المزيد من القصف.. على مشارف الحرب الحضاريَّة الثانية
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
بلغَ العدوانُ الهمجيّ الذي يتعرَّض له المدنيون في غزّة ذِروتَه مع قصف مستشفى المعمداني، ثم القصف المروع أمس ليلاً. ذهب ضحية قصف المستشفى وحده زهاءَ 500 شهيد، ما بين مدنيين وجرحى وطاقم طبي ونساء وأطفال. تعتبر هذه الهجمات الأخيرة تحولاً خطيراً -في الهجمة التي تشنّها إسرائيل على غزة- سيؤثر على مسار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع العربي الإسرائيلي، وعلاقة العالم الإسلامي بالغرب عمومًا.
بدا جليًّا اصطفاف الغرب مع إسرائيل، منذ شنّ إسرائيل هجماتها على غزّة، وذهبَ الأمرُ إلى حدّ منع مظاهرات التعاطف مع الفلسطينيين، كما في فرنسا، والتَّضييق عليهم في بريطانيا، والأنكى ما عبّر عنه الرئيسُ الأمريكيّ جو بايدن أثناء زيارتِه إسرائيلَ، في تبنّيه الروايةَ الإسرائيلية فيما يخصُّ قصفَ مستشفى المعمداني، ناهيك عن الدعم الكامل والشامل لإسرائيلَ في عملياتها العسكرية، وتحرُّك الأسطول السادس، وتصريح بلنيكن بالتغاضي عن التجاوُزات الإسرائيلية.
تدركُ الولايات المتحدة وإسرائيلُ خطورة قصف مُستشفى به مدنيون وجرحى وأطفال ونساء، مع حصيلته الثقيلة، ولذلك بادرتا إلى إلقاء اللوم على "الطرف الآخر"، وشفعت الولاياتُ المتحدة بتسجيل مفبرك. ونعلم أنَّ الحقيقةَ هي الضحية الأولى في الحروب، كما يقول الاستراتيجي الألماني جان كلوزفيتس.
ذا كان الضمير العالمي الغربي يريد أن يضع حدًا لحرب حضارية ستكون منهكة، فبابُها القضية الفلسطينية وَفق الشرعية الدولية
تعود بنا مجزرةُ مُستشفى المعمداني إلى نقطة الصفر، أو نقطة الافتراق على الأصحّ، أولًا ما بين الفلسطينيين أيًا كانت تنظيماتُهم، وتواجدهم، في القطاع والضفة، وإسرائيل والشتات، وما بين الإسرائيليين. منذ الآن يقوم سورٌ ما بين الإسرائيليين من جهة، والفلسطينيين والعرب والمسلمين من جهة أخرى، ما يجعل إمكانية الحديث والحوار والمفاوضة واللقاء، لغوًا غيرَ ذي فائدة.
تبخّرت كلّ الأماني والأمالي، منذ أسلو وأشكال التمويه الأخرى، من المبادرة العربية، بل حتَّى تلك التي ترعاها الولايات المتحدة، كما اتفاقات أبراهام. ربما كان البعض يُمنّي نفسه بأنَّ الولايات المتحدة والغرب، أمام التحدي الذي تطرحه كل من روسيا والصين، فقد تسعيان إلى بناء علاقات جديدة مع العالم العربي، تنبني على الثّقة والاحترام، دون أن يُجحَف الفلسطينيُّون حقَهم في تقريرِ مصيرِهم.
أضغاث أحلام، كل ذلكَ. تبخَّرت تلك الأماني مع قصف مستشفى المعمداني. هناك بحر من الدماء والدموع والمآسي، يجعل شبه مستحيل على السلطة الفلسطينية -رغم البرغماتية التي تحلّت بها- التعاملَ مع إسرائيل، على أي مستوى، وفي أي نطاق.
أمَّا على المستوى العربي، يسود، جراء العدوان على غزة، غليان وغضب في الدولتين العربيتين اللتين تشتركان وإسرائيل في الحدود، وتربطهما بها اتفاقات دولية، مصر بمقتضى "كامب ديفيد" (1979)، والأردن بمقتضى اتفاقية "وادي عربة" (1994). لا يقتصر الغضب على شعبَيهما، بل انتقل إلى قيادتَيهما اللتين تُحذران من خطر التصعيد إن ركِبت إسرائيل رأسَها وأقدمت على الخُطة غير المعلنة لإجلاء سكان غزة إلى سيناء، وأهالي الضفة إلى الأردن. وهو احتمال لسوف ينسف الهندسة التي بنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط زهاءَ نصف قرن، وحجرُ زاويتها اتفاقُ كامب ديفيد.
أمَّا الدول التي وقّعت اتفاقات أبراهام، فتجد حكوماتُها نفسَها في حرج شديد أمام شعوبها. في المغرب خرجت مئات الآلاف من المتظاهرين في الرباط للتنديد بالعدوان على غزة، والتضامن مع الفلسطينيين والمطالبة بوقف التطبيع، وفي البحرين خرج متظاهرون بالآلاف، وأبلغت المملكة العربية السعودية الولايات المتحدة فور شنّ العدوان على غزة عن وقف اللقاءات التي كانت تهيئ للتطبيع، وأدانت في بيانٍ شديدِ اللهجة قصفَ المُستشفى المعمداني.
لقد كانَ الأمل قويًا بعد عشرينَ سنة من الشرخ الحضاريّ بين الغرب والعالم الإسلاميّ، جراء أحداث 11 سبتمبر، في تجاوز حقبة خلّفت ندوبًا عميقة ومآسي جمّة. كانت الحربُ على الإرهاب -ساحتُها العالمُ الإسلامي، وأهدافُها المسلمون في البلدان الإسلامية والغربية، بمختلف الوسائل المخابراتية والأمنية والإعلامية والثقافية- حربًا بشعة حَسَب بن رودس، كبير مستشاري الرئيس أوباما، في مقال له في مجلة فورين بوليسي (أغسطس 2021). كانت الولايات المتحدة والعالم الإسلامي ضحيتَين لهذه الحرب، أو الخاسرَيْن الأكبرَين. رأى الكثيرون من الملاحظين أنّ إجلاء القوات الأمريكية من أفغانستان -بعد أسابيع معدودة من الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر- تحولٌ استراتيجيٌّ في السياسة الأميركية، من شأنه أن يطوي صفحة الصدام الحضاري، وتغيير أولويات الولايات المتحدة.
يتبخّر هذا الأمل مع قصف مستشفى المعمداني والقصف الغادر أمس ليلاً، ونعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر، أي إلى الانشطار ما بين الغرب والعالم الإسلامي، وتداعيات ذلك على الساحة الداخلية لكثير من البلدان العربية.
اختارت إسرائيل في خطابها أن تستثيرَ الغرب وتحرك هواجسه بمقارنة "طوفان الأقصى" بأحداث 11 سبتمبر والباتكلان.. لكن المقارنة غير مُوفقة؛ لأن 11 سبتمبر عمليات انتحارية، في حين أن طوفان الأقصى" عملية عسكرية ردًا على اعتداءات متكررة، وانتهاك مقدسات دينية بشكل فجّ ومتواتر.
إنَّ تمادي إسرائيل في الغيّ بشنّ عمليات برية، والسعي لإجلاء الفلسطينيين نحو الأردن ومصر، سيكون ذلك فتيلًا للحرب. وهي حربٌ مدمرة، لن تخرج منها إسرائيل منتصرة ولو بدعم الولايات المتحدة العسكري.
هل يخدم هذا الانزياح الغرب ويُبقي على مصالحه، مع تواطئه المريب، كما ظهر في مواقف كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا؟ حتمًا لا. فلن تكسب الولايات المتحدة مشاعر المسلمين، وقد اختارت -ليس فقط الدعم العسكري والدبلوماسي- مشاطرةَ إسرائيل افتراءَها حول قصف مُستشفى المعمداني .
لقد أمضت الولايات المتحدة عشرين سنة لتعترفَ أن حربها على الإرهاب، بما شابها من غلوّ وتهور واختزال، لم تخدم مصالح الولايات المتحدة في نهاية المطاف، يوم كانت القوة الوحيدة والناظم الوحيد لقواعد التعامل، فكيف تكسب المعركة وقد تعدّدت جبهات المواجهة وانتهت الأحادية القطبية. ولسوف تنعكس "الحرب الحضارية الثانية" سلبًا على فرنسا التي تشهد شرخًا كبيرًا بين مكوّناتها.
التطورات الأخيرة وزخمُها، يُظهر بجلاء ألا يمكن القفز على القضية الفلسطينية. تظلّ جوهر الصراع والمفتاح لحل النزاع. وإذا كان الضمير العالمي الغربي يريد أن يضع حدًا لحرب حضارية ستكون منهكة، فبابُها القضية الفلسطينية وَفق الشرعية الدولية.
