جريدة الوطن:
2024-12-17@09:50:42 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

مدينة… ومعاناتها الإنسانية!

ندرك جميعًا عِندما تنظر لتلك المدينة من خلال التلفاز، وتشعر بخواء الشوارع، وبتلك اليد الغريبة المستمرَّة بطعْنها وقتلها وتدمير كُلِّ بساط بها. وللأسف لا يدرك أولئك أنَّ حجم وكثافة البَشَريَّة هو ما يجعل المُدُن تشعر بالأمان. إنَّ متعة المدينة وأَلَمَها هو أنَّنا لا نكُونُ وحيدين أبدًا، حتَّى عِندما نريد بشدَّة أن نكُونَ كذلك.

لَمْ يكُنْ هذا هو الحال في أرض كان يسودها الرَّخاء منذ زمن بعيد! حينها تجلس مع حزن عميق، ولعلَّها طريقة تكبت بها البكاء، لأُناسٍ ظلموا وما زالوا يظلمون، وأنتَ تنظر لتلك المدينة من بعيد، ليس بسبب الخوف بقدر ما هو بسبب الصدمة النقيَّة والتعاطف العميق. قُتل مِنْهم الكثير من أجْلِ أرضهم ومدينتهم. لَمْ أكُنْ أعرف أنا أو أصدقائي أيًّا مِنْهم، ولكنَّنا ـ بلا شك ـ شعرنا بأنَّهم معروفون جدًّا. ومع ذلك، هذه المرَّة لَمْ تكُنْ هناك محاولة حقيقيَّة لإقامة لحظة حداد. نحن هنا لَمْ نحزن فحسب، لقَدْ بدا أنَّنا مستاؤون من فقدان حتَّى ولو لمرَّة واحدة من محاولتنا للعودة إلى طبيعتنا. وهنا بشكلٍ ما يتمُّ تنمية التعاطف من خلال التفاعلات مع الأشخاص الَّذين لا نعرفهم جيِّدًا، وتلك اللمحات من عوالم داخليَّة أخرى. وربَّما دُونَ أن يدركَ أحَد فلقَدْ قُمنا، على مدى عقود ونحن ننظر تلك المدينة ببطء ثمَّ بسرعة، محاولين (إخراج) الآخرين من حياتنا إلى أقصى حدٍّ. باستخدام تطبيق واحد في كُلِّ مرَّة، قلَّلنا بشكل كبير من حاجتنا إلى التفاعل بشكلٍ عرضي مع أيِّ شخص لا نعرفه من تلك المدينة، مع أنَّ ألَمَ تلك المدينة وأرضها مستمرٌّ لَمْ يتوقفْ! ولعلِّي أقول هنا: ماذا لو لَمْ تكُنْ معاناتنا داخليَّة فقط لَنَا ـ لتقصيرنا مع تلك المدينة ـ؟ ماذا لو تدهور سكَّانها وقانطوها كما نراه اليوم؟ وماذا لو تدهورنا؛ لأنَّنا بدأنا بالاستياء ليس فقط من التفاعلات البَشَريَّة، بل أيضًا من فترة البَشَر؟! وأكثر فأكثر، اعتدنا واعتاد سكَّانها ـ تلك المدينة ـ على المعاناة والموت. يعتقد الكثيرون أنَّه تمَّ كتابة مقالات حَوْلَ سبب عدم تحرُّك مُدُن أخرى ـ حَوْلَ تلك المدينة ـ لوقفِ عمليَّات إطلاق النَّار والدَّمار الَّذي يعصف بها ظلمًا، والجرعات الزائدة الَّتي لا نهاية لها من الموت وقتل على يد الغرباء. ماذا لو كان الجمود نتيجة لأنَّنا ببساطة لَمْ نَعُدْ نقدر الحياة البَشَريَّة أو المسؤوليَّة الحقيقيَّة تجاه إخواننا بالطريقة الَّتي كنَّا نفعلها من قَبْل! هذه فرضيَّة قاتمة، لكنَّها فرضيَّة كان عَلَيْنا ـ ربَّما ـ أن نتقبَّلَها بجديَّة، ونحن نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي منذ الهجوم الظالم الَّذي وقع على أهل تلك المدينة. فصدقًا ما مدى صحَّتنا العاطفيَّة كأُناس تراقب المشهد من بعيد عِندما نشعر، في لحظات المأساة العميقة والمؤلمة، بأنَّنا مضطرون إلى إدراج آرائنا أو مواقفنا؟ ألَا يُمكِننا ولو للحظة واحدة أن نشعرَ بالضحايا… ثم ماذا بعد ذلك؟ هل باتَتِ النَّاس تتجنَّب التعامل مع الآخرين وإدراك آلامهم؟ فمَن يدري لعلَّ تجنُّب ذلك أدَّى إلى تآكل تعاطفنا! ختامًا، قَدْ يكُونُ هذا الوقت يُمكِننا أن نحاولَ الابتعاد عن عدم المبالاة وإعادة احتضان الإنسانيَّة والأُخوة الحقيقيَّة لإخراج أنفسنا من شرانق العزلة. وكمِثال يُمكِننا رفع الهاتف والاتِّصال بصديق بدلًا من الإعجاب بمنشور ما. يُمكِننا صدِّقْ أو لا تصدِّق، الاهتمام بما يحدُث في تلك المدينة ونقدِّم ما نستطيع تقديمه مهما كان بسيطًا. أما أنَّنا اعتدنا على المعاناة الإنسانيَّة… فماذا حدث للتعاطف ـ كان الله في عون غزَّة ـ؟!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تلک المدینة ماذا لو

إقرأ أيضاً:

للمتوجهين إلى جونية... إليكم ما ستشهده المدينة يوم غدّ

صـدر عـن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي ــــ شعبة العلاقات العامة البلاغ التالي: ستقيم صباح الغد 15/12/2024 جمعية بيروت ماراتون "سباق الميلاد المجيد" لمسافة /5/ كلم (تنافسي) و/3/ كلم (للمرح) وذلك في مدينة جونيه علماً ان نقطة الإنطلاق والوصول هي مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي، 
لذلك تتخذ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تدابير السير التالية: - إقفال المفارق الواقعة ضمن مسافة السباق على المسلكين من مجمع فؤاد شهاب الرياضي حتى نادي الضباط (الطريق البحرية) اعتباراً من الساعة 5,30 لغاية الساعة 9,30 من التاريخ المذكور.  يرجى من المواطنين الكرام أخذ العلم، والتقيد بتوجيهات وإرشادات عناصر قوى الامن الداخلي، وبلافتات السير التوجيهية الموضوعة في المكان تسهيلاً لحركة المرور ومنعاً للازدحام.

مقالات مشابهة

  • المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
  • بلدية رفح: المدينة منكوبة وغير صالحة للحياة
  • تعليق الدراسة في هذه المدينة التركية بسبب الثلوج
  • ابتكار مذهل… عقار يعيد الأسنان المفقودة بشكل طبيعي ‌
  • وكالة بيت مال القدس الشريف تطلق تطبيق "هيا" المخصص لتراث المدينة المقدسة
  • المدينة التي تبكي بأكملها.! (1)
  • حريق مركبة يتسبب بازدحام مروري خانق في شارع المدينة
  • بين سويسرا ويوغندا… المنفى يليق بكم
  • "إدارة العمليات العسكرية" تتوجه إلى مدينة درعا لتسلم إدارة المدينة ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن
  • للمتوجهين إلى جونية... إليكم ما ستشهده المدينة يوم غدّ