طوفان الأقصى.. بضع دقائق مازالت تربك العالم
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
شكَّلت عملية طوفان الأقصى، نقطة تحول جذري عميق، بشكل دوائر تصاعدية، تتسع آثارها وتداعياتها، كلما ابتعدت حلقاتها عن نقطة المركز، بوصفها مصدر إنتاج التغيير والتحول الجذري، في طبيعته التفاعلية الدينامية المستمرة، وصولا إلى تحقيق صياغة جديدة، في بنية المسار السياسي العالمي، والمواقف والرؤى والسياسات والتحالفات والاستقطابات العالمية، وبالتالي سقوط أنظمة وكيانات معينة، وصعود أنظمة وتحالفات أخرى بديلة، ما يعني حدوث تغييرات وتحولات جذرية كبيرة جدا، في خارطة التموضعات السياسية والعسكرية والاقتصادية العالمية.
وفي هذا السياق لابد من تقديم توصيف عام، لهذه العملية العظيمة الكبرى، والإلمام – ولو سريعا – بطبيعة مسارها سياسيا وعسكريا واستخباريا، وآليات تنفيذها ميدانيا، وطريقة نقلها إعلاميا، وأبرز تداعياتها وآثارها، على كافة المستويات والأصعدة.
فهي عملية نوعية تاريخية وغير مسبوقة، حيث استطاع مجاهدو فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، اختراق جدار الحماية الفاصل، بين أراضي قطاع غزة، والأراضي المحتلة المعروفة باسم غلاف غزة، رغم أنظمة الحماية والمراقبة والاستشعار، وغيرها من الأنظمة المتقدمة، وأبراج المراقبة، وطبيعة التموضع العسكري والاستخباري، التي تجعل من حصول ذلك الاختراق، أمرا بالغ الصعوبة، أو بالأصح مستحيلا، خاصة في ظل حرص الكيان الصهيوني المحتل، على سلب مجاهدي الفصائل الفلسطينية عامة، والمقاومة في غزة خاصة، من أي عوامل القوة، أو أدنى إمكانية احتمال امتلاكها، وهذا ما يفسر حجم الصدمة الكبيرة، التي شلت كل قدرات الرد الصهيوني، بشقيه العسكري ممثلا بجنوده وكتائبه النوعية، والاستيطاني ممثلا بجماعات المستوطنين المسلحين، بوصفهم المكون الأكبر، في قوات جيش الاحتياط الصهيوني، الذين أصيبوا هم أيضا بالرعب والهلع، والفرار الجماعي، والعجز عن إيقاف أبطال #طوفان- الأقصى أو التنبوء بذلك الهجوم الكاسح، إلا من بعض مواجهات، قصيرة الأمد، ويمكن القول إن هذه العملية، لم تربك كيان العدو الصهيوني المحتل، بكل فئاته ومكوناته، بل اربكت العالم بأكمله، سواء من حيث التحضيرات التي سبقتها، أو التفوق الاستخباراتي والعسكري والتكنولوجي، الذي صاحب تنفيذها، أو من حيث حجم مكاسبها الميدانية، في عدد القتلى والأسرى، والكفاءة العالية في التعاطي مع الأهداف النوعية، واقتحام عشرات المواقع العسكرية الاستراتيجية، وعشرات المستوطنات، ونوعية وكمية الأسلحة التي تم اغتنامها، وسرعة نقلها مع الأسرى، إلى مناطق آمنة في عمق قطاع غزة، والعودة بسرعة لمواصلة تحرير الأرض، واقتحام المواقع والمستوطنات، الواقعة في محيط غلاف غزة، بمسافة انتشارية تقدر بـ 40 كم، تشمل ما يقرب من 50 مستوطنة، وعشرات المواقع العسكرية الاستراتيجية الهامة، مثل مقر قيادة فرقة غزة، في معسكر ريعيم شمالي القطاع، وغيرها من المعسكرات والفرق والألوية، التي طالما تبجح بها قادة الكيان الصهيوني الغاصب، وتغنوا بتميزها وتفوقها النوعي تدريبا وتسليحا، جاعلين منها أسطورة خاصة، داخل أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لكنها سرعان ما سقطت، في غضون ست دقائق فقط، وتم أسر العشرات من كبار جنرالاتها وقاداتها – ناهيك عن المئات من جنودها – بتلك الصورة المهينة والمخزية، وقد شخصت أبصارهم، وخرست ألسنتهم، وخارت قواهم، وتملكهم الخوف الشديد والرعب القاتل، لهول الصدمة الكبيرة، والمفاجأة غير المتوقعة إطلاقا، حتى بلغ بهم الحال، الاعتقاد أنها القيامة، وقد ارتسمت على وجوههم صور الذلة والمسكنة والخزي والعار، وهم يجرون أذيال الهزيمة الساحقة النكراء، ترتفع أصواتهم وتنخفض – كجوقة من الحمقى – بالبكاء والعويل والنحيب والتحسر، على مرأى ومسمع من كل شعوب العالم، التي تابعت – باهتمام بالغ – من خلف الشاشات، كل تفاصيل تلك المشاهد الحية، المُفرج عنها من قبل الإعلام الحربي والعسكري، لمجاهدي الفصائل الفلسطينية الأبطال، ليرى العالم أجمع، كم هو هذا الكيان الصهيوني الغاصب، ضعيف وهش وزائف وعاجز وذليل، وأن نزعته الإجرامية، وممارساته الوحشية، ومجازره ومذابحه الإرهابية، التي بنى عليها تموضعه الاستيطاني الغاصب، لم تعد قادرة على ترويج أساطير قوته وتفوقه المزعوم، أو انتشال صورته الاستكبارية، من مستنقعات السقوط المهين والهزيمة المدوية، خاصة بعد هذه العملية المباركة، في (سبت) القيامة الأسود، الذي صنعه ثلة من أبطال فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، انطلاقا من الواجب الديني والإنساني، وقد تسلحوا بالإيمان بالله والثقة فيه والتوكل عليه، بالإضافة إلى بعض الأسلحة التقليدية البسيطة.
إن محاولة استقصاء محاور هذه العملية، تخطيطا وتنفيذا واستمرارية، أمر يستحيل القيام به، في مقام كهذا، كما أن إخضاعها لمعايير قياس الربح والخسارة، المتواضع عليها في العرف العسكري التقليدي، مجازفة تنم عن قصور في الوعي، نظرا لخصوصية العملية والمكان والزمان، وتفاوت القدرات والإمكانات، واختلاف الظروف الموضوعية الداخلية والمحيطة، ولاختلاف ومغايرة طبيعة هذه العملية عن غيرها، على كافة المستويات والأصعدة، علاوة على أن قدرتها على تثبيت معادلات القوة والسيطرة، مكنتها من الاستمرار في إنتاج مكاسب الانتصار العظيم، وامتلاك مقومات البقاء والاستمرارية الفاعلة، في تمريغ كيان العدو الصهيوني المحتل، في مستنقعات الهزيمة الدائمة، ورغم إمعانه في ارتكاب جرائم الإبادة والمجازر الجماعية الوحشية، بحق سكان قطاع غزة المدنيين الأبرياء، ومهما حظى بمساعدة ودعم أمريكا والغرب، إلا أن ذلك لن يعيد له هيبته المفقودة، ولا تسلطه وهيمنته الساقطة، ولن يزيده إلا سقوطا وزوالا متسارعا، مع عملائه المحليين والإقليميين، ورعاته وداعميه الإمبرياليين المستكبرين، لأن تلك سنة إلهية حتمية، استوفت شروطها ومعاييرها، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى
جعلت قدرته على المراوغة وقيادته لكتائب القسام من محمد الضيف رمزًا للكفاح المسلح الفلسطيني حتى طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣.
وعلى مدى العقود، تمكنت إسرائيل من اغتيال العشرات من قادة المقاومة الفلسطينيين، بمن فيهم العديد من قادة كتائب القسام مثل صلاح شحادة وعماد عقل ويحيى عياش، إلا أن الضيف نجا من محاولات الاغتيال وواصل القتال.
تحت قيادته، تحولت الجناح العسكري لحركة حماس من مجموعات صغيرة من المقاتلين ضعيفي التسليح إلى قوة شبه عسكرية. ورغم أن الضيف كان متمركزًا في غزة، إلا أن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية كانوا يهتفون باسمه في السنوات الأخيرة طلبًا للمساعدة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأصبحت هتافات عربية مقفاة بدأت في القدس المحتلة شائعة بشكل خاص خلال الحرب على غزة: "حُط السيف جنب السيف، إحنا رجال محمد الضيف".
يُعرف بلقب "الشبح" نظرًا لقدرته الفائقة على التواري عن الأنظار والنجاة من محاولات الاغتيال المتكررة التي استهدفته على مدار عقود. ورغم السرية التي تحيط بشخصيته، إلا أن تأثيره لا يمكن إنكاره.
وُلد محمد الضيف، واسمه الحقيقي محمد دياب إبراهيم المصري، في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة عام 1965 لعائلة فلسطينية هجّرت من قريتها الأصلية خلال نكبة 1948. نشأ في بيئة تعاني من الفقر والقمع الإسرائيلي، مما عزز لديه الوعي السياسي والميل إلى الكفاح المسلح.
درس الضيف العلوم في الجامعة الإسلامية في غزة، حيث بدأ نشاطه في صفوف الجماعة الإسلامية التي شكلت لاحقًا النواة الأولى لحركة حماس. في أواخر الثمانينيات، انضم إلى كتائب القسام، وأثبت قدراته العسكرية والتنظيمية، ليصعد سريعًا في صفوف المقاومة.
بعد اغتيال القائد صلاح شحادة عام 2002، تولى الضيف قيادة كتائب القسام، ومنذ ذلك الحين، شهدت الكتائب تطورًا نوعيًا في قدراتها العسكرية. كان له دور محوري في تطوير الأنفاق الهجومية، الصواريخ بعيدة المدى، والطائرات المسيرة، مما عزز قدرة المقاومة على مواجهة إسرائيل.
ورغم خسارته أفرادًا من عائلته في إحدى الغارات، بما في ذلك زوجته وابنه عام 2014، ظل الضيف متمسكًا بخياره العسكري، موقنًا بأن النصر لن يتحقق إلا عبر المقاومة.