طبعًا لا يمكن أن نكتفي بإلقاء اللوم على الآخرين، فالوضع الذي يعيشه العالم العربي من فُرقة وتشرذم هو الذي أغرى الآخرين به، اجتراءً ووصايةً، وفرضَ إملاءات.
ولئن استخلصَ العالم العربي العِبرة مما يجري الآن، وما جرى قبله -بعدم المراهنة على أحد من القوى الدولية أو الإقليمية، ووضْع حدّ للفُرقة التي تمزقه، داخليًا، وبَينيًا- فيمكن أن يكون ذلك اختراقًا استراتيجيًا، ومكسبًا مهمًا.
كلنا اليوم فلسطينيون. وينبغي أن نكونه غدًا كذلك، بمعنى أن نتذكر اللُحمة التي تجمعنا. والسَّدَى الذي يشدّ اللُّحمة هو القضيّة الفلسطينية. نعيش لحظة مصيريّة أمام تحدٍ وجوديّ يُحدق بالعالم العربي. فإمّا هبّة، ولن تكون إلا بوحدة الصف، وإما إبقاء الوضع على ما كان، وهو سبيل الاندحار.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مستشفى المعمدانی الولایات المتحدة العالم الإسلامی العالم العربی ة الفلسطینیة م ستشفى على غزة ما بین
إقرأ أيضاً:
مع تصعيد القصف على سوريا.. هل دخلا دمشق الحرب رسميا؟
لا يكاد يمر يوم إلا والاحتلال يشن غارات عنيفة على سوريا، حتى شملت مجمل المناطق التي يسيطر عليها النظام من دمشق حتى حماة وحلب وصولا إلى القصير والمعابر الحدودية مع لبنان.
وبينما يكتفي النظام السوري بإدانة الهجمات والاحتفاظ بحق الرد، تضاعف "إسرائيل" عدوانها على البلاد وتهدد بشكل صريح بتوسيعه هذا فضلا عن تحركات برية يقوم بها جيش الاحتلال في الجولان المحتل.
في هذا التقرير نحاول الإجابة على السؤال الأهم:
هل دخلت سوريا رسميا دائرة الحرب؟
محاولات التحييد
منذ الأيام الأولى للعدوان ذكرت تقارير إسرائيلية، أن الإمارات أرسلت رسائل إلى بشار الأسد تحذر فيها من أي تدخل لسوريا في الحرب الدائرة في غزة أو هجمات ضد دولة الاحتلال من الأراضي السورية.
وذكرت المصادر للقناة 12 العبرية، أن الإماراتيين نقلوا الرسائل إلى سوريا على أعلى مستوى، وأبلغوا الإدارة الأمريكية بعد ذلك بمحادثاتهم مع سوريا بشأن قضية غزة.
مطلع الشهر الجاري، تحدثت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن ما وصفتها بـ"إغراءات" الإمارات لإقناع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالتخلي عن تحالفه مع إيران وحزب الله.
وقالت الصحيفة إن "نتنياهو يراهن على تحقيق تغيير ليس في لبنان فقط، بل في سوريا أيضا"، مشيرة إلى أن تقارير دبلوماسية تتحدث عن أن "إسرائيل" تتابع باهتمام ما يجري في دمشق، وما الذي يمكن أن تحققه جهود تقودها الإمارات بالتعاون مع الأردن، لإقناع الأسد بالتخلي عن إيران وحزب الله.
وتابعت: "تل أبيب لا تراهن على تغيير كبير في الموقف السوري، لكن حلفاءها في أبو ظبي وعمّان يطلبون مهلة لمحاولة إقناع الأسد بالطلب من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بمغادرة الأراضي السورية، وإقفال المقرات الخاصة بكل من له صلة بمحور المقاومة، والتعهد بعدم إفساح المجال أمام عبور أي نوع من الدعم المادي والعسكري إلى لبنان عبر الأراضي السورية".
وذكرت أن "الإمارات تحاول تقديم إغراءات مالية كبيرة للأسد، مع إبداء الاستعداد لإطلاق ورشة إعادة إعمار في كل سوريا إذا ابتعدت عن محور إيران. كما يتعهد الأردن بالقضاء على كل المجموعات المعارضة للحكومة السورية في جنوب وشرق سوريا".
هل نجحت خطة التحييد؟
يقول الكاتب والباحث السياسي محمد الخفاجي، إن "سردية الوساطة الإماراتية ليست وليدة اللحظة كما أن عودة الأسد إلى الجامعة العربية كانت قبل طوفان الأقصى، لذا فإن محاولة التركيز عليها لتفسير صمت الأسد تبدو مخطئة، خصوصا أن علاقة سوريا بالمحور علاقة عضوية استراتيجية عميقة وليست مصلحية بسيطة".
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أن "تكثيف الكيان للضربات على سوريا، يأتي لزيادة الضغط على حزب الله للقبول بوقف إطلاق النار وفق شروط نتنياهو وبنفس الوقت رسالة لإيران بأن الحرب تتسع وقد لا يسعفها الوقت للنأي بنفسها عنها، فعليها الضغط باتجاه قبول الحزب بشروطها لوقف الحرب في لبنان".
هل وصلت الحرب دمشق؟
يشير الخفاجي، إلى أن "سوريا منذ سنوات كانت ساحة صراع إسرائيلي إيراني مستتر فالغارات التي تتصاعد الآن هي حلقة أخرى من صراع قديم اشتعل بشكل أكبر بعد طوفان الأقصى، لكن فعليا الاحتلال غير قادر على فتح جبهة سوريا لأسباب سياسية أولا وعسكرية لوجستية ثانية".
وعن الأسباب يقول الخفاجي، إن "إسرائيل في اجتياح لبنان بثمانينات القرن الماضي وصلت بيروت بوقت قياسي بينما إلى الآن لم تستطع الوصول إلى الليطاني وما زالت تقاتل في البلدات الحدودية رغم تقدمها في عدة محاور، لذا فإن فتح جبهة سوريا مكلف للغاية وقد شاهدنا خلال عام من العدوان أن نتنياهو لم يفتح جبهة لبنان إلا بعد انتهاء الجزء الأكبر من العملية البرية في غزة ووصولها لطريق مسدود".
وتابع، "يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أن الخشية الإسرائيلية ليست من النظام فحسب بل من الفصائل الموجودة في سوريا خصوصا حركة النجباء العراقية، التي روجت قبل أيام بشكل ضمني لاحتمالية فتح جبهة الجولان".
أما سياسيا فيقول الخفاجي، إن "جميع حلفاء إسرائيل بمن فيهم العرب يحاولون التهدئة وإبعاد شبح الحرب الشاملة التي لا يطمح لها أحد سوى نتنياهو، والأخير لم يعد بإمكانه فرض الأمر الواقع على حلفائه خصوصا الأوروبيين الذين باتوا يرونه عبئا عليهم بسبب المجازر المستمرة في غزة والمكررة في لبنان".
الحليف الإيراني
وبين محاولات التحييد والقصف الإسرائيلي المتواصل، برز الموقف الإيراني أخيرا بزيارة مكوكية شملت دمشق وبيروت لعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي حط في العاصمة السورية وهناك التقى الأسد.
لاريجاني قال لوسائل إعلام لبنانية، إنه حمل رسالة لرئيس النظام السوري "وسيترك له الإجابة على مضمونها".
بعد لاريجاني، وصل وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، إلى العاصمة السورية دمشق، السبت، على رأس وفد أمني رفيع؛ لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن الوفد الإيراني بحث "آخر المستجدات في المنطقة بشكل عام، وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجيشين الصديقين".
بدورها، نقلت وكالة مهر الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني قوله لدى وصوله إلى دمشق، إنه "بناء على توصيات قائد الثورة الإسلامية، مستعدون لتقديم كل وسائل الدعم لسوريا الصديقة".
وأضاف أن سوريا لديها مكانة إستراتيجية في السياسية الخارجية لإيران، مبينا أن الزيارة إلى دمشق جاءت بناء على دعوة من نظيره السوري.
وأوضح نصير زاده أنه والوفد المرافق له سيبحثون مع المسؤولين السياسيين والعسكريين في دمشق عدة مسائل مشتركة في مجال الدفاع والأمن، لتوسيع وتطوير العلاقات في هذا المجال بين البلدين.
بدورها ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكي في تقرير لها الأسبوع الماضي، إن "غياب سوريا عن الصراع الحالي هو دليل واضح على فشل استراتيجية إيران الرامية إلى -وحدة الساحات-، والتي تفترض استجابة منسقة من جانب جميع شركائها في محور المقاومة. ويكشف هذا عن أن البقاء السياسي للأسد يتقدّم على الموقف الإيديولوجي، وأن سوريا في وضعها الحالي لن تشكّل مشكلة بالنسبة لإسرائيل".
ما سر الصمت؟
يقول الكاتب والباحث السياسي رائد الحامد، إن "النظام السوري لا يبدو منسجما مع خيارات محور المقاومة بما يعرف بتعدد الجبهات أو وحدة الساحات".
