هذا ما يُحضّر للمنطقة... غزة أول الغيث؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
لكثرة التحليلات التي تمتدّ من غزة إلى باب المندب لم يعد القارئ العادي قادرًا على التمييز بين ما هو صحيح وبين ما يُراد منه التسويق لمشاريع لا تصبّ بالتأكيد لمصلحة الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، والذين تنهمر القذائف والصواريخ على رؤوسهم وحدهم، فيما الآخرون، الذين لا يزالون في منأى عن نار الحرب حتى اشعار آخر، يكتفون بأطنان من التصريحات والبيانات الانشائية، التي تدين ما يتعرّض له أهل القطاع من مجازر يومية مماثلة لمجزرة مستشفى المعمداني.
أمّا الواقع الميداني فمختلف كثيرًا عمّا يحاول البعض تقديمه من مبررات لا تصبّ سوى في خانة "إراحة الضمير" ليس إلاّ. فلو كانت البيانات والتصريحات الكلامية المندّدة بالعدوان تفي بالغرض لما كانت إسرائيل تجسر على صبّ حمم مدافعها على رؤوس الآمنين في غزة، وقد يأتي دور غير غزة لاحقًا. ولو كانت هذه البيانات تساهم في تحرير فلسطين لكان وجهها غير ما هو عليه اليوم. ويُستدّل مما هو مخفيّ من هدف هذه البيانات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أن وراء الأكمة ما وراءها من محاولات تضليلية لإخفاء ما يُخطّط لغزة ولغير غزة، وما يُطبخ في المطابخ الخارجية، التي لا تعكس بالضرورة ما يُصرّح به رئيس هذه الدولة أو ذاك الزعيم. ما يعرفه "الصغار"، إيحاءً وبالفطرة، أن الحرب الدائرة على أرض غزة، والتي تستخدم "الغزاويين" وقودًا لها تمامًا كما هي الحال في أي حرب غالبًا ما تكون غاياتها غير تلك المعلنة أو المصرّح عنها، قد تكون أهدافها أكبر من البقعة الجغرافية لغزة، على رغم أن الشعب الفلسطيني في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة هو وحده الذي يدفع الثمن، دمًّا، وقهرًا، وجوعًا، وتشريدًا. لا أحد أكثر من اللبنانيين يعرف الغايات المخفّية التي من أجلها تُخاض الحروب، ولا أحد أكثر منهم دفع ثمن تلك الحروب العبثية، والتي لم تنجح في تحقيق أهدافها المباشرة، وإن كانوا لا يزالون يعيشون تداعياتها حتى اليوم. وقد يكون دخول لبنان ("حزب الله") الحرب مع العدو الإسرائيلي نوعًا من أنواع جرّه إلى تنفيذ ما لم يكن من السهل تنفيذه قبل 48 سنة، أي تقسيمه وتقزيم دوره في المنطقة. ولا يُستبعد أن يكون ما حصل في 4 آب من العام 2020 له علاقة بما وصل إليه لبنان اليوم، باعتبار أن للمؤامرات أكثر من وجه تتشابه بأهدافها ومراميها، وإن كان القاسم المشترك بينها استخدام الشعوب المطواعة، والتي تنقاد غرائزيًا في مشاريع تتخطّى ادراكها الآني. ما سبق أن قاله رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في أول يوم للعدوان الإسرائيلي على غزة من أن هذه الحرب ستغيّر وجه المنطقة هو الوجه الآخر لحقيقة هذه الحرب المدمرّة، بحيث يصار إلى تفتيت دول المنطقة وخلق كيانات جديدة وصغيرة متناحرة بين بعضها البعض، بحيث لا تعود تشكّل خطرًا وجوديًا على إسرائيل. وهذا الأمر يفسّر في شكل واضح الهدف من تحويل الجزء الشرقي من حوض البحر الأبيض المتوسط قاعدة متحركة للأساطيل الأميركية. فما يُخطّط في الغرف السوداء ليلًا ينفذّ على أرض الواقع نهارًا. وحدهم فلسطينيو غزة يدفعون اليوم الثمن. وما تزايد أعداد الشهداء والجرحى، الذين يسقطون يوميًا، إلاّ لدفعهم نحو التشريد والتجهير نحو صحراء سيناء، حيث من المفترض أن تكون بداية تنفيذ هذا المخطّط الجهنمي.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
"حُرُوب اليوم".. ليْسَت عَالميَّة
الدول القوية والكبرى والفاعلة على الساحة الدولية تخشى تكلفة الحرب أكثر من الدول الضعيفة
تشير الأبحاث والدراسات السياسية والاستراتيجية والتقارير والتحليلات إلى قول فصل يتضمن ذهابنا إلى "حرب عالمية ثالثة"، الأمر الذي كرَّس مخاوف لدى معظم سكان العالم، ولكن بنسب مختلفة تزيد أو تقل حسب الموقع الجغرافي من ميدان الحرب، الذي يبدأ من الدول المجاورة، وقد لا ينتهي عند الحدود القاريَّة، فعلى سبيل المثال، تتخوف الدول الأوروبية المجاورة لأوكرانيا من تمدد الحرب، وكذلك الأمر بالنسبة للدول المجاورة لفلسطين ولبنان.
