الحقيقة والخديعة وجهان لعملة واحدة اسمها الإعلام، الذي كان وما يزال يلعب دورا خطيرا في حياة الأمم، يبني ويهدم، يرفع ويخفض، يسالم ويعادي، يجرح ويداوي، ويلعب على الحبلين، فالإعلام له دوره الإيجابي والسلبي في كل الظروف سلما وحربا، إلا أن الدور السلبي (الإجرامي) للإعلام قد تعاظم إلى درجة غير مسبوقة وازداد إلى حد هائل مع تعدد وسائله وكثرتها وتطورها وسهولة الوصول إليها والتعامل معها، بعيدا عن الرقابة الأخلاقية والمهنية التي كانت تكبح جماحه وتقيد حركته، وبصفتي إعلامياً وصحافياً أجد ان عملية مواجهة وصمود وثبات القيادة اليمنية والجيش اليمني والشعب اليمني أمام آلة الحرب والعدوان والحصار على اليمن الذي تقوده السعودية والإمارات بتحالف أمريكي وبريطاني وإسرائيلي منذ تسعة أعوام، والحرب هذه الأيام على قطاع غزة الفلسطينية أعطتني مساحة واسعة وكبيرة لفهم واستيعاب وادراك كيفية اكتساب الوعي والإدراك الحقيقي ضد التضليل والكذب الإعلامي الذي يفترض أن يكون لدى كل الناس.

.
إن الإعلام بجميع مجالاته المختلفة يؤثر على المجتمعات من خلال ما يقدمه من معلومات وأخبار ونقل أحداث، الأمر الذي يستدعي منه أن يكون صادقا في تقديم المعلومة الحقيقية للناس، وليس الكذب والتضليل على الناس وخداعهم، ومنبع الدور الإجرامي السلبي والقذر للإعلام تم خلقه وصناعته في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا ولد هذا الإعلام البشع من رحم الديمقراطية الأمريكية الزائفة، والتي استخدمته في العشرين سنة الأخيرة ابتداء بكذبة الحرب على العراق وكذبة ربيع سوريا وكذبة احتلال ليبيا مرورا بأكبر وأوسخ واقذر خداع وكذب إعلامي لتبرير الحرب والعدوان على اليمن، وصولا اليوم إلى الكذب والتضليل والخداع في الحرب والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة..
لاحظوا معي ها نحن جميعا نشاهد الآن وفي هذه اللحظات كل هذا الكم الهائل من مشاهد الدمار والخراب والقتل الذي تمارسه آلة الإجرام العسكري الصهيونية في قطاع غزه، ولا نرى شيئا موازيا له أو في المقابل وسيلة إعلامية تنشر اخبار عمليات قصف صواريخ المقاومة لإسرائيل، الهدف الإعلامي القذر والإجرامي هنا هو أن يبقى الناس في حالة إحباط ويأس، حتى يصل المشاهد لقناعة تامة في نفسه بأنه لا يمكن مواجهة ومقاومة الاحتلال الصهيوني، ويجعلوا المشاهد يستنتج ان لا طاقة لأحد في مقاومة العدو الإسرائيلي، وان على الكل مهادنته والاستسلام له لأنه الأقوى والأكثر فتكا، بينما الحقيقة هي أن العدو الإسرائيلي هو الأكثر إجراما وفشلا وهزيمة، وان كل مشاهد الدمار والخراب في غزة هي من أجل أن ينسى المشاهد والمتابع أن هناك مقاومة فلسطينية حرة وقوية ولديها صواريخ صنعتها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة واطلقتها من الداخل الفلسطيني، وان هناك رجالا وعقولا وسواعد لدى المقاومة أسقطت الجيش الذي لا يقهر وقتلت وأسرت وجرحت الآلاف من جنوده وضباطه، واثبتت للعالم ان القبة الصاروخية الصهيونية افشل نظام دفاعي على وجه الأرض، وان خلف كل هذا الإجرام والدمار والخراب الذي يقوم به كيان العدو الإسرائيلي مشهداً واحداً وصورة واحدة هما مشهد وصورة سقوط إسرائيل.
لذلك يا أصدقائي ان دعم المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة كله، له ألف سبب وسبب، وإن لم يكن سياسيا، وإن لم يكن بسبب أمنك الديني والوطني والقومي، فليكن لأسباب إنسانية في ظل الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني حتى من قبل وجود حركة حماس من الأصل، لأن ما يحدث الآن مرتبط بفعل أن المقاومة موجودة منذ عقود، ومعرفة ذلك ليست بحاجة لإيضاح، الكل بحاجة لقراءة بسيطة للتاريخ والأحداث والوقائع وستتضح لكم الصورة الحقيقية والمشهد الحقيقي، لذلك على من لديهم اليوم فكرة أن توقف المقاومة عن دورها سيؤدي في مواجهة وقتال العدو الصهيوني لتخفيف العبء عن الشعب الفلسطيني، نقول لهم انها فكرة غير صحيحة ويدحضها التاريخ والحاضر، انظروا للصورة والمشهد الذي يخفيه الإعلام الكاذب والتضليلي، وكفوا عن مطالبة الضحية بضبط النفس، بينما الحقيقة انها تسعى لنيل جزء بسيط من حقوقها، ولا تقولوا إن القوة غير متكافئة، فلم تكن قوة اليمن متكافئة مع أكبر ترسانة للمال والسلاح والإعلام في العالم، ولم تكن القوة متكافئة في حرب فيتنام التي مرغت أنف أمريكا في الوحل، الوعي اليوم هو أن المطالبة بالحق ضرورة، والتهرب منه خيانة لله وللذات والأرض والأمة والإنسانية، فإن لم تستطع أن تكون إنسانا وترى الصورة والمشهد الحقيقي في قطاع غزة، فعلى الأقل لا تعلن انك سطحي وساذج واهبل تتبع الكذب والتضليل والخداع الإعلامي ولا تفتخر بذلك باعتباره وعيا فائقا للنضال الآمن، الذي هو نضال (التطبيع) ..

