استيقظ سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، ومعهم أبراج المراقبة، ومواقع عسكرية أخرى في غلاف القطاع، قبل قرابة أسبوعين، على مشهد صاعق، وغير متوقع، يشبه أفلام هوليوود؛ وهو لمسلحين ملثمين، أدرك الإسرائيليون فيما بعد أنهم قادمون من غزة من البر والجو والبحر، يقتحمون المكان، ويقتلون ويأسرون عسكريين ومدنيين، ويسوقونهم إلى داخل غزة، ومنهم من بقي في المستوطنات، أعني المسلحين.
ولنتوقف عند نقطة تقول: لم يتحدث أي جانب، لا من حماس ولا من الإسرائيليين عنّ هؤلاء المسلحين، إسرائيل قالت إنها قامت بتصفيتهم أو أسرهم جميعاً، وقبل يومين قالت: إن العشرات منهم ما زالوا في الداخل الإسرائيلي. السيناريوهات التي لم يعلنها مباشرة الإسرائيليون أو حركة حماس، أن المهاجمين عطّلوا الرادارات، وقطعوا الاتصالات، وشوّشوا على كل ما يربط غلاف غزة بالداخل الإسرائيلي (تخطيط محكم).
ردة الفعل الإسرائيلية كانت باردة جداً (علامة استفهام). بعض المحللين ارتاب بالأمر، وظن بتواطؤ ما، لكي تنفذ إسرائيل أهدافاً كبيرة، منها اقتلاع حماس من الوجود (نظرية المؤامرة)، وبدأ الحديث عن «صفقة القرن» من جديد، خاصة مع دعوة جزء كبير من أهالي غزة إلى التوجه نحو سيناء، ما أثار حفيظة مصر. وبعض المحللين خفيفي الظل، قالوا: إن الإسرائيليين لا يقاتلون يوم السبت وينتظرون إلى ما بعد منتصفه، وهذا ما كان، وزاد إسرائيل ثقة، وقوف الولايات المتحدة بالكامل إلى جانبها.
من جانب آخر، استهجن محللون قيام بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، والمستشار الألماني بزيارة إسرائيل (كأنها تتعرض لحرب إقليمية)، وأرسل بايدن حاملة الطائرات؛ لردع أي تدخل إقليمي، (إيراني- سوري- عراقي- مصري- لبناني). هي رسالة استراتيجية أمريكية. الرسالة المبهمة (فضيحة استراتيجية) هي حين قال بايدن: لو لم تكن إسرائيل موجودة، لخلقناها. (بعض الماكرين قالوا: إن بايدن يريد أن يخلق أنبياء).
استيقظت غزة على طائرات إسرائيلية تقصفها بعنف غير مسبوق، ما قيل إنها قواعد ومراكز عسكرية لحركة حماس، وتهديدات قادة إسرائيليين بالقضاء على الإرهاب كما قضوا على «داعش» (نحن لم نسمع أن إسرائيل قاتلت «داعش» في أي مكان...). إن هذا الوصف، أي انضمام إسرائيل إلى حلف محاربة الإرهاب، أخذ الصراع إلى سيناريوهات دموية مفتوحة، تليق بإرهابيين، حسب وصف القادة، وأخذ الانتقام طابعاً غير مسبوق حين أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أنه يحارب «حيوانات بشرية»، أي يمكن قتلهم كما تُقتل الحيوانات، بدم بارد، وهذا ما حصل، خاصة بعد استهداف مؤسسات مدنية كالمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، وراح ضحيتها الآلاف من الضحايا، من بينهم 55 أسرة أبيدت بالكامل، والحبل على الجرار.
الجمهور العربي ابتهج كثيراً، ورفع علامات النصر في البداية، ثم خرج على استحياء في تظاهرات هنا وهناك، وحين حمي الوطيس، وأصبح الضحايا بالآلاف، والجرحى أكثر من عشرة آلاف، وتمت تسوية مساحات كاملة في غزة بالأرض، خرجت الجماهير تطالب حكوماتها بفتح الحدود، للمشاركة في النضال، وبعضها طالب جيوشها بالتدخل وقصف إسرائيل، وتوجهت جماهير نحو السفارات الأمريكية والفرنسية وحاصرتها، وألقت ألعاباً نارية عليها، ما أدى إلى تعرض بعضها لحرق جزئي، وتدمير محال في المحيط، وجزء من الجماهير يريد أن يزحف إلى الحدود، ولا يزالون في الشوارع. رد فعل الحكومات هو حماية السفارات، وإلقاء قنابل مسيلة للدموع على مواطنيها، حتى السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله قمعت المتظاهرين.
حزب الله والمنظمات الفلسطينية المسلحة في لبنان، بدأت بمناوشات منذ أيام، واستدرجت إسرائيل للرد العسكري، فسقط ضحايا من الجانبين، والخوف الآن هو اشتعال الجبهة الشمالية، وأن تتحول إلى حرب مفتوحة. عندها سنرى مشهداً شبيهاً بغزة، وقد تدخل أطراف إقليمية ميليشياوية.
