حرب إسرائيل وحماس.. قصص صحفيين فقدوا أرواحهم
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
وثقت لجنة حماية الصحفيين، الأحد، مقتل 23 صحفيا على الأقل في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، إلى جانب التوتر على الحدود مع لبنان، حيث تقول إن الصراع ألحق خسائر فادحة بالصحفيين، منذ أن شنت حماس هجومها غير المسبوق ضد إسرائيل في 7 أكتوبر، وإعلان إسرائيل الحرب على الحركة، والتي بدأتها بغارات عنيفة على قطاع غزة المحاصر.
وعرضت صحيفة "واشنطن بوست" قصصا لبعض الصحفيين الفلسطينيين الذين سقطوا ضحايا، إلى جانب صحفي إسرائيلي، وآخر لبناني.
وأوضجت الصحيفة أن غالبية قتلى الصحفيين هم من الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين وصل عددهم إلى 19 شخصا، حيث يواجهون مشاكل انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت في ظل الحصار الإسرائيلي، فضلا عن فقدان مكاتبهم ومنازلهم وأفراد أسرهم.
إلى جانب ذلك قُتل صحفي لبناني، وثلاثة إسرائيليين، بحسب اللجنة.
وذكرت اللجنة أن ثمانية صحفيين آخرين أصيبوا، بينما لا يزال ثلاثة في عداد المفقودين أو المحتجزين.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه لن يرد على طلب "واشنطن بوست" للتعليق على مقتل الصحفيين الفلسطينيين المذكورين ما لم يتم إعطاءه التوقيت الدقيق والإحداثيات الجغرافية لمواقع قتلهم.
محمد صبح وسعيد الطويلكان المصور الصحفي، محمد صبح، في غرفة الأخبار في صحيفة الخبر الفلسطينية عندما علم الموظفون أن الضربات الإسرائيلية قد تستهدف مبنى شاهقا في غزة. وذهب إلى مكان الحادث مع زميله.
استشهاد الصحفي الفلسطيني هشام النواجعة متأثرا بجراحه الخطيرة التي أصيب بها جراء قصف جوي إسرائيلي استهدف مجموعة من الصحفيين غرب غزة pic.twitter.com/xkcyRE5v8A
— مونانيزا ???????????? (@Monaneza2011) October 13, 2023وقال، صالح النزلي، رئيس تحرير الخبر: "لقد اتخذوا جميع الاحتياطات اللازمة"، مضيفا أنهم كانوا يرتدون معدات صحفية واقية، بما في ذلك السترات الواقية من الرصاص والخوذات.
وأضاف النزلي في رسائل صوتية لصحيفة "واشنطن بوست"، أن صبح، 34 عاما، لجأ إلى الاحتماء في مبنى "على بعد مسافة كافية من المبنى الشاهق الذي كان معرضا لخطر الاستهداف"، مع صحفيين آخرين. لكن المبنى الذي بحثوا عنه كمساحة آمنة محتملة تعرض لضربة إسرائيلية، ما أسفر عن مقتل صبح وزميله، هشام النواجحة.
وكان صبح "صحفيا شغوفا يحب وظيفته"، و"يحب الحياة"، وكثيرا ما كان يذهب إلى الشاطئ في غزة مع زوجته وابنه رزق، البالغ من العمر 6 سنوات، بحسب الصحيفة.
كما أدت غارة 10 أكتوبر إلى مقتل الصحفي الفلسطيني، سعيد الطويل، بعد أن ظهر في مقطع فيديو على فيسبوك يتحدث عن إخلاء السكان للمنطقة في ذلك اليوم.
هشام النواجحةكان هشام النواجحة ينشر بانتظام تحديثات على وسائل التواصل الاجتماعي من المستشفيات والشوارع المدمرة. ووثق الشاب الصحفي الفلسطيني، البالغ من العمر 27 عاما، والذي كان يكتب أيضا لصحيفة الخبر، ما رآه تحت القصف الإسرائيلي في غزة.
وبعد وقت قصير من الغارة على هذا المبنى الشاهق، نشرت زوجة النواجحة على فيسبوك، في 10 أكتوبر، أنه أصيب. وكتبت: "صلوا من أجله"، ووصفته فيما بعد بأنه "حبيبي وشريك حياتي"، ثم أعلنت وكالة أنباء الخبر وفاته.
وقال النزلي إن الزوجين لديهما توأمان صغيران، مضيفا: "سنفتقد زملائنا حقا. لقد كانوا مخلصين لعملهم، لكن الضربات الإسرائيلية قتلت أحلامهم وأحلام عائلاتهم".
وفي موكب الجناز، حمل صحفيون جثامين صبح والطويل والنواجعة الملفوفة في أكفان بيضاء وخوذات مكتوب عليها "صحافة" مثبتة في الأعلى، وسار المشيعون في الشوارع.
إبراهيم لافي ورشدي السراجعُرف إبراهيم لافي على إنستغرام بتوثيقه لصور الطيور والخيول وحفلات الزفاف وغروب الشمس. وتظهر إحدى الصور اكتمال القمر فوق الماء. وفي صورة أخرى، يظهر قوس قزح في أنحاء مدينة غزة.
وكان لافي، البالغ من العمر 21 عاما، يعمل لدى شركة عين ميديا، وهي شركة مقرها غزة، واستخدم المنصة لالتقاط صورة للمصاعب في غزة، مثل المباني التي تحولت إلى أنقاض، والناس الذين يبكون موتاهم.
ونشرت صديقته، الصحفية الفلسطينية، يارا عيد، تحية له على وسائل التواصل الاجتماعي واصفة إياه بأنه "الصديق الأكثر دعما الذي حظيت به على الإطلاق، والذي شجعها على المثابرة خلال الأوقات الصعبة". وأضافت: "لقد قُتل وهو يرتدي سترته الصحفية وهو يفعل أكثر ما يحبه في الحياة".
وقال، رشدي السراج، مدير عين ميديا، في رسائل صوتية لـ"واشنطن بوست"، إنه بعد أنباء هجوم حماس، في السابع من أكتوبر، توجه لافي وزملاؤه إلى نقطة قرب معبر إيريز الحدودي بين غزة وإسرائيل.
وأضاف السراج إن لافي قُتل عندما بدأ الرد الإسرائيلي.
وتابع أن لافي كان طموح\ا وشغوفا بسرد القصص بالفيديو، وصور أفلام وثائقية لمنظمات من بينها أوكسفام واليونيسف.
وقال: "لقد كان موهوبا ومبدعا للغاية. وكان لديه حلم كبير في أن يصبح صحفيا ومخرجا دوليا يغطي الأحداث في جميع أنحاء العالم".
وذكرت عائلته وأصدقاؤه أن السراج، الذي تحدث إلى "واشنطن بوست" عن وفاة لافي، الأربعاء، قُتل هو نفسه عندما ضربت غارة إسرائيلية منزله خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وجاء في بيان صادر عن عائلة السراج، "ببالغ الحزن نعلن وفاة الصحفي رشدي يحيى السراج، الذي ولد في ليدز بالمملكة المتحدة". وأضاف أن "السراج قُتل في غارات جوية إسرائيلية استهدفت وقصفت منزله في غزة."
سلام ميماقدمت صفحة سلام ميما على الفيسبوك، بحسب "واشنطن بوست"، نافذة على الأمومة والفخر. وأظهرت صورة نشرتها، في يوليو الماضي، أبناءها وهم يرتدون بدلات باللون البيج إلى جانب ابنتها الصغيرة التي كانت ترتدي فستانا أبيض وزهور في شعرها. وكتبت: "إنهم جزء من روحي".
وميما البالغة من العمر، 32 عاماً، كانت صحفية مستقلة وعضوة في لجنة الصحفيات في غزة. وقالت صديقتها، نسرين رزين، للصحيفة إنها كانت "ملاكا وأما محبة وزميلة داعمة".
وأدت غارة جوية إسرائيلية على منزل ميما في مخيم جباليا للاجئين إلى مقتلها هي وأفراد من عائلتها، وفقا لرزين والتحالف من أجل المرأة في الصحافة.
اســ ــتشـ ــهدت الصحفية سلام ميما وزوجها محمد وأطفالهما الثلاثة هادي وعلي وشام في منزلهم بغزة???????? pic.twitter.com/S8ozaOklUB
— ???????? مــعــ يااهلى ــاك (@OfficialAhly) October 10, 2023وقالت رزين إن ميما كانت على قيد الحياة، محاصرة تحت الأنقاض، لكن لم يكن من الممكن الوصول إليها في الوقت المناسب.
وبعد حوالي ثلاثة أيام، في 13 أكتوبر، تم انتشال جثة ميما مع ابنها هادي البالغ من العمر 7 سنوات، حسبما قالت صديقتها.
وأضافت أن زوج ميما وصهرها قُتلا أيضا. وقال التحالف من أجل المرأة في الصحافة إنه تم إنقاذ ابنها علي البالغ من العمر 5 سنوات من تحت الحطام، لكن ابنتها شام البالغة من العمر 3 سنوات لا تزال مفقودة.
وقالت رزين: "ميما لم تكن شخصية عسكرية حتى يتم قتلها بهذا للشكل.. عقلي لم يعد قادرا على الفهم".
Salam Mema, a woman journalist from the Northern Gaza Strip killed in an airstrike. She is one of the 7 journalists who have been killed since the conflict unfolded in Israel and the Gaza Strip. The death of journalists prevents accurate reporting about the conflict. pic.twitter.com/eyOj5E5QdK
— Sarah Biryomumaisho (@BiryomumaishoB) October 11, 2023 عصام عبداللهالتقت الصحفية، آيات بسمة، بصحفي "رويترز"، عصام عبدالله، قبل حوالي 15 عاما. وعمل الاثنان معا في وكالة "رويترز"، حيث غطى عبدالله بعضا من أهم الأحداث في العالم، بما في ذلك الصراعات في سوريا وأوكرانيا والزلازل في جنوب تركيا.
View this post on InstagramA post shared by Issam Abdallah-عصام العبدالله (@issamabdallah)
وقالت بسمة، وهي منتجة كبيرة سابقة في "رويترز"، لصحيفة "واشنطن بوست": "كنا عائلة"، مضيفة أن عبدالله كان دائما على استعداد للتوثيق بكاميرته أينما أخذته الصحافة.
وتابعت أنه كان صحفي فيديو "شجاعا" و"متعدد المواهب"، ولم يكن يرغب في الجلوس على مكتب. كان يقول لها: "إذا كنت بحاجة إلي، سأكون في الشارع على دراجتي النارية".
وفي 13 أكتوبر، قُتل عبد الله وأصيب ستة صحفيين آخرين في جنوب لبنان بالقرب من الحدود الإسرائيلية عندما ضرب قصف إسرائيلي المنطقة التي كانوا يغطون أخبارها، وفقًا لما ذكره زملاء وشاهد.
ووفقا للصحيفة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه سيحقق في الأمر، وإنه "آسف للغاية" لمقتل عبدالله، لكنه لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم.
وكان عبدالله معروفا بين زملائه بتغطية الأخبار بعناية وتعاطف وإنسانية حتى خلال تغطيته في البيئات الصعبة. وأثارت وفاته ضجة في موطنه لبنان، حيث طالب زملاؤه بمحاسبة المسؤولين عن مقتله.
وكتب عبدالله العام الماضي: "لقد تعلمت من خلال كل السنوات التي قضيتها في تغطية الصراعات والحروب مع رويترز في جميع أنحاء المنطقة أن الصورة ليست فقط الخطوط الأمامية والدخان، لكن القصص الإنسانية التي لا توصف والتي تمسنا جميعا في الداخل".
يانيف زوهركان مصور الفيديو الإسرائيلي، يانيف زوهر، لا يزال في بيته صباح هجوم حماس في السابع من أكتوبر، حين اقتحم المسلحون منزله في كيبوتس ناحال عوز، بالقرب من الحدود مع غزة، ما أسفر عن مقتل زوهر وزوجته وابنتيهما. وذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن نجل زوهر تم إنقاذه لأنه خرج للركض في ذلك الوقت.
وقبل مقتله ومع انطلاق صفارات الإنذار للتحذير من الصواريخ القادمة صباح هجوم السابع من أكتوبر، تلقى زوهر، رسالة نصية من رئيسه في صحيفة "إسرائيل هيوم"، عامي شومان، مفادها "صباح الخير.. أستعد".
