حين بدأت الحرب الإرهابيَّة الغربيَّة المنظَّمة ضدَّ الجمهورية العربيَّة السوريَّة في أوائل العام 2011 وبدأ توافد شذَّاذ الآفاق من كُلِّ أنحاء المعمورة عَبْرَ تركيا إلى سوريا قرَّرت الدوَل الغربيَّة سحْبَ كُلِّ مراسليها ووكالات أنبائها من سوريا واستعاضت عَنْهم بمَنْ أسمتهم «شهود عيان» حيث تدفع لأيِّ مرتزق مبلغًا من المال لقاء إرساله التقرير الَّذي يريدون والَّذي يخدم الصورة الَّتي قرَّروا الترويج لها بغَضِّ النظر عن الوقائع والأحداث الحقيقيَّة على الأرض.
ولكنَّ أحَدًا من شهود العيان هؤلاء لَمْ يذكر تدمير الإرهابيِّين للمشفى الوطني في مدينة حمص والَّذي كان يخدم آلاف النَّاس في حمص وريفها أو مشفى الكندي في حلب والَّذي كان تصنيفه من أهمِّ مشافي الشَّرق الأوسط، كما لَمْ يتطرَّق شهود العيان هؤلاء إلى استهداف أقدم مآذن الجوامع وأيقونات ومباني الكنائس الغارقة في القِدَم في معلولا وصيدنايا وكنيسة أُم الزنار في حمص ومأذنة الجامع الأموي في حلب، ناهيك عن نهب وتدمير آثار «دوروس يوروبا» والرقَّة واللاذقيَّة، وناهيك عن منع الفلَّاحين من زراعة أراضيهم وتهجيرهم إلى البلدان المجاورة، وعن استهداف مؤسَّسات البذار ومراكز تطوير السّلالات للأغنام والماعز والأبقار؛ أي أنَّ نسغ الحياة الَّذي يضْمَن عيش واستمرار المواطن تمَّ استهدافه من كافَّة أوجهه وفي كافَّة أنحاء البلاد وبأبشع الوسائل المُجرِمة والقاتلة وفق خطَّة وضعتها المخابرات الغربيَّة المعادية للوجود العربي. وقَدْ تمَّ كُلُّ هذا تحت ذرائع إعلاميَّة وسياسيَّة واهية انكشفت حقيقتها اليوم لِيعلمَ الجميع أنَّ الهدف كان تدمير الدَّولة السوريَّة وكُلِّ مُكوِّنات قوَّتها وعزَّتها واستمرارها. وكان الإعلام الغربي المُضلِّل والعربي المرتهَن للقوى الصهيونيَّة هما العون الأساسي للإرهابيِّين للاستمرار بارتكاب جرائمهم بتغطية سياسيَّة غربيَّة وتمويل وتنظيم غربيَّيْنِ.
كُلُّ هذه الصوَر عادت إلى أذهاننا اليوم بقوَّة نحن السوريِّين شهود العيان الحقيقيِّين والصَّادقين والحريصين على كُلِّ ذرَّة تراب من بلدنا العزيز ومن الوطن العربي، عادت بقوَّة وألَمٍ شديدَيْنِ إلى أذهاننا ونحن نشهد استهداف المشافي والمدارس والمساجد والكنائس في غزَّة عن عمْدٍ وسابق إصرار، وتدميرها بوحشيَّة معهودة من قِبل الصهاينة فوق رؤوس جرحاها وطلابها واللاجئين إلَيْها بحثًا عن مأوى من جحيم القصف الهمجي العنصري المُجرِم، عادت إلَيْنا بقوَّة ونحن نشهد استهداف الكوادر الطبيَّة الَّتي تخاطر بحياتها لإنقاذ حياة إنسانيَّة، والكوادر الإعلاميَّة الَّتي تتحدَّى أخطار الموت لنقْلِ حقيقة ما يجري أملًا أن تساعدَ في تحريك ضمائر الرأي العامِّ لوقفِ آلة القتل والشرِّ والعدوان. كُلُّ هذا عاد إلى أذهاننا حين كنَّا نخرج من بيوتنا ونودِّع أهلينا كُلَّ صباح لأنَّنا لا نعلَمُ مَن يَعُودُ ومَن سوف تنال مِنْه قذيفة يطلقها الإرهابيون على مُدُننا ومؤسَّساتنا ومدارسنا ومشافينا. كما عاد إلى أذهاننا منظر استهداف محمد الدرَّة عام 2000، الطفل الَّذي كان يحتمي بوالده من رصاص يستهدفه، ومنظر ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، لِنشهدَ اليوم جريمة غير مسبوقة بقتل آلاف الأطفال في فلسطين وعشرات آلاف المَدنيِّين وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم كَيْ لا يقاوموا احتلالًا إسرائيليًّا بغيضًا، وتدمير كنيسة من أقدم الكنائس في العالَم وارتكاب مجزرة ضدَّ اللاجئين إلَيْها من مُسلِمين ومسيحيين!!