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا

#عودة #الفلسطينيين إلى #شمال_غزة محاكاة ليوم #تحرير_فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا

كتب م. #علي_أبوصعيليك

سيبقى مشهد عودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى أراضيهم في شمال غزة يوم الإثنين الموافق السابع والعشرين من كانون الثاني عام 2025 خالدًا في الذاكرة الحية لجميع الأحرار في العالم في مشهد إعجازي لشعب تعرض لجحيم الإبادة الجماعية على مدار أكثر من خمسة عشر شهرًا على يد كل قوى الصهيونية العالمية وسط صمت عالمي مطبق مثير للاشمئزاز.

غطى الفلسطينيون ساحل غزة وشارع الرشيد في مشهد مهيب بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار وهم سعداء جدًا بعودتهم إلى أراضيهم على الرغم من تدمير بيوتهم تمامًا بواسطة جيش الاحتلال الصهيوني ومرتزقته الذين استخدموا القنابل التي زودتهم بها أكبر القوى الإمبريالية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، حتى وصل حجمها ما يزيد عن مئة ألف طن من القنابل بمتوسط 50 كيلوغراما لكل شخص في غزة، وهو رقم يفوق جميع الأرقام المسجلة في التاريخ البشري لجميع الحروب في أرقام توثق مدى وحشية الصهيونية العالمية التي ينتسب لها كبار الشخصيات المؤثرة في العالم على رأسهم أبرز قيادات الولايات المتحدة الأمريكية المسؤول الأول والمباشر عما جرى للشعب الفلسطيني من إبادة جماعية.

مقالات ذات صلة غزة هي الانسانية 2025/01/28

كان هناك تساؤل متكرر في وسائل الإعلام مصدرة الصهاينة أنفسهم ومنهم وزير الخارجية الأمريكي السابق الصهيوني بلينكن عن اليوم التالي بعد توقف الحرب حيث تم تسويق فكرة بتر حركة “حماس” على نطاق واسع حتى في بعض الإعلام العربي المتصهين، وبالتالي البحث عمّن يدير القطاع بعد ذلك وتم تداول العديد من السيناريوهات وصلت بأن يرفض المجرم نتن-ياهو أن يدير القطاع لا حماس ولا حتى “سلطة التنسيق الأمني” التي ارتمت تمامًا في الحض الصهيوني.