وقبل وفاته، أرسل زوهر رسالة إلى شومان ليخبره أنه كان مختبئا في ملجأ منزله، وأبلغ عن أصوات إطلاق نار في الخارج. وكانت هذه آخر مرة سمع فيها شومان من زميله.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: البالغ من العمر واشنطن بوست إلى جانب فی ذلک فی غزة
إقرأ أيضاً:
رحلة التحقيق الصحفي في تكريت: بين المهمة الرسمية والتشابكات الأمنية والاجتماعية!!
بقلم : تيمور الشرهاني ..
في عام 2000 تحديداً ، كُلّفتُ مع مجموعة من الزملاء بمهمة صحفية رسمية إلى مدينة تكريت، محافظة صلاح الدين، لإجراء تحقيق شامل عن حياة الرئيس المخلوع آنذاك، صدام حسين. كان الهدف إعداد مادة صحفية تُنشر بمناسبة عيد ميلاده، تُسلط الضوء على نشأته وتفاصيل حياته.
عندما وصلنا إلى المحافظة، لاحظنا تمثالاً ضخماً لصدام حسين يزيّن إحدى الساحات العامة. قرر المصوّر المرافق لنا التقاط صورة للتمثال، كونها ستكون ضرورية للتحقيق الصحفي. وبينما كان المصوّر منهمكاً في عمله، فوجئنا برجل مرور يقترب منا غاضباً، مطالباً بالتوقف فوراً عن التصوير. قال لنا بلهجة صارمة:
“هنا لا يجوز التصوير في هذه الأماكن، عليكم مغادرة الموقع فوراً!”.
حاولت تهدئته وقلت له:
“أنت رجل مرور، وعملك يقتصر على تنظيم السير ومحاسبة المخالفات المرورية. لا علاقة لك بموضوع التصوير”.
لكن رده كان حاداً:
“أنا رجل مرور، نعم، لكن عليكم مرافقتي الآن”.
بعد لحظات، استدعى دورية أمنية، وأُخذنا إلى مديرية الأمن الخاص في المحافظة. هناك، استقبلنا مدير الجهاز الأمني، وهو شاب بدا متفهماً. سألنا عن سبب التقاط الصورة، فأجبناه بأننا في مهمة رسمية بموافقة الجهات العليا لجمع معلومات عن حياة الرئيس صدام حسين. حاولنا طمأنته بأن الصورة كانت جزءاً من التحقيق الصحفي فقط. بعد نقاش طويل، قال لنا:
“نحن نخشى أن تُستخدم هذه الصور ضدنا بطريقة ما. لكن طالما أنكم مكلفون رسمياً، فلكم الأمان. توكلوا على الله وانطلقوا”.
بعد انتهاء هذا الموقف، واصلنا مهمتنا حتى وصلنا إلى شيخ عشيرة صدام حسين. استقبلنا بحفاوة كبيرة وأبدى تعاوناً ملحوظاً. جلسنا معه لساعات نستمع إلى تفاصيل عن طفولة صدام حسين، حياته العائلية، والمسار الذي قاده إلى رئاسة الجمهورية.
لكن أثناء الحديث، لفت انتباهي شاب من الحاضرين، وهو ابن الشيخ. بدا منشغلاً بالتقرب من زميلتنا الفاتنة التي كانت معنا ضمن الفريق، وربما كان معجباً بها. حاولنا تجاهل الموقف، لكن لاحقاً اقترب مني الشاب وسألته:
“أين تعمل؟”.
أجابني طالباً في الكلية العسكرية، ومن هنا بدأنا نكوّن علاقة سطحية استمرت بعد انتهاء اللقاء الصحفي.
بعد فترة من انتهاء المهمة، كنتُ أمارس عملي كالمعتاد في دائرة الإعلام بمحافظة كربلاء. المقدسة قبل عقدين ونصف في أحد الأيام، فوجئت بزيارة سيدة مسنّة إلى داري وهي تبكي بحرقة. قالت لي إنها جاءتُ من محافظة النجف بحثاً عن مساعدة. أخبرتني بأن ابنها، الذي كان طالباً في الصف السادس الإعدادي، اختفى منذ أربعة أشهر، ولا تعلم أي شيء عن مصيره.
