السؤال الثالث حول الرؤية لوقف حرب السودان

د. الشفيع خضر سعيد يكتب

 

نحن نكتب عن الرؤية باعتبارها الأساس لانطلاق أي عملية تفاوضية تبحث في كيفية وقف القتال وإنهاء حرب السودان التي دخلت مرحلة جديدة قبل ستة شهور. ونواصل تكرار قناعتنا الراسخة بأن صياغة تفاصيل هذه الرؤية هي واجب رئيس يقع على عاتق القوى المدنية والسياسية السودانية، وليس الدولية أو الإقليمية، وأن التوافق حول هذه التفاصيل هو الأساس لوحدة هذه القوى.

لذلك، فالمبتدأ لأي لقاء بصدد انتظام هذه القوى في جبهة ضد الحرب، هو أن يتصدر جدول أعمال التحضير له البند الخاص بالرؤية أو السؤال الرئيسي حول كيفية وقف الحرب. وكان رأينا أن تتقدم كل مبادرة من المبادرات الوطنية العديدة بمساهمتها حول محتوى هذه الرؤية، بعيدا عن العموميات من نوع “لابد من وقف الحرب…”، وتدعو للنقاش الواسع حولها، وذلك كأساس لدعوتها حول وحدة المبادرات في جبهة مدنية موحدة ضد الحرب. وفي هذا الصدد ننظر بإيجابية لتقدم “الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب” برؤيتها لوقف الحرب، تتفق أو تختلف معها. كما لابد من الإشادة بالجهد الكبير المبذول من لجان المقاومة السودانية والقوى الموقعة على الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب، حيث تقدمت برؤية سياسية مفصلة لإنهاء الحرب تستوجب النقاش والحوار العميقين.

 

وفي ذات المنحى، نكتب نحن هذه السلسلة من المقالات التي تتضمن وجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب، والتي تتأسس على رفض أن تكون الحرب بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية، مهما بلغت من الحدة والتعقيد، وأن مسألة وقف الحرب يجب أن يتم التعامل معها كحزمة واحدة مكونة من ثلاث حزم فرعية تتكامل مع بعضها البعض، تشمل وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وانطلاق عملية سياسية حديدة. وإذا كان للمجتمع الدولي والإقليمي دور رئيسي في الحزمتين الأولى والثانية، فإن الحزمة الثالثة، العملية السياسية، هي حصريا من مهام القوى المدنية والسياسية السودانية. ووجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب تشمل إجاباتنا على مجموعة من الأسئلة، تتضمن السؤال حول طبيعة الحرب وآليات إيقافها، وما هو الدور الذي يمكن، أو يجب، أن يلعبه المجتمع الدولي والإقليمي لإيقافها، وأين هو موقع العدالة والمساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وما هو جوهر العملية السياسية المفترضة، وهل لقيادات طرفي القوى العسكرية أي دور في هذه العملية السياسية، وما هو مستقبل قيادة الجيش ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، وكيفية إصلاح القطاع الأمني والعسكري حتى يكون للسودان جيشه الوطني المهني الواحد الذي يحتكر كل أشكال النشاط العسكري في البلاد، ويلتزم بمهامه في حماية الدستور في إطار الحكم المدني الديموقراطي، وحتى تلتزم القوى النظامية الأخرى بذات المهام والواجبات، وهل ستنحصر العملية السياسية في قضايا الإنتقال أم ستتمدد وتتوسع لتبحث قضايا إعادة تأسيس الدولة السودانية، الى غير ذلك من الأسئلة.

أين هو موقع العدالة والمساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وما هو جوهر العملية السياسية المفترضة، وهل لقيادات طرفي القوى العسكرية أي دور في هذه العملية السياسية؟

 

وبالتأكيد، نحن لا نتمسك بأن وجهة نظرنا وإجاباتنا على هذه الأسئلة قطعا هي الصحيحة في كل جوانبها وتفاصيلها، ولكنا نعتقد بأنها قد تكون صائبة في جانب ومخطئة تستوجب إعادة النظر في جانب آخر، وقد تجذب الاتفاق أو تستدعي الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية. وكنا في مقالاتنا السابقة قد ناقشنا السؤال الأول المتعلق بطبيعة الحرب الدائرة في السودان، والسؤال الثاني المتعلق بماهية آليات وقف الاقتتال، وإن كان استخدام القوة، عبر تدخل عسكري إقليمي أو دولي، يمكن أن يكون من ضمن هذه الآليات في حال تعثر المفاوضات واستمرار المذابح والانتهاكات الفظيعة تجاه المدنيين. وبالنسبة للتدخل العسكري، قلنا إن الأمر ليس بالبساطة كما توحي بشكل خادع الجملة المكتوبة بها، وذلك في ظل التعقيدات الدولية والإقليمية الناشئة من جراء تضارب المصالح وتشابك العلاقات مع طرفي القتال، وكذلك تلك التعقيدات الناشئة من واقع الأمن القومي للبلدان الواقعة في النطاق الجيوسياسي للسودان. لكنه أبدا ليس بالنظرة الحالمة أو المثالية، بل هو مستوحى من تجارب مماثلة حدثت في التاريخ القريب، في مالي والكونغو والصومال، بل وفي السودان نفسه عبر قوات اليوناميس واليوناميد واليونيسفا. كما أنه ليس بدعوة لتدويل الأزمة السودانية، فأصلا حرب السودان في جانب منها هي حرب بالوكالة عن أطراف خارجية عينها على أراضي السودان الشاسعة الخصبة ومياهه الوفيرة ومعادنه النفيسة وموقعه الإستراتيجي. وتبقى الحقيقة هي أنه لا يمكن استدعاء أي مساهمة دولية أو إقليمية لفرض وقف القتال بالقوة قبل وحدة القوى المدنية والسياسية السودانية في جبهة مدنية ضد الحرب يكون البند الأول في برنامج عملها هو خلق آليات للتنسيق والتحالف مع الجهود الدولية والإقليمية، للتوافق حول آليات الضغط الممكنة على طرفي القتال لإخراس لعلعة الرصاص.

 

السماح باندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان الماضي، هو قمة عدم المسؤولية، وانعدام أدنى درجات الحساسية القيادية عند من ظلوا في دفة القيادة في البلاد في تلك الفترة. لذلك، فإن السؤال الثالث من أسئلة الرؤية لإنهاء الحرب يتعلق بالمحاسبة والمساءلة القانونية حيال الحرب باعتبارها جريمة مركبة من عدة جرائم في حق الوطن والمواطن، تستوجب محاسبة كل من أشعلها وأطلق شرارتها، وكل من زكى نيرانها ودق طبولها، وكل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة التي مورست خلالها. ضربة البداية هي توافق القوى المدنية والسياسية على لجنة تحقيق دولية، تتقصى وتحقق في كل تفاصيل هذه الجريمة المركبة، بما في ذلك المذابح التي جرت في دارفور، ويقدم المتهمون إلى العدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية، على ذات النسق الذي تم مع قادة الصرب في حرب البلقان. وأي حديث عن العفو أو العدالة الانتقالية فيظل محكوما بالقانون الدولي الذي ينص على عدم الإفلات من العقاب وإنصاف الضحايا.

الوسومالجيش الدعم السريع د. الشفيع خضر وقف الحرب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع د الشفيع خضر وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

البرهان: شعبنا بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع لا لمؤتمرات

السودان – أبلغ رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، امس الأربعاء، المبعوث البريطاني الخاص للسودان ريتشارد كراودر، أن “الشعب السوداني بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع أكثر من حاجته لعقد مؤتمرات”.

جاء ذلك خلال لقاء البرهان بمدينة بورتسودان (شمال شرق)، كراودر، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية “سونا”.

