هذه رسالة رأيت كمواطن سوداني أن أبعث بها إلى ألوان قوس القزح السوداني المجتمعين اليوم الإثنين 23 اكتوبر 2023م في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. سأسدي النصح دون مجاملة. هل سمعتم نداء الوطن المثخن بالجراح ، وعلمتم ما يعانيه شعبكم من مهانة بسبب هذه الحرب العبثية التي فرضت عليه؟ شكراً لتلبية النداء. أنتم إذن حريصون أن تبنوا (الجبهة المدنية العريضة لوقف الحرب واستعادة المسار الديموقراطي).

والتي نأمل أن تسهم في بناء وطن جديد، أكثر منعةً وجمالاً.. وإلا فإنني أخشى عليكم من لعنة التاريخ والأجيال القادمة. وأخشى مرارة بيت شاعر قديم صار مثلاً إذا قال:
أبِنْتُ لهم نُصحي بمُنْعَطَفِ اللِّوَى** فلم يستبينوا النُّصحَ إلّا ضُحي الغَدِ
قرأت ملخصاً لما جاء في المنصّة التي أنطلقت منها فكرة التنادي لقيام جبهة مدنية عريضة لوقف الحرب واستئناف المسار المدني لبناء سودانٍ جديد يسع الكلَّ دون تمييز. بادرت بالفكرة سكرتارية: (المنصة السودانية المدنية للحوار والإندماج)، والتي قام بإنشائها مجموعة خيرة من الوطنيين السودانيين بإشراف رئيس وزرا ء حكومة الثورة الدكتور عبد الله حمدوك. كان ذلك في العاصمة الكينية نيروبي في يومي 5 و6 سبتمبر 2023م. تتلخص رؤية المنصة في أنّ حرب 15 أبريل - التي نشبت بين فصيلين في النخبة العسكرية الحاكمة (الجيش السوداني والدعم السريع) - قد أودت بشعب السودان إلى حالٍ من البؤس والشتات لم تخطر على بال. فقد هجر الملايين بيوتهم - خاصة في العاصمة القومية الخرطوم التي شهدت جلّ المعارك بين الفصيلين على مدى ستة أشهر ونيف. دعك عن مئات الآلاف ممن آوتهم الدول المجاورة. وبما أنّ إنهاء الحرب وتوفير الإحتياجات الإنسانية الضرورية لملايين المتضررين من الحرب يظلان هما المسعى لكل حادب على مصلحة شعبنا وبلادنا ، فإنّ الحاجة تبدو أكثر إلحاحاً لقيام عملية سياسية تجمع طيف القوى المدنية ممثلة في منظمات المجتمع المدني /الأحزاب السياسية / الأكاديميون/ لجان المقاومة /تحالفات سياسية جديدة ، مع التأكيد على تمثيل جاد للمرأة والشباب.
ولكي تصبح هذه الجبهة المدنية العريضة واقعاً لا يمكن تخطيه عبر أي خطوة سياسية لقيام الدولة المدنية الديموقراطية التي دفع من أجلها المئات من الشباب أرواحهم في ثورة 19 ديسمبر التي ما تزال شعلتها متقدة - لكيما تقوم هذه الجبهة المدنية العريضة لوقف الحرب ثم العبور لقيام الدولة المدنية ، فإنه لابد من وضع مصلحة شعبنا وبلادنا فوق كل اعتبار. بمعنى أكثر وضوحاً لابد من إنشاء الجسور للتقارب العملي بين كل هذه الأطياف التي تمثل وطناً من التنوع في اللون والجهة والثقافة والرؤى السياسية والفكرية المجتمعة اليوم في أديس أبابا. لا تغرنّكم لعلعة المدافع.. صدقوني لم يبق في جعبة العسكر شيئاً ليقدموه لهذا البلد. يكفي أنهم لم يقدموا له عبر تاريخه الطويل سوى الخراب والدمار وقطع الطريق على الديموقراطية وحكم القانون.
إن الدولة المدنية الديموقراطية قادمة بلا شك. لكنها بحاجة إلى الوعي الشعبي الذي يقوده أهل الفكر والساسة والأكاديميون من الرجال والنساء ويقود شارعه الشباب - الذي هو نصف