ولكن في غزة شعب يصنع المعجزات، التي بدأت من لحظة وقف إطلاق النار وانتشار الشرطة الفلسطينية في القطاع قدر الإمكان وهو المشهد الأول الذي شًكًّل مع أفراح الغزاويين الصدمة الأولى للصهاينة الذين انتظروا رؤية شعب مكسور مذلول ولكن هيهات!

جاء المشهد التالي في مراسم تبادل الأسرى حيث ظهرت قوات المقاومة الفلسطينية في أبهى صورة عسكرية أذهلت حتى أقرب المقربين للمقاومة وأرعبت كل الصهاينة وأعوانهم حتى وصل بالإعلام الصهيوني أن يتساءل عن التضليل الإعلامي الذي تم ممارسته عن حقيقة الانتصارات خلال الحرب، وبلغ المشهد ذروته في ثاني عملية تبادل أسرى في ميدان فلسطين وسط غزة الذي أخرجته المقاومة الفلسطينية بطريقة جسدت حقيقة المنتصر في الحرب بين المقاومة والاحتلال، حيث جسد المقاوم الفلسطيني انتصاراته على الصهيونية العالمية بكل وضوح أمام كل وسائل الإعلام من خلال الأخلاق أولًا وهي الرسالة الأساسية التي أوصى بها سيد الخلق محمد ﷺ.

وجاء المشهد الأكثر إعجازية بعودة مئات آلاف الفلسطينيين الذين تم إجبارهم على النزوح جنوبًا خلال حرب الإبادة، حيث عادوا دفعة واحدة وغطوا شارع الرشيد على ساحل غزة وسط معنويات عالية على الرغم من شدة المصاب الذي ألم بهم وهنا نتحدث عن الانتصار الأكبر وهو الذي تحقق في معركة الوعي بحيث قالها الفلسطيني بكل وضوح: لا نكبة بعد اليوم.

بعد هذه المشاهد نعرج على ما قاله المتعجرف الأمريكي ترامب بأنه يريد نقل أهالي قطاع غزة تارَة إلى أندونيسيا وتارة أخرى إلى الأردن ومصر وكأنه الإله المخلص الذي يمتلك التحكم بكل شيء وعلى الجميع أن يقدم له السمع والطاعة ليس في فلسطين فحسب بل في جميع أنحاء الكون، ولكن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم من أجل التحرير منذ ما يزيد عن ست وسبعين عامًا وقد واجه خلاها من هم أشد إجرامًا من ترامب والنتن وصبر في مواجهة حرب إبادة جماعية لن يقف عاجزًا عن مواجهة كل مخططات التطرف الصهيوني حتى لو تخلى عنه أشقاؤه.

لم تشهد فلسطين منذ النكبة عام 1948 يومًا مشهودًا كما شهده قطاع غزة يوم السابع والعشرين من كانون الأول 2025 وهو المشهد الأسطوري الذي نراه يحاكي يوم التحرير المنتظر لكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة من النهر إلى البحر، وليس وفق المفهوم المبتذل الرخيص لحل الدولتين المزعوم والذي يتناقض مع الموروث العربي والديني الذي لا يتسامح مع القتل العمد، فلا يمتلك أي تنظيم سياسي أو دولة مهما علا شانها أن تقرر نيابة عن الشعب الفلسطيني الذي روت دماء خيرة أبنائها وبناتها الأرض المقدسة من أجل التحرير الكامل ولا حسب.

كاتب أردني
aliabusaleek@gmail.com

مقالات مشابهة

  • محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى
  • أحمد شلبي: الهجوم الإعلامي الإسرائيلي لن يؤثر على موقف مصر الثابت في دعم فلسطين
  • الكشكي: محاولات التشويه الإعلامي لن تزعزع موقف الرئيس السيسي تجاه فلسطين
  • العدو الصهيوني يؤخر تسليم دفعة الأسرى الفلسطينيين
  • ضابط كبير يكشف التحدي الحقيقي الذي يواجه الجيش الإسرائيلي
  • المكتب الإعلامي الحكومي يطالب بتسريع تطبيق البروتوكول الإنساني في غزة
  • وزارة الإعلام ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون تنعيان الإعلامي جمال الرميم
  • ترامب يعيد تنظيم الوصول الإعلامي للبيت الأبيض
  • الخارجية الفلسطينية جرائم الهدم في الضفة نسخة متدحرجة من صورة الدمار الذي ارتكبه العدو في قطاع غزة
  • عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا