#الولد_العاق والنهاية المأساوية
#حمزة_الشوابكة
لما يعق الولد أبويه أو أحدهما، ويتصرف تصرفات فوضوية لا يلتفت إلى عقباها، تصرفات لا ترضي إلا غروره وصحبته العاقة المنحرفة، يظل الأب يحاول ويحاول معه عله يرجع إلى صوابه، فيبدأ بعقابه بتقليل المصروف، وإن لم يرتدع ويعد إلى صوابه، يلجأ إلى تقييد تحركاته، ومن ثم منعه من البعض ممن يأخذون به نحو الهاوية، وإن لم يرتدع ويبقى مصرا على موقفه وعلى البقاء على ما هو عليه، عندها تبدأ المشكلة في الاتساع، إلى أن يجلب مشاكل تطال إخوته وأبناء عمومته والعائلة بل وبعض الأصحاب والجيران، الأمر الذي يوصل الأب وصاحب القرار إلى أن يتبع أسلوبا آخر، إما بالحبس أو بالنفي مع قطع كافة علاقاته مع أهل الضلال والتضليل، لأن دعم هكذا شخصية لا ولن يجلب للعائلة سوى العناء والشقاء والتشتت والتشريد والموت، فتصرف همجي منه؛ قد يذهب بأرواح ويلغي الاستقرار والأمن والأمان لكثرة تصرفاته الهمجية، تصرفات لا تلبي سوى أمثاله من أصحاب النفوس المريضة.
فهذا الولد العاق تماما كأحزاب وميليشيات لن تعود على الأمة سوى بالدمار والقتل والتشريد، وذلك لثوريتهم الدفينة، ثورية المستفيد الأول والأخير منها شرذمة من قطاع الطرق، ثلة لا تستحق سوى الضرب على أيديهم، فهي مرض كالغرغرينا لا علاج له سوى البتر، وإن بقيت وتركت، فسوف تبقى تنهش في جسد الأمة إلى أن يموت، فلا يعقل من عاقل وواع ومدرك دعم عاق ومشرد، ولا يعقل من عاقل وواع تقبل نتائج تصرفات هؤلاء الشرذمة، فهنا يجب على الأمة أن تدرك حجم الكارثة التي يحدثها هؤلاء الخوارج المتطرفون، وهذا لا يعني تبرير العدوان الهمجي الغاشم؛ ولكن يجب أن ندرك سبب هذا العدوان، وأن المسبب الرئيس هو أطماع وعجرفة الولد العاق، فلا يمكن لأحد أن يتقبل وجود ولد عاق في أمته، سوى العاق مثله، والله المستعان.
مقالات ذات صلة الدين واستهداف مستشفى المعمودية 2023/10/20المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
الأمام الصادق المهدي: فالعنقاء أكبر أن تصادا
عبد الله علي إبراهيم
أثارت ردود فعل في أوساط حزب الأمة على الخطاب الذي ألقاه السيد عبد الرحمن الصادق المهدي في مسجد الأنصار بود نوباوي في يوم الجمعة الماضي سقمي القديم من حزب الأمة. فقد ساءني منذ حين، بفطرة المؤرخ، أن معادلة الحزب-الجماعة الدينية (الأنصار) قد اختلت، وغلب الحزب على الجماعة الدينية التي خرج من رحمها في العبارة الشائعة. فلست من حزب الأمة، ولكن جماعة الأنصار كيان انتمى له كسائر السودانيين بصورة أو أخرى. فاشتغالي بالتاريخ إلى يومنا بدأ بكتابة "الصراع بين المهدي والعلماء" (1968) التي استحسنها الناس وعلى رأسهم استاذي مكي شبيكة. وصرت مؤرخاً من يومها. لم احتج لحزب الأمة، بل وللمفارقة، كتبت كتابي نفسه عن حجة المهدي الثورية في وجه تنطع علماء النظام التركي من باب مقاومة الحزب الذي ضلع في حل حزبنا الشيوعي في 1956. وهذه كلمة قديمة علقت فيها على خطبة للأمام الصادق المهدي تجد فيها نازعي لإعلاء الانصارية على الحزب (بل حله) فيما سميته "المهدية الثالثة".
كان خطاب السيد الصادق المهدي مساء السبت الماضي (ضاع مني التاريخ، ولكنه في نحو عام 2011)، كما أحسن وصفه فيصل محمد صالح، عودة إلى منصة التأسيس في المشروع المهدوي وهي الأنصار. كان عودة للإمام إل "قندهاره". فكانت المناسبة أنصارية خاطبها إمامها واحتشدت لها الجماعة بسهر هيئة شؤون الأنصار وبآلية وكلاء الإمام. وكانت هداياها أنصارية مثل تذكيرها بشرعيتها الأولى في ثورة جده، وببشارتي البقعة والجزيرة أبا الجديدتين، ونجاحات مجلس حل الهيئة وعقدها ومكتبها التنفيذي. وكانت هذه العودة لمنصة التأسيس واجبة لأمرين. أولهما خروج بني عمومة الإمام من مثل نصر الدين الهادي ومبارك الفاضل مع الجبهة الثورية يبتغون سنداً من الأنصار في حقول المهدية التاريخية في جبال النوبة ودار البقارة. فزعم نصر الدين الهادي مثلاً أنه مهدي الجبهة الثورية بخروجه من جبل قدير الشهير في جبال النوبة. أما الأمر الثاني فقد كان اللقاء لماً لشعث حزب الأمة الذي طغت صورته على القندهار الأنصاري. فالحزب تفرق أيدي سبأ حتى أنه يعمل اليوم بدون أمانة عامة، أو بأمانة مشاكسة ناهيكم عن التيار العام والمادبوز والقيادة الجماعية وهلمجرا.
واضح خمول ذكر حزب الأمة في خطاب الأمام. فأقصى المطلوب منه، في قوله، أن يستعد لنظام جديد ويلتزم فيه برأي محدد. وبدا لي أن أعضاء مخالفين للإمام هتفوا حين عرض للحزب فألتمس منهم أن يستمعوا له لا أن يُسمِعوا. ونبه إلى أن الحزب لن تتخطفه الأجندة الطائشة. فظل الحزب "يشد ويلين" على مر الزمن انقلع الطغاة الذين أرادوا به شراً وظل كالطود بفضل قوة قيادته وحكمتها. واستهدى الإمام من لم يرغب بالعمل في إطار رشد القيادة أن يذهب "والباب يفوت جمل".
لو كنت بين حشد البقعة والإمام خطيباً لتمثلت بالحلفاوي في الطرفة الشائعة. فقد منح الأزهري حلفاويين إجازة لغد زيارته لهم لحسن استقباله فطلب منه الحلفاوي أن لو ألغى رمضان . . . كمان. وكنت هتفت: "وحزب الأمة كمان يا ريس". فقد ظللت لسنوات أدعوه لتنشئة الأنصارية الثالثة العاقبة لأنصارية جده الأكبر الأولى وجده المباشر الثانية. فالأنصارية عندي كيان أعظم خطراً من حزب الأمة. فهي استثمار تاريخي وتربوي سوداني جامع لغمار الناس من كل فج. وضمت أهل البادية بشكل خاص ممن لا وجيع لهم حتى تورطوا في "الجنجويدية" والمراحيل في الملابسات المعروفة. واستحق الأنصار من إمامهم عناية مستديرة بحيواتهم أفضل مما سمحت به أنصارية الإمام عبد الرحمن التي أحصتهم، سياساً عدداً، كمجرد أصوات لحزب الأمة. ولذا تساءلت يوماً، وأنا أعرض كتاباً قيما للإمام الصادق، إن كانت هناك جامعة للأنصار تسرب بالموالاة معانيه الحسان عن مسائل المسلمين إلى أفئدة غمار الأنصار مع الراتب العذب.
أما حزب الأمة فقد دخله الذي لا يتداوى. فقد ظل يستقوي به من لا قاعدة له بين الشعب منذ طلائع المتعلمين في مؤتمر الخريجين حتى صغار البرجوازيين المستفحلين على أيامنا هذه. وحوّل هؤلاء المتعلمون زعيم الأنصار إلى "مقاول أنفار"، في وصف دقيق للترابي، يجيش لهم الأصوات والساحات. وصغار البرجوازيين هذه طبقة وصفتها بأنها "كديسة أم خيط" سياسياً. وتقال العبارة في الذي يتغشى الأبواب. فهي جماعة مودراليها حزب. وتغشى أحزاب الجمهرة الدينية عن يأس من أحزابها الصغيرة الفاشلة حاملة مطلب "المؤسسية" كجرثومة لا منهجاً في العمل. ولم نر منها مع ذلك المؤسسية حيث أتفق له إنشاء حزب من أحزابها الصغيرة.
ومرحباً بالأنصارية الثالثة بعد خطاب الإمام.
ibrahima@missouri.edu