جريدة الوطن:
2025-01-16@21:47:29 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

ندرك جميعًا عِندما تنظر لتلك المدينة من خلال التلفاز، وتشعر بخواء الشوارع، وبتلك اليد الغريبة المستمرَّة بطعْنها وقتلها وتدمير كُلِّ بساط بها. وللأسف لا يدرك أولئك أنَّ حجم وكثافة البَشَريَّة هو ما يجعل المُدُن تشعر بالأمان. إنَّ متعة المدينة وأَلَمَها هو أنَّنا لا نكُونُ وحيدين أبدًا، حتَّى عِندما نريد بشدَّة أن نكُونَ كذلك.

لَمْ يكُنْ هذا هو الحال في أرض كان يسودها الرَّخاء منذ زمن بعيد! حينها تجلس مع حزن عميق، ولعلَّها طريقة تكبت بها البكاء، لأُناسٍ ظلموا وما زالوا يظلمون، وأنتَ تنظر لتلك المدينة من بعيد، ليس بسبب الخوف بقدر ما هو بسبب الصدمة النقيَّة والتعاطف العميق. قُتل مِنْهم الكثير من أجْلِ أرضهم ومدينتهم. لَمْ أكُنْ أعرف أنا أو أصدقائي أيًّا مِنْهم، ولكنَّنا ـ بلا شك ـ شعرنا بأنَّهم معروفون جدًّا. ومع ذلك، هذه المرَّة لَمْ تكُنْ هناك محاولة حقيقيَّة لإقامة لحظة حداد. نحن هنا لَمْ نحزن فحسب، لقَدْ بدا أنَّنا مستاؤون من فقدان حتَّى ولو لمرَّة واحدة من محاولتنا للعودة إلى طبيعتنا. وهنا بشكلٍ ما يتمُّ تنمية التعاطف من خلال التفاعلات مع الأشخاص الَّذين لا نعرفهم جيِّدًا، وتلك اللمحات من عوالم داخليَّة أخرى. وربَّما دُونَ أن يدركَ أحَد فلقَدْ قُمنا، على مدى عقود ونحن ننظر تلك المدينة ببطء ثمَّ بسرعة، محاولين (إخراج) الآخرين من حياتنا إلى أقصى حدٍّ. باستخدام تطبيق واحد في كُلِّ مرَّة، قلَّلنا بشكل كبير من حاجتنا إلى التفاعل بشكلٍ عرضي مع أيِّ شخص لا نعرفه من تلك المدينة، مع أنَّ ألَمَ تلك المدينة وأرضها مستمرٌّ لَمْ يتوقفْ! ولعلِّي أقول هنا: ماذا لو لَمْ تكُنْ معاناتنا داخليَّة فقط لَنَا ـ لتقصيرنا مع تلك المدينة ـ؟ ماذا لو تدهور سكَّانها وقانطوها كما نراه اليوم؟ وماذا لو تدهورنا؛ لأنَّنا بدأنا بالاستياء ليس فقط من التفاعلات البَشَريَّة، بل أيضًا من فترة البَشَر؟! وأكثر فأكثر، اعتدنا واعتاد سكَّانها ـ تلك المدينة ـ على المعاناة والموت. يعتقد الكثيرون أنَّه تمَّ كتابة مقالات حَوْلَ سبب عدم تحرُّك مُدُن أخرى ـ حَوْلَ تلك المدينة ـ لوقفِ عمليَّات إطلاق النَّار والدَّمار الَّذي يعصف بها ظلمًا، والجرعات الزائدة الَّتي لا نهاية لها من الموت وقتل على يد الغرباء. ماذا لو كان الجمود نتيجة لأنَّنا ببساطة لَمْ نَعُدْ نقدر الحياة البَشَريَّة أو المسؤوليَّة الحقيقيَّة تجاه إخواننا بالطريقة الَّتي كنَّا نفعلها من قَبْل! هذه فرضيَّة قاتمة، لكنَّها فرضيَّة كان عَلَيْنا ـ ربَّما ـ أن نتقبَّلَها بجديَّة، ونحن نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي منذ الهجوم الظالم الَّذي وقع على أهل تلك المدينة. فصدقًا ما مدى صحَّتنا العاطفيَّة كأُناس تراقب المشهد من بعيد عِندما نشعر، في لحظات المأساة العميقة والمؤلمة، بأنَّنا مضطرون إلى إدراج آرائنا أو مواقفنا؟ ألَا يُمكِننا ولو للحظة واحدة أن نشعرَ بالضحايا… ثم ماذا بعد ذلك؟ هل باتَتِ النَّاس تتجنَّب التعامل مع الآخرين وإدراك آلامهم؟ فمَن يدري لعلَّ تجنُّب ذلك أدَّى إلى تآكل تعاطفنا! ختامًا، قَدْ يكُونُ هذا الوقت يُمكِننا أن نحاولَ الابتعاد عن عدم المبالاة وإعادة احتضان الإنسانيَّة والأُخوة الحقيقيَّة لإخراج أنفسنا من شرانق العزلة. وكمِثال يُمكِننا رفع الهاتف والاتِّصال بصديق بدلًا من الإعجاب بمنشور ما. يُمكِننا صدِّقْ أو لا تصدِّق، الاهتمام بما يحدُث في تلك المدينة ونقدِّم ما نستطيع تقديمه مهما كان بسيطًا. أما أنَّنا اعتدنا على المعاناة الإنسانيَّة… فماذا حدث للتعاطف ـ كان الله في عون غزَّة ـ؟!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تلک المدینة ماذا لو

إقرأ أيضاً:

غلاء الإيجارات في تعز… بين لهيب التكاليف ومخاطر مناطق التماس

يمن مونيتور/هبة التبعي

يجلس علي سعيد على كرسي مهتري بجانب نافذة مكسورة سبقت أن اخترقته قذيفة الحرب قبل سنوات، لم يجد منزل للعيش سوا هذا المنزل المتهالك في منطقة الجحملية شرقي تعز القريبة جدًا من جبهات الصراع الشرقية، قائلًا:” السكن هنا لم يكن اختياريًا، بل أن مجبر لأن هذا المنزل الذي أستطيع تحمله ماليًا، ظروف الحياة وغلاء الايجارات في وسط المدينة أو المناطق الأمنة تجبرنا على السكن في مناطق نموت فيها ألف مرة”.

” عشتُ هنا أيام وسنوات مرعبة جدًا قبل الهدنة، اسمع الانفجارات يوميًا وتصل القذائف التي تهز الأرض من تحت قدمي. كل طلقة، كل قذيفة، تحمل احتمالا أن تكون الأخيرة التي نسمعها”، يضيف على لموقع ” يمن مونيتور”.

أما بعد الهدنة منذ عام 2022. هدأت الحرب وخف القنص والقذائف، إلا أن حياتهم مازالت محفوفة بالمخاطر. وأول تقدم لأي طرف من أطرف الصراع ستكون على رأس السكان في مناطق التماس. الذين لجوا إلى هذه المناطق إما عودة لمنازلهم الاصلية التي كانوا قد هجروها بسبب الحرب وذهبوا للسكن في مناطق أكثر أمان، أو لأن ايجارها يعد أقل نسبيًا من المناطق الأخرى.

ويضيف علي للموقع:” لا نستطيع الوصول للماء بسهولة، الطاقة الشمسية التي نملكها أصبحت متهالكة، ولا نستطيع فتح أغلب النوافذ لأنها مقابل لقناص الحوثي، الأطفال يلعبون في الأزقة ولا يمشون في ساحة مكشوفة، في الليل، لا أستطيع النوم. أفكر في أسرتي، في ابني الذي يسألني: لماذا لا ننتقل إلى مكان أفضل؟ ولا أجد إجابة سوى الصمت”.

وتصل ايجارات المنازل في مدينة تعز إلى 300 ألف يمني، ولكنها بالعمل الأجنبية، (السعودي، الدولار)، بينما تنخفض الإيجارات في مناطق التماس والقريبة من جبهات القتال أو قناصة الحوثي (50_100) ألف ريال يمني.

أسباب ارتفاع الايجارات

يرى عبد الرحمن البحر، خبير اقتصادي، أن ارتفاع الإيجارات في مدينة تعز يعود اولًا لعدم الإنشاء العمراني والتوسع الصناعي منذ بداية الحرب بسبب التدهور الاقتصادي الذي نعيشه نتيجة الحرب، مع زيادة الطلب على السكن نتيجة النزوح الداخلي من المناطق الخطيرة إلى المناطق أكثر أمانًا.

ويشير البحر إلى أن الحرب دمرت العديد من المباني والمنازل وعدم وجود مشاريع اسكانية تعوض هذا النقص بسبب ارتفاع تكاليف البناء التي تأثرت بسبب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، في ظل غياب السياسات المنظمة لسوق الإيجارات ادى إلى استغلال المُلاك للوضع ورفع الأسعار بشكل مفرط”، يواصل البحر.

حياة خطرة

تسكن سهيلة أم لثلاثة أبناء في عصيفرة شمال مدينة تعز، وهي أول نقطة تحت سيطرة الحكومة الشرعية حيث لا يبعد منزلها سوا بعض خطوات إلى مناطق الحوثي المهجورة، والتي يتمركز بها قناص متحوث قد ألتهم الكثير من أرواح أطفال هذا الحي منذ بداية الحرب.

تواصل حديثها سهيلة وهي أرملة: لا أستطيع أن أشعل النور الخافت بهذه الغرفة وتشير بيديها إلى الغرفة الاوسع في المنزل، بل لا نستطيع حتى النوم، القناص يرمي طلقته فورا إن رأى أي ضوء، لقد سبق وقنص جارنا إلى دخل المنزل فور إشعاله النور، وقد غادروا جميعهم إلى الريف ونزح الكثير من هنا، لكنهم بدأوا يعودون بسبب ارتفاع الايجارات في وسط المدينة”.

وتظل سهيلة خائفة جدًا عند ذهاب ابنتيها إلى المدرسة إلى أن يعدن، لقد سبق ولم يعد العديد من الأطفال من مدارسهم أو من الأماكن التي يجلبوا منها الماء، إما بسبب القناص، أو القذائف العشوائية أو الألغام، أما ابنها الأكبر الذي كان يحلم أن يصبح طبيبًا أصبح يجمع علب البلاستيك ليساعد اباه الذي يعمل في قيادة دراجة نارية ليصرفا على العائلة.

خطر السكن

يفيد أيمن العريقي، وهو باحث في مجال السلام، أن السكن في مناطق التماس يعرض المواطنين لمخاطر الاستهداف المباشر بالقذائف أو النيران العشوائية من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية، التي تستهدف بشكل متكرر هذه المناطق المأهولة بالسكان المدنيين. إضافة إلى ذلك، فإن تلك المناطق تعج بالمخلفات الحربية والألغام التي زرعتها المليشيا، مما يشكل خطرًا دائمًا على السكان، خاصة الأطفال.

” تفتقر تلك المناطق إلى الكهرباء، المياه النظيفة، والرعاية الصحية. كما أن الأطفال غالبًا ما يحرمون من التعليم نتيجة انعدام الأمن والبنية التحتية”، يردف العريقي.

العيش في مناطق التماس يسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا للسكان، خاصة للأطفال الذين يعانون من آثار نفسية عميقة مثل الخوف المزمن واضطرابات النوم. الكبار بدورهم يعانون من التوتر والقلق المستمرين، مما يؤثر على صحتهم الجسدية والعقلية، حسب العريقي.

جهود المحلية

يقول العريقي، وهو ناشط سياسي أيضًا:” على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات المحلية ضمن إطار الشرعية، إلا أن الإمكانيات المحدودة تشكل عائقًا أمام توفير حلول مستدامة. المنظمات الإنسانية تقدم مساعدات إغاثية مؤقتة للسكان، لكنها تظل غير كافية لتلبية الاحتياجات طويلة الأمد”.

ويضيف أيمن أن إحدى أهم المشكلات التي تواجه السكان هي استمرار مليشيا الحوثي في استهداف المناطق المدنية وتحويل بعضها إلى خطوط تماس. هذا الوضع يجبر العديد من الأسر على التنازل عن سلامتها والعودة إلى منازلها القريبة من الخطر، أو البحث عن بدائل سكنية أقل تكلفة لكنها محفوفة بالمخاطر.

“لذا، من الضروري تكثيف الجهود لتوفير بدائل سكنية آمنة للسكان الذين يضطرون لمغادرة منازلهم، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والصحي لهم، وتعزيز استجابة السلطات المحلية والمنظمات الدولية لمعالجة هذه الأزمة”، وفقًا للعريقي.

وفي خضم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها مدينة تعز، يبقى السكن في مناطق التماس خيارًا يفرضه الواقع الصعب رغم ما يحمله من مخاطر جسيمة.

تتطلب هذه الأوضاع تدخلاً عاجلاً من السلطات المحلية والمنظمات الدولية لتوفير بدائل سكنية آمنة، وضمان وصول الخدمات الأساسية إلى المتضررين. فبدون حلول مستدامة، ستستمر معاناة آلاف الأسر وسط دوامة الفقر والخطر.

مقالات مشابهة

  • سنوات ومليارات و«مواجهة» ملايين أطنان الأنقاض… كيف سيعاد بناء غزة؟
  • غلاء الإيجارات في تعز… بين لهيب التكاليف ومخاطر مناطق التماس
  • تقدم كبير في مباحثات الصفقة بين حماس وإسرائيل… الاتفاق قد يُوقع الليلة!
  • د. خالد حسنين يكتب… شيخ الأحرار
  • مارك يسرح آلاف الموظفين بشكل مفاجئ.. ماذا يحدث داخل «ميتا»؟
  • منة فضالي تكشف حقيقة بتر رجلها ومعاناتها مع مرض والدتها
  • تربط أكثر من 80 مدينة مصرية| ماذا نعرف عن شبكة القطارات السريعة؟.. تفاصيل
  • كانت تعمل معلمة في إحدى المدارس … رجل يقدم على قتل زوجته في العاصمة عدن 
  • أمريكا تحترق … اللهم لا شماتة
  • الدهون المهدرجة… فوائد معدومة ومخاطر كبيرة