المشهد كله لخصه أحد المعارضين لحركة فتح في مقابلة مع تلفزيونية عندما قال: لنفترض أن إسرائيل قضت على حماس، هل سيؤدي ذلك إلى إعطاء الفلسطينيين حقوقهم؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
تقرير لـThe Atlantic: إسرائيل تخوض حربًا من نوع آخر الآن
ذكرت صحيفة "The Atlantic" الأميركية أنه "على مدى العام الماضي، وبعد أن عانت إسرائيل من مفاجأة مدمرة وخسائر فادحة، حققت نجاحات عسكرية ملحوظة. فقد تمكنت من اغتيال يحيى السنوار، العقل المدبر لهجوم حماس في السابع من تشرين الأول من العام الماضي. وفي الشمال، لم تكن النجاحات أقل دراماتيكية، فقد تمكنت إسرائيل من اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وخليفته، كما ومعظم القيادات العليا في الحزب".
وبحسب الصحيفة، "لقد تم تدمير معظم مخزون حزب الله من الصواريخ والقذائف والذي يبلغ 150 ألف صاروخ وقذيفة، كما أصبحت قدرة الحزب على التنسيق مجزأة إلى الحد الذي جعله يكافح لإطلاق 50 أو 100 صاروخ بدلاً من إطلاق ألف صاروخ يومياً. لقد تم تطهير المنطقة الواقعة على طول الحدود الإسرائيلية، والتي زعم الجنود الإسرائيليون أنهم عثروا فيها على مخزونات من الصواريخ المضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة في العديد من المنازل. وعلى الرغم من تصدي عناصره لقوات الجيش الإسرائيلي، إلا أن حزب الله لم يعد قادراً على حشد التشكيلات العسكرية الكبيرة والمعقدة التي كانت في السابق. زد على ذلك، أن إيران وجهت لإسرائيل ضربتين تم صدهما بواسطة الدفاعات الأميركية والإسرائيلية. وفي المقابل، دمرت إسرائيل نظام الدفاع الجوي الرئيسي الإيراني الأمر الذي جعلها عُرضة لضربات مستقبلية".
وتابعت الصحيفة، "ترى القيادة العليا الإسرائيلية الآن أن كل هذه الصراعات تشكل عناصر من حرب واحدة متعددة الجبهات مع إيران، وهي تعتقد أن التحضير للهجوم على حماس كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بحزب الله، الذي يعمل بدوره وكيلاً لإيران. كما وتعتقد أيضاً أن الغرض من هذه الهجمات، على مدى السنوات القليلة التالية، لم يكن إلحاق الضرر بإسرائيل، بل تدميرها. وكان هجوم حزب الله ليتبع نفس النمط الذي اتبعته حماس في هجومها، ولو حدث الهجومان في وقت واحد، لكان موقف إسرائيل قد أصبح أشد خطورة مما كان عليه في السابع من تشرين الأول. ولكن لماذا شن السنوار هجومه قبل أن يشعر حزب الله بأنه مستعد؟ ربما كان ذلك بسبب نفاد صبره. ولكن الروابط كانت أعمق بكثير مما أدركه الإسرائيليون".
وأضافت الصحيفة، "كان صالح العاروري، أحد كبار القادة العسكريين في حماس، يعيش في محيط القيادة العليا لحزب الله في لبنان عندما اغتالته قنبلة إسرائيلية في كانون الثاني. وكان هو وأعداء إسرائيل الآخرون واضحين تمامًا بشأن نيتهم في تدمير البلاد بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه المدنيون. إن إسرائيل تخوض الآن حرباً من نوع مختلف، الأمر الذي أثار عقلية إسرائيلية مختلف، وهذا تغيير جوهري عن إسرائيل في السادس من تشرين الأول 2023. إن إسرائيل تستعد لاحتمالات الحرب الطويلة ضد إيران، حتى في حين لا يمكن إنهاء صراعاتها المباشرة مع حماس وحزب الله بسرعة وحسم، بغض النظر عما قد يرغب فيه القادة الأميركيون والأوروبيون".
وبحسب الصحيفة، "لقد كان الجيش الإسرائيلي دوماً يركز على الحلول القصيرة الأجل، والابتكار التكتيكي والتقني، والمرونة والقدرة على التكيف، وسوف يشكل هذا مشكلة في المرحلة التالية من هذه الحرب. إن إسرائيل لا ترغب في وضع غزة تحت الحكم العسكري أثناء إعادة إعمارها، ولكنها فشلت أيضاً في ابتكار أي بديل معقول، على الرغم من الأفكار المتداولة مثل قوة شرطة دولية أو عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. وما زال حزب الله يعاني من الضربات التي تعرض لها على مدى الشهرين الماضيين، ولكنه ما زال على قيد الحياة، ولقد أثبتت الآمال الإسرائيلية والأميركية في أن يتمكن الجيش اللبناني من احتواء الحزب أنها كانت مجرد أحلام بعيدة المنال، ومن المؤكد أن الضربات البعيدة المدى التي تشنها إيران ضد إسرائيل سوف تستمر".
وتابعت الصحيفة، "في كل الأحوال، يعتقد الإسرائيليون اعتقادا قاتما أنهم لا يملكون خيارا سوى مواصلة القتال. ولكن التغييرات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي ملحوظة، فقد أصبح جيش الاحتياط الذي خاض هذه الحروب منهكاً، كما وأمضى العديد من الجنود والطيارين معظم العام الماضي في المعارك، وشعرت أسرهم بالضغوط. وكان المكون القومي الديني في المجتمع الإسرائيلي هو الذي تحمل العبء على نحو خاص. وبسبب نظام الاحتياط في إسرائيل، فإن العديد من القتلى هم من الرجال في منتصف العمر". المصدر: خاص "لبنان 24"