سألتها:
“من الذي وجهك إليّ؟”.
فقالت: “أحد أقربائك في النجف نصحني باللجوء إليك”.
شعرت أنني بحاجة إلى مساعدة شخص مطّلع على الأجهزة الأمنية ودهاليزها، ففكرت في ابن الشيخ الذي أصبح صديقاً لي بعد لقائنا في تكريت. عندما زارني لاحقاً إلى مقر عملي باستمرار، طلبت منه أن يبحث عن الشاب المفقود، زودته بالاسم الرباعي ومكان السكن.
بعد أسبوع، عاد إليّ ابن الشيخ وقال:
“أحتاجك أن تذهب معي إلى مكان معين”.
لم يخبرني الوجهة، لكنني وافقت. ركبنا سيارته الفارهة نوع BMW، وبعد مسافة طويلة، وجدنا أنفسنا أمام سجن أبو غريب. هناك، استُقبلنا بحفاوة من مدير السجن الإصلاحي الخاص، الذي أحضر الشاب المفقود برنه جرس.
كان الموقف صادماً. عندما جلسنا مع الشاب، سألناه عن سبب سجنه. قال:
“كنت في المدرسة الإعدادية، وبدون قصد مُزقت ورقة معلقة على لوحة الإعلانات. لم أكن أعلم أن الورقة تحمل في طياتها النشيد الوطني العراقي. شاهدني بعض الطلاب، وأبلغوا المدير الذي اقتادني إلى أمن المحافظة. ومن هناك، تعرضت للتحقيق والتعذيب حتى اُتهمت بالإساءة للرموز الوطنية، وانتهى بي المطاف هنا في السجن”.
كانت القصة مؤلمة للغاية بالنسبة لنا، خاصة عندما علمنا أنه قضى أربعة أشهر في زنزانة انفرادية بسبب خطأ بسيط وغير مقصود.
بعد خروجنا من السجن، سألني ابن الشيخ: أرآكَ منزعجاً “هل يعود لك هذا الشاب دون تردد؟” فأجبته: “نعم، يعود إلى والدتي.” فعلق قائلاً: “لو أخبرتني بذلك سابقاً، لأحضرناه معنا خارج أسوار السجن. تفاجئت من كلامه ” فقلت طالما لديك الإمكانية بأخراجه ما زلنا قريبين من السجن ابتسم ابتسامة عريضة ، وبعد أيام قليلة، أخبرني أن الشاب قد أُطلق سراحه. لم أصدق في البداية، لكنه شرح لي أن والده قد تقدم بطلب رسمي إلى الرئيس صدام حسين، يلتمس فيه العفو الخاص عن ابن أهالي الوسط فقد استجاب الرئيس للطلب، مدوناً هامشه عليه : “يُطلق سراحه فوراً.” وبالفعل، تم إطلاق سراح الشاب، وعاد إلى أسرته في النجف.
ظلت هذه القصة عالقة في ذهني لسنوات طويلة، حيث تعكس مدى تعقيد الحياة في ظل نظام قاسٍ، حيث يمكن لخطأ بسيط أن يُدمر حياة فرد، وفي المقابل، يمكن للعلاقات الشخصية والنفوذ أن تلعب دوراً حاسماً في تغيير المصير. هذه الحادثة تبرز أهمية العلاقات والصلات في مجتمعات تسيطر عليها الأنظمة الاستبدادية، حيث تكون العدالة أحياناً رهينة للواسطة والامتيازات.
لكنها أيضاً تثير تساؤلات عميقة حول مفهوم العدالة والمساواة. ففي حين أن هذا الشاب نجا بفضل تدخلنا ولله الحمد ،بالمقابل كم من الأشخاص الآخرين يظلون محرومين من حقوقهم بسبب عدم امتلاكهم نفس النفوذ أو العلاقات؟
هذه القصة تذكرنا بأهمية بناء أنظمة مؤسسية قائمة على مبادئ العدل والشفافية، حيث يتمتع الجميع بفرص متساوية، بغض النظر عن خلفياتهم أو صلاتهم الشخصية. العلاقات قد تكون أداة قوية في ظروف معينة، ولكنها لا يجب أن تكون العامل الحاسم في تحديد مصير الأفراد.