وذكرت الوكالة أن المبعوث البريطاني قدم شرحا حول مؤتمر لندن الذي سيعقد بشأن السودان.

والأحد، أعلنت الخارجية السودانية اعتراضها على تنظيم بريطانيا في 15 أبريل/ نيسان الجاري، مؤتمرا دوليا عن السودان دون دعوة حكومته للمشاركة.

ووفق “سونا”، أوضح البرهان، للمبعوث البريطاني أن “الشعب السوداني بحاجة لأن ينظر المجتمع الدولي لمعاناته جراء الانتهاكات التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع الإرهابية وداعميها”.

ونقلت عن البرهان قوله إن “الشعب السوداني بحاجة لوقف الانتهاكات في الفاشر (غرب) ومخيمات النازحين، أكثر من حاجته لعقد مؤتمرات هنا وهناك”.

وأشار رئيس مجلس السيادة السوداني إلى “الاستهداف الذي تتعرض له المنشآت المدنية والخدمية ومشروعات البنى التحتية من قبل المليشيا المتمردة (الدعم السريع)”.

وأكد البرهان، لكراودر، “رغبة السودان في أن تعمل بريطانيا من خلال موقعها في مجلس الأمن الدولي على تغيير الصورة النمطية عن واقع الأزمة بالبلاد”.

ودعا بريطانيا إلى “تصويب مواقفها انطلاقاً من الروابط التاريخية التي تربطها بالسودان”.

ومنذ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

من جانبه أكد المبعوث البريطاني، وفق الوكالة السودانية، أن “المجتمع الدولي سيتوحد لدعم السودان” .

وذكر أن “وزير الخارجية البريطاني (ديفيد لامي) سيستضيف الأسبوع القادم مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بجانب عدد من المنظمات الدولية، أكبر تجمع دولي لدعم السودان بعد مؤتمر باريس الذي عقد العام الماضي”.

وأشار كراودر، إلى أن الهدف من المؤتمر “جلب السلام لشعب السودان وإنهاء معاناة السودانيين وليس بغرض فرض حلول من الخارج”.

ولفت إلى أنه “لم يتم دعوة أي جسم سياسي سوداني لهذا المؤتمر”.

ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة “الدعم السريع” في ولايات السودان لصالح الجيش.

ففي ولاية الخرطوم، التي تتشكل من 3 مدن، أحكم الجيش قبضته على مدينتي الخرطوم وبحري، فيما يسيطر على معظم أجزاء مدينة أم درمان، باستثناء أجزاء من غربها وجنوبها.

ومنذ أواخر مارس/ آذار الماضي، تسارعت انتصارات الجيش في الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقرات أمنية وعسكرية، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل عامين.

وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد “الدعم السريع” تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).

بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور، الولاية الخامسة والرئيسية في الإقليم.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • الإمارات.. صوت الحكمة وعنوان العطاء لوقف الحرب في السودان
  • «مصطفى بكري» يكشف تفاصيل رسالة الرئيس السيسي للقيادة السودانية «فيديو»
  • الحكومة السودانية توضح بشأن ارسال البرهان مبعوثا إلى إسرائيل
  • البرهان: شعبنا بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع لا لمؤتمرات
  • الحكومة السودانية تستدل بشهادة خبراء الأمم المتحدة على دعم الإمارات لقوات الدعم السريع
  • قبل 24 ساعة من النظر في القضية بواسطة العدل الدولية.. الخارجية السودانية تلوح بأخطر مستندات في مواجهة الإمارات
  • الشرطة السودانية تصدر موجهات بشأن البحث عن السيارات المنهوبة في الحرب وتحركات تبعث الأمل
  • الهوية السودانية بين الغابة والصحراء (2/2)
  • القوى السياسية بالإسكندرية: الحشد الشعبي بالعريش دعم ملهم لغزة ورفض للتهجير
  • لاعبة نادي الجيش آليسار محمد تحرز المركز الثالث في بطولة أندية غرب آسيا لألعاب القوى