ما يتمُّ ارتكابه اليوم في فلسطين من حرب إبادة من قِبَل إرهاب صهيوني مُنظَّم مسنود غربيًّا بالمال والسِّلاح لَمْ يَعُدْ شأنًا فلسطينيًّا ولا عربيًّا ولا إسلاميًّا ولا مسيحيًّا فقط، بل هو شأن إنساني، وأحرار العالَم كُلِّه شهود عيان عَلَيْه وهو أفظع بكثير ممَّا تعرَّضت له جنوب إفريقيا إبَّان الحُكم العنصري، فهو حرب إبادة موصوفة يشنُّها غرباء أجانب جاؤوا من البلدان الغربيَّة بعقيدتهم المتطرِّفة وبعدوانيَّتهم المتوحِّشة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الَّذي كُلُّ ما يناضل من أجْله هو أن يعيشَ بأمن وسلام على أرضه مِثل كُلِّ شعوب الأرض. وهذا ليس مسؤوليَّة العرب والمُسلِمين فقط، بل مسؤوليَّة أحرار العالَم في كُلِّ مكان. نحن على اطِّلاع على مواقف غربيَّة أميركيَّة ويهوديَّة شريفة تقف مع حياة الإنسان وتُعلي صوتها لإيقاف الجرائم والتطهير العرقي، وهنا نحيّي جوش بول الَّذي أعلن استقالته من الخارجيَّة الأميركيَّة احتجاجًا على دعم بلاده لـ»إسرائيل» بالأسلحة الفتَّاكة الَّتي تُستخدم في حرب الإبادة الإسرائيليَّة ضدَّ الفلسطينيِّين الأبرياء. ولكنَّ هذا لَمْ يَعُدْ كافيًا، فالعدوان الآثم اليوم هو على خليفة الله في الأرض، وهو على روح الله، وهو على الذَّات الإلهيَّة: «فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فَقَعُوا له ساجدين» هكذا أراد الله أعزَّ كرامة للإنسان بحيث تسجد له الملائكة في السَّماء فكيف يصمت معظم العالَم اليوم عن أبشع الجرائم الَّتي تُرتكب بحقِّ أُناس بريئين مظلومين: أطفالًا ونساءً ورجالًا وطلابًا وإعلاميِّين وكوادر طبيَّة ومؤمنين وكهَنَة ولاجئين إلى بيوت الله ظنًّا مِنْهم أنَّه مهما بلغ الإجرام بشاعة فلَنْ يطولَ بيت الله ولكنَّه طاله من قَبل في معلولا وصيدنايا وأُم الزنار ومسجد سكينة بنت الحسين ومسجد عمَّار بن ياسر حيث تمَّ قتل المؤمنين العابدين تمامًا كما يفعل الإرهاب الصهيوني اليوم في فلسطين.
إنَّ الوقوف ضدَّ حرب الإبادة الصهيونيَّة البشعة والظالمة في فلسطين اليوم هو فرض عين على كُلِّ إنسان حُرٍّ وشريف، وإنَّ الأخبار الَّتي وصلتنا عن الأسرى الفلسطينيِّين في السجون الصهيونيَّة من تكسير أطرافهم والاعتداء عَلَيْهم وحرمانهم من الماء والغذاء لَيندَى لها جبَيْنَ كُلِّ إنسان مؤمن بإنسانيَّة الإنسان وقدسيَّتها وواجب احترامها وصونها من كُلِ أذى ومَكْروه. القضيَّة الكبرى اليوم ليست فقط المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ولكنَّها حياة البَشَر والأطفال الَّذين لا حَوْلَ لهم ولا قوَّة وقَدْ سُجنوا في بقعة جغرافيَّة سيطر عَلَيْها احتلال أجنبي غربي بغيض وغاشم قصفًا وقتلًا وتدميرًا. فقَدْ قال الرسول الكريم صلى الله عَلَيْه وآله وسلَّم: إنَّ تدمير الكعبة حجرًا فوق حجر هو أهون عليّ من قتل طفل» فما بالكم باستهداف وقتل آلاف الأطفال ووجود المئات مِنْهم تحت الأنقاض وقصف جرحاهم في المستشفيات في حرب إبادة صهيونيَّة مدعومة غربيًّا من قِبل حكومات آثمة موصوفة؟
إنَّ التحدِّي الَّذي تُمثِّله فلسطين اليوم هو أهمُّ تحدٍّ يواجه الإنسانيَّة في القرن الحادي والعشرين وهو تحدٍّ لكُلِّ إنسان حُرٍّ وشريف يسمع ويرى ويعقل حيثما كان على وجْه هذا الكوكب. وهنا فإنَّ الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو قَدْ ضرب مثلًا مشرِّفًا لِمَن يدَّعون تحمُّل المسؤوليَّة في كُلِّ أنحاء العالَم حين اتَّخذ موقفًا حاسمًا من هذه الجرائم الشنيعة وقال: «1540 طفلًا اليوم (العدد أصبح 1700) في غزَّة قُتلوا أمام أعين حكومات وأجهزة إعلام أوروبا والولايات المُتَّحدة الَّذين يسمون أنفسهم زيفًا «ديمقراطيين» وما زالت المشافي تتلقَّى إنذارات بإخلائها لقصفها والمدارس أيضًا الَّتي تحوَّلت إلى مراكز إيواء بعد أن أصبحَ أكثر من مليون فلسطيني مشرَّدين داخل بلدهم دُونَ مأوى أو ملجأ يحميهم». وإذا تذكَّرنا قول ربِّنا الكريم: «مَن قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنَّما قتل النَّاس جميعًا». نُدرك حجم الجريمة الَّتي يتمُّ ارتكابها اليوم ليس بحقِّ فلسطين والفلسطينيِّين فقط، وإنَّما بحقِّ الإنسانيَّة وكرامة الإنسان وقدسيَّة حياته على هذه الأرض. كما أنَّ الوقوف الحقيقي في وجْه هذه الإبادة الصهيونيَّة وإيقافها شرط أساسي وجوهري للوقوف ضدَّ إرهاب مُنظَّم ومموَّل ومسلَّح من قِبَل أطراف غربيَّة عدَّة في هذا العالَم. أمَّا إغداق القائمين على حرب الإبادة هذه بالمال والسِّلاح والدَّعم الإعلامي من قِبَل الولايات المُتَّحدة وحكومات أوروبا فهو مشاركة حقيقيَّة في ارتكاب الجريمة وعامل حقيقي لاستمرارها وحصادها المزيد من الأرواح البريئة التوَّاقة للحياة والعيش بسلام وأمان.
اليوم روح نيلسون مانديلا تناديكم يا أحرار العالَم وتقول لكم: «كما وحَّدتم الكلمة والموقف لإخراجي من جزيرة روبن آيلاند وإنهاء الحُكم العنصري البغيض على جنوب إفريقيا اتَّحدوا اليوم شعوبًا ومؤسَّسات ونقابات وإدارات، نساءً ورجالًا، شبابًا وشيبًا لإيقاف أبشع حرب إبادة وأبشع إرهاب مقيت يُرتكب بحقِّ مَدنيِّين عُزَّل أبرياء وأنتم قادرون على ذلك».
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: فی فلسطین حرب إبادة ا الیوم العال م
إقرأ أيضاً:
علاء عبد العال يعتمد على الهجوم خلال مباراته أمام بتروجت في الدوري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يستضيف فريق بتروجت، اليوم الخميس، فريق الجونة على استاد بتروسبورت، وذلك في تمام الساعة الثامنة مساء اليوم، ضمن منافسات الجولة السادسة من عمر الدوري المصري nile.
ويسعى الفريقين لخطف نقاط الآخر، لتحسين رصيد نقاطه في جدول ترتيب الدوري المصري، والابتعاد عن الفرق المرشحة للهبوط.
نقاط الفريقين
ويدخل بتروجت المباراة برصيد 5 نقاط جمعها من خلال 5 مباريات فاز في مباراة وتعادل في مباراتان وخسر في مباراتان ليحتل بها المركز الثالث عشر، بينما وصل الجونة إلى السادسة احتل بها المركز العاشر من خلال 5 مباريات خاضها، فاز في مباراة وخسر في مباراة وتعادل في الثلاثة الآخرين.
علاء عبد العال يعتمد على الهجوم
فى المقابل، يسعى علاء عبد العال، المدير الفنى لفريق الجونة، إلى العودة بنتيجة إيجابية من بتروسبورت، وطالب اللاعبين بضرورة غلق كل المساحات أمام هجوم الفريق البترولى واستغلال الفرص التى تتيح لهم أمام المرمى.
ويعتمد فريق الجونة على أسلوب هجومي مدعوم بلاعبين قادرين على صنع الفارق، وسيحاول الجونة استغلال قوته الهجومية للضغط على دفاعات بتروجيت منذ البداية، وقد سجل لاعبو الجونة هدفا، واستقبلت شباكهم مثله خلال المباريات السابقة.