وأضاف في حديث لـ "عربي21" أن "النظام الذي تلقى مئات الضربات خلال هذا العام اكتفى أحيانا بإصدار بيانات الإدانة فيما لم يرد على أي من الضربات كما أنه لم يسمح لأي من الفصائل المنخرطة في محور المقاومة باستخدام الأراضي السورية منطلقا للرد على إسرائيل أو شن هجمات انطلاقا منها".
وأضاف، أن "ذلك يعزز فرضية عدم رغبة قيادة المحور ممثلة بإيران بانخراط سوريا في طوفان الأقصى تجنبا لمصير متوقع لدمشق على الأقل شبيه بمصير غزة، ومن جانب آخر بقاء الاراضي السورية مستودعا لأسلحة وذخائر المحور وممرا لها من طهران عبر العراق إلى لبنان".
وذكرت "فورين بوليسي" في تقريرها، أنه "على الرغم من القصف الإسرائيلي المنتظم على سوريا، ووعد الحكومة السورية بالوقوف إلى جنب الشعب الفلسطيني، إلا أن النظام السوري وقف متفرّجا على الحرب التي اندلعت منذ أكثر من عام على غزة".
ويقول الخبراء والمراقبون الذين نقلت عنهم المجلة، إن أهم أولوية للأسد هي نجاة نظامه والبقاء متحكما في الجماهير السورية. ورغم سحقه للمقاومة، إلا أن نسبة 40 في المئة من الأراضي السورية خارجة عن سيطرة الحكومة، وفقا لذات التقرير،
وقال النائب السابق لمدير مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، عيران ليرمان: "لو ارتكب خطأ وانضم لمحور المقاومة بنشاط فستكون العواقب سريعة"، مضيفا: "في الوقت الحالي، أعتقد أن الأسد متردد للانخراط، ورغم أن الحكومة السورية هي قومية عربية، إلا أن فلسطين تقع في أسفل قائمة الأولويات. فعلى رأسها النجاة".
وتقول معدة التقرير المتخصصة في السياسة الخارجية، أنشال فوهرا، إن "هناك عوامل أخرى وراء ابتعاد الأسد عن النزاع، فهو يأمل بأن يكافئه الغرب على ضبط نفسه وتخفيف العقوبات المفروضة على نظامه". مضيفة: "قد وضع نفسه إلى جانب الإمارات العربية التي تعدّ لاعبا رئيسيا في إعادة تأهيل الحكومة السورية".
مصير نصر الله
هدد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمهاجمة أي محاولة لنقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية، إلى جانب استهداف مستودعات الأسلحة والمقرات العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري في تصريحات لوسائل الإعلام؛ إن "الجيش استهدف مستودعات الأسلحة والمقرات العسكرية ومنصات الصواريخ، ودمر معظم مستودعات حزب الله في بيروت"، مدعيا أنه "تم التعرف على صواريخ منتجة في سوريا، ويتم نقلها إلى الحزب".
وتابع قائلا: "من ثم فإن الجيش الإسرائيلي سيهاجم أي بنية تحتية في سوريا توفر أسلحة لحزب الله".
الأسبوع الماضي تحدثت تقارير صحفية، عن رسالة تهديد إسرائيلية لرئيس النظام السوري بشار، بأنه سيلقى مصير الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الذي اغتيل أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، في حال واصل التحالف مع حزب الله وإيران.
تلك التقرير ترجمها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مطلع الشهر الجاري، عندما أكد أن "على إسرائيل أن توضح للرئيس السوري بشار الأسد أنه إذا استمرّت سوريا في كونها طريقاً لتوريد الأسلحة من إيران إلى حزب الله، وسمحت بالعدوان من أراضيها على إسرائيل، فإنه يعرّض نظامه للخطر".
وأضاف ساعر، أن "تل أبيب لن توافق على تجديد بناء قوة حزب الله عبر سوريا، ولن توافق على فتح جبهة ضدها من الأراضي السورية والآن يجب أن يواجه الأسد خياراً حاسما".
وعن ذلك يقول الحامد، "ليس ثمة أي شك في أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت لثلاث مرات منفذ المصنع على الحدود مع لبنان وتدمير عدة جسور في بلدة القصير على الحدود مع لبنان كانت رسائل واضحة، كما نجح الاحتلال بشكل واضح في إلحاق أضرار كبيرة بخطوط الإمداد عبر الاراضي السورية".