الحاضر وكل المستقبل. وهذا ما بشّرت به ثورة 19 ديسمبر عبر عناوينها الثلاثة: حرية سلام
وعدالة! وهي - وإن سكت هدير شارعها - ذلك لأنه لا ناقة له ولا جمل في صراع الديكة !
لقد حاول الإسلامويون بعد أن قلبت عليهم ثورة ديسمبر الطاولة أن يعودوا للسلطة عبر مجلسهم العسكري البائس..وعبر إنقلاب 25 اكتوبر 2021م على حكومة الثورة. وإما هزموا أمام الشارع الهادر قاموا بالحرب العبثية الدائر رحاها حتى يقطعوا الطريق على شعبنا من أن يقيم دولته المدنية. وهاهي الحرب تعود عليهم بالساحق والماحق كما بقول المثل العامي! فالغول الذي رضع من ثديهم انقلب عليهم ! ستكون هذه آخر الحروب. فالدبابة وكل آلات الدمار فقدت القبول والرّضا. وسباق العسكر الإنقلابيون لاحتلال مباني الإذاعة والتلفزيون من أجل إذاعة البيان الأول والذي يتلوه المارش العسكري- هذه اللعبة قد اكل الدهر عليها وشرب. لا يقف اليوم مع الحرب والقتل إلا الجبناء وفرسان طواحين الهواء !!
نحن شعب يرفض الموت المجاني الرخيص. لذا فإنّ واجبكم أن تتحدوا لوقف حرب يدفع ثمنها الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. حرب يحلم من أشعلوا فتيلها أن تعيدهم تارة أخرى فوق رقابنا ، لينعموا بسرقة موارد بلد لو سكتت البندقية ودارت عجلات قطار السلام والتنمية لأضحى حقيقة سلة غذاء قارتنا السمراء. توحّدوا يا ألوان قوس القزح السوداني..وستسكت المجنزرات والمدافع أمام كثرة هي الشعب الذي تكون إرادته دائماً هي إرادة خالق ومبدع هذا الكون. الخالق الذي أعطى المخلوق حرية أن يؤمن به أو أن يكفر. اتحادكم سوف يسكت هدير المدافع والدبابات. وسينتصر شعبنا. يرون ذلك بعيداً ونراه قريباً إتحدوا.
يحضرني مثل عامي لقبائل العطاوة (البقارة) يقول : (الكتيرة غلبت الفيل)! والكتيرة هي الجماعة حين تتحد. وطبعاً لن تحدث أي وحدة بين طوائف مختلفة - مهما كان سمو الهدف - ما لم يعْلُ العام على الخاص. والعام هنا هو السودان وشعب السودان. أما الخاص فهو أحزابكم السياسية وانتماءاتكم الجهوية والعشائرية.
إنّ كاتب هذه السطور لا ينقص من قدر النشاط الحزبي، فنحن في عالم تطمع فيه حتى الأنظمة الشمولية المستبدة في قيام أحزاب، كمظلة يمارس تحتها العمل السياسي. ولا ديموقراطية بدون أحزاب. لكني قصدت أن الوطن في عصرالشعوب والأوطان يسمو على الحزب والجهة والعشيرة !!
أمامكم مهمة لا يستهين بالعمل على إنجازها إلا شخص ضمرت إنسانيته أو ضاق ماعون تفكيره السياسي. تلك المهمة هي مدّ الجسور بينكم كسودانيين (أولاد وبنات بلد) من أجل أن تحققوا الهدف الذي من أجله تناديتم من كل بقاع العالم للتوافق عبر هذه المنصّة، حتى يسمع العالم صوت ممثلي شعوب السودان. وحتى نؤكد للقاصي والداني أنّ شعباً من شعوب العالم الثالث المتأخر في ركب التنمية والصناعة، استطاع بوعيه المتقدم أن يهزم دكتاتورية عسكرية عقائدية عبر ثورةٍ سلميةٍ تكاد تكون الأولى من نوعها منذ عرف عالمنا الحديث ثورات التحرر وسعي الشعوب نحو الحرية الإستقلال. وأنّ هذا الشعب - رغم انحنائه للعاصفة - يعرف كيف يواصل ثورته السلمية الكبرى بعناوينها الثلاثة: حرية سلام وعدالةّ !
كونوا الكتيرة التي غلبت الفيل!

