التعليم؛ وقفات تضامنية مع غزة وفلسطين
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتربوية في مجلس الدولة
في ظل تصاعد الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة في فلسطين، وحرب الإبادة التي يمارسها على غزة، وحجم الممارسات الوحشية التي أفصحت عن الصورة السوداوية التي يحملها المحتل تجاه شعب فلسطين الأعزل، كانت لهذه الأحداث انعكاساتها النفسية والفكرية المؤلمة على كل إنسان شريف في هذا العالم الكوني الواسع، وكل أسرة وبيت عماني، انتصارا لرابطة العقيدة والأخوة والعروبة والإسلام والقرآن واللغة، ومشتركات الإنسانية والقيم التي شكلت حلقة وصل بين أبناء الإنسانية في إطار الحق والعدل والمساواة، ولماّ كانت فلسطين قضية العروبة والإسلام، محطة تحول لصناعة التغيير وبناء الروح الإيمانية الساعية لتحرير الأرض والحفاظ على مقدساتها، لذلك باتت هذه الأحداث حاضرة في حياة المواطن العماني، وعبّر عنها طلبة مؤسسات التعليم المدرسي والعالي في وقفات تضامنية مع غزة وفلسطين، في استنكار لكل الإجرام الوحشي الغاشم الذي يقوم به المحتل ضد الأبرياء والأطفال والشيوخ والمسنين والكبار والصغار والنساء والرجال، ولم تمنعه وحشيته من قصف وتدمير المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإيواء والمساجد وغيرها كثير.
إن المدرسة والجامعات العمانية وطلبة عمان ومعلميها وهيئاتها التعليمية والأكاديمية والتدريسية، وهي تعبر اليوم عن رفضها لهذه الحرب، واستنكارها لهذه الوحشية، وانتصارها لفلسطين وغزة العزة والإباء والنصرة، لتنطلق من الثوابت الوطنية العمانية نحو فلسطين والمسؤولية العقدية والتاريخية والإنسانية التي تؤمن بها نحو القضية الفلسطينية، والتوجهات الوطنية التي وضعتها الإرادة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في جملة المعطيات التي ارتبطت بالحالة العمانية، بدءا من بيان مجلس الوزراء الموقر، ثم اتصالات جلالة السلطان المعظم مع قادة العالم وحكوماته ذات الصلة بهذه القضية، وترأس جلالة السلطان المعظم لاجتماع وزارة الخارجية بدول مجلس التعاون الخليجي للوصول إلى موقف خليجي موحد تضامني مع القضية الفلسطينية أو غيرها من الجوانب المرتبطة بنقل هذه الوقفة عبر منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي.
إن التعليم هو صناعة الوعي الجمعي وهو طريق المجتمعات والأمة لتحقيق التحولات، ويمارس التعليم اليوم في ظل ضروراته وطبيعة المتغيرات الحاصلة، دورا استثنائيا في هذه القضية العربية، قضية فلسطين بما يصنعه من اتجاهات، وما يؤطره من حقائق ومعلومات، وما يبرزه من أحداث ونكبات، وما يقدمه من خيارات ومسارات، وما يصنعه من قوة الإرادة وحس المبادئ في الدفاع عن أرض فلسطين، ويؤسسه في أبناء الوطن من قيم الشهامة والعروبة والأصالة والدفاع عن الأرض وحب الأوطان وعروبة القضية والانتماء العربي الذي شكّل أولوية في الثوابت العمانية؛ وانطلاقا من هذه المبادئ العظيمة وغيرها التي مثلت ممارسة أصيلة وثوابت داعمة للأرض والاستقرار الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ويمكن قراءة تمثلت وقفات مؤسسات التعليم في سلطنة عمان التضامنية منذ بدء الحرب الهمجية على غزة، في توجيه الاهتمام في القاعات الصفية والصفوف الدراسية إلى توضيح مكانة فلسطين والقدس الشريف في التاريخ العربي والإسلامي، والمواقف الإيمانية والبطولات الخالدة التي وقفها العرب والمسلمين في التعامل مع الأحداث التي ارتبطت بالقدس، بالإضافة إلى الحديث عن الانتماء العماني للامة العربية بنص النظام الأساسي للدولة وما يحمله ذلك من مرتكزات وثوابت للعمل العربي المشترك، بما من شأنه خدمة القضية الفلسطينية ورعايتها والمحافظة على استحقاقاتها في ظل ما أكدته الاعراف والقوانين الدولية واتفاقيات الأمم المتحدة بشأن فلسطين؛ بالإضافة إلى وقف الاحتفالات الوطنية بيوم المرأة العمانية تضامنا مع الشعب العربي الفلسطيني وقضيته وما تقدمه المرأة الفلسطينية من تضحيات في النفس والمال والولد، وتأكيدا على رفض الإنسانية لكل هذه الأساليب