آرائنا أو مواقفنا؟ ألَا يُمكِننا ولو للحظة واحدة أن نشعرَ بالضحايا… ثم ماذا بعد ذلك؟ هل باتَتِ النَّاس تتجنَّب التعامل مع الآخرين وإدراك آلامهم؟ فمَن يدري لعلَّ تجنُّب ذلك أدَّى إلى تآكل تعاطفنا! ختامًا، قَدْ يكُونُ هذا الوقت يُمكِننا أن نحاولَ الابتعاد عن عدم المبالاة وإعادة احتضان الإنسانيَّة والأُخوة الحقيقيَّة لإخراج أنفسنا من شرانق العزلة. وكمِثال يُمكِننا رفع الهاتف والاتِّصال بصديق بدلًا من الإعجاب بمنشور ما. يُمكِننا صدِّقْ أو لا تصدِّق، الاهتمام بما يحدُث في تلك المدينة ونقدِّم ما نستطيع تقديمه مهما كان بسيطًا. أما أنَّنا اعتدنا على المعاناة الإنسانيَّة… فماذا حدث للتعاطف ـ كان الله في عون غزَّة ـ؟!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تلک المدینة ماذا لو

إقرأ أيضاً:

مأسـاة المـدينة

مأســـــاة المــدينـــة / من ديواني الحادي عشـر

أما و قد بسر الصباح الكالح المشئوم في قلب المدينة
و غزا التتار الأشقياء جحافلا تملأ قلوبهم الضغينة
غزوا مدينتي من كل صوب،
يحطمون و يقتلون و ينهبون و يستحلون الحرائر
من كل فج قدموا، المجرم ، النهاب و المعتوه،
و كل مغتصـب و جـائر
في ذلك الصبح البغيض،
و سحائب الدخان تنذر بالمآسي من بعيد
و البأس في الأرجاء يرعـد
و تضــــج أرتال الحـــديد ،
هل كما كان يعود الحـال يا خرطوم يوما من جديد
و البقعـة الشماء يوما هل تعود لحالها!
هل يعود النيل كما كان و مقرنك السعيد!!!
فرحان مبتسمان يـأتلقان يـوما ،
مثل قســـــمات الولــــيد!
يا لمأسـاة المدينة الآمــــنة ،
يا لحـرمة البلد الجـريح المسـتباح
و يا لحسرة شعـــبه!
إجتاحه الأوباش في ذاك الصـباح!
يا لهـول القرح و المأساة و الكفـر البواح،
و القبح و البغضاء وهيمـنة الســلاح ،
بطش و ظـلم و انكســــار ،
بين أنهــــار الدمـوع
لم يرقـبوا في أهـله إلا ولا ذمـة!
كان الناس في أكنافـه يتبضـعون
بين غدو و رواح، أمنون
و فجأة و بلا انتظــار ،
أجـــتاحهم سيل العـرم،
حطام في حطام !!!
يحمـل المــــوت الــذؤام ،
يا لأحكـــــام المنون ،
ذاك كهـل عـاجز ،
يحـبو و يعجزه الفرار
و هذي امـرأة تجر رضيعهـا
و بعضا من متاع ،
و قد سقط الإزار!
و المـوت يغشـى كل دار !
يا لاحكام القضـاء ،
من كـان يرجـو أن يحـل بهذه القرية الخـراب!
ما بين ليل و نهـار ،
إخــــتل كل نظـامها و غدا اضطـراب في اضطراب!
خلت السجـون من العـتاة المجـرمين ،
يبغون في الأرض الفســاد ،
و ينشـرون الرعـب و الفحـشاء في كل البلاد!
دخلوا السجون و حرروا الأنذال و الباغي الأثيم
لله ما اقسـى الوحـوش ،
كم حـرة عبث الوحـوش بعـرضها الغالي العفيف
في الجو رائحة الهزيمة و طعمها
شيء مخـيف!
هجر الألوف البائسين ديـارهم قسـرا،
يرومـون الحـياة!!!
هجـروا الديـار الباكـــيات على أمل،
غصــبا و قـد عـز البقــاء!
و على المــــآقيى همـت الدمعات حزنـا!!!
بكى الرجـال مع النســــــاء
بكـوا على هجـر الديـار!
و ربمـا هجـر الحــياة،
ذكـريات حلـوة مــرت!
غـــدت تطـــوف بالخــيال!
و الناس أســــــرى للأمـل
أمـل سـراب أن يعـودوا!
ربـاه هـلا من أمـل او بعض طوق للنجـــاة!!
صلالة 23 / 8/ 2024

 

oshibrain@myyahoo.com

   

مقالات مشابهة

  • في ذكرى تحرير المدينة من النظام البائد.. عرض عسكري مهيب لجهاز الأمن الداخلي في شوارع مدينة إدلب
  • بهدف تحسين واقع مياه الشرب في مدينة حمص… خط معفى من التقنين لمحطة مياه دحيريج
  • عرض عسكري لجهاز الأمن الداخلي في شوارع مدينة إدلب بذكرى تحرير المدينة من النظام البائد
  • توقف الحرب… من الذي كان وراءه
  • مأسـاة المـدينة
  • نقيب المحامين يحيل واقعة محكمة مدينة نصر للتحقيق.. ماذا حدث؟
  • يوم القدس العالمي… يا قدس على العهد
  • مجلس مدينة حمص يعمل على تأهيل الشوارع التجارية في المدينة
  • مع اقتراب حلول عيد الفطر المبارك…فرق الرقابة التموينية تكثف جولاتها على أسواق مدينة إدلب
  • متحدثة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: القطاع الطبي في غزة تدهور بشكل كبير