من الناحية الإعلامية، كما هو لجهة الموقفين السياسي والعسكري، فإن العالم فيه كثير من بؤر التوتر ما يجعله في حروب دائمة لم تنقطع، وهو ما يبدو جليّاً في كثير من مناطق العالم، بل أنه يشمل كل القارَّات، فمنطقتنا العربية ـ مثلاً ـ واجهت منذ 1948 إلى أيامنا هذه عدداً من الحروب التي أجبرت عليها، حيث خاضت دولنا حروبا جماعية ضد الأعداء ومنهم إسرائيل بوجه خاص، وأخرى فردية حين غزتها قوى خارجية، وقضت على أنظمتها السياسية، وسيطرت بشكل مباشر على صناعة القرار فيها، وهناك نوع ثالث من الحروب توزع في منطقتنا بين حربين أهلية وجوارية.
والذين يتوقعون اليوم حدوث حرب عالمية ثالثة، بل يذهبون إلى وجود مؤشرات تشي جميعها بوقوعها، هم أولئك الذين ينظرون إلى الحالة الراهنة من زاويتين:
الأولى، تتعلق بما يحدث الآن، خاصة المواجهة الحالية بين الغرب، ممثلا في التحالف الأوروبي ـ الأمريكي ضد روسيا الاتحادية على خلفيّة الحرب الدائرة في أوكرانيا، وكذلك حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، ما يعني المواجهة بين إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، ودول المنطقة، وتحديدا إيران.
والزاوية الثانية: هي ميراث الحربين العالميتين السابقتين (الأولى والثانية)، لجهة تمدد الحرب لتشمل دول العالم كلها، من منطق عوامل كثيرة، منها: الثروات، والطاقة، والمواقع الجيو ـ استراتيجية.. إلخ.
من الناحيتين الواقعية والحقيقية، فإن الدول القوية والكبرى والفاعلة على الساحة الدولية تخشى تكلفة الحرب أكثر من الدول الضعيفة، لأن هذه الأخيرة، ومنها دولنا العربية، لم تتمتع بسلام حقيقي إلا قليلا.. أنها تعيش فترات متقطعة من تاريخها الوطني والقومي تحت مآسي الحروب، أي أنها لا تزال في خضم زمن الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل تبعاتها، ما يعني أن الحرب لم تضع أوزارها، وهي تقوى وتضعف بناء على حسابات الدول الخارجية وميراثها الاستعماري أكثر من دوافعها الداخلية الوطنية والقومية.
من ناحية الخطاب الموجه للرأي العام العالمي يمكن للخبراء ـ أو من يدعون ذلك ـ أن يروجوا لقرب اندلاع حرب عالية ثالثة، وهذا القول قد يقبل من الناحية النظرية إما لتخويف الناس أو لتحذيرهم، لكن غير ممكن الحدوث على المستوى العالمي في الوقت القريب، وإن كان متوقعاً بنسبة أكبر في الأمد البعيد ضمن "سنن التدافع"، وبديله في الوقت الراهن، احتمال قيام حرب إقليمية في منطقة بعينها من العالم، وتحديداً في أوروبا انطلاقاً من الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا، حيث تحظى بدعم أمريكي ـ قد يتغير في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب ـ كما تحظى هذه الأخيرة بدعم أوروبي، وإن كانت بعض الدول المجاورة لها بدأت تحضر نفسها لحرب مقبلة أخبرت بها شعبها.
القول بقيام حرب إقليمية قد يشمل منطقتنا العربية حقيقية، لكن لن تسهم فيه دول الجوار المحاذية لدول الحرب، إنما دول أخرى شريكة معنا في الجغرافيا، ولكنها من الناحية الاستراتيجية مهمة لدولنا الوطنية، ولها تحالفاتها المرتبطة بمصالحها، الأمر الذي قد يجعل من أوطاننا مجالا للصراع الدولي، وقد ننتهي إلى ضحية نتيجة التحالفات الدولية، تماما كما ستؤول إلى ذلك الدول التي ستواجه الغرب لأجل وحدتها الترابية مثل الصين، التي لا تزال تصر على ضمِّ تايوان، وهذا نوع آخر من الحروب، الذي سيختلط فيه الانفصال من أجل الحرية مع أجندة الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني إبعاد الصين عن السلام، وجعلها في خوف دائم من الحرب.