الاجرامية الوحشية التي يقوم بها العدو المحتل في أرض فلسطين، وبدورها سعت المدارس إلى تجسيد هذه الصورة الوطنية نحو القضية الفلسطينية وعبر الإذاعة المدرسية وتقديم فقرات متنوعة في بدء اليوم الدراسي عن فلسطين بما يغرس في نفوس الأبناء هذه الروح النضالية العالية، ويؤسس فيهم هذا الحب الخالد لفلسطين العروبة وبيت المقدس، فكانت استضافة الشعراء والكتّاب ومشائخ العلم والباحثين والإعلاميين في الحديث عن فلسطين موجهات باتت حاضرة في بيئات التعليم، في إطار التنوع الحاصل في هذه الفعاليات، والبرامج المعبرة عن هذه الوقف التضامنية؛ ليمتد هذا التضامن في استدراك كل ما من شأنه استنهاض المبادئ واستنطاق القيم التي أكد عليها ديننا الإسلامي الحنيف في التعامل مع هذه الأحداث، فكان الدعاء سلاح المؤمن، عندما تتلاطم عليه أمواج الفتن، وتحيط به الخطوب، ويتعرض أهله لأنواع الاجرام والإبادة –عندما لا يملك في سبيل نصرتهم حيلة ولا سبيلا، أو تسد أمامه أبواب الجهاد-، فإن ما أفصحت عنه وقفات الطلابية من نماذج راقية وممارسات أصيلة لأبنائنا وبناتنا وهم يؤدون صلاة الجماعة ويدعون لإخوتهم المرابطين أطفال غزة وفلسطين بالنصر والتأييد، محطات تأمل تبرز عمق هذه الجسور الإيمانية التي تربط الناشئة العمانية بأرض فلسطين، وهي مواقف ومحطات لا ترتبط بظرف معين أو وقت محدد؛ بل سلوك أصيل وخيوط ممتدة تتجاوز الأوقات والأزمات والأحداث لتصبح جزءا من النسيج الفكري والعقدي والإيماني للمواطنة والناشئة العمانية.
لقد عبر أبناء عمان من طلبة المدارس والجامعات عن أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الكبرى، وأن الانتماء العربي يؤصل فيهم استبقاء هذه الروح الايمانية نحو فلسطين ممتدة حاضرة في كل وقت وحين، فكان حمل العلم الفلسطيني، ولبس الوشاح الفلسطيني، وترديد الهتافات والأناشيد والأغاني الحماسية المعبرة عن هذه الوقفة التضامنية مع الأرض الفلسطينية المحتلة تجاه جبروت الاحتلال الصهيوني، منصات حراكية متجددة ومواقف خالدة، ستبقى حاضرة مهما تغيرت الأحداث وتنوعت الأزمات، تؤكد في حقيقتها على أن النبض الفلسطيني حاضر وبقوة في كل بيت وأسرة ومدرسة وجامعة عمانية؛ وأبناء سلطنة عمان يستشعرون هول الأمر وفداحته ومضاضته بما يمارسه العدو المحتل الغاشم من وسائل التدمير والتخريب والإفساد في الأرض، وفي الوقت نفسه إيمان الإنسان العماني في ثبات عقيدته ومبادئه نحو دعم القضية الفلسطينية، فإن ما عبرت عنه الوقفة التضامنية التي قدمها طلبة جامعة السلطان قابوس وطلبة بعض الجامعات والكليات بمؤسسات التعليم العالي بسلطنة عمان وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية والمؤسسات العلمية البحثية سواء عبر خروجها في مظاهرات سلمية حاملة معها لافتات لوقف هذه الحرب الهمجية والاحتكام لصوت العقل، والنصرة للأشقاء في فسلطين، وبالدعاء لأبناء غزة بالنصر وما ارتبط بهذه الأحداث من وسائل وأدوات كان لها حضورها الواسع عبر المنصات الاجتماعية، إنما يعيد إلى الواجهة ثبات الموقف العماني الأصيل في عروبة أرض فلسطين وحضورها في كيان الإنسان العماني وعقيدته، ومن نافلة القول أن هذه الوقفات التضامنية لأرض فلسطين والدعوات بإيقاف هذه الحرب الهمجية وما أظهره أبناء عمان من طلبة المدارس والجامعات والكليات من مبادرات جادة سواء من خلال حملات الإغاثة التي تقدم للشعب الفلسطيني وعبر الهيئة العمانية للأعمال الخيرية، وتشجيع طلبة المدارس والجامعات على المشاركة فيها، وحرص المدارس على تقديم كل ما من شأنه تحقيق هذه المساندة بروح يملؤها الحب لفلسطين والوقوف والدعاء والتضامن مع الشعب الفلسطيني الأعزل، أو من خلال أنشطة الطلبة الإعلامية والفنية وإبداعاتهم في تقديم المنتج الفني الداعم للقضية الفلسطينية سواء من خلال الأفلام القصيرة الوسائط المتحركة والنماذج المعبرة عن هذه الوقفة التضامنية حيث أنتج الحراك الثقافي والصحفي والإعلامي الكثير من الوسائط المرئية والمسموعة والمقروءة المعبرة عن تضامن سلطنة عمان مع فلسطين واستنكارها لهذا الإجرام الوحشي على غزة.