فضيلي جمّاع
لندن
23/10/2023

fjamma16@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الحرب تغتال بهجة رمضان في السودان

بورت سودان (السودان)"أ ف ب": يحل شهر رمضان الذي يتسم عادة بكرم الضيافة والتجمعات العائلية للعام الثاني في السودان حيث حجبت الحرب المدمرة هذه التقاليد جراء الصعوبات الاقتصادية الحادة وتفشي الجوع.

يشهد السودان منذ أبريل 2023، نزاعا داميا بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسبب في مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص وخلف أزمة إنسانية كارثية مع انتشار المجاعة في عدة مناطق.

وفي مدينة بورتسودان (شرق) التي بقيت نسبيا بمنأى عن أعمال العنف، لا تزال السلع الغذائية منتشرة في الأسواق، لكن أسعارها الباهظة تجعلها بعيدة المنال.

وبلغ سعر كيلو السكر، المكون الأساسي لمشروبات وحلويات رمضان، 2400 جنيه سوداني (دولار واحد).

كما ارتفعت أسعار اللحوم بشكل كبير، فوصل سعر كيلو لحم العجل إلى 24 ألف جنيه سوداني (10 دولارات)، وكيلو لحم الضأن إلى 28 ألف جنيه سوداني (11,6 دولارا)، بحسب مستهلكين.

وقال محمود عبد القادر لوكالة فرانس برس "نعاني من توفير السلع الرمضانية. الأسعار في السوق متفاوته، فثمن بعضها مرتفع وبعضها الآخر باهظ جدا".

وعبر عن شعور مماثل بالاحباط حسن عثمان بقوله إن "الأسعار مرتفعة للغاية".

في يناير، بلغ معدل التضخم 145% ، مقابل 136% في الشهر نفسه من عام 2024، بحسب المكتب المركزي للإحصاء، في حين يناهز متوسط الأجر الشهري الآن 60 دولارا فقط.

وعلاوة على ذلك، لم يتسلم موظفو القطاع العام في بعض المناطق رواتبهم منذ أبريل 2023.

والوضع أسوأ بكثير في المناطق التي تشهد معارك مدمرة.

ففي أجزاء من دارفور (غرب) وكردفان (جنوب)، انقطعت طرق ايصال المواد الغذائية وانتشرت المجاعة.

وتم الابلاغ عن المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين في شمال دارفور، بالإضافة إلى أجزاء من جبال النوبة (جنوب).

ومن المتوقع أن تطال خمس مناطق أخرى بحلول مايو، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

وفي بعض مناطق دارفور، تعيش الأسر على قشور الفول السوداني وأوراق الأشجار، بحسب سكان.

وتواجه منظمات الإغاثة صعوبات جمة للوصول إلى هذه المناطق، مما سرع انتشار الجوع.

أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنّه اضطرّ إلى تعليق عملياته في مخيّم للنازحين ومحيطه في شمال دارفور في السودان، بسبب تصاعد العنف.

وقال عمر مناقو، أحد عمال الإغاثة في شمال دارفور، إن "الوضع هنا صعب جدا، هناك صعوبة في (ايجاد) مياه الشرب والطعام، لا يوجد شيء في الاسواق".

حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك الخميس من أن السودان يواجه خطر السقوط في "الهاوية" ما لم تنته الحرب المدمرة في البلاد وتتدفق المساعدات.

وتابع المسؤول الأممي "نحن ننظر إلى الهاوية. تحذّر الوكالات الإنسانية من أنه في غياب جهود إنهاء الحرب ... فإن مئات الآلاف من الناس قد يموتون".

وفي المناطق المتضررة من الحرب، تعرضت الأسواق للنهب وأنخفضت بالتالي إمدادات الغذاء بشكل هائل.

وقال عمر مناقو إن معظم الأسواق في شمال دارفور لم تعد موجودة.

واوضح "كلها أحرقها الجنجويد"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وفي العاصمة الخرطوم حيث اشتدت حدة القتال بين الجيش وقوة الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة، يقوم متطوعون بتوزيع المساعدات التي تمكنوا من جمعها، لكن الاحتياجات هائلة.

واشارت صابرين زروق (30 عاما) المقيمة في أم درمان، إحدى ضواحي الخرطوم، إلى أنه "من قبل كان ثمة مبادرات في الشوارع لتوزيع وجبات الإفطار على أولئك الذين لم يصلوا إلى منازلهم" في الوقت المحدد.

واضافت بحسرة "هذا لم يعد متوفرا".وينتاب العديد من السودانيين الحزن على فقدان التقاليد التي تميز شهر رمضان.

ففي السنوات السابقة، كانت العائلات تقوم بإعداد وجبات إفطار شهية، وتتقاسم الطعام مع الجيران، بينما تزدان الشوارع بالأضواء الاحتفالية.

ويقول محمد موسى، وهو طبيب يبلغ 30 عاما ويقضي أياما طويلة في أحد آخر المستشفيات العاملة في أم درمان، بحسرة "الفطور مع الاهل والاصدقاءوزينة رمضان أيضا، من الأشياء التي افتقدها".

مقالات مشابهة

  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • فتاة تسافر إلي أديس أبابا لتذوق القهوة الاثيوبية من مصدرها ..فيديو
  • الأردن يرفض المحاولات التي قد تهدد وحدة السودان عبر الدعوة لتشكيل حكومة موازية
  • بريطانيا وفرنسا تتجهان لإعداد خطة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية
  • من هو الصحفي الذي أشعل الحرب داخل البيت الأبيض بين ترمب وزيلينسكي؟
  • ستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامب
  • الحرب تغتال بهجة رمضان في السودان
  • إشعال حمى الحروبات لتعقبها حمى الإنفصالات
  • تقرير يكشف الضرر الكبير الذي خلفته الحرب على الصحة العقلية للأطفال في لبنان