أخيرا فإن الحديث عن دور التعليم في التعاطي مع القضية الفلسطينية أكثر من حصره في مقال، لأنه عقيدة وقناعة وفكر وإستراتيجية حياة، ومنطق يعيشه الإنسان العماني ويدرك ما يعنيه ذلك من التزامات ومرتكزات للعمل من أجل فلسطين، ومع ذلك تبقى هذه الوقفات التضامنية محطات لها دلالاتها العميقة في تأكيد دور التعليم في القضية الفلسطينية، وتأكيد الحاجة إلى إعادة رسم ملامح قادمة للمناهج التعليمية تعيدها إلى تجسيد هذه الصورة العقيدية المرتبطة بفلسطين، وأن تفصح التجديدات في المناهج التعليمية وما فيها من دروس عقدية أو محتوى لتناول هذه القضية وإدخالها في المناهج، إذ المسألة اليوم أعمق من قراءتها في سلوكيات اجتهادية أو ممارسات وقتية، إنها محطات لصناعة التغيير، وأن تعيد أحداث غزة وما يحصل فيها من إجرام صهيوني غاشم، أمام المعنيين برسم السياسة التعليمية في سلطنة عمان مسؤولية تأطير هذا المسار وتوجيه الأنظار إلى هذه القضية في إطار تثبيت قواعدها وأصولها ومواقفها العقدية والسياسية في المناهج العمانية، فإن الأرث الخالد لسلطان عمان الراحل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه؛ والثوابت العمانية التي أكدها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله نحو هذه القضية، وما وجه إليه جلالته من مسارات للعمل العماني من أجل فلسطين منطلقات مهمة يمكن أن تؤسس لهذا التحول وتجسّده في المحتوى التعليمي العماني.
فاللهم نصرك المؤزّر لفلسطين العروبة، وغزة العزة والإباء.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة هذه الأحداث هذه القضیة سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
2024-11-20naghamسابق وزارة الخارجية والمغتربين: سورية تدين بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على مدينة تدمر والذي يعكس الإجرام الصهيوني المستمر بحق دول المنطقة وشعوبها انظر ايضاًوزارة الخارجية والمغتربين: سورية تدين بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على مدينة تدمر والذي يعكس الإجرام الصهيوني المستمر بحق دول المنطقة وشعوبها
آخر الأخبار 2024-11-20جلسات حوار لمناقشة تعديل القوانين الناظمة لعمل وزارة التجارة الداخلية بطرطوس ودرعا 2024-11-20استشهاد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال غرب جنين 2024-11-20ترميز السلع والمنتجات لتنظيم عمل الأسواق خلال اجتماع في وزارة التجارة الداخلية 2024-11-20فيتو أميركي يعرقل مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة 2024-11-20انطلاق الجلسات الحوارية في غرفة تجارة حماة لتعديل قانون حماية المستهلك 2024-11-20الشيخ قاسم: العدو لن يخرج إلا بالمقاومة وسنبقى في الميدان نقاتله مهما ارتفعت الكلفة 2024-11-20قانون اتحاد الصحفيين… ندوة حوارية في دار البعث 2024-11-20ارتقاء 36 شهيداً وجرح العشرات جراء عدوان إسرائيلي استهدف أبنية سكنية في تدمر 2024-11-20بمناسبة اليوم العالمي لمرضى السكري… فعالية توعوية طبية في طرطوس 2024-11-20محور الأورام في رابع أيام مؤتمر أيام صحة دمشق 2024 العلمية
مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18 الجيش يدمر 15 طائرة مسيرة للإرهابيين في أرياف حلب واللاذقية وإدلب 2024-11-18صور من سورية منوعات مركبة الشحن الفضائية الصينية “تيانتشو-8″تلتحم مع محطة الفضاء الصينية تيانقونغ 2024-11-16 انبعاثات الكربون العالمية تصل إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري 2024-11-13فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18 المسافة صفر.. مخرز في خاصرة الاحتلال – بقلم : جمال ظريفة 2024-11-16حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل 2024-11-1919 تشرين الثاني 1954 – بدء بث «تلفزيون مونتي كارلو» وهي أقدم قناة تلفزيونية خاصة في أوروبا 2024-11-1717 تشرين الثاني 1969 -مفاوضات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة للحد من عدد الأسلحة الإستراتيجية على كلا الجانبين 2024-11-1616 تشرين الثاني 1970- قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد 2024-11-1515 تشرين الثاني 1920-عقد أول اجتماع لعصبة الأمم في جنيف 2024-11-1414 تشرين الأول 1908- عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين يعلن عن نظرية كمية الضوء
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |